الشمال السوري المحرر بين الأمل واليأس
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
تبدو الأغلبية في الشمال السوري المحرر متفائلة واثقة بالنصر، في ظل معطيات داخلية وخارجية مشجعة، إن كان من حيث حرص الغالبية على العمل العسكري والخدماتي، أو من حيث الظروف الدولية التي تخيم على المنطقة والعالم، بعد أن بدا حلف النظام السوري يتعرض لانتكاسات وضربات قوية، كحال إيران وما تعرضت له أخيرا من إذلال صهيوني، فابتلعته وكأن شيئا لم يحدث، وهي التي وعدت وتوعدت بالرد القاسي والمدمر، وكذلك بما يحدث على جبهة أوكرانيا حيث شاهد الجميع اقتحام المقاتلين الأوكران للأراضي الروسية وفتكهم بالجنود الروس ممرغين أنوفهم بالتراب، الأمر الذي قد يوفر فرصة ذهبية للثورة السورية، حيث انشغال سدنة وداعمي النظام السوري عن دعمه ومساندته، سيجعله مكشوفا لثورة شعب لا تزال غضة فتية، تنتظر لحظة انكسار حلفاء النظام، بعد أن تخلى حلفاؤها عنها.
جاء تخريج الدفعة الأولى من كلية الشرطة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ أخيرا، والذي وصل العدد إلى 300 ضابط وصف ضابط وأفراد، ليرسل رسائل قوية للداخل السوري المحرر، وللمناطق السورية المحتلة. فعلى صعيد الداخل السوري جاءت رسالة تثبيت للمحرر مؤسساتيا، بحيث أن المقاتل على الجبهات لن يكون مشغولا بالأمن من خلفه، بعد أن تمكنت هذه المؤسسات وغيرها من الضخ بالأفراد المهنيين والمحترفين. مثل هذا التخريج عجزت عنه كيانات الأسد وقسد وغيرهما، والكل رأى استهداف الكلية الحربية في حمص حين كانت العصابات الطائفية تخرج ضباطها فاستهدفتها المسيرات، فقد بدا جيش وضباط عاجزين عن حماية أنفسهم، فكيف يكونون قادرين على حماية من يوصف ببلدهم وشعبهم؟
اليوم ثمة خطر عظيم يتهدد الثورة السورية وهو الطابور الخامس، وعلى الجميع الوقوف بوجههم، وتعريتهم، وكشفهم، وكشف عمالتهم وخيانتهم، حيث يتظاهرون بالثورية، والثورة براء منهم، فبعد أن سعوا فاشلين إلى ضرب رموز ثورية، ظهرت جرأتهم اليوم على رموز ثورية كانت وستزال محل إعجاب الغالبية إن لم نقل كل الثوريين المخلصين في سوريا وداعميها في الخارج، من أمثال قائد جيش الأحرار أبي صالح الطحان، وقائد جيش العزة الرائد المنشق جميل الصالح، وهي محاولات رخيصة هدفها نزع الثقة بهذه الرموز، بينما فحيح الأفاعي مجهولي الحال والنسب ولا يُعرفون عن أنفسهم؛ يكتفي ذبابهم وطنينهم من وراء أزرار الكمبيوتر والشاشات بنفث خبثهم وفسادهم وإجرامهم، وخدمتهم للأجنبي، لا لشيء إلّا للفتّ في عضد هذه الثورة المباركة، وعضد رموزها المعروفين.
إن وصيتنا لكل سوري ثوري أو داعم للثورة السورية، ألّا تأخذوا خبر ثورتكم إلا من المعروفين أبا عن جد، فكما أنه قيل إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فنقول إن هذه ثورة ثمنها مليون شهيد ونصف مليون معتقل و14 مليون مشرد وخراب ودماء وجرحى وأرامل وأيتام، فانظروا عمن تأخذون خبر ثورتكم..
لا تيأسوا، ولا تملوا، ولا تهنوا، ولا تتكاسلوا، أيها الأحرار افضحوا هؤلاء المجاهيل الذين يواصلون طنينهم وأذاهم لثورتكم وقادتها، وابقوا متفائلين بنصر الله، وعلى وديعة الشهداء قائمين، وتذكروا ما قاله ابن الجوزي رحمه الله: "إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار، بذلت قصارى جهدها لتفوز في السباق، فلا تكن الخيل أفطن منك". وكما قال ابن تيمية رحمه الله: "العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، فإنك إن لم تُحسن الاستقبال لعلكَ تحسن الوداع.. فإنما الأعمال بالخواتيم".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة سوريا سوريا الثورة مخاطر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أهل الشمال بين الدور الوطني والاتهامات الجائرة
دراسة تحليلية على ضوء توثيق د. حياة عبد الملك
مقدمة:
في ظل الانهيار الوطني الشامل، تتصاعد أصوات تُحمّل أهل الشمال مسؤولية فشل الدولة السودانية، وتتهمهم بالهيمنة على السلطة والثروة، وكأنهم ظلوا وحدهم يحكمون السودان منذ الاستقلال. هذا الخطاب العاطفي، المحمّل بالكراهية والتعميم، يتغافل عن حقائق موضوعية موثقة، من أبرزها ما سجلته الدكتورة حياة عبد الملك في أبحاثها، التي كشفت الدور الجوهري لأبناء الشمال في تأسيس مؤسسات الدولة، والظروف التاريخية التي أفرزت تفاوتات في التعليم والوظائف، كما وثّقت الصدام بين مفاهيم الدولة الحديثة وبين الذهنية القبلية التي ترى الأرض حقاً قبلياً لا عاماً.
أولاً: دور أبناء الشمال في بناء الدولة السودانية
منذ الحقبة الاستعمارية، وُجد أبناء الشمال في تماس مباشر مع أدوات الحكم والإدارة، لا بحكم الامتياز بل بسبب القرب الجغرافي من المركز. نالوا القدر الأكبر من التعليم ولكنهم لم يتقوقعوا في مناطقهم ولا المركز، بل انطلقوا إلى جميع أقاليم السودان – خاصة دارفور وكردفان والجنوب – موظفين في جهاز الدولة: معلمين، أطباء بيطريين وبشريين، مهندسين، قضاة، ضباطاً إداريين، زراعيين ومهنيين في كل القطاعات. قدموا الخدمات في ظروف قاسية وبعيداً عن أسرهم ومجتمعاتهم، بدوافع وطنية لا سلطوية، وبمرتبات تكفل العيش الكفاف، ولم يحصوا على أي إمتيازات خاصة، من سكان تلك المناطق، بل كانوا نموذجاً لنكران الذات في سبيل بناء دولة حديثة تسع الجميع وتحيل الثروات الطبيعة لرخاء ونعيم.
ثانيًا: فشل الدولة السودانية والتصادم مع التعدد
لم يكن فشل الدولة نتاج فساد فقط، بل نتيجة غياب مشروع وطني جامع يعترف بالتنوع، ويؤسس لوحدة طوعية. لقد حاولت النخب فرض مركزية سلطوية، على نمط بريطانيا، على مجتمعات لا تزال تقيس الشرعية بمدى الالتزام بالانتماء القبلي، فكانت النتيجة فقدان الثقة وتمدد الفوضى. الدولة لم تدمج هذه المجتمعات، وهي مجتمعات، حتى هذه اللحظة، لا تعترف بجدوى الولاء القومي.
ثالثاً: العشوائيات كنتاج للقطيعة بين الدولة والمجتمع
توثّق أبحاث د. حياة أن مفاهيم مثل “ملكية الدولة للأرض” لم تجد طريقها إلى الوعي الجمعي في مجتمعات تعيش على إرث تقليدي قبلي، خاصة في دارفور، حيث زعماء القبائل هم يملكون الأرض، يمنحون ويحرمون كيفما يشاؤون، وبسبب غياب الاعتراف بهذه الملكية للدولة المدنية، حُرم كثيرون، من مواطني دارفور على وجه الخصوص، من التملك وفرص العيش الكريم، ولم يكن أمامهم سوى العمل بالسخرة أو نزوحهم للمدن الكبرى، في الشريط النيلي وخاصة العاصمة حيث أقاموا في أطرافها، ليصبحوا عالة على نظام خدمي هش. الدولة لا تستطيع أن تقدم خدمات لمجتمعات لا تدفع الضرائب، ولذا لن يكون لها وجود في سجلات الصحة والتعليم. وهكذا نشأت أحياء هشة، خارج السيطرة، بيئات خصبة للجريمة والتطرف، والإستقطاب للحروب تحت ذريعة الظلم والتهميش ومع ذلك يُحمّل سكان تلك المدن، وهم أهل الشمال تلك المسؤولية!
رابعاً: الهجوم على قبائل الشمال
تشويه متعمد للتاريخ
الدناقلة، المحس، الحلفاويون، السكوت الجعليون، الشايقية هي قبائل أصبحت تتعرض لحملات منظمة من التشكيك والتشويه. لكن التاريخ يشهد بأنهم كانوا في طليعة مناضلي الاستقلال، ورواد الخدمة المدنية، وروح الثورات. اتهموهم بالهيمنة، ونسوا أنهم كافحوا وتعلموا ليس من أجل مجتمعاتهم فقط بل الهجرة من اقصى الشمال ليخدموا في أقصى الجنوب، وبهذا لا يعقل أن نسميهم مستعمرين بل وطنيين حتى النخاع.
خامساً: أبناء الشمال والتعليم، رهانات لا امتيازات
لم يكن التعليم حكراً على أحد، لكن أهل الشمال آمنوا به، وضحوا من أجله، راهنوا عليه كمصعد اجتماعي ولم يرثوه جاهزًا. واليوم، أصبح ما كان بالأمس تضحية، يُقدَّم على أنه جريمة امتياز وهيمنة.
سادساً: نحو حل عادل
تفكيك المركزية وإعادة هيكلة الدولة
المركزية فشلت.
والمطلوب الآن نموذج كونفدرالي مرن يمنح كل إقليم سلطة ذاتية، ويقرّ بحق تقرير المصير، ولكن داخل عقد أخلاقي ووحدوي. العودة إلى الأصول، وعودة كل مكون إلى موطنه، هو الخيار الأمثل لتحقيق الاستقرار، وتعزيز الثقة، وإنهاء حالة الاستقطاب والعداء.
خاتمة:
الخطاب الذي يُحمّل الشمال كل أوجاع السودان، هو خطاب ظلامي إرهابي لن يعيد الحقوق ويضمن العدالة ولن يبني وطناً. آن الأوان لعقد اجتماعي جديد، قوامه الشراكة والاعتراف والعدالة، لا الدماء والكراهية. من حلفا إلى الفاشر، ومن بورتسودان إلى الجبلين، يمكن أن ينشأ سودان جديد، كونفدرالي، يعترف بالتنوع ويحتفي بالاختلاف، ويضمن الحقوق للجميع، بشرط أن يرضى الجميع بالعودة لأصولهم، والتحرر من أحقاد الماضي.
المرجع:
أبحاث ومقالات الدكتورة حياة عبد الملك حول موظفي الشمال، وتاريخ الخدمة المدنية، وسوسيولوجيا العلاقة بين الدولة والقبيلة في السودان.
٦ أبريل ٢٠٢٥
sfmtaha@msn.com