سودانايل:
2025-03-06@19:50:17 GMT

حرب السودان والفرص الضائعة

تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT

د. الشفيع خضر سعيد

فعلا، كما قال الدبلوماسي السوداني الوطني الحصيف، رفض الذهاب إلى محادثات جنيف أمر لا يتسم بالحكمة، ودائما الأفضل أن تذهب الأطراف المتصارعة، والتي كل المؤشرات تشير إلى استحالة حسم صراعاتها بانتصار طرف على الطرف الآخر، بينما المنتصر هو دمار الوطن وهلاك الناس، الأفضل أن تذهب إلى حل صراعاتها هذه عبر التفاوض دون قيد أو شرط، وأن تضع على طاولة التفاوض كل شروطها وطلباتها.

أتمنى عندما يصل مقالي هذا إلى القارئ أن يكون طرفا التفاوض قد اكتمل وصولهما إلى جنيف والتأمت المحادثات، برضا الطرفين، بالطبع، حول تصميمها وأجندتها والمشاركين فيها من ميسرين ووسطاء ومراقبين.
هذا هو المطلب الأول والرئيسي للشعب السوداني الذي يريد من الطرفين وقفا لإطلاق النار وتدفقا للمساعدات الإنسانية درءا للمجاعة وتفشي الأوبئة، مثلما يأمل أن تتوقف الجرائم والانتهاكات المريعة والتي لقوات الدعم السريع القدح المعلى فيها. والشعب السوداني مصمم تماما أن الذهاب إلى جنيف أبدا لا يعني القبول والتسليم بعودة الأطراف المتحاربة إلى نفس مكانتها وأوضاعها قبل الحرب فيما يختص بإدارة السياسة في البلد. فكما كررنا كثيرا، لا القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها من الحركات المسلحة، ولا قوات الدعم السريع وحلفاؤها من الحركات المسلحة، هم من سيحددون مصير السودان ومستقبله السياسي، فهذه مسؤولية القوى المدنية والسياسية السودانية وحدها، وهي المناط بها تصميم وقيادة العملية السياسية والتي بدونها لن تضع الحرب أوزارها.
إن انتقادنا لتلكؤ بورتسودان في الذهاب إلى جنيف لن ينفي إشارتنا إلى أن طلب السودان إجراء لقاءات تشاورية مع الولايات المتحدة قبل لقاء جنيف المقترح، هو طلب مشروع، بل وضروري وكان لابد منه، لأن من شروط نجاح أي لقاء أو حوار أو تفاوض بين أطراف متصارعة، عسكريا أو سلميا، أن تسبقه مشاورات واسعة يجريها الوسيط مع هذه الأطراف، يتم فيها الاتفاق على طبيعة اللقاء وأهدافه وجدول أعماله وكيفية إدارته ومستوى الوفود المشاركة…الخ، وذلك على النحو الذي أوردناه في مقالنا الأسبق. صحيح تم الانتباه إلى هذه النقطة في الثواني الأخيرة والتي احتضنت لقاء جدة التمهيدي، ولكن كما كان متوقعا، جاء اللقاء مخيبا للآمال ومضاعفا للشحنة السالبة، حسب فهمنا لتقرير رئيس وفد حكومة بورتسودان الذي قدمه إلى الوسائط الاجتماعية قبل تقديمه إلى قيادته في بورتسودان، مشفوعا بتوصية مقاطعة جنيف. من ناحية أخرى بدا لنا الأمر وكأن الجانب الأمريكي، لا يملك استراتيجية متكاملة حول العملية التفاوضية ومراحلها.
وفي كل الأحوال، إذا التأم منبر جنيف الراهن أم لم يلتئم، أرى ضرورة وأهمية أن يعكف الطرفان، السوداني والأمريكي، على الدخول في مناقشات ثنائية قبل أي جولات قادمة، علها تسهم إيجابا في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، وتلافي بعض الأخطاء والعثرات التي لازمت تعامل الجانب الأمريكي مع الشأن السوداني. فمن خلال هذه اللقاءات يمكن أن يقدم الجانب الأمريكي تصورا كاملا حول الموقف من تنفيذ اتفاق جدة، مايو/أيار 2023، وأن يتقدم بمواقف أكثر عمقا وصراحة حيال المطالب والتساؤلات السودانية.

الشعب السوداني مصمم تماما أن الذهاب إلى جنيف أبدا لا يعني القبول والتسليم بعودة الأطراف المتحاربة إلى نفس مكانتها وأوضاعها قبل الحرب فيما يختص بإدارة السياسة في البلد

ومن ناحية أخرى، فإن أي مباحثات أو تفاهمات مع الإدارة الأمريكية يجب ألا تنفصل أو تكون بمعزل عن الرؤية الاستراتيجية الكلية للجانب السوداني في إدارة ملف التفاوض، بل هي أولى خطواته الأساسية والهامة، واضعين في الاعتبار انعكاس هذه التفاهمات وتأثيراتها في المفاوضات مع قوات الدعم السريع.
هذا الأمر لم يتحقق في جدة، ولن يتحقق إذا ظلت الأمور على حالها دون تغيير ودون وجود رؤية واضحة وموحدة عند الجانب السوداني تجاه ما ينبغي عمله والوصول إليه.
بالنسبة للقاء جنيف الراهن، كان واضحا منذ البداية ضرورة التشاور حول المراقبين، مصر والإمارات، من حيث قبول الطرفين لهما ولدورهما وصلاحياتهما في اللقاء. ومع ذلك، ليس مفهوما، بل ومستغربا، اعتراض السودان على وجود الإمارات كمراقب في المحادثات.
فالقاصي والداني يدركان أنه ليس متصورا حدوث اختراق جدي في ملف حرب السودان بمعزل عن دولة الإمارات التي يهمها مسار التفاوض ونتائجه لعلاقتها الوطيدة بما يجري في السودان. وهي ظلت تربطها علاقات وطيدة مع قيادات طرفي الحرب قبل أن تتحدث التقارير عن دعمها العسكري المباشر لقوات الدعم السريع.
وفي الحقيقة، كان ولايزال من الضروري، في إطار التمهيد لأي منبر تفاوضي، إجراء محادثات مباشرة وصريحة بين السودان والإمارات حول دور الأخيرة في الحرب، وذلك بدلا عن التصريحات المتشنجة والتي لا طائل منها ولا تعكس سوى الشعبوية ممزوجة بغياب الحساسية القيادية تجاه ما يحدث في الوطن من هلاك ودمار. وكان ظننا أن الاتصال التلفوني بين الفريق عبد الفتاح البرهان والشيخ محمد بن زايد جاء بمثابة إشارة لبدء محادثات عميقة بين الدولتين حول لماذا تدعم الإمارات قوات الدعم السريع، وماذا تريد من السودان.
أما مصر، فأيضا ليس متصورا حدوث اختراق جدي في ملف الحرب بمعزل عنها. فبالإضافة إلى وشائج الصلة والعلاقات التاريخية والتكاملية مع السودان، تنظر مصر إلى الأمر من باب حماية أمنها القومي في ظل التوترات السياسية والعسكرية المتصاعدة على حدودها مع إسرائيل ومع ليبيا وفي البحر الأحمر، وكذلك التوترات المتعلقة بمياه النيل، إضافة إلى ما تعانيه من استنزاف في مواردها بسبب استقبالها لأعداد مهولة من طالبي الأمن والأمان القادمين من سوريا والسودان وفلسطين وليبيا واليمن ودول أخرى.
وبالنظر إلى الأهمية القصوى لمسألة الأمن القومي هذه، يمكننا تفهم علاقة مصر الوطيدة مع القوات المسلحة السودانية وتمسكها بوحدتها باعتبارها المؤسسة العسكرية الشرعية في البلد.
وكما أشرنا في مقالات سابقة، فإن ما يعزز من دلالات حديثنا هذا هو أن وجود مصر والإمارات في محادثات العاصمة البحرينية المنامة كان مفصليا في ولادة ذلك الاتفاق الموقع بالأحرف الأولى ولكنه قتل في مهده.

نقلا عن االقدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع الذهاب إلى إلى جنیف

إقرأ أيضاً:

التحديات والفرص.. مؤشرات الحكم والحريات بأفريقيا

مع تزايد الاهتمام العالمي بمؤشرات الحوكمة، أصبحت أفريقيا جنوب الصحراء محورًا للتحليل والتقييم من قبل المنظمات الدولية.

فبينما تحقق بعض الدول تقدمًا ملموسًا في مجالات الديمقراطية، والشفافية، وسيادة القانون، لا تزال دول أخرى تعاني من الفساد، والقمع السياسي، والاضطرابات الأمنية، مما يؤدي إلى تراجع تصنيفاتها في التقارير الدولية.

ووفقًا لتقرير "أفريقيا في المؤشرات والتقارير الدولية 2024″، فإن الأداء العام للحكم في القارة يواجه تفاوتًا كبيرًا بين الدول، إذ يبرز البعض كنماذج للتحسن، بينما تعاني دول أخرى من تدهور مستمر في الحريات الأساسية.

مؤشرات الحكم

يُعدّ مؤشر إبراهيم للحكم الرشيد لعام 2022 من أبرز الأدوات التي تقيس أداء الدول الأفريقية في الحوكمة. ويتضمن المؤشر أبعادا متعددة، منها الأمن وسيادة القانون، والمشاركة الديمقراطية، والشفافية المؤسسية.

أبرز نتائج المؤشر لعام 2024: تحسن بعض الدول مثل سيشيل، والرأس الأخضر، وبتسوانا، حيث أظهرت هذه الدول تقدمًا في مكافحة الفساد وتعزيز الكفاءة الحكومية.

تراجع مستمر في دول النزاع مثل السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفريقيا الوسطى، حيث أثرت الصراعات المسلحة والأزمات السياسية سلبًا على استقرار المؤسسات. ضعف سيادة القانون في العديد من الدول، إذ تعاني بعض الحكومات من عدم استقلال القضاء، وانتشار الفساد الإداري، وتراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة. إعلان

وتُظهر البيانات أن الدول التي استثمرت في بناء مؤسسات قوية تتمتع بقدرة أكبر على تحقيق التنمية الاقتصادية وحماية الحقوق المدنية، بينما تعاني الدول ذات الحكومات غير المستقرة من تراجع في مستويات المعيشة وتزايد معدلات الهجرة واللجوء.

قيود على الصحافة والمجتمع المدني

يُظهر مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 أن أفريقيا لا تزال من أكثر المناطق تحديًا لحرية الإعلام، إذ تتعرض الصحافة في بعض الدول لرقابة حكومية صارمة، ومضايقات أمنية، واعتقالات تعسفية.

وهناك دول مثل ناميبيا، وغانا، وجنوب أفريقيا تأتي في مقدمة الدول الأفريقية التي تتمتع بحرية صحافة نسبية.

في المقابل، تعاني إريتريا والسودان من قيود شديدة، حيث يواجه الصحفيون الاعتقالات والقمع وإغلاق المؤسسات الإعلامية المستقلة.

 

فحملات التضييق على وسائل الإعلام الرقمية تتزايد، مع فرض قيود على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في بعض الدول.

أما في ما يخص المجتمع المدني، فإن بعض الدول الأفريقية تتبنّى سياسات تقييدية تجاه الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، إذ تفرض قوانين صارمة على التمويل الخارجي وتمنع بعض الأنشطة السياسية والحقوقية، مما يحدّ من قدرة المجتمع المدني على القيام بدوره في تعزيز الحريات العامة والمساءلة الحكومية.

القوة الناعمة وأفريقيا

في ظل التغيرات العالمية، تسعى بعض الدول الأفريقية إلى تعزيز نفوذها عبر الدبلوماسية الثقافية والاقتصادية، وهو ما يعكسه المؤشر العالمي للقوة الناعمة لعام 2024.

فدول مثل جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا من بين الدول التي تستثمر في التعليم والثقافة والاقتصاد الرقمي لتعزيز مكانتها عالميا.

وأصبحت الرياضة والفنون والتكنولوجيا أدوات فعالة لرفع التأثير الإقليمي والدولي لبعض الدول الأفريقية.

ولكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين إمكانات أفريقيا وتأثيرها العالمي، إذ تعاني العديد من الدول من ضعف البنية التحتية ونقص الاستثمارات في التكنولوجيا والبحث العلمي.

إعلان إفلات الفاسدين من العقاب

تشير البيانات إلى أن العديد من الدول الأفريقية تعاني من ضعف في أنظمة العدالة، حيث يتفشى الإفلات من العقاب في قضايا الفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم المالية.

كذلك فإن غياب المساءلة يؤدي إلى فقدان الثقة بالحكومات، مما يعيق جهود الإصلاح.

وفي بعض الدول، يستخدم القضاء أداة سياسية ضد المعارضين، مما يقوّض نزاهة النظام القضائي. فممارسات الفساد في الأجهزة الأمنية والقضائية تؤدي إلى تعثر مسار الإصلاحات الديمقراطية.
وتُعد سيادة القانون من أهم الركائز التي تضمن استقرار المجتمعات، إلا أن ضعفها في بعض الدول الأفريقية يعزز حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

بين التحديات والفرص

رغم التحديات المستمرة، لا تزال أفريقيا تمتلك فرصًا كبيرة للتحول الديمقراطي وتحسين الحكم الرشيد، ويمكن تحقيق ذلك عبر:

تعزيز استقلالية القضاء للقضاء على الفساد وضمان العدالة للجميع. تمكين المجتمع المدني ودعم الحريات الإعلامية لخلق بيئة سياسية شفافة.

الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لتحسين الاقتصاد وتعزيز القوة الناعمة. تحقيق شراكات دولية فعالة لدعم إصلاحات الحوكمة ومكافحة الفساد.

ويبقى التحدي الأكبر هو مدى التزام الحكومات بالإصلاحات الفعلية، وليس فقط الإصلاحات الشكلية.

فالمؤشرات وحدها لا تكفي، بل يجب أن تقترن بإرادة سياسية قوية وإجراءات عملية لتحقيق تقدم ملموس.

مقالات مشابهة

  • اجتماع مع بعثة ليبيا في جنيف لمناقشة ظاهرة الحرائق في الأصابعة
  • قرقاش: الجيش السوداني وشركاؤه من الإخوان المسلمين يناورون لتبرير رفضهم للسلام
  • التحديات والفرص.. مؤشرات الحكم والحريات بأفريقيا
  • الجيش السوداني يعلن تحقيق انتصارات على الدعم السريع في عدة محاور
  • الدستور الانتقالي السوداني لعام 2025 ما بين التأسيس الجديد والتحديات الراهنة
  • الخطة القادمة اسوأ من الحرب!!
  • هكذا يتم تهريب الصمغ العربي السوداني الشهير.. ما علاقة الدعم السريع؟
  • «شرق النيل» في قبضة الجيش السوداني
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • سحر رامي: لا أشعر بالخذلان.. والفرص تأتي لمن يستحقها