ينطلق مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو، الاثنين، في وقت تبرز  فيه الحرب في غزة كـ"قضية تخلق انقساما حادا" داخل أروقة الحزب، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

ويعتزم ناشطون في مدينة شيكاغو تنظيم تظاهرات خارج مقر انعقاد المؤتمر، الاثنين، للفت الانتباه إلى قضايا داخلية والحرب في قطاع غزة، وفقا لأسوشيتد برس.

ومع ترشيح، كامالا هاريس، التي تُعتبر، بحسب الصحيفة، أكثر تعاطفا مع النشطاء المدافعين عن حقوق الفلسطينيين، تراجعت المخاوف من احتجاجات أشمل كانت ستعطّل المؤتمر لو بقي الرئيس جو بايدن مرشحا للديمقراطيين.

ومع ذلك، لا يزال من المتوقع تجمع عشرات الآلاف من المحتجين، وتبقى إمكانية حدوث اضطرابات كبيرة قائمة.

وعقدت مديرة حملة هاريس، جولي تشافيز رودريغيز، اجتماعات الأسبوع الماضي، للاستماع إلى مخاوف بعض العرب الأميركيين وبعض المندوبين الممثلين للناخبين الديمقراطيين الذين صوتوا بـ"عدم الالتزام" في الانتخابات التمهيدية احتجاجا على سياسة بايدن تجاه إسرائيل.

ورغم هذه الجهود، فقد تظل الاحتجاجات الكبيرة ضد نهج إدارة بايدن تجاه الحرب تلقي بظلالها على المؤتمر.

ويقول نشطاء مؤيدون للفلسطينيين إن هاريس أكثر تعاطفا مع سكان غزة من بايدن. وقال مستشارها للأمن القومي، فيل جوردون، قبل أيام، إنها لا تدعم فرض حظر أسلحة على إسرائيل، حسبما نقلت رويترز.

وبعد لقائها برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الشهر الماضي، في واشنطن، قالت هاريس لصحفيين إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ولكن أيضا "لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نغض الطرف عن المعاناة ولن أصمت"، في إشارة إلى الحرب في غزة.

بعد الاستقرار على هاريس.. ما المرتقب من مؤتمر الحزب الديمقراطي؟ يستعد الحزب الديمقراطي لعقد مؤتمره الوطني في شيكاغو من 19 إلى 22 أغسطس الجاري، في حدث سيكون فرصة لتتويج، كامالا هاريس، مرشّحة للحزب لمنافسة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية المقبلة. السؤال المحوري

وبحسب الصحيفة، يواجه الديمقراطيون سؤالا محوريا خلال المؤتمر: "هل يمثل المحتجون شريحة مؤثرة من الناخبين قادرة على تغيير نتيجة انتخابات نوفمبر، أم أنهم مجرد متطرفين يساريين ينبغي مقاومتهم في سبيل استمالة الناخبين المعتدلين؟".

وفي كلتا الحالتين، ستكون الحرب قضية محورية طوال المؤتمر، كما أكّد حاكم نيو جيرسي، فيل ميرفي، قائلا: "إنها حقيقة لا يمكن تجاهلها. هناك الكثير من المآسي وفقدان الأرواح البريئة، ناهيك عن المخاطر الجيوسياسية الكبيرة التي للأسف لن تختفي في المستقبل القريب".

وأثارت الاحتجاجات على الحرب، بقيادة بعض العرب والمسلمين الأميركيين والشباب التقدميين، اضطرابات في الجامعات والمدن عبر البلاد هذا الربيع، ولاحقت ظهور بايدن خلال حملته قبل انسحابه من سباق الترشح. كما ظهر المحتجون، وإن بشكل أقل حدة، في بعض فعاليات هاريس منذ أن أصبحت المرشحة الفعلية.

من جهتهم، يطالب الناخبون اليهود وبعض المعتدلين السياسيين بموقف أكثر وضوحا من هاريس يؤكد دعمها للتحالف الأميركي الإسرائيلي ومواجهتها لليسار السياسي.

ووفقا للصحيفة تبقى مساعي هاريس في تهدئة كلا الطرفين غير واضحة النتائج، مشيرة إلى أنه بالنسبة لغالبية الناخبين الديمقراطيين، بمن فيهم الشباب، لا تحظى الحرب في غزة بنفس الأهمية التي تحظى بها قضايا التضخم وأزمة الإسكان والإجهاض.

وكشف استطلاع رأي حديث أجرته جامعة شيكاغو ومؤسسة "GenForward،"عن انقسام في آراء الناخبين دون سن الأربعين حول المساعدات العسكرية لإسرائيل. فقد عارضها 36 قي المئة، بينما أيدها 33 في المئة، في حين لم تبد نسبة 29 في المئة موقفا محددا.

وتؤكد الصحيفة أن الاستطلاع أظهر تراجع أهمية حرب غزة في سلم أولويات الناخبين الشباب، مقارنة بقضايا الهجرة والنمو الاقتصادي والتفاوت في الدخل.

وتسببت الحرب بين إسرائيل وحماس، التي دخلت الآن شهرها الحادي عشر، في تقليص الدعم للديمقراطيين بين الناخبين المسلمين والعرب الأميركيين الذين يمثلون أصواتا حاسمة في ولايات متأرجحة منها أريزونا وميشيغان وبنسلفانيا.

الهجرة وغزة وقضايا أخرى.. ما الاختلاف بين هاريس وترامب بشأن الملفات الشائكة؟ تتركز حملة المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، على إكمال ما بدأه الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي حلت محله في السباق الانتخابي، إذ وعدت بمواصلة الكثير مما كان يفعله بايدن خلال السنوات الأربع الماضية، حال جرى انتخابها في انتخابات نوفمبر. مساعي المندوبين المسلمين

ويسعى عشرات من المندوبين المسلمين وحلفائهم الغاضبين من الدعم الأميركي لحرب إسرائيل في قطاع غزة، إلى إجراء تغييرات في برنامج الحزب الديمقراطي ويخططون للضغط من أجل فرض حظر على الأسلحة لإسرائيل هذا الأسبوع، وفقا لرويترز.

وتقول المجموعة المؤيدة للفلسطينيين، التي تطلق على نفسها اسم "مندوبون ضد الإبادة الجماعية"، إنها ستمارس حقوقها في حرية التعبير خلال الأحداث الرئيسية في المؤتمر الوطني الديمقراطي.

وامتنع منظمو المجموعة عن ذكر تفاصيل، لكنهم قالوا إنهم يشجعون المؤيدين على ارتداء الكوفية الفلسطينية وحمل الأعلام الفلسطينية، وسيسعون إلى إجراء تعديلات في برنامج الحزب، في حين يحثون المندوبين على التحدث في قاعة المؤتمر.

ومساء الأحد تجمع نحو ألف من المحتجين المؤيدين للفلسطينيين ونظموا تظاهرة في وسط شيكاغو.

ويقول المندوبون المؤيدون للفلسطينيين إنهم يستحقون دورا أكبر في كتابة برنامج الحزب. ويقام المؤتمر في شيكاغو، التي تضم أكبر عدد من الأميركيين من أصل فلسطيني مقارنة بأي مدينة أميركية أخرى.

وتريد المجموعة تضمين صيغة تدعم إنفاذ القوانين التي تحظر تقديم المساعدات العسكرية للأفراد أو قوات الأمن التي ترتكب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

وقال ليانو شارون، مستشار الأعمال والمندوب الذي وقع على برنامج بديل مع 34 مندوبا آخر "سنجعل أصواتنا مسموعة. حرية التعبير تتضمن بالضرورة الحق في الوقوف والتعبير عن الرأي حتى عندما تأمر السلطة في القاعة بالصمت".

"ألغام سياسية" و"فجوات" مع بايدن.. "معضلة" هاريس في حرب غزة "لن أصمت" أمام المعاناة في غزة، تلك كانت أول تصريحات أدلت بها نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة، كامالا هاريس، عقب لقائها برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الشهر الماضي.  البحث عن التوافق

ورغم حداثة ترشيحها، توضّح نيويورك تايمز، أن حملة هاريس تسعى لتحقيق توافق بين الديمقراطيين حول هذه القضية.

وسافرت مديرة الحملة، جولي تشافيز-رودريغيز، الخميس الماضي، إلى ديترويت للقاء سري مع عباس علاوي، مندوب ميشيغان الممثل للناخبين "غير الملتزمين" في المؤتمر. 

كما عقدت لقاءات مع قيادات عربية ويهودية أميركية.

بالتوازي، نظم كبار مسؤولي اللجنة الوطنية الديمقراطية اجتماعات في شيكاغو مع مندوبين آخرين "غير ملتزمين". وهم يخططون لعقد جلسات نقاش نهارية معهم خلال المؤتمر تجمع فلسطينيين أميركيين ويهود أميركيين.

ومن المقرر تنظيم احتجاجات واسعة أمام القنصلية الإسرائيلية وسط شيكاغو، وفي محيط مكان انعقاد المؤتمر أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس. ويقول منظمون إن عدد المحتجين قد يرتفع إلى أكثر من 100 ألف.

في المقابل، تستعد منظمات مؤيدة لإسرائيل مثل "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل" و"مجلس اليهود الديمقراطيين الأميركيين" ومنظمة "J Street" الليبرالية لعقد فعاليات تستجيب لهواجس ناخبيها.

ويرى بعض الديمقراطيين اليهود ضرورة أن تُظهر  هاريس وشريكها في الترشح لمنصب النائب، حاكم مينيسوتا، تيم والز، للناخبين صلابتهما أمام الضغوط اليسارية وتمسكهما بالتزام أميركا الراسخ بأمن إسرائيل.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الحزب الدیمقراطی کامالا هاریس فی شیکاغو الحرب فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • المصري الديمقراطي يناقش آليات بناء التحالفات بالمشهد السياسي والحزبي
  • هاريس تهاجم سياسات ترامب وقد تصبح مرشحة رئاسية في الانتخابات المقبلة
  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • هاريس تعود للساحة السياسية وتهاجم ترامب
  • تأسيس حزب جديد يحمل الرقم (311)
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • رئيس الإدارة المركزية يلقي كلمة بمؤتمر الإسلام في آسيا الوسطى وكازاخستان نيابة عن وزير الأوقاف
  • رئيسُ إدارة شئون المساجد والقرآن الكريم يلقي كلمةَ وزير الأوقاف بمؤتمر الإسلام في كازاخستان
  • الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا: مستمرون في إجراءاتنا القضائية لضمان حصول الفلسطينيين على حقوقهم
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم