ناصر أبوعون

رحل عن عالمنا عبد العزيز بن محمد الروّاس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية سابقًا، بعد أن كانت الدنيا تقف على أطراف أصابعها في حضوره، ويُنْغِضُ القوم إليه رؤوسهم عجبًا وتقديرًا، بعد أن خلع عليه السلطان قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- من مهابته، وأودع بين جنبيه سرّه وعلانيته؛ فأخذ على عاتقه مهمة التعريف بالانطلاقة الأولى من النهضة العُمانيّة المباركة، والترويج لها في المحافل العالميّة والإقليمية، ووقف على رؤوس الإعلام، ووطّنَ الأقلام على عين السلطان؛ لتكون صوت عُمان في الداخل، وسفيرها في الخارج، وأفاءَ من خزائن عُمان- تحت سمع وبصيرة السلطان الراحل- على أرباب الصحف المحليّة، وفتح الباب على مصراعيه أمام الإعلاميين العرب والأجانب فوقفوا على "فلسفة الحكم وبناء الدولة"، وأخذ على عاتقه التأسيس لعلم الآثار للكشف عن ماضي الأجداد في القرون الغابرة؛ وكأنّه يقرأ في كف المستقبل ما تُخبئه الأقدار، ويستنبئ بإطلالة عالَمٍ جديد يعلو فيه صوت الباطل، ويكثر فيه لصوص الأوطان، وتُوَظَّف فيه كل ألاعيب السحرة والمشعوذين للسطو على تاريخ الشعوب وسرقة تراثها الماديّ والشعبيّ وآثارها الخبيئة؛ فاستجلب الخبراء والرحّالة وعلماء الانثربولوجيا، وأطلق لهم يد التنقيب والبحث عن الماضي العُماني التليد.

هذا فضلا عن الأدوار الخفيّة التي قام بها من خلف الكواليس بتكليف من السلطان قابوس- طيَّب الله ثراه- في العديد من الملفات السياسية والدولية؛ كان من أهمها (الاتفاق النووي 5+1) ونزع فتيل إعلان الحرب على إيران من المتربصين بها، غير زياراته المكوكية في حربي الخليج الأولى والثانية، وما خفي كان أعظم!

لقد كان الراحل عبد العزيز الرواس رجل دولة من الطراز الأول، وكان تطبيقًا لمقولة: "قل لي: من ربّاك أقُلْ لك من أنت"؛ ويقينًا كان الرواس مثالًا وقدوةً وأنموذجًا للابن البار بوطنه: سلطنة عُمان، والمستشار الأمين لسلطانها.

وما زالت كلمة الرواس لي تتردّد أصداؤها في أذني؛ عندما طلبتُ منه إجراء حوار مطوّل يُنشر على حلقات في جريدة الرؤية؛ فردّ مُبتسمًا ومُقتضبًا: "الرواس لا يتحدث... وليس كل ما يُعرف يُقال".

وفي أيامه الأخيرة عرِفتَهُ عن كثبٍ على مدار سنوات ثلاث، وبعد أنّ ودّع كُرسيّ السُّلطة- الذي لا يدوم لأحد- كنتُ رفيقه في صلاتيْ الفجر والجمعة بمسجد أبي بكر الصديق بمنطقة الوطيّة. وكان- رحمه الله وغفر له- أول المُقبلين على الله صباح يوم الجمعة وقبل أنْ يُرفعَ الأذان بساعتين أو بساعة ونصف الساعة، يأتي فيتوسط محراب المسجد خلف الإمام مباشرةً واضعًا المصحف بين عينيه في جَلسة واحدة لا تصمت شفتاه، ولا تكلّ عيناه حتى يُرفع الأذان وربّما قد قرأ جزأين أو يزيد. عوضًا عن ذلك فقد كان الرواس- طيّب الله ثراه- شغوفًا بالقراءة، وخاصة بكل ما يتعلق بتاريخ عُمان في سائر العلوم والفنون والتاريخ والآثار.

ويبقى القول: وإن كان النسيان والنكران من طِبَاع الدنيا ولؤمها، فمن المحزن أن يودِّعنا الرجل إلى ربٍّ كريم، وفي صبيحة اليوم الثاني نطالع الصحف اليومية في الخارج والداخل فلا نجد فيها مقالةً عنه؛ وكنتُ أظن أن سائر المنابر الإعلامية ستفرِد له الصفحات، وتستجلب الإذاعات متحدثين عن سيرة الرجل؛ وتُستكتب الأقلام لتأريخ مسيرته المضيئة ردًا للجميل. لكن للأسف صمت رجالٌ كانوا صنيعته وموضع ثقته. ألا يعلمون أن سِيَر الرجال هي التاريخ الموازي لسِيَر وتواريخ الأوطان؟!

