«الرد الإيراني».. حقيقة «الثأر المؤجل» بين طهران وتل أبيب!!
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
تغيِّم الحيرة على فضاء منطقة الشرق الأوسط. على الأقل، منذ الرابع عشر من إبريل الماضي، عندما نفذت قوات الحرس الثوري الإيراني، ما يسمى بعملية «الوعد الصادق» ضد إسرائيل، ردًا على استهداف منشآت وقيادات عسكرية في: سوريا، لبنان، والعراق، دون وقوع خسائر إسرائيلية مؤثرة.. خلال شهر أغسطس الجاري، تتسع مساحة الحيرة لدى الأغلبية، حيث لاتزال إيران وجماعات مسلحة تابعة لها، وأخرى محسوبة عليها، تكتفي بإطلاق تهديدات، لا ترقى لمستوى الحرج السياسي- الأمني، الذي تعرضت له، عقب اغتيال رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، في، طهران، وقتل الرجل الثاني في، حزب الله، فؤاد شكر، في المربع الأمني للحزب، في بيروت.
تنعكس الحيرة على معظم التحليلات، التى تحاول فك رموز العلاقة المتشابكة- المتشعبة، بين إيران وإسرائيل، وقراءة وفهم خياراتهما في تنفيذ الهجمات والهجمات المضادة، خاصة «الهجوم الاستعراضي» الذي نفذته إيران، يوم 14 إبريل الماضي، وعدم توافق العمليات الميدانية الإيرانية - جوا، برا، وبحرا- مع استراتيجيتها، الداعية لـ«محو إسرائيل» كما لا تعبر، في المقابل، عن حجم العداء المُعلن من «الكيان» تجاه إيران، منذ نجاح ثورة الخميني عام 1979، وسيناريوهات عدة، تشير إلى أن أي «رد إيراني» مستقبلي، سيكون في المستوى نفسه، ربما لتنسيق المصالح مع الأعداء المعلنين، قبل الأصدقاء المقربين، أو لعمق «الاختراق» الذي تعبر عنه سلسلة عمليات محرجة للنظام الأمني والاستخباراتي الإيراني، أخرها، واقعة اغتيال «هنية» أو لصراعات النفوذ بين المؤسسات الإيرانية، خاصة قوات الحرس الثوري، بصلاحياتها الكبيرة داخل وخارج إيران، وأجهزة أخرى، ما يدفعنا لإطلالة على مشاهد كاشفة.. وموضحة.
المشهد الأول
في الثلاثين من يوليو الماضي، شارك وفد حركة «حماس» برئاسة الراحل، إسماعيل هنية (61 عاما) وعضوية «خليل الحية، محمد نصر، وزاهر جبارين» في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، في طهران، وسط إجراءات أمنية مشددة.. الوفد، لم يراوده السيناريو الدرامي، الذي شهده مبنى «دار الضيافة» الواقع في نطاق دائرة القصور الرئاسية، بمجمع «سعد آباد»، شمال طهران.. منذ عقود تتواصل زيارات وفود «حماس» العلنية والسرية، لإيران.. في كل مرة، يجرى التشاور وتنسيق المواقف وحسم التحركات السياسية والميدانية.. تتولى قيادة الحرس الثوري الإيراني تأمين الوفود.. تقوم وزارة الاستخبارات الإيرانية، وأجهزة أخرى، بأدوار نسبية في عمليات التأمين.. خلال الزيارة الأخيرة، أنهى وفد حماس اللقاءات البروتوكولية.. شارك في مأدبة العشاء الرئاسية.. انتقل لمقر الإقامة، ليلا، عقب الاحتفال الرسمي الكبير.. قبل الصعود لغُرف النوم، تطرق أعضاء وفد حماس لما تم خلال مراسم اليمين الدستورية.. حاولوا تقييم استقبال ضيوف إيران لمندوبي الحركة.. صعد «هنية» إلى غرفته، في الدور الرابع، بمبنى دار الضيافة.
