هل ينجح اعتصام الكرامة في فرز قيادة الثورة بسوريا؟
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
حلب- عقدت اللجان المنبثقة عما يعرف بـ"اعتصام الكرامة" في مناطق المعارضة التي تسيطر عليها فصائل مقربة من تركيا شمال سوريا مؤتمرها لوضع آلية لانتخاب هيئة قيادة عليا للثورة السورية وفق جدول زمني محدد، بحسب ما أفاد منظمون للجزيرة نت.
وفي الأول من يوليو/تموز الماضي أطلق عدد من الأكاديميين والنشطاء والمدنيين "اعتصام الكرامة" أو ما عرفت بـ"انتفاضة تموز" ردا على سقوط 7 قتلى وما يقارب الـ50 جريحا في اعتصام مفتوح بكل من مدن عفرين وإعزاز ومارع، في إطار احتجاجات شهدتها المنطقة على التطبيع مع النظام السوري وفتح المعابر مع مناطقه.
وطالب المشاركون في "اعتصام الكرامة" بفتح تحقيق قضائي لمحاسبة الفاعلين، وتعويض ذوي القتلى، ورفض خطوات التطبيع مع النظام، ومنع فتح المعابر، ومطالبة الجانب التركي الذي تم وصفه بالحليف بألا يتدخل في إدارة المنطقة، وإلغاء الائتلاف وكافة الهيئات المنبثقة عنه، وتشكيل هيئة عليا لقيادة الثورة تنبثق عنها مجالس تناسب متطلبات الثورة.
جانب من مظاهرة في مدينة إعزاز دعما لاعتصام الكرامة (الجزيرة) انتخاب هيئة علياوخلال اعتصام الكرامة أعلن المعتصمون تشكيل 3 لجان، الأولى تتولى إدارة الاعتصام وانتخب فيها رشيد زعموط منسقا عاما للاعتصام، ومحمد دحلا ناطقا رسميا باسم الاعتصام.
أما اللجنة الثانية فهي لجنة من المحامين للنيابة عن المصابين وذوي الشهداء والجرحى لمتابعة تحصيل حقوقهم، والثالثة كانت لجنة تحضيرية لوضع تصور خلال 3 أشهر لانتخاب هيئة قيادة عليا للثورة.
وبعد مرور أكثر من شهر على اعتصام الكرامة وتشكيل اللجان الخاصة به عقدت اللجنة الثالثة المؤتمر الأول الذي حضرته بقية اللجان وشخصيات أخرى تحت عنوان "آلية انتخاب هيئة عليا لقيادة الثورة"، لوضع آلية للانتخاب الذي سيُجرى بعد 60 يوما ضمن جدول انتخابي تشرف عليه لجنة الانتخابات.
بدوره، كشف المنسق العام لاعتصام الكرامة رشيد زعموط للجزيرة نت أنه بعد انطلاق الاعتصام وتشكيل اللجان تم تشكيل التجمع الانتخابي المؤلف من 2200 شخص، وهو الذي سينتخب الهيئة العليا لقيادة الثورة تحت إدارة لجنة انتخابية ولجنة طعون تنظر في المخالفات.
وأضاف زعموط "نسعى إلى تمثيل سياسي حقيقي للثورة بعد أن ثبت فشل الائتلاف، وهذا ضروري وينبثق عن إرادة الشعب وليس بتعيين من الدول"، لأن الائتلاف -حسب قوله- قام بعدد من الإصلاحات "لكنها وهمية ويشرعن ما يريده الخارج ولا يهتم بإرادة السوريين".
وأشار إلى أن الحكومة المؤقتة لا تملك أي سلطة على أي مؤسسة مدنية تابعة لها رغم أن تركيا هي من تدعمها، وفي الوقت نفسه تركيا هي من تملك القرار الفصل في كافة المؤسسات، مثل القضاء والمجالس المحلية والتعليم والصحة.
وتساءل زعموط "لماذا تباعد تركيا بين الحكومة المؤقتة وبين الشعب وتطلب منا الاعتراف بها وهي لا تعترف بها؟ وبهذا الشكل تكون هذه الحكومة طعنة في خاصرة الثورة".
أما عن الاعتراف الدولي بالائتلاف فتساءل زعموط "أين الاعتراف؟ إنما الاعتراف فقط باللجنة الدستورية، وهي ثلث للنظام وثلث لمنظمات المجتمع المدني وثلث للمعارضة التي يشكل الائتلاف جزءا منها".
وأضاف أن ما يقومون به هو شأن داخلي وإرادة شعبية لرفض مسارات التمثيل الوهمي الحالي، والكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي عندما يرى ممثلين منتخبين للشعب عليه أن يبادر، وهذا مقتضى القانون الدولي وحقوق الإنسان.
مطالب واقعية
من جهته، يقول الباحث في مركز جسور بسام سليمان إن اعتصام الكرامة أمامه تحديات وصعوبات كبيرة، خاصة بعد إعادة تركيا المنسقين إلى منطقة شمال حلب من جديد بعد سحبهم سابقا جراء الاشتباكات التي حدثت مع النقاط والمؤسسات التي تديرها تركيا.
وأضاف سليمان للجزيرة نت أن الحراك يملك كوادر فعالة، لكن لديه سقف مطالب عالٍ جدا وغير واقعية، فهو يريد إنهاء المنسقين الأتراك والحكومة المؤقتة والائتلاف لكنه لا يملك الأدوات لذلك، ولا يملك حتى القدرة على إيجاد بديل عنها، ولن يُسمح له بتحقيق هذه المطالب.
وأشار إلى أن أفضل ما يفعله "اعتصام الكرامة" هو أن تكون مطالبه واقعية، مثل الحد من عمل المنسقين لصالح الحكومة المؤقتة والقيام بالإصلاحات والتوازن في عمل المنسقين حتى لا يكون هو المتحكم بكل شيء، ورأى أنه من غير ذلك لن يستطيع الاعتصام تحقيق أهدافه المعلنة.
بدوره، قال الناطق الرسمي باسم اعتصام الكرامة محمد دحلا للجزيرة نت إن القرار الشعبي بإلغاء الائتلاف هو للتنصل من أي التزامات تُفرض عليه من قبل الدول المتحكمة بما يخالف ثوابت الثورة، إذ لم تعد هناك أدنى ثقة بتلك المؤسسات التي فشلت على كل المستويات السياسية والخدمية والعسكرية ولم تفلح حتى بإطلاق سراح معتقل واحد.
ساحة فيوتشر بمدينة إعزاز والتي احتضنت اعتصام الكرامة (الجزيرة) واقع أم خيال؟بعد 13 سنة من انطلاق الثورة السورية وفي دعوات سابقة عدة لتشكيل مجلس لقيادة للثورة باءت بالفشل كلها وضع "اعتصام الكرامة" من جديد هدفا أمامه وهو تشكيل هيئة عليا لقيادة الثورة، لكن ذلك يتعرض لعدد من الموانع التي تعيق الوصول إلى هذه الخطوة، وهي داخلية وخارجية، بحسب دحلا.
ويقول دحلا إن العوائق الداخلية تتمثل في وجود الحكومة "المؤقتة" والتي تتبع للائتلاف الوطني وتحصل على الدعم الدولي، بالإضافة إلى وجود تركيا التي تدير منطقة ريف حلب الشمالي من خلال شخصية "الوالي" وعدم الالتفاف الشعبي الكبير حول الاعتصام.
أما العوائق الخارجية فتتمثل بداية بتركيا التي تعتبر المنطقة من أمنها القومي بعد طرد قوات "قسد" و"داعش" منها، كما أن الدول التي تعنى بالشأن السوري ترى أن الممثل عن المعارضة هو الائتلاف السوري.
ومن هنا، يقول الناطق باسم اعتصام الكرامة إن انتخاب الهيئة العليا لقيادة الثورة دون مراعاة البعد الإقليمي وعدم امتلاكهم قوى عسكرية أو أمنية يرى البعض أنه من المحال أن يتحقق.
بالمقابل، يرى ممثلوها أنهم أمام استحقاق شعبي يستطيعون من خلاله استعادة قرار الثورة السورية ووضعها بيد أبنائها للدفاع عنهم في ظل الحديث عن إعادة العلاقات مع النظام السوري، خاصة من قبل تركيا الراعية الأولى لمناطق المعارضة.
وتعد منطقة ريف حلب الشمالي وأجزاء من الريف الغربي والشرقي إحدى 3 مناطق تخضع لجهات مناوئة للنظام السوري، إذ تخضع المنطقة لسيطرة فصائل محسوبة على تركيا وتديرها الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري الكتلة الرئيسية للمعارضة والوحيدة التي تحظى بنوع من الاعتراف الدولي وتحتفظ بقنوات تواصل رسمية مع العديد من الدول.
من جهة أخرى، تخضع منطقة إدلب لهيئة تحرير الشام، وتديرها حكومة الإنقاذ السورية التابعة لها، وتتمتع إدارة الشؤون السياسية في هذه المنطقة -والتي تتبع للهيئة- باتصالات خاصة وفردية مع بعض الدول بشكل غير معلن.
أما منطقة شرق سوريا فهي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي يدير شؤونها السياسية مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) الذي يتحكم به حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو فرع لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة المؤقتة للجزیرة نت هیئة علیا
إقرأ أيضاً:
مستشارة شيخ الأزهر: شهداء غزة أضاءوا بدمائهم دروب الكرامة وخلدوا معاني الصمود والإباء
ألقت الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشارة شيخ الأزهر لشئون الوافدين، رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، كلمة اليوم الثلاثاء في الحفل الثاني لتخريج طلاب الأزهر الوافدين، باسم «شهداء غزة 2»، نقلت خلالها تهنئة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، لأبنائه الخريجين ودعائه لهم بالتوفيق والسداد في حياتهم العملية، وقول فضيلته: «أدعوكم ابنائي أن تكونوا دائمًا على العهد خيرَ سفراء للأزهر الشريف: تحملون رسالتَه إلى شعوبكم، وتعملون على إظهار حقيقة الإسلام وأثرِه في تقدُّم البشر، وإسهامِه في الحضارة، وكفالةِ الأمنِ والطمأنينة وراحةِ النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة».
الدكتور سلامة داود يترأس اجتماع لجنة الترجمة بجامعة الأزهر حفظ النسل.. الجامع الأزهر يعقد الملتقى الفقهي الطبي الأولوأشارت الدكتورة نهلة الصعيدي خلال كلمتها في الاحتفالية التي أقيمت بمركز الأزهر للمؤتمرات إلى أن ما نشهده اليوم يمثل مشهدًا من مَشاهد الخلود والمجد، مشهدًا تختلط فيها مشاعرُ الفخرِ بثمرة الإنجاز، ومشاعرُ الأسى والحُزْنِ لأرواحٍ أُزهقتْ – ولا تزال تُزهَقُ – في ساحات غَزَّةَ العِزَّة، لشُهداءَ أضاءوا بدمائهم دُروبَ الكرامة، وخلَّدوا في وجداننا معانِيَ الصمودِ والإباء.
وأضافت أننا اليوم إذ نَحتفي بتخريج كوكبةٍ من أبناء الأمة الإسلامية مِن طلابنا الوافدين الذين جاءوا من أصقاع الأرض طلبًا للعلم، فحملوا في أعماقهم رسالة العطاء والخلود، نَشْرُف بأن تتزيَّن دُفعتُهم «شهداء غزة»، أولئك الذين جسَّدوا لنا بأرواحهم أبهى معاني الفداء، وأثبتوا أن التضحية لا تُحدُّ بحدود الحياة، بل تبقى خالدةً نبراسًا للأجيال، مشتعلةً بنور الحق في وجه الظلم والطغيان.
وأكدت مستشارة شيخ الأزهر أن مركز تطويرِ تعليمِ الطلابِ الوافدين والأجانب عازمٌ على الاستمرار في متابعة مشروعه الحضاريِّ الذي بدأه في ميدانِ تحقيقِ رسالةٍ عظيمة، استمدت عظمتَها مِن عظمة منطلقاتها، المتمثلة في: رسالةِ الإسلام الحضارية، رسالةِ مصر التاريخية، رسالةِ الأزهر العالمية؛ فها هو ذا اليومَ، للعام الثاني على التوالي، يحتفي – في هذا الحفل المهيب - بتخريج أبنائه الوافدين من كل بقاع الأرض.
وأكدت مستشارة شيخ الأزهر أن كل دُفعةٍ من الخريجين هي إحياءٌ لعالميةِ الإسلام، تلك العالَميةُ التي أسَّسها القرآنُ المجيدُ، الذي أكد وَحدةَ الإنسانية، ووَحدةَ الأرض؛ مَسكنًا وموطنًا لبني آدم، وأكد جُملةً من المقاصد الشرعية العليا، وجُملةً مِن القِيم الإنسانيةِ العليا، قِيَمِ العدل والمساواة والحرية. وأن هذا الحفل جاء ليَجمعَ الخريجين والخريجات تحت رايةٍ واحدةٍ، وشعارٍ واحد، وهدفٍ واحد؛ ليُعيدَ للأمة وَحدتَها بعقولٍ واعية، وأَنْفُسٍ طاهرة، وقلوبٍ زاكية، بعد أن عَملت العصبياتُ الضيقةُ الطائشةُ عملَها في تفتيت هذه الأمةِ وتمزيق شملِها وتقسيمها.
واستشهدت خلال كلمتها بما قاله الأديب المصري الدكتور زكي مبارك: «سيأتي يومٌ يَعرف فيه المسلمون أن حضارتَهم العظيمةَ لم تُقوِّضْها غيرُ الأقلامِ الباغية، أقلامُ الكُتاب والمؤلفين الذين غفلوا عن أخطار الغيبة الاجتماعية، فحَبَّرُوا الفصولَ الطِّوالَ في المفاضلات بين الأمم الإسلامية، حتى شَطَروها إلى عناصرَ يَبغي بعضُها على بعض بلا تورعٍ ولا استحياء». إلى أن قال: «ولن تَزولَ آثارُ هذه الغيبةِ القلميةِ إلا يومَ يَمُنُّ الله على المسلمين بكُتَّابٍ حُكماءَ يعرفون كيف يقتلعون جذورَ هذه الفتن من الأفئدة والقلوب، ولكن متى يأتي ذلك اليومُ؟».
وبيَّنت أن الأزهرَ الشريفَ؛ ذلكم الصرحُ الشامخُ الذي ظلَّ عبرَ ألفِ عامٍ منارةً للعلم، وإشعاعًا للفكر، ومَبعثًا للحضارة المادية والروحية، ومَهبِطًا للمبادئ العظيمة، لم يكن في يومٍ من الأيام مُؤسّسةً علميةً فحسب، بل هو في جوهره كيانٌ وجدانيٌ متجذِّرٌ في ضمائرنا وأرواحنا، مدرسةٌ تُعلِّمُ العلمَ وتنشرُ النورَ وتبني الإنسان، وكان علماؤه رجالَ فكرٍ وقادةَ ثورةٍ وزعماءَ إصلاح، استطاعوا أن يحملوا أمانةَ الرسالة، وأن يكونوا ورثةَ الأنبياء، وكما كان الأزهرُ عبر العصور منارةً سامقةً تُطاول السماء، فهو اليومَ أشدُّ عزمًا على أن يظلَّ في مقدمةِ المؤسسات التي تُنادي بالعقلانية والحوار، وتدعو إلى الاعتدالِ والمودة، وتنبذُ التعصُّب والجمود، وسيظل يَسْلَخُ مِن عمرِه المديدِ - إن شاء الله – ألفَ سنة أخرى في خدمة الدين والعربية، ماضيًا في حفظ التراث الإسلامي ودراسته ونشره، وحمل رسالة الإسلام إلى ربوع العالمين، باقيًا مفخرةً لمصرنا الخالدة وعنوانًا حيًّا على أصالتها في إسلامِها وعروبتِها، وعلى جهادِها الدائبِ في الذَّود عن حياضِ الإسلامِ وأمجاد العروبة.
