لجريدة عمان:
2024-09-20@23:50:35 GMT

قارب الكعبي الذي لم ينس صُوَرَ الحياة

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

قارب الكعبي الذي لم ينس صُوَرَ الحياة

ضمن إصدارات الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء عام 2023م، صدر للشاعر عبدالله الكعبي ديوانه (القارب الذي نسي البحر)، الذي يأتي بعد عدد من الإصدارات الشعرية ابتدأها بديوان (كأنّ الوجوه تراني) ثم بديوان (إذا مسّه الحب)، و(النيرا ونجوم أخر)، و(أوتار مهملة)، و(ضمير المخمل) وفي كل هذه المجموعات تتفاوت التجربة الشعرية عند الكعبي اشتغالاً وتجريباً وإبداعاً؛ فمنذ إصداره الأول قدّم الكعبي نفسه واحداً من الشعراء الشباب في المشهد الشعري العماني الذين أخرجتهم المسابقات المحلية كالملتقى الأدبي والمسابقة الأدبية ومسابقة المنتدى الأدبي ومهرجان الشعر العماني ومن خلالها عرفنا ميل الكعبي إلى القصيدة الجديدة القائمة على الاشتغال الفني المغاير للأسلوب التقليدي في الكتابة الشعرية.

لم يكن عبدالله الكعبي مهتماً بمسألة الشكل الشعري والصراع الحاصل معه كما في بدايات كثير من الشعراء الشباب لكنه نشر أغلب نصوصه في إطار قصيدة التفعيلة التي رأى من خلالها أفقاً يفتح له أبواب الكلمة وصحراء التأمل الشعري؛ لذا اشتغل في دواوينه الأولى على بناء نصوصه في هذا الإطار، ومع أنه حاول في مجموعاته الأخيرة العودة إلى الشكل العمودي في غير نص فإني أرى أنّ نصوص التفعيلة كانت أكثر توهجاً لديه من النصوص العمودية التي وقع في شراك البساطة في غير موضع منها.

يطالعنا عبدالله الكعبي بمجموعته (القارب الذي نسي البحر) وفيه يأخذ القارئ إلى اتجاهين اثنين: الاتجاه الأول نجده يصعد في خطابه الشعري واضعاً صوراً مختلفة للآخر المشاهَد، فتتشكّل النصوص في هيئة رسائل خطاب إلى من تشكّلت صورته في ذاكرة الشاعر سواء كان حقيقياً أو متخيلاً. ولعل القارئ سيجد أشكال الآخر واضحة في غير نص من نصوص المجموعة ومنها نصوص: (التوأمان، والحرب، وثريا، والفاتنة زهرة، والقابلة "الداية"، وإلى حاتم علي: المخرج، والمشهور، و"أم الدويس" أنثى الرغبة، وشبيهي، ولاعب القمار).

في نصَّي التوأمان والحرب نجد الكعبي يرسم صورة إنسانية عن الآخر الذي يتكرّر حضوره الإنساني في حياتنا المعاصرة، فالحروب أوجدت صراعاً بين أطراف متنازعة وحصدت الأرواح ومعها ارتفعت الخسائر، ففي نص (الحرب) تظهر الدلالات في صراعها اللغوي مشكّلةً صراعاً داخل النص كما هو الصراع في الحياة: أنا/ الجندي والعدو:

في الحرب نسيت العناقَ

وخبزَ أمي...

ولم أنسَ عدوي المحدّق بنقطة الضعف فيَّ

يراني وأراه...

يجذبني للغياب

ينادي أمه: أمّاه هل أقتله؟

يتشكّل الصراع هنا من لقطة تشكّلت في مخيلة الشاعر والإنسان عن الصراع على أرض الواقع، كل طرف يحاول القضاء على الآخر، لكن مهمة الشاعر هنا أن يجعل المشاعر تثور والكلمات تتدفق معبّرة عن الصورة الواقعية.

يقع المقطع الشعري السابق بين مقطعين مهمين: المقطع الافتتاحي الذي يرسم من خلاله صورة الإنسان القاطن هذه الأرض كما في قوله:

هيبة محب، متى ضممت -أنتَ لا غيركَ- قبلة وعدتَ لوقتكَ؟

كلام مدفون بين النارنجة والدخان، لا بدّ من مرور سريع للكلام...

صفقات الجاريات المقتادات في هذا الليل الحالكِ، مكتظة بالجرأة...

غاب الضباب بسرعة، وعدتُ مع الشمس...

الإنسان المشبع بالذكريات،

وحده يعاني الماضي،

وحده من يموت قلقاً على الغيب ومن الوردة

وحده يكتب سلالته للموت ويهبه المزيد من الغرباء...