بعد 90 دقيقة، تقريبا، من صعود «هنية»، تعرض المبنى لصدمة قوية، تشبه الزلزال.. تصاعد الدخان الكثيف من غرفته.. سقط سقفها، وأحد الحوائط. ممثل حماس في إيران، خالد قدومي، مندهشا «جثة، هنية، ومرافقه، وسيم أبو شعبان، وهيئة التى كانت عليها الغرفة، توحي بأن الهجوم على المبنى تمّ، جوًا، بواسطة صاروخ أو قذيفة» بحسب وكالة «مهر» الإيرانية.. يحاول «قدومي» قطع الطريق على دوائر إيرانية، تحمل المسئولية لـ«فريق الحماية الخاص بهنية، كونه لم يلتزم بالاحتياطات الأمنية، خاصة أمن الاتصالات». الرواية الرسمية لإيران وحماس، تنفي فرضية الاختراق الأمني الداخلي «مقر إقامة، هنية، شمال طهران، لم يكن سريا، بل معروفا لكثيرين، فهو خاص بكبار الزوار».
تتمسك استخبارات «فيلق القدس» بأن «عملية اغتيال، هنية، تمت بواسطة مقذوف قصير المدى، برأس حربي، وزنه 7 كيلوجرامات، من خارج نطاق دار الضيافة». هيئة البث الإسرائيلية، تتبنى السيناريو نفسه «هنية، قُتل بصاروخ أطلق من دولة خارج إيران». يسهل تضليل وسائل الإعلام، عبر تسريب روايات بعينها، وتكثيف تسويقها، كما في واقعة اغتيال «هنية». الفرق كبير بين تنفيذ الاغتيال بقنبلة أو قذيفة؟ الخيار الأول، سيوحي بإخفاق مباشر للأجهزة الأمنية الإيرانية، وفريق الحماية الخاص بـ«هنية» المعني بتفتيش وتنظيف الغرف، وفحص مكان الإقامة نفسه بكل دقة.. خيار «القذيفة» سيتفرق دمه بين أطراف عدة. سيخفف من وقع عملية الاختراق الداخلي، لكنه، من واقع المتابعة، يتعارض مع التحقيقات الجارية، حاليا، مع عشرات العناصر المنتسبة لوحدة الحماية «أنصار المهدي» التابعة للحرس الثوري.. تستهدف التحققات معرفة حجم الإخفاق في تأمين وفدي «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» في الدورين الثالث والرابع، بدار الضيافة، وهل حدثت عملية اختراق، على غرار عمليات سابقة تعرضت لها إيران، واعترفت ببعضها، خلال العقدين الماضيين.
المشهد الثاني
في التاسع ديسمبر 2006، اختفى نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق، علي رضا عسكري.. كان يعمل مع، علي شمخاني، وزير الدفاع، آنذاك.. ملابسات كثيرة أحاطت بتقاعد «عسكري» قبل عامين من اختفائه، خلال زيارة غير مخططة لتركيا، تحول بعدها إلى سراب. لاتزال الواقعة تحرج تركيا حتى، الآن، بعد الربط بين الاختفاء واتهامات باستخدام أراضيها من قبل الاستخبارات الأمريكية والإسرائيليه، المتهَمتيْن بالمسئولية عن اختفاء «عسكري».. يتساوى سيناريو الاختطاف والهروب في واقعة «عسكري» الذي كانت بحوزته حصيلة معلومات عسكرية وأمنية شديدة الحساسية، حول البرنامج النووي الإيراني، وأنشطة قوات الحرس الثوري، بحكم دوره القيادي في تنسيق العمليات في لبنان، العراق، وسوريا، ثم رئاسة هيئة عمليات الحرس الثوري، ومساعد المفتش العام في وزارة الدفاع الإيرانية.
منذ اختفاء «عسكري»، قبل 18 عاما، تعددت عمليات الاغتيالات لشخصيات إيرانية رفيعة المستوى، وأخرى متعاونة معها: قائد الجناح المسلح لحزب الله اللبناني، عماد مغنية، في 12 فبراير 2008، قائد برنامج الحرب الإلكترونية الإيراني، مجتبى أحمدي، مطلع أكتوبر 2013.. الرجل الأهم في الملف النووي الإيراني، محسن فخري زادة، وقبله، 5 من علماء البرنامج نفسه. الاغتيالات طالت قائد فريق برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وعددًا من مساعديه. منذ عام 2020، تتابعت العمليات بشكل مكثف لقيادات الصف الأول في الخارج، أخطرها، تصفية قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، وقيادات عسكرية وأمنية إيرانية وحليفة في: سوريا، لبنان، اليمن، والعراق، اختتمت برئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، مؤخرا.
في كل المحطات، لا يمكن الفصل بين حصيلة المعلومات الضخمة لدى «عسكري» قبل الاختفاء الغامض، عن تنفيذ عمليات الاغتيال المتتابعة، داخل وخارج إيران، بل وحصول جهاز، الموساد، الإسرائيلي على أرشيف البرنامج النووي الإيراني، الذى يصل وزنه إلى 2 طن من الوثائق، شديدة السرية، قبل نقلها إلى إسرائيل، وإعلان رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، عنها عام 2018.. الأطراف المتنازعة حاولت التمويه على مصير «عسكري».. تحدثت معلومات مسربة قبل نهاية عام 2010، عن مصرعه في سجن «أيالون» الإسرائيلي، بمنطقة الرملة، شمال غرب مدينة القدس.. معلومات أخرى، سربتها إيران، لحفظ ماء الوجه، أشارت إلى إعدامه بمعرفة السلطة القضائية المحلية، نتيجة تعاونه مع الأمريكان.. معلومات ثالثة، تقول إنه يعيش، حاليا، بهوية جديدة في الولايات المتحدة.
المشهد الثالث
في مارس 2019، تعترف إيران بأكبر عملية اختراق تتعرض لها وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي.. العملية نفذها مساعد وزير الدفاع السابق، علي رضا أكبري (61 عامًا) الذي تم اعتقاله في ربيع العام المذكور، بتهمة التجسس لصالح جهاز الاستخبارات البريطاني - MI6- وإعدامه، شنقًا، في يناير 2023.. وزارة الاستخبارات الإيرانية: «علي أكبري، أحد أهم عناصر جهاز التجسس البريطاني في المراكز الحساسة والاستراتيجية في إيران.. نقل معلومات، وعَمِل ضد الأمن القومي.. يتحمل جزءا من المسئولية عن اغتيال العالم النووي، محسن فخري زادة، عام 2020» كان «علي أكبري» يشغل مناصب عدة في منظومة الدفاع والأمن الإيرانية: معاون وزير الدفاع للعلاقات الخارجية، مستشارا لقائد القوات البحرية، رئيسًا لأحد الأقسام في مركز بحوث وزارة الدفاع، فضلا عن العمل في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي.
سجلات الاستخبارات الإيرانية، عددت التفاصيل «بريطانيا، دفعت لأكبري أكثر من مليوني يورو، حصل، لمدة 10 سنوات، منها على منازل في النمسا، بريطانيا، وإسبانيا» مقابل معلومات عن البرامج النووية والعسكرية الإيرانية.. كشف «علي أكبري» هوية عشرات الشخصيات الأمنية، العسكرية، والعلمية.. حصل على الجنسية البريطانية عام 2012.. تزامن إعدامه مع اعتقال شبكات تجسس محلية في طهران، أصفهان، أذربيجان الغربية، ومناطق أخرى.
لم يكن «علي أكبري» استثناء.. من الأسماء التى أحرجت إيران، وكشفت برنامجها البحثي، عالم الفيزياء النووية، شهرام أميري.. هرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، صيف عام 2009.. أطلعها على تفاصيل دقيقة في إيران، قبل عودته بـ«ضغوط أُسرية»، ثم إعدامه في العام التالي، ما يوضح حجم الاختراقات الأمنية، وفاعلية العناصر المتورطة، حيث لا تمنع علاقات العداوة أو الصداقة بين الدول، أجهزة الاستخبارات من العمل في كل النطاقات، لمعرفة ما يتم لدى الغير.
المشهد الرابع
مساء السادس من أكتوبر عام 1978، طائرة بوينج، تابعة للخطوط الجوية العراقية، تهبط في مطار «أورلي» الفرنسي.. كانت قادمة من بغداد، وعلى متنها قائد الثورة الإيرانية، الخميني.. دخل فرنسا بتأشيرة سياحية، مدتها 3 شهور، قبل تمديدها لـشهر رابع.. الضيف، المثير للجدل، أقام، أولا، في حي «كشان» جنوب باريس، ثم انتقل إلى منزل أكبر بمنطقة «نوفل لوشاتو» الراقية، التى يقطنها الأثرياء على تخوم، العاصمة الفرنسية.. تولى الغرب الأوروبي- الأمريكي، رعاية، الخميني، وتحويله إلى رمز عالمي، عبر حملة ترويج ضخمة.
كان، الخميني، يدير، حينها، الاحتجاجات التى خرجت ضد حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي.. كثف «الخميني» نشاطه المعارض، خلال الفترة من 7 يناير 1978 إلى 11 فبراير 1979، مبشرا بـ«الجمهورية الإسلامية». تمدد العنف في المدن الإيرانية. فجأة، قرر الخميني العودة إلى طهران، مطلع فبراير 1979. تحركت الحشود الجماهيرية لاستقباله. تماهت تيارات سياسية يسارية وعلمانية إيرانية مع، الخميني. مع خطابه الليبرالي، الذي يستخدم شعارات فضفاضة، لاتزال متداولة في المنطقة العربية، حتى الآن «حرية التعبير، احترام حقوق الإنسان، التصدي للدكتاتورية» قبل تعرض تلك التيارات لصدمة كبرى بعد نجاح الثورة الإيرانية.
المشهد الخامس
في 21 أكتوبر عام 1984، يقف الرئيس الأمريكي الراحل، رونالد ريجان (73 عاما) أمام منافسه في الانتخابات، وولتر مونديل، الذي شغل منصب نائب الرئيس، في ولاية جيمي كارتر، نهاية السبعينيات.. كانت المناظرة الرئاسية الثانية، التى تنقلها شبكة «سي إن إن» حاسمة.. وظف خلالها، «ريجان» الممثل السابق في هوليوود، موهبته في إقناع الأمريكان بإعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة.. من بين تصريحاته اللافتة: «سياستنا الخاطئة أدت إلى سقوط نظام الشاه في إيران. هي نقطة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. نتيجة لهذه السياسات استطاع متعصب مجنون -الخميني- الإمساك بزمام الأمور في إيران، ليرسل آلاف الإيرانيين إلى أفواه النيران».
حينها، كان «ريجان» يصف «الخميني» بـ«عضو نادي القتلة» بينما كان الإعلام الإيراني، يصف أمريكا بـ«الشيطان الأكبر». بادر النظام الجديد في إيران، بعد عام 1979، بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، لكن رغم الخطاب الإعلامي والدبلوماسي، بمفراداته العدائية، والزاعقة، تفجرت فضيحة «إيران كونترا» أو «إيران جيت». تبين للعالم أن قادة الثورة الإيرانية، بقيادة «الخميني» يستوردون أسلحة أمريكية- إسرائيلية، لقتال «العراق»، خلال حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق.
ظهرت الفضيحة للعلن، منتصف ثمانينيات القرن الماضي. تمت الصفقة العسكرية المعقدة، حينها، بمعرفة «ريجان» ومدير الاستخبارات الأمريكية، ويليام كيسي.. كانت عبارة عن اتفاق، يتم بموجبه توريد أسلحة، نوعية، لقوات الثورة الإيرانية، مقابل توريد قيمتها المالية لتمويل حركات «الكونترا» الثورية، المناوئة للنظام الشيوعي في، نيكاراجوا، بأمريكا الجنوبية. تضمنت الصفقة مبادرة إيران بتحرير رهائن السفارة الأمريكية في طهران، لتخفيف الضغط الشعبي على إدارة «ريجان». عمّقت «الفضيحة الدولية» حينها، أزمة الثقة بين معظم دول الشرق الأوسط وإيران. لاتزال الشكوك العربية مستمرة، لا يمكن تجاوزها، خاصة عند تقييم العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية، الآن. خلال الـ75 عاما الماضية، كانت إيران ثاني دولة، ذات أغلبية مسلمة، بعد تركيا، تعترف بإسرائيل، وتتعامل معها كـ«دولة ذات سيادة» منذ عام 1953.. زادت الشكوك بعد نجاح، إيران، في «الاستنزاف الأول» لقدرات العراق، البوابة الشرقية للعرب، قبل عام 1988.
المشهد السادس
في الثاني من أغسطس 1990، بادر العراق باحتلال الكويت. تعرض الرئيس الراحل، صدام حسين لــ«خدعة أمريكية» تزامنت مع انهيار الاتحاد السوفيتي.. أكدت السفيرة الأمريكية في العراق «أبريل جلاسبي» حياد بلادها: «ليس لدينا رأي حول الصراعات العربية، الكويت ليست مرتبطة بأمريكا» قبل أن تستغل الولايات المتحدة غزو العراق للكويت في إشعال حرب الخليج «الثانية»، وبدء عملية «عاصفة الصحراء» التى تسببت في «الاستنزاف الثاني» للعراق، ثم تدمير قوته العسكرية، عبر 110 ألف غارة جوية، متواصلة لمدة 43 يوما، منذ فجر 16 يناير 1991، ثم عمليات برية، في 24 فبراير من العام نفسه، بمشاركة مليون مقاتل، انتهت بتحرير الكويت في 27 فبراير.
كان الغزو الأمريكي للعراق، في ربيع عام 2003، بمثابة التمهيد لخطوة أكبر، عنوانها الأساسي «الفوضى الخلاقة» وعنوانها الترويجي «الربيع العربي» لتجريد المنطقة العربية من جيوشها التقليدية، من ليبيا غربا، إلى سوريا، شرقا، ومحاولة الهيمنة على مسارح العمليات في المنطقة، ضمن الصراع الاقتصادي- العسكري، بين القوى الدولية. ظلت إيران وإسرائيل «استثناء» من التطورات الدرامية في الجوار المشتعل.. كانتا، أيضا بـ«مأمن» من العمليات الإرهابية التى تمددت في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، منذ 2001 حتى 2018، وهي العمليات التي تسببت، نسبيا، في اختلال موازين القوة في المنطقة لصالح إسرائيل، وإيران، التى استفادت من حالة الاهتراء الغقليمي في التدخل المباشر في شئون: لبنان، العراق، اليمن، سوريا، وصناعة حالة الانقسام بين فصائل الثورة والمقاومة الفلسطينية، ودعم حوالي 55 فصيلا عسكريا مسلحا في العراق، تصطف تحت إطار «الحشد الشعبي» ذي الأغلبية الشيعية.
ويبقى، أنه في ظل العلاقات المتشابكة في المنطقة، فقد برعت إيران وإسرائيل في تصدير «العداء الشامل»، لكن ظل «الجوار العربي» بمثابة العدو المشترك، فيما تواصل الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتبنى سياسة «توزيع الأدوار»، وحرص قوى المصالح الدولية، على حفظ التوازن النسبي، والحد من سيناريو، الحرب الإقليمية، كون تداعياته الاقتصادية، ستكون كارثة، في منطقة يوجد بها نصف احتياطيات الطاقة، ويخرج ثلث الإنتاج العالمي، ومع ذلك، تواصل الأطراف اللعب بـ«البيضة والحجر» وتوظيف كل الأوراق، والشعارات لخدمة مصالحها، على حساب الأمن القومي العربي.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل تل أبيب منطقة الشرق الأوسط طهران الرد الإيراني الولایات المتحدة الثورة الإیرانیة الحرس الثوری وزیر الدفاع فی المنطقة فی إیران
إقرأ أيضاً:
حكام إيران بين مطرقة ضغوط ترامب وسندان الاقتصاد الهش
ينظر قادة رجال الدين في إيران، إلى التعاون مع "الشيطان الأكبر" للتوصل إلى اتفاق نووي، وتخفيف العقوبات الخانقة للاقتصاد، بأنه قد يكون ولو لمرة واحدة، أقل الضررين.
وقال 4 مسؤولين إيرانيين، إن "طهران ليس لديها أي ثقة على الإطلاق في الولايات المتحدة لا سيما الرئيس دونالد ترامب، لكنها تخشى في الوقت نفسه أن يتحول الغضب العام الآخذ في التزايد جراء الصعوبات الاقتصادية إلى احتجاجات حاشدة".
Though Iran harbors deep mistrust of the United States, and President Trump in particular, for Tehran’s clerical leaders, engaging with the ‘Great Satan’ to hammer out a nuclear deal and ease crippling sanctions may for once be the lesser of two evils https://t.co/SFhOC94oQE
— Reuters (@Reuters) March 14, 2025ولهذا السبب وعلى الرغم من الموقف المتشدد، ولهجة التحدي العلنية التي تصبغ خطاب الزعماء في إيران، فهناك استعداد فعلي داخل أروقة السلطة في طهران لإبرام اتفاق مع واشنطن، حسبما يؤكد المسؤولون الأربعة.
ويوضح المسؤولون، أن مخاوف طهران تفاقمت بسبب استئناف ترامب السريع لحملة "أقصى الضغوط"، التي بدأها في ولايته الأولى للوصول بصادرات النفط الإيرانية إلى مستوى الصفر من خلال فرض المزيد من العقوبات، وتوجيه ضربة قاصمة لاقتصاد البلاد الهش بالفعل.
وقد سلط الرئيس مسعود بزشكيان الضوء مراراً وتكراراً على خطورة الوضع الاقتصادي في الجمهورية الإسلامية، قائلاً إنه أكثر صعوبة مما كان عليه أثناء الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، وأشار هذا الشهر إلى الجولة الأحدث من العقوبات الأمريكية التي تستهدف ناقلات النفط الإيرانية.
وقال أحد المسؤولين الإيرانيين، إن القادة يخشون أن يؤدي قطع كل الطرق الدبلوماسية إلى تأجيج السخط الداخلي تجاه الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، نظراً لأنه صاحب الكلمة الأخيرة في الجمهورية الإسلامية.
وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن: "ليس هناك شك على الإطلاق في أن ما آل إليه الوضع الراهن، يتحمله الرجل الذي يشغل منصب الزعيم الأعلى منذ عام 1989، أكثر من أي شخص آخر بسبب توجهاته المتعلقة بالسياسة الخارجية".
وكان تراجع الاقتصاد الإيراني هو ما دفع خامنئي إلى إعطاء موافقته مبدئية للاتفاق النووي، الذي أبرم مع القوى الكبرى عام 2015، ما أدى إلى تخفيف العقوبات الغربية وتحسين الأوضاع الاقتصادية. لكن هجوم الرئيس ترامب المتجدد على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018، أدى إلى تدهور مستويات المعيشة مرة أخرى.
وقال علي رضا يوسفي (42 عاماً)، وهو مُعلّم من أصفهان "الوضع يزداد سوءاً كل يوم. لا أستطيع تحمّل إيجار منزلي أو دفع فواتيري أو شراء ملابس لأطفالي"، وأضاف "الآن، ستجعل العقوبات الإضافية الحياة مستحيلة".
March 11—Tehran, Iran
Disabled people hold protest rally in front of the Presidential palace, protesting the government's refusal to implement a law that requires providing the basic needs of disabled people who can't work. #IranProtestspic.twitter.com/zF6IaFdxa9
وفي نفس الوقت الذي تصاعدت فيه الضغوط على إيران، بفرض عقوبات جديدة وتهديدات بعمل عسكري، فتح ترامب أيضاً الباب أمام المفاوضات بإرسال رسالة إلى خامنئي، يقترح فيها إجراء محادثات بشأن الملف النووي. ورفض خامنئي العرض يوم الأربعاء الماضي، وأعاد التأكيد على أن واشنطن تفرض مطالب مبالغ فيها، وأن أسلوب "البلطجة" لن يُجبر طهران على قبول التفاوض.
وقال وزير خارجية إيران عباس عراقجي، في حديث لصحيفة إيرانية، نشر أمس الخميس: "إذا دخلنا في مفاوضات بينما يفرض الطرف الآخر أقصى قدر من الضغط، فإن موقفنا في التفاوض سيكون ضعيفاً ولن نحقق شيئاً".
وأضاف "يجب إقناع الجانب الآخر بأن سياسة الضغط غير فعالة، وحينها فقط يمكننا الجلوس إلى طاولة المفاوضات ونحن على قدم المساواة".
وقال مسؤول إيراني كبير إنه لا يوجد بديل سوى التوصل إلى اتفاق، وهذا ممكن بيد أن الطريق لتحقيق ذلك سيكون شائكاً، نظراً لعدم ثقة إيران في ترامب بعد انسحابه من اتفاق عام 2015.
وتمكنت إيران من تفادي الانهيار الاقتصادي وكان الفضل الأكبر في ذلك للصين، المشتري الرئيسي لنفطها وإحدى الدول القلائل التي لا تزال تتعامل تجارياً مع طهران رغم العقوبات.
وانخفضت صادرات إيران من النفط بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لكنها تعافت في السنوات القليلة الماضية، وحققت إيرادات تزيد عن 50 مليار دولار في عامي 2022 و2023، بعد أن وجدت إيران وسائل للالتفاف على العقوبات، وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ومع ذلك، لا تزال حالة عدم اليقين تلقي بظلالها على استدامة الصادرات، حيث تهدف سياسة أقصى الضغوط التي ينتهجها ترامب إلى تشديد الخناق على مبيعات النفط الخام الإيرانية من خلال جولات متعددة من العقوبات على الناقلات والكيانات المشاركة في التجارة.
ويواجه حكام إيران أيضاً سلسلة من الأزمات الأخرى تتمثل في نقص الطاقة والمياه، وانهيار العملة، والانتكاسات العسكرية لحلفائها في المنطقة، وتزايد المخاوف من ضربة إسرائيلية على منشآتها النووية، وهي أزمات تفاقمت بسبب الموقف المتشدد لترامب.
ويعاني قطاعا الطاقة والمياه من نقص الاستثمار في البنية التحتية، والإفراط في الاستهلاك بسبب الدعم، وانخفاض إنتاج الغاز الطبيعي، ووسائل الري غير الفعالة، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه.
وتشير مواقع مختصة بسوق العملات الأجنبية، إلى أن الريال الإيراني فقد أكثر من 90% من قيمته مقابل الدولار، منذ إعادة فرض العقوبات في عام 2018، وهو ما أكده مسؤولون وأعضاء بالبرلمان.
وفي ظل المخاوف بشأن نهج ترامب الصارم، ذكرت تقارير لوسائل الإعلام الرسمية أن الإيرانيين الباحثين عن ملاذات آمنة لمدخراتهم، لجأوا إلى شراء الدولار وعملات أجنبية أخرى والذهب أو العملات المشفرة، مما يشير إلى مزيد من التدهور في قيمة الريال الإيراني.
وأفادت وسائل إعلام رسمية، أن سعر الأرز ارتفع بنسبة 200% منذ العام الماضي. وارتفعت أيضاً تكاليف السكن والمرافق بشكل حاد، حيث زادت حوالي 60% في بعض أحياء طهران ومدن رئيسية أخرى خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعةً بالانخفاض الحاد في قيمة الريال وارتفاع أسعار المواد الخام.
ويبلغ المعدل الرسمي للتضخم حوالي 40%، لكن بعض الخبراء الإيرانيين يقولون إنه يزيد على 50%، وأفاد مركز الإحصاء الإيراني بارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الغذائية، حيث ارتفعت أسعار أكثر من ثلث السلع الأساسية بنسبة 40% في يناير (كانون الثاني) الماضي، لتتجاوز ضعف ما كانت عليه في الشهر نفسه من العام السابق.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، نقلت وكالة تسنيم للأنباء عن رئيس معهد العمل والضمان الاجتماعي في إيران، إبراهيم صادقي فر قوله إن "ما بين 22% و27% من الإيرانيين أصبحوا الآن تحت خط الفقر". وفي غضون ذلك، ذكرت صحيفة "جمهوري إسلامي" الإيرانية الأسبوع الماضي، أن معدلات الفقر بلغت نحو 50%.
وقال شخص يدعى مرتضى (39 عاماً) عبر الهاتف من البازار الكبير في طهران "بالكاد أستطيع تغطية إيجار متجر السجاد الخاص بي أو دفع رواتب عمالي. لا أحد يملك المال لشراء السجاد. إذا استمر هذا الوضع، فسأضطر إلى تسريح العمال".
وأضاف "كيف يتوقعون حل الأزمة الاقتصادية وهم يرفضون التحدث مع ترامب؟ عليهم فقط التحدث معه والتوصل إلى اتفاق. لا يمكن للمرء أن يتكبر على معدة خاوية".
March 11—Lavan, southern Iran
Workers of the Iranian Offshore Oil Company resume protests demanding for changes to the wage determination policies, job classification, company management, and other basic needs.#IranProtests pic.twitter.com/WqvqlFlMR8
واستناداً إلى تقارير إعلامية رسمية إيرانية، نُظمت ما لا يقل عن 216 مظاهرة في أنحاء إيران خلال فبراير (شباط) الماضي، شارك فيها متقاعدون وعمال وعاملون في مجال الرعاية الصحية وطلاب وتجار. وركزت الاحتجاجات بشكل كبير على الصعوبات الاقتصادية، بما في ذلك انخفاض الأجور وعدم دفع الرواتب لأشهر، وفقاً للتقارير.
ورغم أن الاحتجاجات كانت في معظمها صغيرة النطاق، فإن المسؤولين يخشون أن يؤدي تدهور مستويات المعيشة إلى انفجار الوضع. وقال أحد المسؤولين الأربعة المقربين من الحكومة "الوضع في البلاد أشبه ببرميل بارود، وأي ضغط اقتصادي إضافي قد يكون الشرارة التي ستشعله".
وقال المسؤولون إن النخبة الحاكمة في إيران، تدرك تمام الإدراك خطر عودة الاضطرابات على غرار احتجاجات 2022-2023، بسبب وفاة مهسا أميني أثناء الاحتجاز، أو الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في عام 2019 بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
وقال المسؤول الإيراني الكبير، إن عدة اجتماعات رفيعة المستوى عقدت لمناقشة احتمال اندلاع احتجاجات حاشدة جديدة، والتدابير المحتملة لمنعها. ومع ذلك، ورغم المخاوف إزاء الاضطرابات المحتملة، قال مسؤولون إيرانيون إن طهران مستعدة للذهاب إلى حد معين في أي محادثات مع ترامب، مؤكدين أن "المطالب المبالغ فيها"، مثل تفكيك البرنامج النووي السلمي الإيراني أو قدراتها الصاروخية التقليدية غير مطروحة على الطاولة.
وقال المسؤول الكبير: "نعم، ثمة مخاوف بشأن المزيد من الضغوط الاقتصادية، وهناك مخاوف بشأن الغضب المتزايد في البلاد، ولكننا لا نستطيع التضحية بحقنا في إنتاج الطاقة النووية لمجرد أن ترامب يريد ذلك".
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن "حكام إيران يعتقدون أن التفاوض مع ترامب تحت الإكراه من شأنه أن يشير إلى الضعف، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى وضع المزيد من الضغوط بدلاً من تخفيفها".
وأضاف "لهذا السبب يبدو أن آية الله خامنئي يعتقد أن الشيء الوحيد الأخطر من المعاناة من العقوبات، هو الاستسلام لها".