يولد من رحم المعاناة أبطال خلَّدوا أسماءهم في التاريخ، منهم من تحدى الإعاقة ومنهم من تحدى ظروف المعيشة، تاركين سيرتهم وإنجازاتهم ذخراً ومرجعاً للأجيال القادمة وعندما نذكر الأبطال لا بد من ذكر رانديان، والذي يصادف اليوم تاريخ وفاته عام 1934.

پرينس رانديان الذي اشتهر بالعديد من الألقاب منها «الإنسان الجذع»، و«الثعبان»، فقد تمكن بالفعل من تحدي الإعاقة أمريكي الجنسية ولد في غيانا البريطانية عام 1871، بمتلازمة فريدة من نوعها تسمى «رباعي أميليا»، وهي عدم وجود الأطراف الأربعة، فكان رانديان بدون يدين أو رجلين، كان يمتلك فقط رأس وبطن.

اعتاد على لبس بدلة من الصوف قادرة على تغطية جسده بالكامل، وبالرغم من افتقاره للأطراف برع رانديان في إتقان أربع لغات هي الفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، والهندية بحسبما ذكره موقع السينما والأفلام الشهير lMDb، فقد اشتهر في السينما أيضا وبالتمثيل.

لم يتفوق رانديان على ظروفه الاستثنائية وحسب وإنما طوعها ليعيش حياة مليئة بالمغامرات والترفيه، فعندما جاء إلى الولايات المتحدة عام 1889 في سن 18 عامًا، مع شخص يدعى بي تي بارنومل أدى دورا في عروض السيرك وفي المتاحف وفي جزيرة كوني في بروكلين، ونيويورك، وذلك بعد مشاركته في فيلم رعب أشهره بشدة، وتوالت النجاحات بعد ذلك.

وتم الترويج له بحيلة ذكية بالنسبة لعمله، وجاء الترويج وكأنه «اليرقة البشرية التي تزحف على بطنها»، ومنحه لبسه المعتاد مظهر اليرقة وأحب رانديان ذلك، فقد كان بارعاً في التحرك من مكان إلى آخر عن طريق تحريك بطنة وكتفيه فقط.

كما عمل رانديان نجاراً، مستخدماً فمه وكتفيه للتحكم في الأدوات التي يعمل بها، وكان يحتفظ بجميع أدواته والمواد المستخدمة في عرضه في صندوق خشبي صنعه بنفسه، واعتاد القول: «ذات يوم، سأبني لنفسي منزلًا».

لم يكن رانديان إتكالياً على أحد فعل كل ما بوسعه لمساعدة نفسه دون الحاجة للأخرين، وكان يحلق لنفسه من خلال تثبيت شفرة حلاقة في عصا خشبية، وكان يرسم بفرشاة أو يكتب بقلم باستخدام شفتيه، وأشهر ما فعله هو لف سيجارته بفمه وإشعالها.

رانديان تحدى الإعاقة وتزوج في سن مبكر من امرأة هندوسية، أحبها وأنجب منها أربع بنات وولده الذي أصبح مدير أعمالة فيما بعد وظلت مخلصة له طوال حياته المهنية الطويلة التي استمرت 45 عاما.

توفي رانديان بنوبة قلبية في 19 ديسمبر 1934 عن عمر ناهز 63 عاماً، بعد وقت قصير من عرضة الذي قدمة في متحف سام فاغنر في نيويورك تاركاً خلفه سيرة مليئة بالنجاحات والانجازات الهائلة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: متحدي الإعاقة ذوي الهمم

إقرأ أيضاً:

الكفيفة التى أبصرت بعيون القلب

مع قوافل العائلات الهاربة من حرارة القاهرة والأقاليم، جئنا إلى مرسى مطروح حسناء المتوسط بحثًا عن الاستجمام. كنا نتوقع أن نجد المتع المألوفة من شمس وأمواج وأطباق شهية من ثمار البحر. لكن ما لم يكن فى الحسبان، أن نقابل تلك الشابة الرائعة التى أذهلتنا ببصيرتها رغم فقدانها نعمة البصر.

دعونا نسمّيها «ماريا». فقدت بصرها وهى طفلة، ولكن ما فقدته فى حاسة الرؤية، عوّضته بأعين قلب يرى ما لا تدركه الأبصار. كانت نقاوة روحها هى التى تجذبنا إليها، وضحكتها كانت تطرق آذاننا كأمواج البحر، وذكاؤها كان كسيفًا حادًا، يقطع جمود الأحاديث بنكاتها و»قلشاتها».

كنّا نرى ثنائيات الحياة من حضور وغياب، وسر وعلانية، وبراءة و»شقاوة» متمثلات فى «ماريا»: غياب البصر فى مقابل حضور البصيرة، انقباض الإعاقة فى مقابل بسطة الروح، ظلمة العمى فى مقابل إشراقة الصوت الجميل.

لم يكن فقدان البصر إلا نافذة تطلّ على عالم أوسع فى قلبها. كانت تستشعرنا بحسّ لا يملكه المبصرون: تعرف أدقّ تفاصيل مشاعرنا، وتقرأ قلوبنا كما يقرأ المرء كتابًا مفتوحًا، وتعرف متى تحتاج أرواحنا إلى راحة الضحكة وروقان البال.

«ماريا» لم تكن وحدها من يثبت أن البصيرة تفوق البصر. كانت تذكرنا بعظماء الأدب الذين تجاوزوا قيود الإعاقة مثل أبى العلاء المعرى الذى رأى فى عماه بصيرة فلسفية عميقة تغوص فى أسئلة الوجود، وطه حسين، الذى قهر الظلام ليكون مشعل فكرٍ وقلم، وهوميروس، الشاعر الإغريقى الكفيف صاحب ملحمتى «الإلياذة» و»الأوديسة»، الذى بيّن لنا أن الرؤية الحقيقية تأتى من سويداء القلب لا من حدقة العين.

فى كل لقاء لنا مع ماريا، كنا ندرك سرًا لم نجرؤ على البوح به. كنّا، نحن المبصرين، دائمًا ما نتجنب أمامها استخدام كلمات تشير إلى العين أو النظر أو البصر؛ لم يقصد أحد منّا أن يشعرها بأن فقدانها للبصر شىء يلفت انتباهنا أو يحصرها فى زاوية خاصة. لكن المدهش أنها هى التى خفّفت، بفكاهتها، الرهبة من ذكر العمى وعلّمتنا أن الإعاقة ليست حاجزًا أمام العيش بحب وانفتاح مع الآخرين. كانت تُظهر لنا، نحن المبصرين، أن الحياة الحقيقية تتطلب رؤية أعمق من مجرد حاسة البصر.

أصرّت «ماريا» أن تشاركنا فى لعبة «الضمنو». كانت تتحسّس أرقام المربعات بأناملها، لتفوز علينا فى «فورة» عقب الأخرى وهى تضحك ضحكات تجلجل فى فضاءات المقهى. الغريب أننا كنا نضحك معها، ونفرح بفوزها علينا، رغم أنها كانت تشمتُ فينا علنًا وتهلّل وتضرب بكفها مسند المقعد كما يفعل جُلُّ الفائزين.

مع نهاية العطلة، أدركنا أن «ماريا» لم تكن مجرد ذكرى صيفية عابرة فقد أضحت فى نظرنا رمزًا لما يمكن للبشرية أن تحقّقه عندما ترى بما هو أعمق من رؤية العيون.

 

مقالات مشابهة

  • عاجل. الرئيس الإيراني: لا عداء مع الولايات المتحدة لكننا لسنا الطرف الذي يقوم بتهديد الآخر وفرض العقوبات
  • برلماني: تنفيذ المشروعات القومية تحدى يستلزم استحداث آليات تمويل جديدة
  • مدير شرطة بالم بيتش: المشتبه به كان مختبئا بين الشجيرات وكان ترامب على بعد 300 إلى 500 متر منه
  • الكفيفة التى أبصرت بعيون القلب
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ
  • تيتانيك.. 112 عامًا تحت أعماق المحيط – تحليل علمي وتاريخي لانهيار حطام السفينة الأكثر شهرة في العالم
  • شنيشل يتحدى الاتحاد العراقي: صراع قانوني محتمل بعد تراجعه عن استقالته!
  • حزب الله يقصف بالمسيرات والصواريخ مواقع عسكرية جديدة للاحتلال ويحقق إصابات دقيقة ومباشرة
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ 3-3
  • الكشف عن عقوبة المشجع الذي تسلق سقف ملعب دورتموند في يورو 2024