ثم يختتم نصه هذا بمقطع أخير تقوده الذاكرة والبراءة والأمومة متخيلاً الاستعادة على هيئة انحراف عن الطبيعة والأخوة والإنسانية، ولعل سؤالاً مثل "هل" كان كافياً لطرح تلك المعاني وإيجاد نظرة فلسفية في فهم الصراع الحاصل:

ينادي أمه: أماه، هل أقتله؟

هل كانت شطيرة الجبن كافيةً كي أكبر لهذا الوقت؟!

هل يعادل دمه شعركِ الحريري وإبرة الخياطة؟!

هل يعادل لحمه عناء النهوض باكراً؟!

تعدين لي سلال الحب والشوق والتمر؟

تقوديني للباص؟

لا لأكون قاتلاً...

هل كانت قصصكِ عن المروءة تنويمة؟

أم (تعويبة)؟

عدوي اقتلني وأقتلك

علّنا نُرضي أمهاتنا

لعلهن يبكين علينا...

فاقتلني وأقتلك

فالسلام عليك حينما أبعث بعدك حياً.

لعل صور الآخر التي شكّلها الكعبي في نصوصه كانت متنوعة بتنوع رؤيته للحياة؛ فمن نظرة التوأم إلى توأمه في تشاركهما للحياة، إلى رسم صورة الآخر في هيئة القابلة (الداية) التي تتصدر النص بصيغة المتكلم واصفة مشهد ولادة جديدة لهذه الحياة المليئة بالتراكمات القاسية والصراع، فالداية التي تعودت على هذه المشاهد هي نفسها شاهدة على الزمان المليء بالتناقضات وهي المعنية بفهم أسرار الحياة والرحيل.

كذلك في نص (أم الدويس) نجده يستحضر صورة متخيلة للآخر في الحكاية الشعبية المتمثلة في أم الدويس، وهي كما تقول الحكاية إنها أنثى تُغوي الرجال لمضاجعتها ثم تقوم بقطع عضوهم الذكري بمنجلها، هنا يستحضر الكعبي هذه الأسطورة موظفاً مفردات الحب متعلّقا بالحكاية وأسطورتها، فهي لديه لا تمثّل ذلك الخوف كما في أعين الناس وفي حكايات مجالسهم، إنه يصورها كما يصور العاشق حبيبته:

أحبكِ، كي أجلب منجلكِ لخاصرتي،

وتراقصين طبلة أذني بهمسكِ

علّقيني بدفئكِ،

واربطيني في (خصف) التمر، لعل يديها مرت في خيوط السعف

ليلي -وإن حبستُ الغائبَ- رجوع الأسئلة

أنتِ تقطعين الحب وتجذبين العمر لضفتين من عتاب

أنتِ زاوية الفرجة،

فلتكسري الشماريخ لكل عطلة

أبعديني

عن القمر

ومهما هزل الموت وتلاشى الحوار...

قبليني حتى أعانق بكِ هذه الأزمنة.

إذن فالاتجاه الأول الذي أقرأ من زاويته المجموعة الشعرية هو رسم صورٍ متعددة للآخر تنبني عليها النصوص الشعرية وفق رؤية الشاعر، أما الاتجاه الآخر فهو لجوء الشاعر في خطابه الشعري إلى الأنثى واستعارة مفردات اللغة الرومانسية وهذا ظاهر في غير نص أيضا؛ نقرأ ذلك في نصوص مثل: (احتساء، والانتظار، وجهة حمراء، وتعويذة الحجر، وأتقصاك، ولم أجدكِ، ومن لهب).

يظهر الخطاب الأنثوي في المجموعة مشتبكاً مع اللغة التي يحاول من خلالها الشاعر التعبير عن عواطفه وميله إلى الآخر الأنثوي. ويأتي الخطاب متشكّلاً من ضمائر المخاطب التي يوسّع الشاعر بها خطابه الشعري لتصبح الرومانسية جسراً ممتداً بين طرفين يُعلي قيمة الآخر في دلالات النص الشعري. في نص (احتساء) يقترن الخطاب بالرومانسية الشفيفة وتظهر الدلالات معبّرة على العلاقة المتصلة بالحب، ونجد مفردات مثل (الحب، والذاكرة، والنشوة، والفرح، والرمال، والشراع، والأنين، والريح، والنجمة) تمزج الاتجاه الرومانسي في اتصاله بالأنثى، ونجد ألفاظاً مثل "تمرّين" تتكرّر في غير موضع مقدمة للعلاقة العاطفية، ففي نص (احتساء) يقول:

تمرّين كزجاجة معتّقة

ويحتسيك الحب والذاكرة

تمرّين، كشراعٍ في الأنين متعبة...

وفي نص (الانتظار) نجده يقول:

وحدي، أنتظرُ اخضرار الوقتِ

واخضرارَ الحبّ

واخضرارَ جرس التنبيه

وأنا أراقب حالات الوتساب القزحية

تمرّين يا حبيبتي في بالي،

فأتذكّر عينيك الهادئتين،

وأعشق الانتظار.

إنّ فعل المرور في المقطعين السابقين يمثّل قيمة عاطفية في بناء النص يحيله على عشق الانتظار، وهو فعل متكرّر يلجأ إليه الشاعر باستمرار لبناء النص الرومانسي مثلما هو فعل الانتظار الذي يتكرّر أيضا في غير موضع من المجموعة؛ فمثلما وجدناه في النص السابق نجده في نص (جهة حمراء) إذ يقول:

أين يضع العصفور روحه؟

على شفة حمراء.

أين أنتِ؟

بانتظار جناحكَ، كي تلفني.

واتخذنا -بعد ذلك- الجهات حصاناً.

إن للانتظار قيمة شعورية قائمة على الشوق واللهفة للقاء الحبيب وكأن الشاعر يحاول تقريب المسافات بنحت أفعال تعبّر عن دلالات اللقاء والحب. إن المتأمل في الخطاب الأنثوي للكعبي يجده يكثر من هذا التكرار الذي اتخذه أسلوباً في العلاقة بين طرفين، لنا أن نلاحظ قيمة السؤال المتكرر: "أين أنتِ؟" في المقطع السابق وفي نص (لم أجدك)، وكذلك تكرار لفظ "لم أجدكِ" في نصي (أتقصاكِ، ولم أجدكِ).

إنّ لهذا التكرار دواعي في الاستخدام الشعري وأظن أن الكعبي قصده عن وعي من أجل توطيد العلاقة بين الخطاب والصورة المقصودة.

إن مجموعة (القارب الذي نسي البحر) تُعيد إلينا شيئاً من الاشتغال الواضح للشاعر كما في دواوينه الأولى، ويظهر هذا الاشتغال في غير نص قدّمه الكعبي في مجموعته هذه ومن زوايا عدّة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غیر نص کما فی

إقرأ أيضاً:

طعن كلٌ منهما الآخر.. طلب التحريات في مصرع شابين في مشاجرة ببولاق الدكرور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تباشر جهات التحقيق بالجيزة، إجراء تحقيقاتها حول مصرع شابين في مشاجرة بسبب معاكسة فتاة بمنطقة بولاق الدكرور، واجرت المعاينة التصويرية لجثتى المتوفيين، وكلفت الطب الشرعي بإجراء الصفة التشريحية لجثتيهما واعداد تقرير مفصل باسباب الوفاة، تمهيدًا للتصريح بدفنهما، واستمعت الى اقوال الفتاة المتسببة في المشاجرة، وافادات شهود العيان المحيطين بمسرح الواقعة، وطلبت تحريات اجهزة الامن حول الواقعة. 

معاكسة فتاة تنتهي بمأساة في بولاق الدكرور 

تلقى المقدم أحمد عصام رئيس مباحث قسم شرطة بولاق الدكرور بمديرية أمن الجيزة إشارة من المستشفى تفيد باستقبال "محمد" ميكانيكي، به آثار طعنة في القلب، "عمر" بائع خردة، به آثار طعنتين بالبطن والرقبة، ولقيا مصرعهما أثناء محاولات إسعافهما وادعاء مشاجرة ومقيمان بدائرة القسم، وبالانتقال والفحـص وعمل التحريات تبين قيام الثاني بمعاكسة شقيقة الأول ولدي حضوره للدفاع عن شقيقته نشبت بينهما مشادة كلامية تطورت إلي مشاجرة تعدى فيها الطرفان كلاهما على بعض مما تسبب في اصابتهما التي أودت بحياتهما، جري التحفظ على الجثامين داخل ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة.

 

وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة وتولت النيابة العامة مباشرة التحقيقات.

مقالات مشابهة

  • سارة مارديني.. سباحة سورية من قارب نجاة إلى قاعات المحكمة
  • رغبة التبرير
  • طعن كلٌ منهما الآخر.. طلب التحريات في مصرع شابين في مشاجرة ببولاق الدكرور
  • الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني في الجانب الآخر على الجزيرة
  • إسبانيا تلقي القبض على مغربي متهم بقتل عنصرين من الحرس المدني
  • «البديل الإنجليزي» يمنح الفرح لدورتموند
  • تفاصيل من الحياة الزوجية لملكة جمال سويسرا التي قطعها زوجها بمنشار
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • برلين.. إصابة 9 أشخاص في انهيار سقف قارب حفلات
  • جنوح قارب يحمل مهاجرين سريين قرب كلميم بسبب عطب في المحرك (فيديو)