سواليف:
2025-05-03@04:51:37 GMT

سيناريو الحرب الإقليمية.. هكذا يبدو لو اشتعلت

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

#سواليف

في حين لا ترغب #إيران ولا الولايات المتحدة في خوض #حرب_إقليمية واسعة، فإن #التصعيد_الإسرائيلي المستمر يجعل من حرب كهذه احتمالا واردا، مما يدعو إلى استشراف الشكل الممكن لتلك الحرب، على صعيد الامتداد الجغرافي، وشكل المواجهة في مسارح #العمليات_الجوية والبحرية والبرية، والتداعيات السياسية والاقتصادية والإنسانية لها على دول وشعوب المنطقة.

وتطلق تسمية الحرب الإقليمية، وفقا لدراسة لمؤسسة السلام الدولية، على مجموعة من الحروب بين دول متجاورة، يعزز بعضها بعضا مما يطيل أمدها، وترتبط عادة بقضايا سياسية وحدودية واقتصادية معقدة.

ويمكن رسم #سيناريو #المواجهة_العسكرية على النحو التالي:

مقالات ذات صلة القسام والسرايا تتبنيان عملية تل أبيب 2024/08/19

الاشتباك الجوي

في حال حصول الحرب، فإن البداية المتوقعة لها تتمثل في هجوم جوي من إيران، ترد عليه إسرائيل بشكل واسع، مما يشعل فتيل قصف جوي متبادل، ينخرط فيه حلفاء كل طرف.

وفي ظل ذلك، يقوم كل طرف باستهداف الأصول الإستراتيجية للطرف الآخر؛ كمراكز القيادة والتحكم، والمفاعلات النووية والمطارات العسكرية والمدنية، والقواعد العسكرية، والموانئ، وشبكات الطاقة والاتصالات والمواصلات، ومنظومات التصنيع العسكري والمدني، بما يحقق تقويض الجبهة الداخلية للطرف الآخر ودفعه للرضوخ والاستسلام.

وفي هذا الصدد يسعى كل طرف إلى امتلاك الغطاء الدفاعي الجوي اللازم، وتمتلك إسرائيل بالفعل نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، وتوفر لها القوات الأميركية والفرنسية المنتشرة في المنطقة حماية فعالة نسبيا، خصوصا بفعل طول المسافة التي تحتاج الصواريخ والمسيرات الإيرانية لقطعها، والبالغة قرابة ألفي كيلومتر.

وهذا ما يجعل الصواريخ والمسيرات القادمة من جنوب لبنان أكثر تهديدا بفعل قربها من الكثير من الأهداف الحيوية الإسرائيلية.

وبالمقابل تسعى إيران، وفقا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست في 15 أبريل/نيسان 2024، إلى امتلاك طائرات سوخوي 35 الروسية ومنظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400، لتقليل الضرر الذي يمكن أن تلحقه الحرب بأصولها الإستراتيجية.

وتعد موافقة روسيا على توريد هذه الأسلحة أمرا محتملا بفعل تطور العلاقة العسكرية بين الطرفين خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وبفعل المأزق الذي تعانيه موسكو بسبب التسليح الغربي المتزايد لأوكرانيا، مما يوفر لها الدافع لاستنزاف خصومها في أي معركة إقليمية محتملة، ومنعهم من إحراز نصر سريع أو سهل فيها.

وتنتج روسيا منظومات الدفاع الجوي إس-400 وإس-500 التي تشكل تهديدا فعالا لطائرات الولايات المتحدة وحلفائها، ولذلك كان تزويدها تركيا بمنظومات من النوع الأول عام 2019 سببا لأزمة دبلوماسية حادة بين أنقرة وواشنطن.

سيناريو

وفي سيناريو تفصيلي وضعته شركة “إس أند بي غلوبال” عام 2021 لحرب مفترضة بين الولايات المتحدة وإيران، توقعت الشركة أن تركز الضربات الأولية على إيران على المنشآت النووية الأكثر أهمية، وخاصة فوردو ونطنز، ومحطة آراك للماء الثقيل، وأي موقع عسكري يشتبه في أنه يشهد تجارب لصنع الأسلحة.

