محمود عثمان رزق

08/18/2024

إنّ مفهوم الأمن القومي في الدولة الحديثة لأي بلد مفهم وجودي من أجله رُسمت الحدود وحُرست بجيوش محترفة وتأسس من أجله الحكومات والمؤسسات التي تساعدها في الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين. ومن أكبر المهددات التي تواجه أمن أي بلد هي الحروب الأهلية والفتن الداخلية وكذلك الغزو الأجنبي.

وتعود جذور مفهوم الأمن القومي إلى معاهدة وستفاليا عام 1648م والتي كانت الأساس في ولادة الدولة القومية الحديثة، هذا وقد شاع مفهوم الأمن القومي بعد الحرب العالمية الثانية بشدة وتمسكت به الدول وقامت حوله الدراسات، ومن تعريفات الأمن القومي "أنّه القدرة التي تتمكن بها الدولة من الحفاظ على مصادر قوتها الداخلية والخارجية والاقتصادية والعسكرية وذلك في جميع المجالات لمواجهة ما يُهددها في الداخل والخارج وفي الحرب والسلام مع ااستمرار في الحفاظ على هذه القوى في الحاضر والمستقبل من أجل تحقيق أهدافها"، وبهذا يكون الأمن القومي هو زبدة المصالح الحيوية للدولة. ولهذا تراقب الدول كل التحركات والأسباب المحسوسة مادياً وغير المحسوسة في داخل حدودها وخارجها حتى لو كانت بعيدة لترى كيف يمكن أن تزعزع أمنها وإستقرارها. فإذا كان مصدر التهديد خارجياً فللدولة عدد من الوسائل والسياسات التي يمكن أن تجابه بها تلك المهددات. أما إذا كان المهدد للأمن القومي داخلياً فعلى الدولة حسم تلك المهددات بكل الوسائل المشروعة دستورياً وقانونياً ودولياً.

ونحن هنا في السودان نعتبر أن النزوع للقبلية والإثنية هو أكبر مهدد ظل يهدد وجود الدولة السودانية الحديثة منذ الإستقلال، فقد نشبت الحرب ضد الدولة وجيشها قبل إعلان الإستقلال بعام تقريباً. وعندما تكونت حكومة الإستقلال في عام 1956 واجهت حرباً داخلية قبل أن تجلس على كرسي الرئاسة وتقرر وتخطط وتحكم. تلك الحرب كانت تمرداً بسبب النزوع الى الإثنية التي غزّاها وعزف على وترها المستعمر قبل وبعد خروجه من البلاد. هده الشرارة الإثنية التي أشتعلت في توريت استمرت عشرات السنين حتى أدت لإنفصال الجنوب أخيراً.

والآن بعد هجوم الجنجويد تبين لنا بكل وضوح خطر تلك العصبيات الإثنية والقبلية وتبين لنا مدى تغافلنا لهذا الخطر وتساهلنا نحوه . فقد آن الأوان للوقوف ضد هذا المهدد الوجودي بكل السبل القانونية والشرعية لأنّها مهدد جدُ خطير على الأمن القومي السوداني. فلا بد للسودان أن يستفيد من تجربة رواندا وتشريعاتها بهذا الخصوص وقد نجحت رواندا في محاربة هذا الخطر الذي جرها لمذبحة مليونية بشعة كادت أن تزيلها من الوجود كدولة. يجب على الدولة السودانية تقوية الجانب القومي بتشريع التشريعات اللازمة لذلك.

وفي نظري يجب على الدولة إلغاء النظام الأهلي والنظارات والعموديات في جميع أنحاء السودان وإبدالها بنُظم ٍمحليةٍ حديثة تقيم العدل وتحفظ الحقوق والأرواح والممتلكات وتقوي الروح القومية والإنسانية في الوسط الذي تعمل فيه. وكذلك يجب على الدولة أن تمنع المؤتمرات القبلية والإثنية وتمنع استخدام الألقاب السيادية على المستوى الشخصي أو الإعلامي حتى ولو كانت تلك الألقاب قديمة الإستعمال ك"المك" "السلطان" "الملك" ....الخ. تمنع الدولة تصديق النوادي التي تحمل أسماء القبائل والإثنيات والإقاليم والمدن وتسحب الإذن من النوادي القائمة الآن. وكذلك تمنع الدولة إنشاء هيئات ومنظمات مجتمع مدني تقوم على أساس إثني أو جهوي أو قبلي وتسحب تراخيص المنظمات القائمة. تمنع الدولة الخطاب العنصري شفاهة أو كتابة أو بأي وسيلة من الوسائل ويجب أن تعاقب عليه بأقسى العقوبات وتجعله مهدداً للأمن القومي ويحكم في ذلك القضاء وحده. يجب على الدولة أن تستبدل الولاء للجهة والإثنية والقبيلة بالولاء للوطن والولاية. فالمواطن السوداني أبوه السودان وأمه الولاية التي يقطنها. ويمكن بمفهوم الإنتماء للولاية أن نحدد نسب المشاركات في مؤسسات الحكم الإتحادي المركزية بدلاً من مفهموم الإثنيات والقبليات التي لا عدد لها ولا حصر.

إن الحكومات القادمة عليها أن تُرى السودانيين أنيابَها في هذا المجال الوجودي، وعليها العمل الجاد والسريع لإجتثاث هذا السرطان العضال الذي انتشر في جسد الأمة السودانية منذ عام 1955 وحتى الآن ولم يجد ابن أبيه ليتصدى له.

morizig@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: یجب على الدولة الأمن القومی

إقرأ أيضاً:

ترامب يُقيل مدير وكالة الأمن القومي ومسؤولين أمنيين واستخباريين

 

 

واشنطن- الوكالات

 

كشف مسؤولون أمريكيون عن أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أقالت مدير وكالة الأمن القومي، المتخصصة بعمليات التنصت والتجسس الإلكتروني، الجنرال تيموثي هُو ونائبته المدنية ويندي نوبل، بالإضافة إلى عدد من مسؤولي مجلس الأمن القومي بعد تشكيك في ولائهم من الناشطة اليمينية المتطرفة لورا لومر.

وأكدت لومر في تصريحات لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أنها دافعت عن عمليات الإقالة هذه خلال اجتماعها مع الرئيس ترامب، الأربعاء. وخلال الاجتماع، ضغطت لومر من أجل إقالة عدد من المسؤولين إلى جانب هُو، الذي يدير أيضًا القيادة السيبرانية الأمريكية، وتحديدًا موظفي مجلس الأمن القومي الذين اعتبرتهم غير مخلصين للرئيس. وكشفت عن أنها حضت ترامب على إقالة هُو؛ لأنه «اختير بعناية» من رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة سابقًا الجنرال مارك ميلي عام 2023، عندما رُشِّح هُو للقيادة السيبرانية ووكالة الأمن القومي.

وكشف مسؤول أمريكي رفيع عن أن ترامب أمر وزير الدفاع بيت هيجسيث بإقالة الجنرال هُو.

وكتبت لومر في منشور على منصة «إكس»، أن «مدير وكالة الأمن القومي تيم هُو ونائبته ويندي نوبل خانا الرئيس ترامب. ولهذا السبب أُقِيلا».

وألغى هيجسيث في يناير الماضي التصريح الأمني لميلي بسبب عدم ولائه لترامب. وبموجب قرار الإقالة، أُعيد تعيين نوبل في وظيفة داخل مكتب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات والأمن في «البنتاجون».

وصرح مسؤولون حاليون وسابقون بأنهم لا يعلمون بأي سبب رسمي لإقالة هُو أو نقل نوبل. وجرى تعيين القائم بأعمال مدير وكالة الأمن القومي الجنرال ويليام هارتمان، الذي كان نائبًا لقيادة الأمن السيبراني، في منصب هُو. وعُيّنت المديرة التنفيذية لوكالة الأمن القومي شيلا توماس نائبةً له.

والجنرال هُو خبير في الأمن السيبراني، يتمتع بخبرةٍ تزيد على 30 عامًا في الخدمة العسكرية؛ بما في ذلك رئاسة قوة المهمات الوطنية السيبرانية التابعة للقيادة السيبرانية، والتي قادت عمليات سيبرانية هجومية في الخارج. وأدار قسم القيادة السيبرانية في «المجموعة الصغيرة الروسية»، في جهد مشترك مع وكالة الأمن القومي للدفاع عن انتخابات التجديد النصفي لعام 2018 من التدخل الروسي.

وخلال جهود الدفاع عن الانتخابات عام 2018، قاد هُو عمليات هجومية ضد «المتصيدين» الروس، وأطلق مبادرات لكشف برامج التجسس الخبيثة لوكالة التجسس الروسية، وتنفيذ مهمات «المطاردة المتقدمة» ضد الاستخبارات الروسية في الشبكات الحكومية لأوروبا الشرقية.

وكان رد فعل القادة الديمقراطيين في لجنتي الاستخبارات بمجلسي النواب والشيوخ سريعًا. ورأى عضو لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ السيناتور مارك وارنر أن هُو خدم بامتياز. وقال في بيان: «في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة تهديدات إلكترونية غير مسبوقة، كما أبرز الهجوم الإلكتروني الصيني (سولت تايفون) بوضوح، كيف يُمكن أن تجعل إقالته الأمريكيين أكثر أمانًا؟».

وقال نظيره في مجلس النواب النائب جيم هايمز، في بيان: «أشعر بقلق بالغ إزاء قرار» إقالة هُو؛ لأن الأخير «قائد صادق وصريح، التزم بالقانون ووضع الأمن القومي في المقام الأول. أخشى أن تكون هذه هي الصفات التي قد تؤدي إلى إقالته من هذه الإدارة».

وأقال هيجسيث والرئيس ترامب عددًا من كبار الضباط من مناصبهم، وبينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز كيو براون، ورئيسة العمليات البحرية الأدميرال ليزا فرانشيتي، وقائدة خفر السواحل الأدميرال ليندا فاغان.

لكن هذه الإقالات تُمثل خرقًا للسوابق. يسعى الضباط العسكريون إلى العمل بعيدًا عن السياسة، وعادةً ما يُبقيهم الرؤساء في مناصبهم حتى لو كانوا مُرشحين من قِبل أسلافهم.

إلى ذلك، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» أن لومر، المعروفة بتبنيها نظرية أن هجمات 11 سبتمبر 2001 كانت مؤامرة داخلية، عرضت مخاوفها على ترامب، الذي أكد أن قرارات الإقالة «لا ترتبط على الإطلاق» بنصائح لومر. ولكنه وصفها بأنها «وطنية عظيمة»، مضيفًا أنها «تقدم توصيات... وأحيانًا أستمع إلى تلك التوصيات». وقال إن «لديها دائمًا ما تقوله وعادة ما يكون بنّاءً».

وأكدت صحيفة «نيويورك تايمز» أن لومر انتقدت بشدة، خلال هذا الاجتماع، شخصية بعض المستشارين وولاءهم، أمام مستشار الأمن القومي مايك والتز. وأضافت أنه بعد ذلك جرت إقالة ستة أشخاص من مجلس الأمن القومي، بينهم ثلاثة من كبار المسؤولين.

ونقلت وسائل إعلام أخرى مثل شبكة «سي إن إن» وصحيفة «واشنطن بوست» وموقع «أكسيوس»، معلومات عن الاجتماع الذي أكدت لومر حصوله. وقالت إنه «احترامًا للرئيس دونالد ترامب وللسرية في المكتب البيضاوي، لن أكشف عن أي تفاصيل عن لقائي».

وأتت عمليات الإقالة في وقت يواجه فيه مجلس الأمن القومي مراجعة بسبب فضيحة إضافة صحفي عن طريق الخطأ إلى محادثة على تطبيق «سيجنال» للتراسُل الفوري، ناقش فيها مسؤولون تنفيذ ضربات ضد الحوثيين في اليمن.

مقالات مشابهة

  • البكوش: الكوني مفلس سياسيًا ويجب أن يستقيل إذا كانت ليبيا “محتلة”
  • حماس تردّ على المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي
  • برقية غيرت التاريخ.. كيف كانت السبب في دخول أمريكا الحرب العالمية الأولى؟
  • يجب استهداف الأماكن التي تنطلق منها المسيّرات المعادية في أي دولة كانت
  • جنرال إسرائيلي: حرب غزة كانت الأكثر ضرورة في تاريخ إسرائيل ولكن..!
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • ترامب يُقيل مدير وكالة الأمن القومي ومسؤولين أمنيين واستخباريين
  • استقالة قائد القيادة السيبرانية الأمريكية ومدير وكالة الأمن القومي تيموثي هوغ
  • «ترامب» يقيل مدير وكالة الأمن القومي وسط انتقادات من الكونجرس
  • ترامب يقيل مدير وكالة الأمن القومي وسط انتقادات من الكونغرس