تصر الولايات المتحدة الأمريكية على مشاركة الجيش السوداني في مفاوضات جنيف التي وضعت لها سقفًا مفتوحًا من الزمن يمتد لعدة أيام بغرض ممارسة ضغوط مختلفة على قيادة الجيش لإرسال وفده إلى جنيف.

وجاء اعتراض رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان على الاشتراطات الأمريكية الخاصة بأن يكون وفد التفاوض ممثلا للجيش وليس لمجلس السيادة، لأن في ذلك عدم اعتراف من الولايات المتحدة الأمريكية بمجلس السيادة، وهو ما يمكن أن ينسحب على كل دول العالم التي تعترف بالمجلس كسلطة تنفيذية لحكم السودان.

وجاء إصرار وزير الخارجية الأمريكي على مخاطبة الرئيس البرهان بالجنرال ليكشف عدم الاعتراف الأمريكي بمؤسسة الرئاسة السودانية وإصرارهم على أن البرهان مجرد وزير للدفاع أو قائد للجيش السوداني.

وكل ذلك مقصود ومرتب لتأسيس دولة بنظامين يكون قائد التمرد "حميدتي" جزءًا منها وشريكًا في اقتسام السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكل ما له علاقة بإدارة البلاد.

ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط عبر جنيف لتثبيت محمد حمدان دقلو شريكًا رئيسيًا في السلطة والثروة والقرار السياسي بعد انتهاء مفاوضات جنيف وليس جزءًا من دولة قائمة يترأسها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وربما كان الهدف الرئيسي من اختطاف منبر التفاوض من جدة السعودية إلى جنيف في سويسرا هو إزالة صفة المتمرد من محمد حمدان دقلو وإلباسه ثوب رئيس ثان للدولة السودانية مع البرهان، وهو ما يعكس عدم ثقة واشنطن في البرهان ونظامه والتحايل على احتلال السودان والسيطرة عليه عبر حميدتي والدعم السريع الذي سبق أن تعاون مع واشنطن وحلفائها في مجالات كثيرة من بينها ما يسمى بمحاربة الإرهاب، ومكافحة تهريب البشر، وتسليم أمريكا وأوروبا ملفات ومعلومات كثيرة جدًا عن الحدود وصراعات الحدود في إفريقيا.

وكانت هناك تساؤلات كثيرة قد طرحها المحللون والمتابعون للشأن السوداني تدور في مجملها حول مصير منبر جدة ومخرجاته، وتوسعة ما يسمى بدائرة المسهلين للحوار السوداني- السوداني، واستبعاد جامعة الدول العربية بالرغم من دعوة الاتحاد الإفريقي للمشاركة، إضافة إلى اعتبار مصر مجرد مراقب في جولة جنيف، وجميع هذه التساؤلات تضع علامات استفهام كثيرة على الموقف الأمريكي الذي لا يمكن أن يكون قد تصالح فجأة مع إنسانيته وضميره ويعمل جاهدًا لإيجاد فرص حقيقية للسلام في السودان.

استبعاد جامعة الدول العربية

ومن ضمن استراتيجية أمريكا في التعاطي مع الأزمة السودانية هي محاولة سلخه من محيطه العربي، ونزع صفة العروبة عن هذا الشعب الذي يمثل جسرًا بين العرب وإفريقيا، وهي تمارس هذا الدور في كل محطات التفاوض والنزاع والسلام مع السودان، وهي تستبعد جامعة الدول العربية ومصر على وجه الخصوص من المشاركة الحقيقية والفاعلة في تحديد مستقبل السودان.

وهو بالضبط ما حرصت عليه في مفاوضات جنيف عندما استبعدت عمدًا دعوة جامعة الدول العربية للحضور، على الرغم من قيامها بدعوة الاتحاد الإفريقي للمشاركة بالرغم من أن الاتحاد جمّد عضوية السودان لديه، ويرفض مشاركته في أي فعاليات ينظمها.

وفي بيانها، أكدت جامعة الدول العربية أنها لم تتلقَ دعوة للمشاركة في المحادثات المنعقدة في جنيف، على الرغم من قرار مجلس الأمن رقم 2736 الذي ينص على ضرورة التنسيق مع الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية. وأشارت الجامعة إلى أن دعوتها للمشاركة تعكس أهمية السودان كدولة عربية وجسر للتواصل العربي- الإفريقي.

وأكدت الجامعة تمسكها باحترام سيادة السودان وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية.

ويبدو أن هذا الموقف الواضح للحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، والحفاظ على جيش السودان، هو السبب الرئيسي لرفض واشنطن دعوتها للمشاركة في جنيف، وهو نفس الموقف الذي تحاول به أمريكا حصار الدور المصري في السودان ووضعه مجرد مراقب وليس مشاركا في جولة جنيف.

هل تنجح أمريكا؟

وفي اهتمام مفاجئ، وغير مسبوق بالأزمة السودانية بعد مرور عام من الصراع بين الجيش والمتمردين، حشدت الولايات المتحدة الأمريكية كل قوتها لدعم مفاوضات جنيف، واختطاف منبر جدة، والزعم بأن هذه الجولة كفيلة بأن تنهي الصراع، وتحقق السلام.

وقال مبعوثها الخاص للسودان، توم بيرييلو، إن المشاورات التي تُجرى في جنيف تركز على التزام الأطراف بالاتفاقات المبرمة في جدة وتطبيقها، بالإضافة إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وتمكين تقديم المساعدات، وإسكات الأعمال العدائية، كما تهدف المشاورات إلى إنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة السودانيين، وتحقيق وقف لإطلاق النار، وتعزيز وصول المساعدات، وإنشاء آليات تنفيذ تضمن تحقيق نتائج ملموسة.

وأكد أن الأزمة في السودان بلغت "درجات غير مسبوقة من الخطورة، حيث يواجه الملايين جوعًا حادًا ونزوحًا، في حين أدى الصراع المستمر إلى ارتكاب فظائع واسعة، بما في ذلك الاعتداءات على النساء والأطفال".

وجاء حديث بيرييلو متوازيًا مع صخب إعلامي غربي حول المجاعة في السودان، وعمليات قتل ونزوح المدنيين، وكأنها قد انطلقت فقط خلال الساعات الماضية، بغرض لفت أنظار الرأي العام العالمي إلى ما يسمى بالمجاعة الأسوأ في التاريخ حتى يحتشد الفاعلون خلف الموقف الأمريكي لإنهاء الأزمة السودانية ولكن على الطريقة والتطبيق والتصميم الذي وضعته واشنطن وليس على ما يريده الشعب السوداني من إنهاء حقيقي للأزمة عبر طرد التمرد ومعاقبة المتهم الحقيقي بارتكاب كل تلك الجرائم ووقف التدخل الدولي، ومنع تمزيق السودان، إضافة إلى إعادة القرار إلى أصحابه في الخرطوم بدلًا من واشنطن وعواصم الغرب.

وأمريكا التي خصصت مبعوثًا لها في السودان لم تتوقف عند هذا الحد، ولكن اهتمت في أعلى سلم دبلوماسيتها بالسودان، وعاود وزير خارجيتها أنطوني بلينكن الاتصال بعبد الفتاح البرهان مرة ثانية لحسه شخصيا على ترأس فريق التفاوض من قيادات الجيش السوداني إلى جنيف، وطلب منه المشاركة في صيغة أمر أمريكي لقائد الجيش السوداني الجنيرال عبد الفتاح البرهان، وكانت المهاتفة الأولى للبرهان في الشهر الماضي قد تضمنت إهانات شخصية من الوزير الأمريكي لرئيس مجلس السيادة السوداني، حيث رد البرهان بقوة وأكد أنه ليس جنديًا أو موظفًا لدى بلينكن حتى يصدر إليه الأوامر.

وفي اتصاله الثاني، الأسبوع الماضي، لبس بلينكن ثوب رجل السلام، وأكد ضرورة المشاركة في محادثات السلام الجارية في سويسرا لتحقيق التنفيذ الكامل لـ”إعلان جدة” بشأن حماية المدنيين، وقال إن المجتمع الدولي اجتمع دعمًا لهذه المفاوضات التي تستضيفها سويسرا والمملكة العربية السعودية من أجل التوصل إلى الامتثال لإعلان جدة، ووقف الأعمال العدائية ووصول المساعدات الإنسانية وإنشاء آلية لمراقبة التنفيذ.

وفي رده على بلينكن، أكد البرهان رفضه توسيع دائرة المشاركين في جنيف، مشددًا على موقف السودان الثابت بالالتزام بتنفيذ إعلان جدة وفقًا للرؤية التي تم تقديمها لأطراف منبر جدة، وإن كان قد ترك الباب مفتوحًا للمشاركة في جنيف في حال تنفيذ الاشتراطات السودانية الخاصة برفض توسعة المشاركين في الحوار، ومشاركة الوفد السوداني ممثلا عن الحكومة ومجلس السيادة وليس عن الجيش.

ويرى المراقبون أن مضمون الأهداف التي دعا إليها بلينكن في اتصاله بالبرهان حول وقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة للإغاثة، ووضع آلية لمتابعة التنفيذ، جميعها مطالب شدد عليها منبر جدة، وبالتالي كان من الأولى أن يتم تنفيذ هذه المطالب وفقًا لمنبر جدة دون الحاجة إلى نقل المفاوضات إلى جنيف لتنفيذ نفس المطالب، وهو ما يكشف عن أن الموقف الأمريكي يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى غير تلك المعلنة على لسان بلينكن أو المبعوث الأمريكي في السودان.

جبريل إبراهيم يفضح

كشف جبريل إبراهيم، وزير المالية السوداني، عن لقاء جمعه بالسفير النرويجي أكد فيه أن أمريكا والغرب يرغبون في تجميد الوضع كما هو، مما يعني استمرار وجود الدعم السريع بين المدنيين، وهو أمر غير مقبول للشعب السوداني.

وقال "إبراهيم"، "المبعوث الأمريكي أخبرنا أن لا تظنوا بأن أمريكا تستطيع فرض قرار على الإمارات لوقف تقديم الأسلحة للدعم السريع، أو منعها لتقديم دعم مالي له، لأنها دولة قوية بمواردها المالية، لكننا نقوم بممارسة ضغوط عليها”.

وكشف جبريل إبراهيم عن محاولة إيقاع فتنة بين السودان والسعودية، حيث قال إن المبعوث الأمريكي أبلغنا أيضًا أن السعودية لا ترغب في تحقيق بيان جدة والداعي لانسحاب الدعم السريع من المدن والمؤسسات المدنية السودانية، وفتح ممرات آمنة للإغاثة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد من السعودية سوى تمويل ودفع فواتير الوفود المشاركة في المفاوضات في جنيف.

وأوضح أن "البرهان" أصر على أن يمثل الوفد الحكومة وليس الجيش، وأن يتولى قيادته وزير من الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، مشددًا على أننا لن نرسل وفدًا من الجيش إلى أي مفاوضات.

وهكذا يتضح من خلال كل تلك المحاولات الأمريكية لاختطاف منبر جدة إلى جنيف أن الإدارة الأمريكية قررت عدم تنفيذ بيان جدة الداعي للسلام، وأنها تخطط لتشريع وجود الدعم السريع كقوة عسكرية وسياسية فاعلة بعد الحرب عبر حشد دولي كبير خلف مطالبها.

فشل جنيف

ويرجح المراقبون للشأن السوداني فشل مفاوضات جنيف للأسباب التالية:

1 ـ عدم مشاركة مجلس السيادة يفرغها من مضمونها، لأن القوة الفاعلة الحقيقية التي تسيطر على مفاصل الدولة وهي الجيش غير ممثلة في هذه المفاوضات.

2 ـ أن الأهداف الأمريكية من الجولة تتعارض تمامًا مع ما هو معلن من رغبة في تحقيق السلام، وأن جيمع الأطراف العسكرية والسودانية أصبحت على معرفة تامة بهذا الأمر.

3 ـ أن هناك من يرى أن أمريكا تحاول تجميد الوضع عند حدود إبقاء الدعم السريع بقوته الحالية، ووقف انتصارات الجيش السوداني إلى حين الانتهاء من انتخابات الرئاسة الأمريكية ربما تجهيزًا لتدخل عسكري مساند للدعم السريع مع الرئيس الأمريكي القادم.

4 ـ تغييب جامعة الدول العربية ومحاولة تهميش الدور المصري، مع استبعاد الفاعلين السودانيين يرجح فشل هذه المفاوضات التي يبدو وكأنها تدور بين طرف واحد.

أخيرًا، أظهرت مناقشات الأيام الأولى للمفاوضات توقفها عند المستوى النظري الذي لا يدفع في اتجاه الحل، ولكن فقط هي خطوات تجميد لوضع السودان حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واستباقًا لإجهاض العلاقات السودانية المتنامية مع روسيا من ناحية، ومع إيران وخاصة في مستوياتها العسكرية من ناحية ثانية.

اقرأ أيضاًلماذا تأخر تشكيل هيئة مكتب نقابة المحامين حتى الآن؟

وزير الإسكان يتابع تنفيذ وحدات «سكن لكل المصريين» في أكتوبر الجديدة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الفريق البرهان الجيش السوداني الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة السودانية مفاوضات جنيف الرئاسة السودانية الولایات المتحدة الأمریکیة جامعة الدول العربیة الجیش السودانی مفاوضات جنیف مجلس السیادة الدعم السریع فی السودان إلى جنیف منبر جدة فی جنیف

إقرأ أيضاً:

فوضى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كشفت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر عام 2023 عن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الحقيقية في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، إذ بات من الضروري التأكيد على أنه لا يوجد فارق حقيقي بين الديمقراطيين والجمهوريين، وأن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة تتمحور حول حماية إسرائيل وتكثيف التموضع الأمريكي في جغرافيا الإقليم للهدف ذاته.

 بمجرد اندلاع شرارة الأحداث التي لا تزال تجري وقائعها، حرصت الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية التي يرأسها جو بايدن على التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ودعمت واشنطن حليفتها وذراعها في المنطقة بالأسلحة اللازمة لتدمير الأراضي الفلسطينية، إذ كشفت صحف إسرائيلية أبرزها "يديعوت أحرونوت" عن حجم الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، والذي بلغ قيمته نحو 22 مليار دولار، وهي الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في هجماتها ضد قطاع غزة ولبنان وسوريا.

لقد أعلنت الإدارة الأمريكية الديمقراطية بمجرد بدء الأحداث أنها ملتزمة بحماية إسرائيل، وتوعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الشرق الأوسط بـ"الجحيم" إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى في غزة، وعلى ما يبدو أن جحيم بايدن الديمقراطي لا يختلف كثيرًا عن حجيم ترامب الجمهوري، بعدما بالغت واشنطن في توصيف حادث السابع من أكتوبر من أجل دعم إسرائيل في فرض واقع جديد يقوي من إسرائيل ويضعف من دول الشرق الأوسط.

لقد أمعنت واشنطن بزيادة تموضعها بوضع قواعد عسكرية لها في عدة مناطق بالإقليم تكون هدفها الرئيس حماية إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة، وضمان وجودها في أكثر المناطق حيوية وخصوبة بالنفط والغاز، ذلك أن دول الخليج صاحبة الإنتاج الأكبر من النفط والعلاقات الأوثق مع الولايات المتحدة. غير أن هناك دولًا في الشرق الأوسط باتت تستخدمها واشنطن كـ"ساحات مواجهة" تنطلق منها النيران الأمريكية تجاه دول في الشرق الأوسط، وأبرز دليل على ذلك العراق الذى يحتوي على قاعدة عين الأسد الاستراتيجية المهمة بالنسبة لواشنطن والتى أنشئت فترة احتلال الجيش الأمريكى للعراق، والتي زارها ترامب سرًا في نهاية ديسمبر من العام 2018،  وقد فتحت القاعدة الأمريكية أجواءها أمام الطيران الإسرائيلي لقصف مواقع إيرانية في شهر أكتوبر من العام المنصرم 2024. 

وقبل تولي ترامب ولايته الأولى تحدث كثيرًا عن خطط لسحب القوات الأمريكية من العراق، لكنه بمجرد اعتلائه السلطة لم ينفذ وعوده، على الرغم من أنه أبرم اتفاقًا مع السلطات العراقية تقر بسحب واشنطن لجنودها هناك بحلول نهاية عام 2025، إلا أن تصريحات ترامب المتكررة عن ضرورة استمرار التواجد الأمريكي في العراق لمراقبة إيران حالت دون سحب القوات، فيما ينتظر العراق نهاية 2025، لكن يبدو أن الوعد لن ينفذ لأن ترامب بمنطق التاجر ورجل الأعمال طالب العراق بـ"دفع التكلفة" قبل الانسحاب، على اعتبار أن واشنطن أنفقت المليارات لإنشاء قواعدها العسكرية هناك، وإذا لم تدفع العراق تكلفة ذلك فسيتم فرض عقوبات عليها.

ويمعن ترامب في رسائله السلبية للعراق إذ هدد العراق بإقامة الحواجز التجارية مع الدول التي تسعى لإقامة شراكات معها وفي القلب منها الصين، خاصة بعدما بدأ العراق إجراءات تعزيز أصوله باليوان الصيني من خلال بنك التنمية السنغافوري لتمويل التجاره مع الصين بنحو 12 مليار دولار سنويًا. وقد كان هذا الخطاب هو نفس الخطاب الذي استخدمه مع دول تجمع "بريكس" – الذي يضم دولًا من الشرق الأوسط - بعدما حذر دول المنظمة من إنشاء عملة جديدة تنافس الدولار الأمريكي، إذ هدد دول المنظمة بفرض رسوم جمركية عليها بنسبة 100%.

إن منطقة الشرق الأوسط جاذبة لكل التوجهات السياسية والاستثمارية، والاستعمارية كذلك، وهو ما يحتم على دول المنطقة أن تفرق جيدًا بين السياسات الاستعمارية، والسياسات القائمة على الشراكات الاستثمارية كما في حالة الصين مثلا، والتي تعد منافسًا قويًا للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لكنها ليست شريكًا استعماريًا، إذ تعمل على أن تكون شريكًا نزيهًا في الأوساط السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، كما كانت شريكًا مهما في التوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما في مارس من عام 2023، وهما دولتان بارزتان في الشرق الأوسط كانت تحرص الولايات المتحدة الأمريكية على توسيع الفجوة بينهما.

إن سياسات واشنطن في تأجيج الصراعات بين دول الشرق الأوسط لا يستفيد منه إلا الولايات المتحدة الأمريكية من عدة جوانب أبرزها تعزيز صادرات الولايات المتحدة من السلاح لدول الشرق الأوسط، فقد نمت صادرات السلاح الأمريكي للمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين بنسبة 17% بين أعوام 2014 – 2018 و 2019 – 2023، طبقًا لبيانات صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام. وطبقًا لتقديرات نفس المعهد فقد حصلت دول الشرق الأوسط على نصيب الأسد من صادرات الولايات المتحدة من السلاح بنسبة 38٪، ما يعني أن زيادة حدة الصراعات في الإقليم يصب في المصلحة المالية للولايات المتحدة بشكل أساسي، ولذلك لم تكن هناك مبادرات جادة لوقف الحرب في مناطق اليمن الشمالي.

إن منطقة الشرق الأوسط تنظر بعين الريبة إلى الحقبة الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي توعدها بالجحيم، ويتوعد إسرائيل بزيادة رقعتها الجغرافية على حساب الأراضي الفلسطينية، كما يتوعد المنطقة بمزيد من الاستنزاف المادي بحجة حماية الولايات المتحدة الأمريكية لدول المنطقة... وهو ما يستوجب معه اليقظة التامة بين من يمد يده لوأد الصراعات في المنطقة وبين من يرغب في تمزيق المنطقة وقطع نقاط الاتصال بين عناصر بوصلة منطقة الشرق الأوسط شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا. إن التمييز الأكبر لنا يجب أن يكون بين من يريد شراكات استثمارية ومن يريد تموضعات من نوع آخر على حساب علاقات دول الإقليم. 

لقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية – بعد انتهاء الاستعمار القديم – أهمية منطقة الشرق الأوسط، التي تنافس عليها المستعمرين منذ قديم الأزل بصفتها المنطقة صاحبة الموقع المتميز الرابط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، بجانب كونها ممرًا لحركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وقناة السويس والمضائق المائية الاستراتيجية، علاوة على كون المنطقة أهم مصدر للطاقة، وسوقًا واعدة ينطلق منها النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. ولذلك كان دأب الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام وسياسات ترامب بشكل خاص الإمساك بتلابيب المنطقة ورسم السياسات العامة لدول الإقليم، والضغط عليها من أجل قبول إسرائيل التوسعية في المنطقة، على حساب علاقات دول الإقليم وبعضها، وهو ما يجب أن تنتبه له دول الإقليم وصناعة القرار فيها، خاصة مع صعود الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الذي يتعامل مع المنطقة بمنطق "رجل الأعمال" الذي يرغب في تحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب الآخرين مهما كانت الظروف والتداعيات.

مقالات مشابهة

  • مبادرة أردوغان على طاولة البرهان وتركيا تعلن إفتتاح بنك في بورتسودان
  • البرهان يلتقي نائب وزير الخارجية التركي ويناقشان مبادرة أردوغان
  • البرهان يلتقي برهان .. رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي نائب وزير الخارجية التركي
  • فوضى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
  • بايدن يمنح ميسي أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة
  • هشام عباس.. لهذا رفضت المشاركة في "صعيدي في الجامعة الأمريكية"
  • البرهان يتلقى اتصالات هاتفية من رؤساء روسيا وإثيوبيا وجنوب السودان ومصر وتركيا والصين والمغرب والسعودية
  • شتائم ياسر العطا للإمارات هدف في شباك البرهان
  • البرهان يبدي استعداده للانخراط في أي مبادرة “حقيقية” لإنهاء الحرب
  • مجزرة جديدة في الولايات المتحدة.. مسلح يفتح النار عشوائياً في نيويورك