الشعب العُماني لن ينثني
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
سعيد بن سالم البادي
لقد مَنَّ الله على عُمان وأهلها مرتين وما زالوا مُتمسكين بما منَّ الله عليهم به ولن يفرطوا فيه مهما عصفت عواصف الأعداء الحاقدين واشتدت ريح العابثين لمحاولة تفكيك اصطفاف العُمانيين عن ما هم عليه من ثبات وترابط.
فمنَّ الله تعالى على أهل عُمان وملوكها في الأولى بأن أرشدهم لاعتناق الإسلام طواعية دون قتال حينما أتاهم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور فأخرج الله تعالى أهل عُمان من ظلمات الجهل والضلال والكفر إلى نور الهداية والإيمان بالله وعبادة الله الواحد الأحد.
عرف أهل عُمان الإسلام حق المعرفة واعتنقوه عن قناعة مُطلقة لا يزعزعها مزعزع عابث ولا مرجف ضال فعرفوا الإسلام وروحه وفهموا ما يعنيه وأدركوا ما يطلبه منهم وطبقوه كما يجب أن يُطبق، وقد اجتهدوا للعمل به وتثبيته في نفوسهم وفي تعاملاتهم البينية ومع الآخرين وفقًا للقواعد التي بيَّنها الله تعالى في القرآن الكريم. وبعد أن رسخ الإسلام فيهم وذاقوا حلاوته واطمأنت نفوسهم به وبأخلاقه الحميدة إضافة إلى ما كانوا عليه من أخلاق عالية، شهد لهم بها الرسول الكريم ولمسوا نتائج تلك القيم الإسلامية والتآخي والتلاحم الذي نشره بينهم، فأحبوا أن يشاركونه لغيرهم من البشرية فساروا ينشرونه في الأمم وأقطار العالم التي وصلوها كما هو الحال في جنوب إفريقيا وغيرها مستخدمين في نشر الإسلام وأخلاقه ورحمته أخلاقهم وطيبتهم، فاستغلوا رحلاتهم التجارية ومعاملاتهم بين الشعوب وأفرادها فأحبهم الناس ووضح العُمانيون لتلك الأمم الإسلام وقيمه وما يدعو إليه فدعوهم إلى اعتناقه فاعتنقوه بسبب ما رأوا من الأخلاق الرفيعة والتعامل والتواضع الذي يظهره ويتحلى به الإنسان العُماني لا بحديد السيوف والقتل والذبح والتنكيل الذي يمارسه بعض الذين يدعون أنهم يجاهدون لنشر الإسلام بالفتوحات وغيرها بقوة الجيوش والسيوف.
ومنذ ذلك العهد الذي اعتنق فيه العُمانيون الإسلام طوعًا تمسكوا به ولم يتخلوا أو يحيدوا عنه وحرصوا على الذود عنه بأموالهم وأبنائهم ودمائهم إلى يومنا هذا وما زالوا يخدمون الإسلام وينصرونه وينصرون المستضعفين من المسلمين أينما كانوا.
وقد أراد الله أن يمنَّ على أهل عُمان مرة ثانية ليخرجهم هذه المرة من ظلمات الفقر والجهل والتشتت والحروب كما أخرجهم من قبل من ظلمات الجهل والكفر وعبادة الأوثان فهيأ لهم السلطان قابوس بن سعيد- رحمة الله عليه- ليقود مسيرة الوحدة والإخاء والبناء والسلام في الداخل والخارج فوحّدهم بعون الله وتوفيقه، وأزال أسباب التمزق والتشتت والحروب التي كانت تسود، ونشر بينهم المحبة والإخاء والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات، واجتث أسباب التفرقة والبغضاء والتشتت، وسادت الألفة والمودة بينهم وتآلفت قلوبهم قبل أجسادهم، واختفت المذهبية المقيتة والمسميات البغيضة التي لا تأتي إلا بالتنافر والتباعد وانتشر الأمن والسلام؛ فعرفت عُمان وأهلها معنى السلم والأمن والطمأنينة، فعمِلوا على نشره بين الأمم وسادت العلاقات الأخوية بين عُمان والدول الإقليمية والعالمية، فأصبحت عُمان في عهد السلطان قابوس ينبوع الأمن والسلام داخليًا وخارجيًا، يرتوي منه كل ظمآن للأمن والأمان وأصبحت أرض أمان لمن لا أرض أمان له.
وبعد رحيل السلطان قابوس، أخذ زمام مبادرات البناء والأمن والسلام العُمانية خلفه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- ليواصل مسيرته في نشر التآخي والمحبة بين أبناء هذا الوطن المعطاء، الأبناء المتلاحمون كالبنيان المرصوص، يصونه العدل والمساواة في كافة مناحي الحياة من حقوق وواجبات.
نحن أبناء عُمان كما لم ننثنِ من قبل عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ونشره وبذل الغالي والنفيس لأجله ولأجل إيصاله للشعوب والأمم الأخرى، لن ننثني عن نهج أجدادنا وآبائنا وسلاطيننا في المحافظة على أمنها وأمانها ونشر السلام بين الشعوب، والحياد في النزاعات بين الشعوب والابتعاد عن التدخل أو المشاركة في ما يضر الغير. وفي ذات الوقت لن يثنينا عن التكاتف والتعاضد والتلاحم عبث العابثين بمحاولة نشر الفتن، فنحن ولله الحمد محصّنين منذ 54 عامًا عن الفتن وإثارات النعرات الطائفية أو الدينية المقيتة، محصنين بسياسة حكيمة مبنية على أسس صلبة أصلها في أعماق التاريخ وفرعها باسق تتفيأ بظله أنجم السماء، التاريخ المتجذر في عمق الحضارات التي رضعت منه الحكمة التي لم يُؤتها أحد في عصر الإنسان العُماني إلا هو، التاريخ الصلب الذي قام واستقام واستوى عوده، فلا ينحني ولا تؤثر فيه أيادي التاريخ الغضة الطرية الخارجة من رحمها بالأمس القريب، والتي لا تستطيع أن تعيش إلّا في الماء الراكد وتحت الركام الرهط النتن لتعمل في الخفاء على تحقيق أهداف دنيئة مبنية على أسس ضالة واهية أهون من بيت العنكبوت، سرعان ما تتهاوى وتنهار، إذا ما هبّت عواصف رجال عُمان الأشاوس حراس المبادئ، وهاجت أمواج مسقط العاتية التي لا يكسرها إلّا النصر المبين على كل من تُسوِّل له نفسه العبث بالبناء الاجتماعي والغدر بأمن وأمان من يعيش على أرض الغبيراء.
فليقل من أراد أن يقول، ويفعل من أراد واستطاع أن يفعل، ونحن على عهدنا باقون وعلى طريقنا طريق الخير ماضون في نشر السلام داخليًا وخارجيًا والعمل باجتهاد على تحقيق وتثبيت التلاحم بين أطياف هذا المجتمع بكل مكوناته من مذاهب وطوائف دينية وقبلية وغيرها، فلن يغيرنا قول قائل حاقد، ولن تغيرنا أفكار دخيلة ضالة لا تمت للدين أو الشريعة ولا للعقل والنقل بأدنى صلة، وسنستمر في التفرد بصناعة السلام والتفنن في تشكيله وصياغته واحتكار تصديره ما تعاقب الليل والنهار.
فلنمضِ بمحبةٍ وإخاء يدًا بيدٍ نحمي هويتنا ومبادئنا وقيمنا التي جُبلنا عليها، واختصنا الله بها دون غيرنا، تحت ظل قيادتنا الحكيمة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما سبب ترتيب آيات القرآن الكريم؟ ومن الذي رتبها؟
فقد وصف الله تعالى القرآن الكريم بقوله "وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيم"، والحكمة كما يقول الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور محمد الخطيب هي وضع كل شيء في موضعه.
ويدل وصف "عليٌّ" على أن كل آية من آيات القرآن قد نزلت في موقعها المحدد الذي لا يصح لها موضع غيره وأن هذا الترتيب لا دخل لأحد فيه لأنه جاء من قبل الله عز وجل، كما يقول الخطيب في الحلقة التي يمكن مشاهدتها في هذا الرابط.
ووفقا للخطيب، فإن هناك ما يعرف بـ"علم المناسبات" الذي يبحث أسباب وضع آيات القرآن في مواضعها والحكمة من ترتيبها على نحو لا يمكن الإخلال به دون الإخلال بالمعنى.
صلاح العبادة من صلاح العمل
ففي سورة البقرة على سبيل المثال، جاءت آية "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" بين آيات تتناول قضية الطلاق وموت الأزواج والوصية، وهو سياق يبدو منفصلا عن الصلاة.
وقال الخطيب إن علماء توقفوا عند هذه الآية ولم يفهموا سبب الإتيان بها في هذا الموضع، ومنهم الشيخ سيد قطب الذي أورد في "ظلال القرآن" أنه لم يعرف سببا لموضع هذه الآية تحديدا.
والسبب في هذا -كما يقول الخطيب- أن الناس يعتقدون أن الحياة عبارة عن معاملات وعبادة بينما هي عبادة فقط، فمن لم يقم بمعاملاته على النحو المطلوب فسدت عبادته.
إعلانلذلك، فقد خلص قطب في سبب موضع هذه الآية إلى أن كثيرا من الرجال يعتادون المساجد ويحافظون على الصلوات، لكنهم يسيئون معاملة زوجاتهم وأولادهم والمجتمع المحيط بهم على نحو يفقد هذه الصلاة معناها، حسب الخطيب.
ولأن الصلاة هي العبادة الأهم في حياة المسلم، فقد قرنها الله تعالى في هذه الآية بحسن المعاملة مع الزوجة والانصياع لما أمر به في هذه العلاقة تحديدا لأنها أهم العلاقات في حياة الإنسان، وفق تعبير الخطيب.
ربط الصلاة بحقوق الغير
وبناء على هذه النظرة، فإن المقصود من هذه الآية في هذا الموضع أن الحفاظ على حقوق الأسرة والزوج لا يقل أهمية عن علاقة المسلم بربه من خلال الصلاة، وأن من يفرط في الأولى لن يستقيم في الثانية.
والأمر نفسه في سورة الماعون التي يتحدث فيها الله عن معاملة اليتيم والمسكين ثم ينتقل فجأة إلى الساهين عن الصلاة، وهو انتقال مرده -وفق الخطيب- أن الصلاة هي التي تدفع الإنسان لحسن معاملة اليتيم والمسكين، ومن ثم فإن من لم يقم بهذين الأمرين يعتبر ساهيا عن صلاته وإن أدَّاها لأنه غفل عن معناها.
ومن هنا، يقول الخطيب إن قبول الصلاة مقرون بشروط صحتها المعنوية المتعلق بالالتزام بأوامرها ونواهيها وليس فقط بشروطها المادية من طهارة ونية واستقبال للقبلة، وهو ما جعل الصلاة في هاتين الآيتين مقرونة بحقوق الزوجات واليتامى والمساكين.
ومن المواضع اللافتة للآيات في القرآن، موضع قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم ترحمون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" في سورة آل عمران، والذي جاء بين حديث عن معركة بدر وآخر عن معركة أحد.
ويأتي موضع هذه الآيات على هذا النحو، وفق الخطيب، ليؤكد أن حياة المسلم كلها عبادة، وليست معاملة وعبادة، لأن المعاملات جزء من العبادة وليست مسألة مستقلة عنها.
إعلانلذلك، فإن المقصود من الآية السابقة -برأي الخطيب- أن من يهزم أخلاقيا سيهزم عسكريا لا محالة، وهو ما حدث للمسلمين في غزوة أحد عندما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين انتصروا نصرا مؤزرا قبلها في غزوة بدر عندما لم يخالفوه.
وبناء على هذا، فإن الحديث عن الربا في هذا الموضع مرده إلى أن الانتصار في معركة المال لا يقل أهمية عن الانتصار في الحرب لأن حب المال واحدا من أشد المعارك التي يخوضها المسلم بحثا عن الحلال وتجنبا للحرام على سهولته، كما يقول الخطيب.
26/3/2025-|آخر تحديث: 26/3/202505:20 م (توقيت مكة)