بقلم : كلثوم الجوراني ..
اتمنى لو كنت رسامة لأرسم البراءة التي في وجه هادي
كل ليلة اتفقده قبل أن أذهب إلى السرير لاجده قد صف كفيه تحت خده الناعم ، يغفو وكأنه شقيقة النعمان .
حياة هادي كالفصول الأربعة تبدأ بشتاءٍ قاسٍ حيث أن أباه كان يصاب بالهيستريا عندما يخرج هادي من البيت يظن أنه عار ويجب أن لا يراه أحد من الجيران والاقارب ، فكم مرة أتى به يجره وهو يضغط بشدة على زنده ويرمي به الي وكأنه ليس بشرا ويمطرني بوابل من الكلمات القاسية وكأن هادياً ذنب اقترفته أنا وليس ابننا نحن الاثنين .
الربيع في حياة هادي يزهر عندما أضمه إلى صدري واغدق عليه من حناني ، انا لا اعلم ما تعنيه ابتسامته لي هل هو يعرف أنني أنا الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يتمنى بقاءه ؟
ام انها فطرة الاحساس نحوي كأم ؟
ربيع أحضاني لم ينقذ هادياً من صيف يكاد سمومه يذيب قلبي حزنا على ولدي الصغير ، تجسدت حرارة الصيف اللاهبة وجفافه في حياة هادي بموقف لن انساه ، في يوم من الايام دخلت ابنتي خولة لتخبرني بأن زميلها في الجامعة يريد التقدم لخطبتها وينوي زيارتنا هو وأمه ، كان خبرا سارا وبالفعل أتى زميل خولة هو وأمه لزيارتنا والتعرف على عائلتنا وبعد أن قدمنا لهم الضيافة دخل هادي إلى غرفة الاستقبال وهو يتمتم ويصدر حركاته المعتادة وما أن رأته ام الخطيب حتى قامت مسرعة دون أن تستأذن وخرجت من البيت يتبعها ابنها وهو ينادي ماذا حدث يا امي اسمعها تقول له صارخة بوجهه أتخدعني ايها الغبي ؟
في اليوم التالي رن هاتف خولة واخبرها زميلها بأنه غير رأيه متمنياً لها شخصا افضل منه ، أغلقت خولة الهاتف وهي تنظر بحقد لهادي قائلة : انت سبب تعاستي ثم انفجرت باكية .
الشيء الذي أحزنني حد الانهيار والبكاء هو أن هادي كان حزينا لبكاء خولة ودنى منها ليمسح دموعها ويقبلها ، لم يكن يعرف أن خولة كانت تتمنى موته ذلك اليوم .
يتلو الصيف خريف يجرد أشجار هادي من أوراقها متمثلا بأخيه الأكبر غسان إذ أنه كان أشد قسوة من أبي هادي ، فكم من مرة ضرب هادي بقسوة لأنه اقتحم غرفة الاستقبال بينما يجلس غسان مع اصدقائه فيثير سخرية بعضهم مما يغضب غسان حتى يبدأ بدفع هادي إلى الخارج وضربه فتتساقط دموعه كأنها اوراق الخريف .
رغم ما يمر به هادي من تقلبات الحياة ورغم إعاقته الذهنية إلا إنني أشعر بنقاء قلبه وسعادته فهو لا يعلم إن أباه يعتبره عارا وإن اخته تتمنى موته وإن اخاه غسان لا يشعر بمشاعر الإخوة تجاهه ، هو يحبهم جميعا لأن الحقد والكراهية لا طريق لهما إلى قلب هادي . كلثوم الجوراني
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. ليلة واحدة فقط
#ليلة_واحدة_فقط..
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 1 / 10 / 2019
أفعلها كل شتاء ، أختار ليلة باردة وماطرة ، وأدعو الأولاد أن ننام في غرفة واحدة ، نعيد ترتيب “فرشات” الغرفة ، اجعلهم يقتربون من بعضهم أكثر ،ينامون على شكل سطور متلاصقة وأنا أختار مكاناً فوق رؤوسهم جميعاً حتى أكون مقسوماً على الجميع ، أطفئ الضوء العادي وأبقي على ضوء خافت ،أترك شقاً طفيفاً في الشباك لتحدث الريح صفيرها المعتاد..أمنع استخدام الأجهزة الاليكترونية او الهواتف في هذه الليلة..ثم أبدأ بسرد ما أحفظ من القصص والحكايا القديمة..وكلما زاد قذف المطر على الزجاج أسهبت في الحكاية وفي تفاصيلها وكأنني أشرك الطقس معي ليستمع مع باقي أفراد العائلة لأحداث الحكاية.. أحياناً أقوم بتقليدهم فرداً فرداً لأسمع قهقهات الصغار..أحاول جاهداً أن أصنع لهم ليلة مختلفة ، تبقى محفورة في روزنامة العمر ، تماماً كاستراحة وحيدة في طريق صحراوي طويل..
*
الأولاد مهما كبروا يبقوا أطفالاً، مهما ادعوا النضوج والاستقلالية الا أنهم في حنين دائم إليك إلى صوتك وملامحك ووجودك ،وأنت بأبويتك الصادقة، حاول أن تعيدهم إلى ذات الاحتياجات وذات الليالي القديمة وذات القصص ،لا لشيء ، لكن حتى لا تبعد المسافة بينك وبينهم أو تبعد فيما بينهم..الغرف المنفصلة برّدت العواطف، والهواتف الذكية عزلتنا عن أحاسيسنا تجاه بعضنا ، صار في البيت عوالم مختلفة في أمتار مربعة صغيرة ، أجساد متقاربة واهتمامات وأرواح متنافرة و”غرفة العيلة” أصبحت مجرّد “لوبي في فندق” ، ملتقى قصير للصاعدين والنازلين والمغادرين والقادمين يلتقطون فيها أنفاسهم ثم يذهب كل إلى وجهته..
مرّت بي أحداث كثيرة ونسيتها ،وأيام كثيرة ونسيتها، نجاحات واخفاقات ونسيت تفاصيلها، لكنني ما زلت أذكر ليالي الشتاء الماطرة ، وأذكر مكاني بين “الفرش” ، و الرسمات الطفولية على لحافي، وأماكن أشقائي واحداً واحداً، وأذكر مكان “السراج” وأماكن الدلف ، والأواني التي تتلقّى مطر السقف البطيء ، أذكر الحكايا والضحكات ، وصوت المزاريب ، واهتزاز الشباك الشمالي ،ورائحة الديزل النازل من “بطيحة” صوبة البواري..نسيت في العمر خصومات كثيرة واوجاع كثيرة وانجازات كثيرة..لكني لا أنسى غرفة من حجر وطين جمعتنا كلنا بمعجزة الأم والأب تحت سقفها ذات ليلة..قبل أن تهب علينا ريح الكهولة..
أيها الآباء أفعلوا مثلي..ليلة واحدة فقط ستزيّن العمر،أزيلوا الحواجز ،وجسروا الأرواح، كونوا بين أبنائكم ، صدقوني من هنا تصنع المحبة..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#175يوما
#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي
#سجين_الوطن
#لأحمد_حسن_الزعبي