الأستاذ عبد العزيز الرواس.. أتذكرُكَ الآن وأنت في حضرة الموت بين يدي ربٍّ كريمٍ رحمته وسعت كلَّ شيء، في لحظةٍ تسقط فيها كل الألقاب، وتتوارى عن الأعين صور واحتفالات كل التكريمات والنياشين، وتبقى السيرة الحسنة. فالحمد لله أنّ الصورة الباقية في مخيلتي عنك تتلخص في مشهدين: (مسبحة ومصحف يوم الجمعة)، و(صلاة العتمة) لخّصها ربنا- عزَّ وجلَّ- في آية واحدة تنثال منها مئات الدلالات: "إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا".

وفي صحيح مسلم (657) برواية جندب بن عبد الله: "مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ" وفي هذا الحديث يُخبِر النَّبيُّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- أنَّ مَن صلَّى الفجر في جماعة- كما في رِوايةِ أبي نُعَيم في المُستخرَجِ-، «فهو في ذِمَّةِ اللهِ»، أي: «في أمانه وضمانته؛ وخَصَّ صَلاةَ الفجرِ مِن بين سائر الصَّلَواتِ؛ لأنَّ فيها مشقَّة، ولا يُواظب عليها إلا خالِص الإيمان؛ فلذلك استحقَّ الأمان، وأن يكون في ذمَّة الله تعالى وضمانته وعهده».

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اتحاد مصارف الإمارات: وعي العملاء هو خط الدفاع الأول والأقوى لمكافحة الاحتيال المالي

جدّد إتحاد مصارف الإمارات (الممثل والصوت الموحد للمصارف الإماراتية) دعوته للعملاء لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الاحتيال المالي، خاصةً في فترة المواسم والأعياد التي تشهد نمواً كبيراً في العروض الترويجية عبر القنوات الرقمية، مؤكداً أن وعي العملاء يعتبر هو خط الدفاع الأول والأقوى لمكافحة الاحتيال المالي.

ويعمل اتّحاد مصارف الإمارات، بالتعاون المباشر لمصرف الإمارات العربية المركزي، على زيادة مستويات الوعي بالجرائم المالية، بما في ذلك الحملة الوطنية لمكافحة الاحتيال التي يقوم بها الإتحاد وشركائه، والتي ساهمت منذ إطلاقها في العام 2020 في زيادة وعي العملاء واتخاذهم الإجراءات الضرورية في هذا السياق.

وقال السيد/ جمال صالح، (المدير العام لاتّحاد مصارف الإمارات): “تمكن القطاع المصرفي في دولة الإمارات، في ظل توجيهات وإشراف مصرف الإمارات العربية المركزي، في ترسيخ مكانته كمركز مالي ومصرفي عالمي، حيث يركز القطاع على توفير تجربة مصرفية تتميز بالأمن والسلاسة بالاستفادة من أحدث التقنيات والعلوم والخبرات المتراكمة”. وأشار إلى أن “هذه المبادرات والجهود ساهمت في ارتفاع ثقة العملاء في القطاع المصرفي، حيث سجل معدل 90% في ثقة العملاء لتتفوق بذلك دولة الإمارات على الكثير من دول العالم المتطورة في المجال المصرفي والمالي، كما حافظ القطاع المصرفي على المركز الأول كأكثر القطاعات التي تحظى بثقة العملاء في الدولة”.

وأوضح المدير العام أن اتّحاد مصارف الإمارات قام بإطلاق الحملة الوطنية لمكافحة الاحتيال، بالتعاون مع شركائه الإستراتيجيين بهدف دعم العملاء والمجتمع والاقتصاد مع تسارع التحول الرقمي في القطاع المصرفي وزيادة معدلات الاحتيال المالي. وكانت هذه هي الحملة الرابعة السنوية التي يقوم بها الإتحاد مع المصرف المركزي ومجلس الإمارات السيبراني وشرطة أبوظبي وشرطة دبي إضافةً إلى هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية. ويعمل الاتّحاد بالتعاون مع مصارفه الأعضاء على تقديم الإرشادات اللازمة مثل استخدام كلمات مرور آمنة والتعرف على سبل الاحتيال المصرفي الإلكتروني. وتشمل نشاطات الحملة الوطنية تعريف العملاء بمواضيع مختلفة مثل الاحتيال عبر البريد الإلكتروني والاحتيال عبر الهندسة الاجتماعية والاحتيال عبر الهاتف، وذلك من خلال وسائط إعلامية متعددة مثل المقالات ومقاطع الفيديو التثقيفية ومنشورات عبر قنوات التواصل الاجتماعي، لتعمل الحملة على رفع مستوى وعي العملاء حول كيفية تحديد عمليات الاحتيال وتجنبها.

وأكد المدير العام لاتّحاد مصارف الإمارات أن كافة هذه الجهود قد ساهمت في ارتفاع مستويات الوعي بالاحتيال المالي والإلكتروني بشكل عام، وقال إن “نتائج الدراسة، التي أجراها مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات ومركز تريندز للبحوث والاستشارات، والتي نشرت مؤخراً، تشير إلى أن 65% من المشاركين يثقون بقدرتهم على التعرف على الاحتيال رغم تطور الأساليب والتقنيات المستخدمة. ولكن مع ذلك، يجب التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر حيث أظهرت الدراسة أن 56% من سكان دولة الإمارات يتعرضون لمحاولة عملية احتيال واحدة على الأقل شهرياً، فيما تعد بطاقات الائتمان والتحويلات المصرفية أساليب الدفع الأكثر شيوعاً للتعرض للاحتيال”.

وأضاف: “تشهد مواسم العطلات والأعياد مثل عيد الفطر المبارك إقبالاً كبيراً على التعاملات الرقمية والدفع عبر الإنترنت، الأمر الذي يدعونا لتذكير عملائنا الكرام باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنب الاحتيال في هذه الفترات ومضاعفة جهودنا من أجل تزويد العملاء بنصائح تخص سلامة الخدمات المصرفية الرقمية وأمن التجارة الإلكترونية و قنوات التواصل الاجتماعي. وأكد أن القطاع المصرفي في دولة الإمارات يتميز ببنية تحتية رقمية ونظم متطورة لمكافحة الاحتيال، وتسهم مبادرات الإتحاد مثل المناورات السيبرانية، التي ينظمها الإتحاد كل عام تحت إشراف مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي ومجلس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، في تعزيز الأمن السيبراني وترقية مستويات أمن وحماية البنى التحتية الرقمية”ـ

ومع تسارع التحول الرقمي، تشهد المدفوعات الرقمية في دولة الإمارات ارتفاعاً متنامياً، حيث ارتفعت بنسبة 53% في عام 2023 لتصل قيمتها إلى 43 مليار دولار أمريكي (157.8 مليار درهم) فيما يتوقع أن ترتفع إلى 132 مليار دولار (484.4 مليار درهم) بحلول العام 2028، وفقاً لتقديرات مراكز أبحاث عالمية.

كما أكد السيد/ جمال صالح على أن دولة الإمارات قد حققت تقدماً كبيراً في الكشف عن الاحتيال والتخفيف منه، ونفذت العديد من المبادرات والتدابير، بما في ذلك اعتماد تقنياتٍ متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والقياسات الحيوية، والتي تعزز قدرات الكشف عن الاحتيال. كما أن دولة الإمارات سباقة في رفع مستوى الوعي حول مخاطر الاحتيال وتوفير التدريب والدعم للعاملين في البنوك والمؤسسات المالية لتحسين معرفتهم ومهاراتهم في الكشف عن الاحتيال والوقاية منه. وتتمتع الدولة بوضع جيد لمواصلة الريادة في هذا المجال من خلال الاستثمارات المستمرة في التكنولوجيا والتدريب والتعاون. وأشار إلى قيام اتحاد مصارف الإمارات بتأسيس منصة مشتركة لرصد الاحتيال وتبادل المعلومات لتمكين البنوك من تبادل المعلومات والتعاون في مكافحة الاحتيال المالي. وتساعد هذه المنصة على تحديد ومنع الأنشطة الاحتيالية من خلال مشاركة المعلومات حول الإحتيالات وأنماط الأنشطة الاحتيالية.


مقالات مشابهة

  • سعيد بن طحنون: يجسّد مسيرة قائد ملهم لبناء عاصمة الإنسانية
  • إفطار للأطفال من أصحاب الهمم ومؤسسات الأيتام في «ساعد»
  • حمد الشرقي: الاحتفال بيوم زايد للعمل الإنساني إحياء لجميع القيم الأخلاقية النبيلة
  • بتوجيهات حمدان بن محمد.. وزارة الدفاع تطلق مبادرة «زايد الخير فينا»
  • اعتماد أسماء حجاج «برنامج زايد للحج»هذا العام
  • مسؤولو العمل الإنساني: الشيخ زايد.. قائد زرع الخير والعطاء فحصد الوفاء والمحبة
  • ذياب بن محمد بن زايد: نستلهم من "يوم زايد للعمل الإنساني" القيم الإنسانية التي أسست لاستدامة العطاء الإماراتي
  • «إسلامية دبي»: الشيخ زايد جعل من الإمارات نموذجاً عالمياً في البذل والعطاء
  • اتحاد مصارف الإمارات: وعي العملاء هو خط الدفاع الأول والأقوى لمكافحة الاحتيال المالي
  • كريم خالد عبد العزيز يكتب: رسالة تقوية وتشجيع: ذكريات خالدة وحب متجدد