وتسبق هذه الضربات الجوية عمليات تخريب سرية كبيرة ومتزامنة “لتليين الأرض” باستخدام عملاء وهجمات إلكترونية.

وفي حال توسع الصدام، يتوقع هذا السيناريو أن تشن الولايات المتحدة وإسرائيل هجمات صاروخية وسيبرانية على قواعد الحرس الثوري الإيراني، في محاولة خاصة لتعطيل الأصول البحرية والجوية الصاروخية المنتشرة على طول الخليج وتمتد باتجاه الشمال الغربي على طول الحدود العراقية.

ومن المحتمل أيضا، أن تستخدم الولايات المتحدة وإسرائيل أيضا الهجمات الصاروخية والسيبرانية لضرب البنية التحتية للاتصالات، وصناعات الدفاع والفضاء، والقواعد البحرية ومهابط الطائرات المدنية.

وإذا استمرت هذه الضربات، فإنها تستهدف أيضا الموانئ البحرية المصدرة للنفط والغاز والبتروكيميائيات بما في ذلك معشور وعسلوية، وخاصة محطة نفط جزيرة خرج، التي تتعامل مع 90% من صادرات إيران من النفط الخام.

وفي المقابل، فمن المتوقع أن ترد إيران بالصواريخ (الباليستية، والصواريخ الموجهة، والمضادة للسفن)، والطائرات بدون طيار المسلحة، والمقاتلات البحرية السطحية والغواصات التي تستهدف القواعد والقوات الأميركية حول الخليج، ورادارات الدفاع الجوي في جميع أنحاء جنوب المنطقة.

وتشمل الضربات الموانئ البحرية في جنوب الخليج، بما يعطل نشاط الموانئ لبضعة أسابيع، ويتطلب أسابيع إلى أشهر لإصلاحها.

الاشتباك البحري

ويشكل البحر #ساحة_حرب أساسية، لما له من أهمية عسكرية واقتصادية.

وفي المستوى الحالي من المواجهة تستهدف جماعة أنصار الله (الحوثيون) السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية، أو تلك المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، أو المملوكة للشركات التي تنقل البضائع من وإلى دولة الاحتلال، وذلك في البحر الأحمر وخليج عمان بشكل أساسي.

وفي حال انخراط طهران في الحرب، فمن المرجح أن يتطور الإغلاق ليصبح شاملا لكل من مضيقي #باب_المندب و #هرمز ولمختلف السفن، وهو ما ستحاول الولايات المتحدة منعه من خلال الاستهداف الواسع لمصادر التهديد العسكري الإيراني والحوثي، وهو أمر بالغ الصعوبة في مضيق هرمز على الأقل بفعل مجاورته لإيران وامتداد خط الساحل الإيراني لمسافات كبيرة قبله وبعده.

وتوقع السيناريو الذي رسمته شركة “إس أند بي غلوبال” أن “تحاصر إيران مضيق هرمز وتزرع فيه الألغام وتستخدم صواريخ مضادة للسفن لاستهداف السفن التجارية القريبة المرتبطة بالولايات المتحدة وحلفائها، والتي تتحدى الحصار الإيراني.

وفي حين تستمر بعض عمليات الشحن، تكون القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة غير قادرة على ضمان سلامة الشحن التجاري بشكل كامل.

وفي حال دخول حزب الله اللبناني الحرب، إما منفردا، ردا على اغتيال القيادي فؤاد شكر أو ضمن جبهة مشتركة مع إيران، من المرجح أن يستهدف الحزب السفن العسكرية الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى ميناء حيفا، إضافة إلى منصات النفط والغاز في البحر. وذلك باستخدام صواريخ أرض بحر، والطائرات المسيرة.

وتتحدد مدى الأضرار التي يمكن أن تحصل للأسطول البحري الإسرائيلي ولنشاط الموانئ الإسرائيلية بمستوى تطور التسليح البحري للحزب وللتكتيك العسكري الذي سيعتمده.

وإلى هذا الأمر، أشار الأمين العام للحزب حسن نصر الله في خطابه 19 يونيو/حزيران 2024 بقوله إن إسرائيل تعرف أن ما ينتظرها في البحر الأبيض المتوسط كبير جدا، وإنه عندما يفتح الاحتلال حربا مع لبنان فإنّ “كل سواحله وكل شواطئه وكل موانئه وكل بواخره وكل سفنه ستكون مهدّدة، وهو يعرف أنه ليس قادرا على أن يدافع عن كيانه أمام معركة بهذا الحجم”.

الاشتباك البري

ويرجح أن يكون الاشتباك البري مرحلة متقدمة من المواجهة، في حين قد تبدأ مناوشات تستهدف القوات الأميركية في العراق وسوريا مبكرا.

ويوجد في العراق قرابة 2500 جندي أميركي، تشعر الإدارة في واشنطن أنهم سيكونون في خطر في حال اندلاع الحرب. وهذا ما دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أن يطلب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحمل مسؤولية حمايتهم، عقب عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية

وفي مراحل لاحقة، من الممكن أن تشمل المواجهة البرية جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وفقا لمجريات الحرب، وكان حزب الله قد أجرى تدريبات تحاكي دخول قواته إلى بلدات فلسطين المحتلة القريبة من الحدود، إلا أن الإخلاء الإسرائيلي لشريط حدودي بعمق عدة كيلومترات يجعل التوغل البري للحزب مكشوفا وباهظ الكلفة، ما لم يترافق مع انهيار لمنظومة القيادة والسيطرة الإسرائيلية.

وكانت معركة “الإعماء الاستخباري” التي خاضها الحزب على مدار أشهر الحرب العشرة تهدف إلى الحفاظ على أكبر قدر من حرية الحركة للحزب، وخصوصا في حال توسع نطاق الحرب. وتمثلت في القصف شبه اليومي لمحطات الاستطلاع والإنذار المبكر التي ينشرها الاحتلال على طول حدوده مع لبنان والجزء السوري من مرتفعات الجولان.

وفي سوريا من المرجح أن يسعى النظام إلى النأي بنفسه عن المواجهة المباشرة، إلا أن قدرته على السيطرة على الجماعات الموالية لإيران على أراضيه مشكوك بها، علاوة على أن حزب الله قد يكون نجح في تأسيس بنية عسكرية على خط الحدود السوري الإسرائيلي.

ومن غير المستبعد أن تحاول الجماعات الحليفة لإيران في العراق التقدم برا باتجاه الحدود الإسرائيلية، سواء عبر سوريا أو عبر الأردن، وبالمقابل قد تسعى القوات الإسرائيلية إلى مواجهتها داخل الأراضي الأردنية، برا أو جوا، في حال عدم ثقتها بحصول الردع من قبل القوات الأردنية والقوات الأميركية والفرنسية المتمركزة في الأردن.

سلوك الحلفاء

ويعتمد تطور الأحداث بشكل كبير على سلوك الأطراف الدولية الكبرى والقوى الإقليمية غير المنخرطة في الحرب بشكل مباشر.

ففي حين تعلن الولايات المتحدة أنها ستدافع عن إسرائيل في حال مهاجمتها من قبل إيران، إلا أن ذلك قد يعني في بداية الحرب مجرد توفير الحماية الجوية من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، إلا أن تطور الحرب لتشمل “قصفا إستراتيجيا” من حزب الله وإيران سيدفعها بشكل شبه مؤكد للانخراط في الهجوم الجوي على الطرفين.

