#شروط_نصر_الله
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
مقال الإثنين: 19 /8/2024
يعلم الجميع، مؤمنين وكافرين، أن هنالك وعد من الله بنصر رسله ومن اتبعهم، وثبتت مصداقية هذا الوعد في مجابهات عديدة على مر العصور، وفيها جميعا لم يكن المؤمنون يمتلكون القوة المكافئة، لكنهم انتصروا على الفئة الكافرة المتفوقة عليهم عددا وعدة، فلا يوجد تفسير لذلك بالحظ أو الصدفة، فهذه معايير ليس لها اعتبار في الحروب، لذا فلا تعليل إلا أن الله نصرهم.
قد يسأل سائل: إن كانت المجابهة بين فئتين كافرتين، فهل انتصار احداهما يعني أن الله كان معها؟.
ليس بالضرورة، فقد جعل الله لكل شيء في الحياة أسبابا، وفي المجابهات العسكرية جعل الأسباب الرئيسة هي التفوق في العدد والعدة، والأسباب الثانوية في المهارة والتخطيط والمباغتة والمراوغة ..الخ، وتدخله تعالى يكون في تهيئة الظروف وتيسير الأسباب، لحكمة أرادها، ومثال على ذلك القتال بين الفرس والروم في زمن الدعوة، حيث حزن المسلمون الأوائل على هزيمة الروم وهم أهل كتاب أمام الفرس المشركين، رغم أن الطرفين عدو لهم، فوعدهم الله أن يفرحهم بنصر الروم في بضع سنين، وفعلا صدق الله وعده.
عندما قدر الله الخلائق وعلاقاتها التكاملية، خص من بينها الإنسان بالسيادة عليها جميعا، وأعطاه العقل ليبقى بهذا التميز، وهداه الى اتباع نهجه إن أراد الفلاح، ومن أعرض عنه فعليه أن يتحمل النتائج، وبالمقابل فمن اتبعه واستقام عليه فقد حباه بحماية خاصة، ليبقى هذا النهج قائما الى يوم الدين، لأنه لم تعد هنالك رسالات ينزلها على البشر لهدايتهم إليه، بل سيبقى المؤمنون بمثابة مشعل الهداية لكل الأجيال القادمة، الى أن يرث الله الأرض وما عليها.
ولضمان ذلك فقد تعهد بحماية هؤلاء، مهما استضعفوا في الأرض بفعل تكالب معادي منهجه عليهم، ومهما كان العداء لهم مستحكما ووسائل القوة لدى أعدائهم متفوقة عليهم: “كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ” [المجادلة:21]، كما أكد أن هذا العهد يشمل المؤمنين الذين اتبعوا الرسل في الدنيا بالنصر على معاديهم، وينصرهم في الآخرة برحمته إياهم وغفرانه لزلاتهم، فيما يحرم الكاذبين المكذبين من تلك الرحمة: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ” [غافر:51].
أهم ملاحظة على ذلك الوعد الحق، أنه في الدنيا يتعامل مع المؤمنين كجماعات، فيما يكون النصر في الآخرة كأفراد،
وهذا الأمر هام، لأن الحياة البشرية لا تستقيم إلا بالنمط المجتعي وليس الفردي، فالإنسان مدني بطبعه، يؤثر ويتأثر، فيصلح المجتمع أو يفسد بحسب الصبغة الغالبة عليه، فيصلح بغلبة الصالحين والعكس صحيح.
لذلك لا ينفع الصلاح الفردي في وسم المجتمع بالصلاح، بل يجب سيادة هذا الصلاح ليكون بمقدوره كبح الفساد، وهذا لا يتحقق إلا إن ساده الصالحون المصلحون، فأقاموا فيه شرع الله، وتكفلوا بتطبيق منهجه في إدارة شؤون الناس ومعيشتهم.. وهو ما يسمونه بالمصطلح المعاصر: السياسة.
الى هنا نكون قد فهمنا سر انهزام الأمة المعاصر، ويمكن تلخيصه بما يلي:
1 – إن المجتمعات الإسلامية الحالية تسوسها قيادات متبعة لمنهج فصل الدين عن الدولة، أي تحييد منهج الله عن التأثير في الحياة العامة للأفراد، وإبقاء الدين مجرد شعائر وطقوس تعبدية، وتعطيل أحكامه والاستبدال بها تشريعات مستوردة فرض أعداء الدين على الأمة اتباعها.
2 – كان الضحية الأولى لهذا التحييد، هجر كتاب الله كمصدر تشريعي، واقتصار دوره على المآتم وافتتاح المؤتمرات وتلاوته لأجل التعبد الفردي: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” [الفرقان:30].
ومعلوم أنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن القرآن مهجورا، بل كان نبراسا يحكم كل سلوكات المؤمنين وأقوالهم، وحياتهم مستقاة من أحكامه وأوامره ونواهيه، لذا فتأويل ذلك أنه سيكون في أزمنة قادمة، ولا أكثر من زماننا هذا انطباقا له.
3 – الثانية كان نبذ الجهاد واعتباره إرهاباً، ومعروف أنه بالجهاد فقط تصان كرامة الأمة وتحمى حياضها.
واضح مما سبق أسباب رفع وعد الله بنصر أمته عنا، لكنه رفع مؤقت، وبزوال الأسباب الآنفة الذكر سيعود، لقوله تعالى: “وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا” [الاسراء:8].
ولتنبيهنا أرانا آيته بنصر المجاهدين في القطاع على ضعفهم وقوة عدوهم الساحقة، ليرينا أن النصر بيده.
مقالات ذات صلة الأردن إذا توقفت الحرب 2024/08/19
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: شروط نصر الله
إقرأ أيضاً:
شروط ومواصفات الصاحب الصالح
لا يحيا الإنسان وحده في هذه الحياة وهو أحوج ما يكون إلى صحبة صالحة وصديق صدوق. وفي هذا الشأن يقول الشيخ حاتم فوزى محمد البري، كبير أئمة مسجد سيدى إبراهيم الدسوقي، أن الإنسان يستطيع أن يري القريب والبعيد، ولكنه لا يري نفسه إلا في مرآة ، فما هي مرآة المؤمن في هذه الحياة التي يري فيها نفسه على حقيقتها بعيوبها وحسناتها وسيئاتها .
مولد إبراهيم الدسوقي.. الطرق الصوفية تبدأ احتفالاتها مولد إبراهيم الدسوقي.. 7 معلومات لا تعرفها عن أحد الأقطاب الصوفية الأربعةالإجابة في هذا الحديث الشريف الذي قال فيه رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم": " إن أحدكم مرآة أخيه فإذا رأى به أذى فليمطه عنه " رواه الترمذي عن أبي هريرة.
وأوضح الشيخ حاتم البري أن ديننا أمرنا أن نتخير الصحبة التي تعين على أمر الله، فالأمانة ثقيلة وشهوات النفس طاغية، والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، وهناك دنيا مزينة وشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم، وهناك الهوى الجامح، ونعم العون علي هذا كله بعد الله عز وجل، هو الصاحب الصالح. وأضاف الشيخ حاتم البري: الصاحب ساحب إما إلى خير ونجاة، وإما إلى شر وهلاك، قال ابن مسعود: من كان منكم متأسيا فليتأس بمن قد مات أولئك أصحاب رسول الله قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، ولقد كانوا على الهدى المستقيم .
فلابد للأنسان المسلم أن يتخير صاحبه ورفيقه ويأسى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وقوله صلى الله عليه وسام، الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف.