وصمة اسمها: عامل!! (2- 2)
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
معاوية الرَّواحي
أوضاع العُمال في عُمان، ووضع العامل العُماني تُمثِّل معضلة فكرية وثقافية في المقام الأوّل، وما لم تحل هذه المعضلة، فلا حلول تشريعية حقيقية ستصنع لها حلًا مُنصِفًا.
ما تبدو وظيفةً في قاع الهرم الاجتماعي بالنسبة للبعض، تبدو وظيفة مناسبة للغاية لطالبٍ يريد أن يحسن وفرته المالية لنفسه أو لعائلته، وما تبدو وظيفة سيئة للغاية بالنسبة لمترف يوزع صكوك الاعتراف الاجتماعي على البشر، هي وظيفة مثالية وذهبية لإنسان لا يريد مغادرة ولايته، ولا يريد أن يقطع مشوار 100 كيلومتر وأكثر ليصل لمدينةٍ تزخر بالوظائف ذات الوجاهة، حقائق كلنا نرددها بحجة أن العمل ليس عيبًا، لكنه في حقيقته عيب، وبه وصمة، من الذي يجرؤ أن يعمل حلاقا! وحتى إن تجرأ أحدهم وقرر أن يعمل في هذه المهنة، سيمتثل اجتماعيا، وسيفتح حلاقا فخمًا للغاية تكلف الحلاقة فيه الشيء الفلاني، هذه هي المدرسة التعويضية التي تفنن البعض في استغلالها، والتي يتحول فيها العامل ذاته إلى رأسمالي يلعب على ثغرات الوصمة الاجتماعية، فينسخ المهنة العمالية ويقدم نسخة مترفةً منها.
ولأكون واضحًا أقصى درجات الوضوح- عزيزي القارئ- فإنَّ المنطق الذي أطرحه يختلف تمامًا عن الذين يقولون: العمل ليس عيبًا، ارم بنفسك في آتون الاستغلال، واعمل بأبخس الأثمان، واسمح لنفسك أن تعيش مُستغَلًا، مهضوم الحق الاجتماعي، تحاصرك الألسن بالانتقاص منك، وينتزع رأسماليٌ جشعٌ سنوات عمرك براتب بخس وبدون أمان وظيفي.
أيضًا المنطق الذي أطرحه يختلف عن الذين يُحدِّدون للآخرين خيارات، بناءً على معايير اجتماعية مُعينة، ما أقوله إن اختيارك لمهنة عُمّالية يفرض عليك أن تتعلم طريقة للدفاع عن حقوقك، وطريقة للدفاع عن حقوق زملائك، وسيُدخلك تلقائيًا في معارك ثقافية، ومعارك انطباعات، وحزازات.
الطريق لواقع عُمالي أفضل في عُمان حكايةٌ طويلة، تحتاج إلى تغييرات تشريعية، وثقافية، وتحتاج إلى رقابة على سوق العمل، وتحتاج إلى سياسة هجرة، وإلى تغيير أنظمة التوظيف، وكل هذا لن يحدث بين ليلة وضحاها. قصص النجاح تملأ عُمان، وهؤلاء الذين عاشوا عُمالا في بداية حياتهم، ونجحوا لاحقًا هُم الذين عليهم الواجب الأوّل في التصدي لهذه الوصمة. على من أقرأ زبوري!
بكل صدق لا أعرف لماذا كتبت هذا المقال، حتى على صعيد التعمين، ثمة مقاومة اجتماعية شديدة وشرسة لتعمين بعض المهن! لأن الحقيقة الضمنية عن توظيف الوافدين هي القاصمة للظهر، استغلال أعمار البشر مُباح، ومُتاح ما دام وافدًا، تعمين مهنة خطوة أولى لإعادة حقوق العمال إلى نصابها، وما المُحزن في المسألة! لا أحد يفكر في حقوق مهنة إلّا بعد تعمينها! يا إلهي! على من أقرأ زبوري!
حيثما فكرت فيها سترى طاعون الترف في العصر الحديث وهو يفتك بالمُسلَّمات، أن الذي يعمل يجد، وأنّ فكرة أن يعمل اثنين في اقتصاد واحد وهذا يجد ضِعْف ما يجده الثاني هي ليست أكثر من فكرة مُدمِّرة لأي نمو في أي اقتصاد! ولكن لا بأس، دعنا نعلك الترف، ودعنا نفترض كل الافتراضات اليوتوبيَّة، ودعنا نحاصر المكافحين والمجتهدين والمناضلين من أجل لقمة العيش باستعلائنا الاجتماعي. لا يبدو أن لهذه المشكلة حلًا على المدى القريب، ولا يبدو أن أحدًا من الأساس يُريد الانتباه إلى تلك الحقيقة الضمنية المخيفة، إنَّنا عندما نتكلم عن وصمة "العامل" فنحن نقبل ضمنيًا أن استغلاله مباح، ولا أحد يناقش هذه الحقيقة، لا أحد يتصدى لها، نعتبر استغلال العامل حقًا مُكتسبًا، ولذلك لا نريد أن يتم استغلال بني جلدتنا!
فعلًا أتساءل: لماذا قليل جدًا من يتكلم عن إصلاح واقع العمال، وتوسعة دائرة حقوقهم! لماذا القبول التلقائي بهذه الحقيقة وكأنه حكم قدري! ولماذا نستمر في دفع ثمن أزمنة النشأة النفطية وكأننا يجب أن نتقبل أخطاءها للأبد! بكل صدق لا أعرف! لا أعرف لماذا كتبت هذا المقال، الحقيقة تقلع العين، العمل ليس عيبًا، استغلال العمّال هو العيب الكبير، مع ذلك، نُفضِّل أن نُحاصر العامل في اختياراته، ولا نُفضِّل أن نفتح ربع باب للتساؤل عن الذين يستغلون العمال، وثغرات القانون، وثغرات التشريع، والتحيُّزات الاجتماعية لمواصلة النجاح بهذا القطاع الخاص الذي بُني على باطل عُمالي كبير، باطل لا يتحرك أحد لإصلاحه بقدر ما يتحرك لصناعة تنظيرات الترف الاجتماعي، والتحدث نيابة عن خيارات الآخرين!
سأدع عني جنوني الرومانسي وسأخرس وأقفل هذا المقال، وأنا أعلم جيدًا أنها قضية سيحين وقتها فقط، بعد أن تتفاقم الأزمات التي سوف تسببها، وربما سأكون في الستين من العُمر عندما سأقول: يا إلهي! الجميع كان يعلم بهذه المشكلة، والآن فقط يريدون حلًا لها!
فلا نامت أعين المُترَفين! فلا نامت أعين المُترَفين!!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد أن حاولت إخفاء الحقيقة عن أبناء الشعوب العربية والإسلامية .. السعودية تكشف المستور وهذا ماظهر
يمانيون /
الحقيقة التي حاولت المملكة السعودية إخفاءها خلف عبائتها المزيفة تظهر للعالم :