وفي المقابل تبدي كل من روسيا والصين مواقف دبلوماسية متعاطفة مع إيران، إلا أن أيا منهما لا يرغب في الانخراط المباشر في حرب كهذه، في حين قد تزود روسيا إيران ببعض احتياجاتها العسكرية النوعية، كما يرجح أن توفر، هي والصين، غطاء دبلوماسيا لطهران في مجلس الأمن.

وفي حال تعرض العراق لقصف أميركي أو إسرائيلي يستهدف مقار حكومية أو يوقع أعدادا كبيرة من الضحايا المدنيين، فسوف تجد الحكومة العراقية نفسها أمام ضغط داخلي يدفع بها نحو المشاركة في المواجهة بشكل أكبر.

ويرجح أن تنأى تركيا بنفسها عن المواجهة، وألا تسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على الأراضي التركية، حتى لا تصبح طرفا في الحرب مع إيران. وفي حين يشكل كلا من طهران وتل أبيب منافسين إقليميين لها، فإن تمدد نفوذ أي منهما يعد خبرا غير سار لأنقرة.

وفي ذات الوقت، قد تسعى الدول العربية القريبة إلى النأي بأنفسها عن الحرب، إلا أن وجود قوات أميركية على أراضيها، ومشاركة هذه القوات في الحرب سيجعلها غالبا هدفا لهجمات إيران وجماعة أنصار الله الحوثيين وفصائل “المقاومة الإسلامية” في العراق.

التداعيات المحتملة للحرب

في حال اتسعت الحرب وطال أمدها قد يكون لها تداعيات جيوسياسية طويلة الأمد، على صعيد انهيار أنظمة دولة أو أكثر من أطراف المواجهة، أو حصول تغير في الحدود بين دولتين أو أكثر لدى وقف إطلاق النار، إضافة إلى تغير الأوزان السياسية النوعية لمختلف القوى في المنطقة، وكل ذلك مرهون بمسار الحرب ونتائجها.

ويترافق مع حرب كهذه عادة موجات من اللجوء من البلدان الأكثر تضررا، إضافة إلى أزمات إنسانية ناتجة عن نقص الغذاء والماء والطاقة.

في حين يرجح أن تنخفض القدرة الإنتاجية للنفط والغاز من المنطقة، وأن ينخفض الناتج القومي الإجمالي للمنطقة وللعالم ككل، في حال حصول الحرب، وفقا لما أشار إليه تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي بتاريخ 15 فبراير/شباط 2024.

وأشار التقرير إلى أن تداعيات التصعيد في المنطقة -في “السيناريو المتشائم” لدى المعهد، وباحتمال أقل من 30%- يمكن أن تتجلى في ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية، وارتفاع التضخم، وتأخير التسهيلات النقدية في الاقتصادات المتقدمة، وفي نهاية المطاف، انخفاض النمو العالمي.

وفي هذا السيناريو توقع المعهد أن النمو العالمي سينخفض ​​إلى 2.4% في عام 2024، ويعزى هذا الانخفاض الإضافي في النمو العالمي في المقام الأول إلى المزيد من التعطيل للشحنات عبر قناة السويس ومضيق هرمز.

وينطبق هذا بشكل خاص إذا بدأت إيران أو إحدى قواتها بالوكالة في تعطيل الشحنات عبر مضيق هرمز، مما يجعل المضيق نقطة اختناق مهمة في سوق النفط والغاز العالمية.

الطاقة والنفط

ويعتمد التأثير المحتمل لانقطاع الإمدادات على أسعار الطاقة على مدة وشدة الانقطاع. وفي حين يصعب التنبؤ بمقدار ارتفاع أسعار الطاقة ومدة ذلك الارتفاع، يفترض التقرير أن أسعار النفط والغاز الطبيعي سترتفع بنسبة 40% في عام 2024. وإلى جانب الزيادة في النفط والغاز الطبيعي، سترتفع تكاليف الشحن والتأمين بشكل كبير.

أما بخصوص التأثير على اقتصادات الشرق الأوسط، فإن العوامل الرئيسية التي قد تثقل كاهل النشاط الاقتصادي الإقليمي هي:

مدى ومدة الحرب الأوسع. التخفيضات الإضافية في إنتاج النفط بسبب الهجمات على ناقلات النفط في ظل فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران. اعتماد سياسة نقدية مشددة طويلة المدى في دول الخليج.

ومن الممكن أن تؤدي حرب إقليمية أوسع نطاقا يشارك فيها حزب الله إلى انكماش الناتج القومي بنسبة 20% على الأقل في لبنان و4.5% في إسرائيل.

ومن الممكن أيضا أن تؤدي حرب أوسع نطاقا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الهش في مصر، فقد انخفضت البضائع المارة عبر قناة السويس بأكثر من 40% في يناير/كانون الثاني من العام 2024، مقارنة بالعام السابق. في حين تشكل عائدات قناة السويس مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة بالنسبة لمصر.

وقد ينكمش الاقتصاد الإيراني بنحو 5% في السنة المالية 2024، وقد يتسارع التضخم إلى أكثر من 100%.

وختاما فإن حربا إقليمية ستكون حدثا يرسم الشكل السياسي، وربما الجغرافي، لدول المنطقة في السنوات اللاحقة لها. كما أنه يحمل خطر توسع المواجهة إلى مناطق أخرى في العالم، وخصوصا في حال انتهاز روسيا أو الصين فرصة الحرب لفرض وقائع جديدة في محيطهما الحيوي.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف إيران حرب إقليمية التصعيد الإسرائيلي العمليات الجوية سيناريو المواجهة العسكرية ساحة حرب باب المندب هرمز الولایات المتحدة القوات الأمیرکیة النفط والغاز فی العراق حزب الله فی الحرب وفی حال إلا أن فی حین فی حال

إقرأ أيضاً:

كيف يبدو قطاع الاتصالات في أفغانستان؟

كابل- في ظل ظروف معقدة تعيشها أفغانستان منذ تسلّم حركة طالبان الحكم في أغسطس/آب 2021، يبرز قطاع الاتصالات كواحد من القطاعات القليلة التي تحقق تطورًا نسبيا رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.

وبينما تتقلص قطاعات حيوية مثل المصارف والتجارة والتعليم، يواصل قطاع الاتصالات نموه، إذ أُضيف أكثر من 150 برجًا جديدًا خلال عام 2024، وبلغ عدد المشتركين 22 مليونًا.

ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الإنترنت، والرقابة المشددة، والعقوبات الدولية، تمثل عقبات حقيقية أمام استدامة هذا النمو.

فهل يمكن لهذا القطاع أن يتحول إلى محرك حيوي للتنمية الرقمية في البلاد؟

بدايات من رحم الحرب

نشأ قطاع الاتصالات في أفغانستان وسط أتون الحروب في تسعينيات القرن الماضي، حين كان الهاتف المحمول والإنترنت رفاهية تقتصر على فئات ضيقة من الطبقة السياسية والدبلوماسية.

ومع نهاية التسعينيات، ظهرت أولى شبكات الهاتف المحمول، لتشكل وسيلة تواصل بين المدن والولايات الأفغانية المتباعدة في بلد يعاني ضعف البنية التحتية وصعوبة التنقل.

وخلال فترة حكم طالبان الأولى (1996-2001)، فُرضت قيود مشددة على استخدام وسائل الاتصال، خاصة الإنترنت الذي لم يكن متاحًا سوى عبر قنوات ضيقة.

إعلان

ومع سقوط نظام طالبان عام 2001، بدأ القطاع يشهد انطلاقة جديدة بدعم من المجتمع الدولي، إذ أُسست شركات اتصالات خاصة، واستُحدثت شبكات الجيل الثالث والرابع في بعض الولايات.

أحد محال بيع الشرائح المحمولة في ولاية هرات غربي أفغانستان حيث يشهد السوق إقبالًا متزايدًا من الأفغان (الجزيرة) نمو وسط انكماش اقتصادي

وتشير بيانات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية إلى أن عدد مستخدمي خدمات الهاتف المحمول تجاوز 22 مليونًا، بينما بلغ عدد مستخدمي الإنترنت أكثر من 9 ملايين شخص بحلول عام 2024، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليون نسمة.

والمفارقة أن هذا النمو حدث في ظل انكماش اقتصادي خانق، فقد توقفت أغلب المشاريع الاستثمارية الأجنبية، وتراجعت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. ومع ذلك، استمر توسع الشبكات بدعم من الحكومة والشركات الخاصة، إذ رُكّب أكثر من 150 برجًا جديدًا لتحسين التغطية، خاصة في المناطق الريفية.

وفي مطلع 2025، قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية، المولوي نجيب الله حيات حقاني، في تصريح لوسائل إعلام محلية "نعمل على إيجاد بدائل للتكنولوجيا الغربية"، مشيرًا إلى توقيع اتفاق مع كازاخستان لمد كابل ألياف ضوئية يربط أفغانستان بالشبكات الإقليمية ويدعم استقلال البنية التحتية. وأضاف "تمكنا من إيصال الإنترنت إلى 23 ولاية أفغانية، ونعتزم تعميم الخدمة لتشمل جميع ولايات البلاد قريبًا".

كما دعمت الوزارة إطلاق موقع 4جي جديد في قلات مركز ولاية زابل عبر شركة "أتوما" في 2025، وهو مشروع يعزز الوصول الرقمي في المناطق النائية. وفي فبراير/شباط 2025، نفى الوزير شائعات حول اختراق أنظمة الوزارة، مؤكدًا أن البنية الرقمية "مؤمنة بالكامل ولا تتعرض لهجمات سيبرانية خارجية".

تحديات التمويل والكوادر

ورغم مظاهر التوسع، يواجه القطاع تحديات داخلية، أبرزها نقص الكوادر التقنية وهجرة الخبرات.

إعلان

ويقول سيد أحمد شاه سادات، وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية السابق، للجزيرة نت "العديد من المهندسين المؤهلين غادروا البلاد بعد 2021، وقد أحدث ذلك فجوة كبيرة في إدارة الشبكات وتشغيلها".

ويضيف أن "استيراد الأجهزة الحديثة مكلف ويخضع لتعقيدات جمركية، في ظل العقوبات الدولية ونقص بوابات الدفع الإلكتروني".

كما يؤكد مسؤول سابق في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، للجزيرة نت، أنه "قبل عام 2021 كان قطاع الاتصالات يعتمد اعتمادا كبيرا على الاستثمارات الأجنبية والشراكات مع شركات غربية، وذلك ما سمح بتطوير شبكات الجيل الثالث والرابع في المدن الرئيسية.

لكن العقوبات الدولية الحالية أوقفت هذه الشراكات، وأصبح استيراد المعدات التقنية يعتمد على وسطاء في دول مجاورة، وذلك ما يرفع التكاليف بنسبة تصل إلى 30%. ويوضح المتحدث "هذا الوضع يحد من قدرة القطاع على تحديث البنية التحتية وتلبية الطلب المتزايد على الإنترنت، خاصة في المناطق الريفية".

ورغم الجهود الحالية لتوسيع التغطية، فإن نقص الكوادر المتخصصة الناتج عن هجرة الخبراء يظل تحديًا رئيسيا يتطلب استثمارًا طويل الأمد في التدريب المحلي، كما يضيف المتحدث ذاته.

ولمواجهة هذه الفجوة، افتتحت الوزارة مراكز تدريب محلية، أبرزها مركز التدريب التقني في ولاية بغلان شمالي أفغانستان، حيث تخرّج 72 متدربًا في يناير/كانون الثاني 2025، وفقًا لتصريح مدير المركز.

وتهدف هذه المبادرات إلى بناء قدرات محلية، لكنها لا تعوض النقص الكبير في الخبرات التقنية المطلوبة.

أبراج اتصالات حديثة ترتفع في سماء هرات ضمن جهود توسيع شبكات الاتصال وتحسين تغطية الإنترنت في غرب أفغانستان (الجزيرة) أسعار الإنترنت الأغلى إقليميا

رغم وجود 4 شركات اتصالات كبرى في أفغانستان، فإن أسعار الإنترنت تبقى من الأعلى إقليميا. ففي حين يبلغ سعر الغيغابايت في إيران نحو 0.5 دولار، يراوح السعر في أفغانستان بين 2.3 و2.7 دولار.

إعلان

وفي عام 2022، أعلنت الوزارة خفض السعر إلى 1.41 دولار، لكن الأسعار ارتفعت مجددًا بحلول عام 2024 بسبب تكاليف الاستيراد وتقلبات الاقتصاد.

ويقول عبد الرؤوف نوابي، وهو موظف في بنك خاص بولاية هرات غربي أفغانستان، إن "راتبي الشهري لا يتجاوز 150 دولارًا، لكنني أضطر إلى إنفاق نحو 70 دولارًا على الإنترنت لأنه ضروري للعمل والتواصل، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا".

ويضيف في حديث للجزيرة نت "نستخدم أحيانًا نقاط واي فاي مجانية في المقاهي والجامعات، لكن الخدمة بطيئة وغير مستقرة".

الرقابة على الإنترنت

ومنذ أغسطس/آب 2021، شددت السلطات الأفغانية الرقابة على المحتوى الرقمي. فقد حظرت منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب"، وأُلزم مزودو الإنترنت بحجب المواقع "المخالفة للقيم الإسلامية والثقافة الأفغانية"، وفق تعميم رسمي صدر عن وزارة الإعلام في مارس/آذار 2025.

وفي عام 2022، طُبّق نظام تسجيل شرائح الهواتف عبر بطاقة الهوية، فأثار ذلك قلق الناشطين والمهتمين بحرية التعبير.

ووفقًا لتقرير "فريدم هاوس" لعام 2024، تراجعت حرية الإنترنت في أفغانستان بشكل ملحوظ. ويقول ناشط رقمي، تحفظ على نشر اسمه، للجزيرة نت، إن "الرقابة لم تعد فقط لمنع المحتوى غير الأخلاقي، بل طالت الصفحات الإخبارية والتدوينات النقدية، والنشر أصبح مخاطرة في حد ذاته".

العقوبات الدولية سلاح ضد التطوير

وتُعدّ العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أبرز العوائق أمام تطوير القطاع. فشركات الاتصالات المحلية تجد صعوبة في شراء أجهزة حديثة أو تحديث أنظمة الأمان بسبب توقف التعاملات البنكية الدولية، وعدم القدرة على استخدام منصات الدفع مثل "بيبال" و"فيزا".

ويقول مدير في شركة اتصالات محلية "نحتاج إلى ترخيص برامج حماية للشبكات، لكن أغلب الشركات العالمية ترفض البيع لأفغانستان، أو تشترط وسطاء في بلدان أخرى، وذلك يضاعف التكاليف. هذه القيود تزيد من تكاليف الاستيراد من دول مثل باكستان وإيران، وتؤخر عمليات تحديث البنية التحتية الرقمية".

سعر الغيغابايت من الإنترنت في أفغانستان يراوح بين 2.3 و2.7 دولار (الجزيرة)

ومنذ انسحاب القوات الأجنبية في 2021 انسحبت معظم الشركات الغربية من القطاع، ولم يعد هناك استثمار مباشر من الخارج. وتحاول الحكومة الأفغانية تعويض ذلك عبر تعزيز التعاون مع دول آسيوية مثل الصين وكازاخستان.

