عربي21:
2024-09-14@21:24:10 GMT

معركة الهوية وطبيعة الصراع بين التاريخ والجغرافيا

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

في وقت تتصاعد فيه المطالبات بإثراء العملية التعليمية من خلال دمج التكنولوجيا وتطوير المناهج لتواكب العصر، تعلو بعض الأصوات، بقصد أو بدون قصد، محاوِلة هدم القيم التعليمية ومطالِبة بإلغاء المواد الأساسية التي تشكل هوية المجتمع ووعيه. تلك الدعوات لا تكتفي بالحديث عن تطوير التعليم، بل تسعى لاقتلاع جذور الهوية وطمس معالم الوعي لدى الأجيال الجديدة.



هذه الأصوات تطالب بإلغاء العلوم الإنسانية والمواد الأدبية والفلسفية، متسائلة عن جدوى التاريخ والجغرافيا في المناهج الدراسية. لهؤلاء نقول: الأدب هو مرآة تعكس الروح الإنسانية بكل أحلامها وتناقضاتها، وهو النافذة التي نطل منها على عوالم الفكر والخيال. كيف يمكننا أن نفكر في حذف الأدب من مناهجنا، وهو الذي يعلمنا كيف نكتب تاريخنا بأيدينا ونرسم مستقبلنا برؤى مستنيرة؟

أما التاريخ، فهو ذاكرة البشرية وسجل الأمم، من خلاله نتعلم من أخطائنا ونستلهم من نجاحاتنا. حذف التاريخ من المناهج هو كالسير في الظلام دون خريطة أو بوصلة، متجاهلا دروس الماضي التي تسهم في توجيه قرارات الحاضر ومسارات المستقبل.

الجغرافيا، ذلك العلم الذي يتجاوز حدود الأماكن، يربط الإنسان بالطبيعة والمجتمع. فهم الجغرافيا يمكننا من استيعاب التحديات البيئية والاقتصادية التي يواجهها عالمنا اليومK فكيف لمجتمع يجهل تضاريس أرضه أن يبني جسور التواصل مع العالم؟

الأدب، التاريخ، والجغرافيا ليست مجرد مواد دراسية، بل هي أسس تربوية تشكل وعي الفرد وهويته. التعليم الحقيقي يبني الإنسان بشكل متكامل، يجعله فردا واعيا بماضيه، متفهما لحاضره، وقادرا على بناء مستقبل أفضل.

كيف يمكننا أن نتجرأ على إقصاء التاريخ، وهو الذي يعيد صياغة حاضرنا في ضوء الماضي ليمنحنا رؤية أوضح للمستقبل؟ وكيف نهمش الجغرافيا، وهي التي تربط الإنسان بالأرض وتفتح له آفاقا من الفهم العميق للعالم من حوله؟

عند إلغاء التاريخ، كيف ستعرف الأجيال الجديدة عن ثورة يناير التي أطاحت بحكم مبارك بعد ثلاثين عاما؟ من سيذكر الشعوب بثورات الربيع العربي التي أسقطت رؤساء كانوا يظنون أن نهايتهم بعيدة؟

عندما يطالبون بإلغاء التاريخ والجغرافيا، فمن سيرسم للناس حدود الأماكن، ومن سيذكرهم بأن مصر استردت سيناء وطابا بعد جولات من المفاوضات، ومن سيؤكد على مصرية تيران وصنافير رغم التلاعب السياسي؟

إلغاء التاريخ والجغرافيا يعني نسيان سير الأقوام السابقة ونهايات الظالمين، وإغفال حتمية سيادة العدل وزوال الظلم مهما طال الزمن.

تأتي هذه الدعوات في وقت نحن بأمسّ الحاجة فيه لتلك العلوم، فهي جزء أصيل من طبيعة الصراع. حرب الصهاينة ضد فلسطين هي حرب عقدية تنطلق من الجغرافيا والتاريخ.

وعند إلغاء هذه العلوم، من سيذكّر الناس بصمود شعب فلسطين أمام الآلة الصهيونية ورفضهم بيع أراضيهم وترك ديارهم؟ من سيحكي قصص تضحياتهم من أجل قضيتهم؟

في الختام، علموا أولادكم أن الأدب، والتاريخ، والجغرافيا ليست مجرد صفحات في كتاب، بل هي فصول من حياة ونوافذ على عوالم مليئة بالتجارب والدروس. الحفاظ على هذه المواد هو الحفاظ على ذواتنا وعلى مستقبل أبنائنا، فمن ليس له ماضٍ، لن يكون له حاضر، ولن يُصنع له مستقبل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التعليمية الهوية التاريخ الجغرافيا مصر مصر التاريخ التعليم الهوية الجغرافيا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التاریخ والجغرافیا

إقرأ أيضاً:

معركة القرن.. تايلور سويفت وإيلون ماسك

من عجائب الانتخابات الأميركية والسباق نحو رئاسة البيت الأبيض، دور المشاهير في توجيه التصويت، لهذا المرشّح أو ذاك.

تايلور سويفت أشهر فنانة غناء واستعراض أميركية بل عالمية اليوم، تُدلي من جديد بدلوها، وتعلن تأييدها لمرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، مدشّنة بذلك تجنيد معسكر «السويفتيين» الموالين لنجمتهم، حسب تعبير رنا أبتر في تقريرها عن هذه الحكاية في هذه الجريدة.
حصد تصريح تايلور سويفت المساند لكامالا على «إنستغرام» بعد المناظرة الأولى أكثر من 2.3 مليون إعجاب في غضون نصف ساعة من نشره. قالت فيه: «أعتقد أنها (هاريس) زعيمة ثابتة وموهوبة، ويمكننا أن نُحقّق كثيراً في هذه البلاد إذا كانت قيادتنا هادئة، وليست فوضوية»، في إشارة إلى ترمب.
أشكك كثيراً في مدى تعمّق الاستعراضية الشابّة، في شؤون السياسة وخلفيات البرامج الاجتماعية والاقتصادية، لكل حزب، وشجون اليسار واليمين وشؤونهم، لكن هي تردّد «الشعارات» المعادية للحزب الجمهوري، ولدونالد ترمب بخاصة، والأمر نفسه ينطبق ربما على بعض مناصري ترمب من المشاهير، من عيّنة تايلور، على قلّتهم!
الشيف الشهير جوزي أندريس -كما ذكرت رنا أبتر- ظهر في حدث انتخابي لجمع التبرعات، بعنوان «الطبخ لكامالا». وهذا شعار كاشف، فالمسألة كلها طبخ ومطبخ وطبّاخ... وفي النهاية بشر يلتهمون هذا الطعام المطبوخ، سلفاً.
دور تايلور سويفت، هو دور النادل الذي يقدّم الطعام، المُعدّ مسبقاً، لا شأن له بمكوناته وقيمته الغذائية.
غالباً كان مشاهير الفنّ والميديا في صف الديمقراطيين بأميركا، بخاصة في العقود الأخيرة، لكن طرأ تحوّل ضخم، هو دخول واحد من عمالقة المشاهير، ديناصور شهرة ومال، وهو إيلون ماسك لصالح دونالد ترمب!
في منشور سويفت الذي أعلنت فيه دعمها لهاريس، علّق ماسك ساخراً من تايلور، وكان فيما قاله: «لقد أصبحت هذه الانتخابات انتخابات بين إيلون وتايلور سويفت»!
السؤال، بصرف النظر فيمن يؤثر أكثر في الناخبين الأميركيين، المرأة تايلور، أم الرجل ماسك، يقودنا هذا المشهد الأميركي المثير إلى مجالنا العربي:
هل لدينا -والمسألة نسبية طبعاً- مشاهير يملكون القدرة على التأثير في الناس، تأثيراً يشبه تأثير الشيخ الصوفي في دراويشه؟ شخصية قدوة، أو «رول موديل» للتوجهات والاتجاهات؟ بخاصة لدى جمهور المراهقين والمراهقات؟
إذا كان الأمر كذلك، فهل هم -أعني هؤلاء المشاهير- مثل بلاد الخواجات، لهم انشغالٌ بالجدل السياسي والفكري؟
هناك بعض الفنانين والرياضيين، أصحاب ألوان سياسية، بخاصة في سوريا ومصر مثلاً، لكن هل لدينا «حيتان» شهرة في «السوشيال ميديا»، يملكون الملايين من الدراويش، مثل السويفتيين والماسكيين؟!

مقالات مشابهة

  • المدائح النبوية في حب رسول الله
  • المترجم محمد الفولي: المترجمون السابقون عملوا في ظروف أصعب
  • وزير العمل يعلن توفير وظائف لخريجي قسم الجغرافيا على مهنة "مساح عام"
  • في مولده الشريف.. تعلم الأدب مع رسول الله في 3 نقاط
  • أحاديث عن التاريخ وزوابعه!
  • كيف علمنا الله الأدب مع رسوله؟
  • شاهد بالفيديو.. عريس سوداني “يغرق” داخل أموال طائلة من “النقطة” التي رماها عليه أصدقائه “الجلابة” في ليلة زفافه والجمهور يصنفها بأنها أعلى “نقطة” حديث في التاريخ (مليارات وقروش زي الرز)
  • إباء محيو موهبة شابة من السويداء تجمع بين الأدب والغناء
  • وزير العمل: توفير فرص عمل لخريجي قسم الجغرافيا بكليات الآداب
  • معركة القرن.. تايلور سويفت وإيلون ماسك