ووجهت مستشارة شيخ الأزهر رسالة إلى الطلاب الخريجين قالت فيها إننا نحتفلُ بكم وقد حَصَّلتم كلَّ ما يُمكن تحصيلُه من علوم الدِّين والدنيا، وتهيَّأتُم بكل ما يُمكن من أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج في كل المجالات؛ ليُعتمدَ عليكم في دقائقِ ما تحتاج إليه الأمةُ الإسلاميةُ، ولا سيما في هذه المرحلة من حياتها، بما يَموج فيها من أفكارٍ مضللة، ونَزَعَاتٍ شريرة، وصراعاتٍ مُحتدِمة، توشك أن تحيط بناشئتنا وكثيرٍ من مثقفينا بعد أن نقلتها إلينا وسائلُ الحضارةِ الحديثة، وصُورُ المتغيراتِ العالمية في المعاملات وفي العادات والاتصالات؛ فإن أربابَ هذه الأفكارِ الضارةِ بمجتمعِنا ودينِنا يَستخدمون ظواهرَ نصوصِ القرآن الكريم والحديثِ النبويِّ، يُحرفون الكَلِمَ عن مواضعه؛ ترويجًا لأفكارهم، وإنَّ التصدِّيَ لهؤلاء ورَدَّهم إلى الصواب يحتاج إلى متعمقين في دراسة الشريعة، ومتمكنين في أصول الدين، وأَثباتٍ في علوم العربية وفقه دلالاتها، يُرْجَعُ إليهم في معرفة الحقائق وكشف المبهمات ورد الفروع إلى الأصول وتبيين الأشباه والنظائر في شريعة رب العالمين.
وتابعت: ها أنتمُ اليومَ أُولاءِ على عَتباتِ مرحلةٍ جديدة، بعد أن خُضتم بِحارَ العلم بأشرعةِ الإرادة وقوَّة العزيمة، متحملين غربةَ الأهلِ والوطن، مثابرين بلا كللٍ ولا ملل، تحملون بين جنباتكم فكرَ الأزهر الوسطي، وروحَه المتسامحة، وعزمَه الذي لا يلين، تنبثق منكم روحُ الإخلاص، وتُروى قلوبُكم بقيم الرحمة والتسامح والاعتدال، لتكونوا رُسلَ المعرفة، وحَملَةَ مشاعلِ المستقبل للأمة، وحراسَ الأمل في دروب الحياة الرَّحبة.
وأعربت عن ثقتها بهؤلاء الطلاب وأنهم أملُ هذه الأمة، وأبناؤها الذين تنتظرهم، وقد أتممتم رحلتَكم العلميةَ تحت ظلال الأزهر، تلك الرحلةُ التي لم تكن يومًا ما سهلةَ المَنال، بل كانت مليئةً بالتحديات التي خُضتموها بنجاح وعزم، واليوم نُودِّعكم بقلوبٍ فخورةٍ بكم، قلوبٍ تُدرك أنكم قد نِلتُمُ العلمَ في أشرفِ منابعه، وشرَّفتم الأزهرَ كما شرَّفكم. مضيفة: إن الأزهرَ ليس مكانًا تُغادرونه، بل هو أصلٌ في ضمائركم، يَنبِضُ مع نَبَضات قلوبكم، وسنظل نتابعُ خُطواتِكم بعينِ المَحبَّة والاهتمام، وكلنا يقينٌ بأنكم ستحملون راية الأزهر أينما حللتم، وستنشرون رسالته السامية حيثما كنتم.
وقدمت مستشارة شيخ الأزهر نصائحها للخريجين قائلة: أيها الشباب، اعلموا أن الطريقَ أمامَكم ليس سهلًا، وأن تَخرُّجَكم في الأزهر الشريف يَضعُكم أمام مسؤوليات جِسام؛ فالعالمُ اليومَ يمرُّ بتحدياتٍ شتَّى، فكريةً كانت أو اجتماعيةً أو اقتصادية، وكلها تتطلَّب أن تكونوا في طليعة المُصلحين، وقد نالَكم من العلم والتربية ما يَجعلُكم أهلًا لهذه المهمة؛ فكونوا لأمَّتكم كما كان العلماءُ مِن قبلُ: مَناراتٍ في الدُّروب المُظْلِمات، تَدعون إلى السلام بالحكمة، وتُقاومون الفِتنَ بالبصيرة، واعلموا أن العلمَ بلا خُلُق كالشجرةِ بغير ثَمَر، وأن الأخلاقَ بلا علمٍ كالنجم الذي يَفتقد الضوء.
وحثت رئيسة مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب الخريجين بربط العلم بالعمل، وأن يجعلوا من العلم نبراسًا يُضيء بهُداه مِن حولهم: اجعلوا من المساجدِ ومنابرِ العلم ساحاتٍ للتوعية ونشر الاعتدال، ولا تكتفوا بنقل العلم، بل اجعلوا من سلوككم وأخلاقكم نموذجًا يُحتذى؛ فالناسُ اليومَ في أشد الحاجة إلى قُدُواتٍ تعيش المبادئ وتُطبِّق القِيَم في كل حَرَكةٍ وسَكَنَة.
وواصلت في كلمتها: أيتُها العقولُ التي أنارت ليلَها بالعلم، والقلوبُ التي صَفَتْ بالإيمان، لقد نِلتم شرفَ هذا الصرحِ العلميِّ الشامخ، واليومُ هو يومُ تكريمٍ لكم ولأُسركم، التي صَبرتْ وثابرتْ وصابرتْ وتحمَّلتْ من أجلكم، وقدَّمتْكم فخرًا لهذه الأمة، فطُوبى لكم ولأهلكم، وبارك الله لكم في ما حققتم، وجعل دَربَكم زاهرًا بالعطاء والخير، ووفَّقكم في بناء أوطانكم وخدمةِ مجتمعاتكم، وصيَّر علمَكم زادًا للخير والسعادة لمن حولكم، ولا تَنْسَوْا في زحمة الحياة أنكم خُلِقتم لتكونوا للبشرية مُعينًا، وأنَّ أوطانَكم تَستحقُّ منكم الإخلاصَ والولاء، وسيظل الأزهرُ سندًا لكم، فإن كانتْ أيامُ دراستكم قد انتهت، فإن صلتَكم بالأزهر لن تنقطع.
وفي ختام كلمتها أشارت مستشارة شيخ الأزهر إلى أن الصلة لن تنقطع مع أبنائنا الوافدين، وقد دشن مركز الوافدين العديد من المبادرات والخدمات لدعم التواصل مع الطلاب والخريجين من الوافدين، وعلى رأسها خدمة الرسائل الإخبارية للوافدين التي أطلقها مركز تطوير تعليم الوافدين والأجانب برعاية فضيلة الإمام الأكبر، معلنة كذلك عن إطلاق إصدار تذكاري بمناسبة هذا التخرج وهو مجلة «سفراء الأزهر»، والتي سيتم طباعتها وإرسالها إلى السفارات والطلاب خريجي الأزهر في كل مكان.