لجريدة عمان:
2024-12-25@01:38:50 GMT

قارب الكعبي الذي لم ينس صُوَرَ الحياة

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

قارب الكعبي الذي لم ينس صُوَرَ الحياة

ضمن إصدارات الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء عام 2023م، صدر للشاعر عبدالله الكعبي ديوانه (القارب الذي نسي البحر)، الذي يأتي بعد عدد من الإصدارات الشعرية ابتدأها بديوان (كأنّ الوجوه تراني) ثم بديوان (إذا مسّه الحب)، و(النيرا ونجوم أخر)، و(أوتار مهملة)، و(ضمير المخمل) وفي كل هذه المجموعات تتفاوت التجربة الشعرية عند الكعبي اشتغالاً وتجريباً وإبداعاً؛ فمنذ إصداره الأول قدّم الكعبي نفسه واحداً من الشعراء الشباب في المشهد الشعري العماني الذين أخرجتهم المسابقات المحلية كالملتقى الأدبي والمسابقة الأدبية ومسابقة المنتدى الأدبي ومهرجان الشعر العماني ومن خلالها عرفنا ميل الكعبي إلى القصيدة الجديدة القائمة على الاشتغال الفني المغاير للأسلوب التقليدي في الكتابة الشعرية.

لم يكن عبدالله الكعبي مهتماً بمسألة الشكل الشعري والصراع الحاصل معه كما في بدايات كثير من الشعراء الشباب لكنه نشر أغلب نصوصه في إطار قصيدة التفعيلة التي رأى من خلالها أفقاً يفتح له أبواب الكلمة وصحراء التأمل الشعري؛ لذا اشتغل في دواوينه الأولى على بناء نصوصه في هذا الإطار، ومع أنه حاول في مجموعاته الأخيرة العودة إلى الشكل العمودي في غير نص فإني أرى أنّ نصوص التفعيلة كانت أكثر توهجاً لديه من النصوص العمودية التي وقع في شراك البساطة في غير موضع منها.

يطالعنا عبدالله الكعبي بمجموعته (القارب الذي نسي البحر) وفيه يأخذ القارئ إلى اتجاهين اثنين: الاتجاه الأول نجده يصعد في خطابه الشعري واضعاً صوراً مختلفة للآخر المشاهَد، فتتشكّل النصوص في هيئة رسائل خطاب إلى من تشكّلت صورته في ذاكرة الشاعر سواء كان حقيقياً أو متخيلاً. ولعل القارئ سيجد أشكال الآخر واضحة في غير نص من نصوص المجموعة ومنها نصوص: (التوأمان، والحرب، وثريا، والفاتنة زهرة، والقابلة "الداية"، وإلى حاتم علي: المخرج، والمشهور، و"أم الدويس" أنثى الرغبة، وشبيهي، ولاعب القمار).

في نصَّي التوأمان والحرب نجد الكعبي يرسم صورة إنسانية عن الآخر الذي يتكرّر حضوره الإنساني في حياتنا المعاصرة، فالحروب أوجدت صراعاً بين أطراف متنازعة وحصدت الأرواح ومعها ارتفعت الخسائر، ففي نص (الحرب) تظهر الدلالات في صراعها اللغوي مشكّلةً صراعاً داخل النص كما هو الصراع في الحياة: أنا/ الجندي والعدو:

في الحرب نسيت العناقَ

وخبزَ أمي...

ولم أنسَ عدوي المحدّق بنقطة الضعف فيَّ

يراني وأراه...

يجذبني للغياب

ينادي أمه: أمّاه هل أقتله؟

يتشكّل الصراع هنا من لقطة تشكّلت في مخيلة الشاعر والإنسان عن الصراع على أرض الواقع، كل طرف يحاول القضاء على الآخر، لكن مهمة الشاعر هنا أن يجعل المشاعر تثور والكلمات تتدفق معبّرة عن الصورة الواقعية.

يقع المقطع الشعري السابق بين مقطعين مهمين: المقطع الافتتاحي الذي يرسم من خلاله صورة الإنسان القاطن هذه الأرض كما في قوله:

هيبة محب، متى ضممت -أنتَ لا غيركَ- قبلة وعدتَ لوقتكَ؟

كلام مدفون بين النارنجة والدخان، لا بدّ من مرور سريع للكلام...

صفقات الجاريات المقتادات في هذا الليل الحالكِ، مكتظة بالجرأة...

غاب الضباب بسرعة، وعدتُ مع الشمس...

الإنسان المشبع بالذكريات،

وحده يعاني الماضي،

وحده من يموت قلقاً على الغيب ومن الوردة

وحده يكتب سلالته للموت ويهبه المزيد من الغرباء...

ثم يختتم نصه هذا بمقطع أخير تقوده الذاكرة والبراءة والأمومة متخيلاً الاستعادة على هيئة انحراف عن الطبيعة والأخوة والإنسانية، ولعل سؤالاً مثل "هل" كان كافياً لطرح تلك المعاني وإيجاد نظرة فلسفية في فهم الصراع الحاصل:

ينادي أمه: أماه، هل أقتله؟

هل كانت شطيرة الجبن كافيةً كي أكبر لهذا الوقت؟!

هل يعادل دمه شعركِ الحريري وإبرة الخياطة؟!

هل يعادل لحمه عناء النهوض باكراً؟!

تعدين لي سلال الحب والشوق والتمر؟

تقوديني للباص؟

لا لأكون قاتلاً...

هل كانت قصصكِ عن المروءة تنويمة؟

أم (تعويبة)؟

عدوي اقتلني وأقتلك

علّنا نُرضي أمهاتنا

لعلهن يبكين علينا...

فاقتلني وأقتلك

فالسلام عليك حينما أبعث بعدك حياً.

لعل صور الآخر التي شكّلها الكعبي في نصوصه كانت متنوعة بتنوع رؤيته للحياة؛ فمن نظرة التوأم إلى توأمه في تشاركهما للحياة، إلى رسم صورة الآخر في هيئة القابلة (الداية) التي تتصدر النص بصيغة المتكلم واصفة مشهد ولادة جديدة لهذه الحياة المليئة بالتراكمات القاسية والصراع، فالداية التي تعودت على هذه المشاهد هي نفسها شاهدة على الزمان المليء بالتناقضات وهي المعنية بفهم أسرار الحياة والرحيل.

كذلك في نص (أم الدويس) نجده يستحضر صورة متخيلة للآخر في الحكاية الشعبية المتمثلة في أم الدويس، وهي كما تقول الحكاية إنها أنثى تُغوي الرجال لمضاجعتها ثم تقوم بقطع عضوهم الذكري بمنجلها، هنا يستحضر الكعبي هذه الأسطورة موظفاً مفردات الحب متعلّقا بالحكاية وأسطورتها، فهي لديه لا تمثّل ذلك الخوف كما في أعين الناس وفي حكايات مجالسهم، إنه يصورها كما يصور العاشق حبيبته:

أحبكِ، كي أجلب منجلكِ لخاصرتي،

وتراقصين طبلة أذني بهمسكِ

علّقيني بدفئكِ،

واربطيني في (خصف) التمر، لعل يديها مرت في خيوط السعف

ليلي -وإن حبستُ الغائبَ- رجوع الأسئلة

أنتِ تقطعين الحب وتجذبين العمر لضفتين من عتاب

أنتِ زاوية الفرجة،

فلتكسري الشماريخ لكل عطلة

أبعديني

عن القمر

ومهما هزل الموت وتلاشى الحوار...

قبليني حتى أعانق بكِ هذه الأزمنة.

إذن فالاتجاه الأول الذي أقرأ من زاويته المجموعة الشعرية هو رسم صورٍ متعددة للآخر تنبني عليها النصوص الشعرية وفق رؤية الشاعر، أما الاتجاه الآخر فهو لجوء الشاعر في خطابه الشعري إلى الأنثى واستعارة مفردات اللغة الرومانسية وهذا ظاهر في غير نص أيضا؛ نقرأ ذلك في نصوص مثل: (احتساء، والانتظار، وجهة حمراء، وتعويذة الحجر، وأتقصاك، ولم أجدكِ، ومن لهب).

يظهر الخطاب الأنثوي في المجموعة مشتبكاً مع اللغة التي يحاول من خلالها الشاعر التعبير عن عواطفه وميله إلى الآخر الأنثوي. ويأتي الخطاب متشكّلاً من ضمائر المخاطب التي يوسّع الشاعر بها خطابه الشعري لتصبح الرومانسية جسراً ممتداً بين طرفين يُعلي قيمة الآخر في دلالات النص الشعري. في نص (احتساء) يقترن الخطاب بالرومانسية الشفيفة وتظهر الدلالات معبّرة على العلاقة المتصلة بالحب، ونجد مفردات مثل (الحب، والذاكرة، والنشوة، والفرح، والرمال، والشراع، والأنين، والريح، والنجمة) تمزج الاتجاه الرومانسي في اتصاله بالأنثى، ونجد ألفاظاً مثل "تمرّين" تتكرّر في غير موضع مقدمة للعلاقة العاطفية، ففي نص (احتساء) يقول:

تمرّين كزجاجة معتّقة

ويحتسيك الحب والذاكرة

تمرّين، كشراعٍ في الأنين متعبة...

وفي نص (الانتظار) نجده يقول:

وحدي، أنتظرُ اخضرار الوقتِ

واخضرارَ الحبّ

واخضرارَ جرس التنبيه

وأنا أراقب حالات الوتساب القزحية

تمرّين يا حبيبتي في بالي،

فأتذكّر عينيك الهادئتين،

وأعشق الانتظار.

إنّ فعل المرور في المقطعين السابقين يمثّل قيمة عاطفية في بناء النص يحيله على عشق الانتظار، وهو فعل متكرّر يلجأ إليه الشاعر باستمرار لبناء النص الرومانسي مثلما هو فعل الانتظار الذي يتكرّر أيضا في غير موضع من المجموعة؛ فمثلما وجدناه في النص السابق نجده في نص (جهة حمراء) إذ يقول:

أين يضع العصفور روحه؟

على شفة حمراء.

أين أنتِ؟

بانتظار جناحكَ، كي تلفني.

واتخذنا -بعد ذلك- الجهات حصاناً.

إن للانتظار قيمة شعورية قائمة على الشوق واللهفة للقاء الحبيب وكأن الشاعر يحاول تقريب المسافات بنحت أفعال تعبّر عن دلالات اللقاء والحب. إن المتأمل في الخطاب الأنثوي للكعبي يجده يكثر من هذا التكرار الذي اتخذه أسلوباً في العلاقة بين طرفين، لنا أن نلاحظ قيمة السؤال المتكرر: "أين أنتِ؟" في المقطع السابق وفي نص (لم أجدك)، وكذلك تكرار لفظ "لم أجدكِ" في نصي (أتقصاكِ، ولم أجدكِ).

إنّ لهذا التكرار دواعي في الاستخدام الشعري وأظن أن الكعبي قصده عن وعي من أجل توطيد العلاقة بين الخطاب والصورة المقصودة.

إن مجموعة (القارب الذي نسي البحر) تُعيد إلينا شيئاً من الاشتغال الواضح للشاعر كما في دواوينه الأولى، ويظهر هذا الاشتغال في غير نص قدّمه الكعبي في مجموعته هذه ومن زوايا عدّة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غیر نص کما فی

إقرأ أيضاً:

العراق تصدم العالم الآخر وتجدد دعمها الوحدة الترابية للمغرب ورغبتها في تعزيز التعاون مع المملكة

زنقة20ا الرباط

أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الاثنين بالرباط، أن العلاقات بين المغرب والعراق “متميزة وقوية جدا”.

وأبرز السيد بوريطة، في تصريح للصحافة عقب مباحثاته مع قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق، أن هذه المباحثات شكلت مناسبة ” لتبليغ تقدير صاحب الجلالة الملك محمد السادس للسلطات العراقية، وتهنئة العراق على كل ما حققه في السنوات الأخيرة من استقرار وتنمية بفضل قيادته وشعبه “، مضيفا ان العراق حقق مكاسب كبيرة لاستعادة أمنه واستقراره وبسط سيادته على كل ترابه والحفاظ على وحدة شعبه.

وأشار إلى أن “المغاربة لم ينسوا أبدا بأن العراق أول بلد عربي اعترف باستقلال المغرب سنة 1956، وأن العلم العراقي كان بجانب العلم المغربي خلال المسيرة الخضراء سنة 1975”.

وذكر بالآليات التي تحكم العلاقات الثنائية بين البلدين من حيث الحوار السياسي واللجنة المشتركة والتي سيتم الاشتغال عليها وتفعيلها لمواكبة الإمكانيات الكثيرة التي توفرها العلاقات الثنائية، والتي لم تستغل بعد على المستوى التجاري وعلى مستوى الاستثمار والمجال السياحي.

وأضاف أنه تم التطرق أيضا إلى عدد من القضايا الإقليمية، لاسيما الوضع في سوريا وفلسطين ولبنان، مبرزا تطابق وجهات النظر بين الجانبين حول كل هذه القضايا.

وبعدما أكد أن القمة العربية المقبلة التي ستحتضنها العراق ستشكل مناسبة للحديث حول كل هذه القضايا، عبر السيد بوريطة عن دعم المغرب لكل الاستعدادات التي يقوم بها العراق لجعل القمة ناجحة سواء على مستوى التنظيم أو المخرجات “لأن العالم العربي يمر بمرحلة مهمة، وقمة بغداد ستكون مرحلة مهمة لمواكبة هذه التحولات”.

الصحراء المغربيةالعراق

مقالات مشابهة

  • أمريكا.. مقتل شخص وإصابة 5 في انفجار قارب بولاية فلوريدا
  • انفجار قارب في ميناء فلوريدا يودي بحياة شخص وإصابة خمسة آخرين
  • انفجار قارب بمرسى جنوبي فلوريدا
  • إستراتيجية الشطيرة.. كيف تنتقد الآخرين بطريقة أكثر قبولا؟
  • 100 قارب صيد دعم جديد للصيادين في الخوخة لتعزيز فرصهم المعيشية
  • العراق تصدم العالم الآخر وتجدد دعمها الوحدة الترابية للمغرب ورغبتها في تعزيز التعاون مع المملكة
  • الكعبي: كل الشكر لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي لرعايته الكريمة لماراثون زايد الخيري
  • مقتل 8 مهاجرين بانقلاب قارب في اليونان
  • «الإنجيلية» تنظم لقاءا حول التسامح وقبول الآخر في الفيوم
  • الثلاثاء.. منتدى المستقبل يناقش المجموعة القصصية بطاقة حي بن يقظان