إعلان

ووفقًا لمسؤولين، أجريت محادثات أولية مع شركة "هواوي" الصينية لدعم تطوير شبكات الجيل الخامس.

كما يعزز التعاون مع كازاخستان، الذي أُعلن عنه في عام 2025، البنية التحتية الرقمية في البلاد. ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذه الشراكات لا يمكن أن تحل مكان الاستثمارات الغربية، خاصة أن كثيرًا من المعدات التقنية المتقدمة لا تصنعها سوى شركات في أوروبا وأميركا الشمالية.

آمال القطاع وتحدياته

ورغم التحديات، يُنظر إلى قطاع الاتصالات كبصيص أمل في بلد يعاني من عزلة سياسية واقتصادية خانقة. وتراهن الحكومة على تطوير قانون جديد ينظم الإنترنت ويشجع الاستثمار المحلي، وفق ما أفاد به مستشار في وزارة الاتصالات الذي قال للجزيرة نت إن "التوجه العام هو نحو الانفتاح بضوابط أخلاقية".

جهود الحكومة الحالية

حسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية عناية الله الكوزي للجزيرة نت، فإن الحكومة الأفغانية أنجزت عددا من المشاريع البارزة لتطوير قطاع الاتصالات، من بينها:

مدّ أكثر من 1800 كيلومتر من كابلات الألياف الضوئية بينها 488 كلم خلال عام 2024 فقط. تفعيل 869 برجا للاتصالات وتوسيع خدمات الإنترنت في المناطق الريفية بما في ذلك تنفيذ مشاريع جديدة بولاية فارياب. إطلاق خطة لتخفيض أسعار المكالمات والإنترنت اعتبارا من يناير 2025. توزيع أكثر من 33 مليون بطاقة SIM نشطة ووصول عدد مستخدمي الإنترنت إلى نحو 13 مليونا. تنفيذ مشاريع بنية تحتية تشمل بناء 450 موقعا للاتصالات في 18 ولاية بميزانية 1.89 مليار أفغاني. رفع الناتج المحلي

ويؤكد تقرير حديث للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) أن تحسين البنية التحتية الرقمية قد يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 1.5% سنويا، إذا تم تحرير القطاع، ورفع العقوبات، وتوفير التدريب والتجهيزات اللازمة. كما أن الشباب، الذين يشكلون أكثر من 60% من السكان، يمثلون قوة دافعة للطلب المتزايد على الخدمات الرقمية.

إعلان

ويمثل قطاع الاتصالات في أفغانستان نموذجًا لقطاع ينمو رغم الأزمات، لكنه يواجه حدودًا يصعب تجاوزها دون بيئة سياسية واقتصادية داعمة.

فمن أبراج جديدة واتفاقيات إقليمية ومراكز تدريب، إلى رقابة مشددة وعقوبات دولية، تتقاطع فرص هذا القطاع وتحدياته في مشهد معقد.

وبينما يحاول المواطن الأفغاني العادي تصفح الإنترنت وسط أعباء مالية مرهقة، تسعى الحكومة الأفغانية لتحقيق استقلال رقمي.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع أفغانستان تحويل هذا القطاع إلى محرك للنمو الرقمي والاقتصادي، أم ستبقى رهينة القيود الداخلية والخارجية؟

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: الحصار يقود غزة إلى «أسوأ سيناريو»
  • منصة صينية: اليمن يضعنا امام “ميادين القتال المقبلة”
  • وزير الدفاع الأميركي يتوعد إيران بشكل غير مسبوق ويتوعد الحوثيين
  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • كيف يبدو قطاع الاتصالات في أفغانستان؟
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • العراق أرض المواجهة.. سيناريو متوقع لفشل المفاوضات النووية
  • زيلينسكي: نريد أن تنتهي الحرب بشكل عادل..والكرملين يعتبر اتفاق سلام أمر معقد
  • التحالف يقلب الموازين: بريطانيا تدخل خط المواجهة ضد الحوثيين في اليمن
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم