فورين بوليسي: لهذا يشكل انقلاب النيجر نقطة تحول في أفريقيا
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
يتناول معظم المراقبين الدوليين الذين يسعون لفهم الأحداث الأخيرة في غرب أفريقيا الموضوع من زاوية قديمة تعود لحقبة الحرب الباردة؛ فباستثناء الأزمات الإنسانية الكبرى فإن الأحداث الوحيدة التي تحظى باهتمام كبير في القارة السمراء هي التنافس بين القوى الخارجية العظمى.
بهذا الرأي استهل الكاتب الصحفي والأكاديمي الأميركي هوارد دبليو فرينش مقالا تحليليا بمجلة "فورين بوليسي" حول تأثير الانقلاب الذي شهدته النيجر قبل أسبوعين، وما تلاه من تداعياته على منطقة الساحل؛ إذ يشير إلى أنها تمثل لحظة تحول جيوسياسية حقيقية في السياسة البينية بالقارة ومكانة القوى الخارجية فيها.
ويقول فرينش إن الاهتمام بالقارة السمراء ظل على مدى عقود مُنصبا على التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على النفوذ في دول القارة.
وفي الآونة الأخيرة، خلال الفترة التي شهدت تعزيز بكين مكانتها في أفريقيا، أصبحت قضايا القارة تُتناول من زاوية صراع المصالح بين الولايات المتحدة والصين.
سؤال ثابتوبعد الانقلاب الذي شهدته النيجر -كما يقول فرينش- خرج علينا الكُتّاب بتحليلات متسرّعة حول معركة متأرجحة بين واشنطن وموسكو في منطقة الساحل الأفريقي، مع إضافة تفاصيل تتعلق بمرتزقة مجموعة فاغنر الروسية الغامضة وزيها المعروف.
ويرى أنه رغم تعاقب السنين، فإن السؤال الرئيسي الذي يُطرح في العالم الغني عندما تحدث تغييرات سياسية في أفريقيا ثابت لا يتغير أبدا؛ وهو كيف سيهدد صعود الحكومة الاستبدادية الأخيرة نفوذ وقوة الولايات المتحدة والغرب في المنطقة؟
كما يرى أن القوى العظمى لم تقدم شيئا لأفريقيا، ولا تسعى لمساعدتها في حل أزماتها الاقتصادية، وأن اهتمام الولايات المتحدة منصب على حث بلدان القارة السمراء على الالتزام بالحكم الديمقراطي من دون تقديم معونة تذكر في هذا الإطار، في حين ينصب اهتمامها الحقيقي على محاربة الجماعات المتطرفة في بلدان الساحل.
ويوضح أن معظم الحديث عما يجري في أفريقيا من زاوية تأثيره على نفوذ ومصالح القوى الخارجية في المنطقة هو ضجيج لا أهمية له في الواقع، وهو يمنع الجهات الخارجية، بل يمنع الأفارقة أنفسهم في كثير من الأحيان، من رؤية التداعيات المهمة للأحداث المتعلقة بانقلاب النيجر.
"الحروب تصنع الدول"
ما حدث في الحقيقة قد لا يكون حدثا مثيرا كما هي الحال في القمم الدولية أو العناوين العريضة حول التنافس بين القوى العظمى، ومع ذلك فإن البعد السياسي الأهم في أزمة النيجر هذه كما هي الحال في العديد من الأزمات التي شهدتها القارة السمراء مؤخرا؛ هو أنها حول السياسات الأفريقية بشكل مباشر لا عن علاقتها بالقوى الخارجية.
ويقول فرينش إن انقلاب النيجر مثّل لحظة تحول جيوسياسي حقيقي للأفارقة أصبحت فيه الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين أقل أهمية على الفور من الأفارقة أنفسهم. ويتجلى ذلك بوضوح في الدور الذي لعبته نيجيريا في الأزمة حتى الآن، التي تُعدُّ أكبر دولة في المنطقة ويتزعم رئيسها بولا تينوبو المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهي أهم منظمة سياسية واقتصادية في غرب أفريقيا.
فقد أصر الرئيس النيجيري وإيكواس على استعادة حكم رئيس النيجر المخلوع واستعادة نظامها الديمقراطي.
ويرى الكاتب أن الأفارقة يشقون طريقهم للإمساك بزمام الأمور في منطقة الساحل؛ وهو ما قد يعيق بعض الأمور، لكنه من الضروري لمستقبل المنطقة ومستقبل أفريقيا قاطبة أن يتولى الأفارقة مسؤولية عملياتهم الخاصة، وأن يضعوا قوانينهم الداخلية الخاصة، وحل مشاكلهم الدبلوماسية والعسكرية بأنفسهم عندما يحتاجون إلى ذلك.
وختم الكاتب الصحفي الأميركي مقاله بتأكيد أن الدول الأفريقية لن تتمتع بسيادة تذكر، ولن يكون لها دور يذكر ما لم تمسك بزمام الأمور؛ فتصبح الحاكم والحارس لمنطقتها. واستشهد بمقولة مشهورة في العلوم السياسية للمنظّر الاجتماعي الراحل تشارلز تيلي "إن الحروب تصنع الدول".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة القارة السمراء فی أفریقیا
إقرأ أيضاً:
محمد بشاري لـ «الاتحاد»: الفوز بـ «جائزة الشيخ زايد للكتاب» نقطة تحول مفصلية في مسيرتي
فاطمة عطفة
أُعلن مؤخراً عن فوز الدكتور محمد بشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها التاسعة عشرة (2025) عن فرع «التنمية وبناء الدولة»، وذلك عن كتابه القيم: «حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة»، وجاء الكتاب ثمرة لمسار علمي طويل انشغل فيه المؤلف بإشكاليات العدالة الاجتماعية في المنظومة الفقهية، مركّزاً على قضية محورية ظُلمت بالتهميش والاجتزاء، وهي مسألة مشاركة المرأة في تنمية المال الأسري واستحقاقها نصيباً عادلاً من هذه الثروة.
واستعرض الكتاب الخلفيات الفقهية والتاريخية لهذا المفهوم، متوقفاً عند اجتهادات كبار فقهاء المغرب الإسلامي، وعلى رأسهم الإمام ابن عرضون، الذي أسّس لصيغة قضائية تُقرّ بحق المرأة في الكدّ ضمن منظومة العدل الفقهي. ثم انطلق الكتاب إلى بيان الأسس النصوصية والمقاصدية التي تشرعن هذا الحق، من خلال الربط بين فقه المعاوضات ومقاصد حفظ المال ورفع الحيف وتحقيق الإنصاف في الشراكة الزوجية. وفي حديثه لـ «الاتحاد» يقدم الدكتور محمد بشاري إضاءات مهمة على مؤلفه الفائز، وما يمثله له الفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في مسيرته الفكرية والعلمية.
بدايةً، يقول الدكتور محمد بشاري: يشكّل فوزي بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع «التنمية وبناء الدولة» نقطة تحول مفصلية في مسيرتي الفكرية والعلمية، لما تحمله الجائزة من مكانة مرموقة في الفضاء الثقافي العربي والإسلامي، ولما تمثله من اعتراف مؤسسي رفيع بمشروع اجتهادي تأصيلي يسعى لردم الهوة بين التراث والواقع، بين النص والمقصد، بين الفقه والتنمية. لقد انشغلت لسنوات طويلة بتأصيل المفاهيم الفقهية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، ضمن منظور مقاصدي من داخل المنظومة الإسلامية، وحرصت على تقديم خطاب فقهي عقلاني يوازن بين الوفاء للنص والاجتهاد للعصر، غير أن هذه الجهود بقيت غالباً في نطاق النخب البحثية والأكاديمية.
ويضيف: تأتي هذه الجائزة لتمنح هذا المشروع شرعية مجتمعية أوسع، وتضعه في صلب النقاش العام والسياسات التشريعية، خاصة فيما يتصل بمنظومة الحقوق داخل الأسرة. لقد أكد هذا التتويج أن الفقه حين يُقرأ بمنطق المقاصد لا يتحول إلى قيود ماضوية، بل يصير أداة للتحرير والإنصاف. بعد الجائزة، غدت المسؤولية مضاعفة، لم يعد الأمر مجرد اجتهاد علمي فردي، بل مشروع معرفي مجتمعي يتعين تعميقه، وتوسيع أثره، والمساهمة من خلاله في بناء خطاب حضاري يعيد تعريف العلاقة بين الدين والتنمية في عالم متحول.
جوهر الكتاب
ينتقل الدكتور محمد بشاري للحديث عن كتابه «حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة»، قائلاً: استعرض الكتاب مفهوم الكدّ والسعاية كما تطور تاريخياً في الفقه المالكي، خاصة في البيئة القروية المغربية، حيث كانت المرأة تسهم في الزراعة والرعي وإدارة المال الأسري، دون أن تُنصف تشريعياً. وقد أعاد المؤلف بناء هذا المفهوم تأصيلياً، مستنداً إلى فتاوى فقهاء كبار كابن عرضون، ومقاصد الشريعة في العدل والإنصاف، ليؤكد أن استحقاق المرأة يعد جزءاً من الثروة الزوجية ليس منّة، بل هو حق شرعي مشروع. ثم انتقل التحليل إلى إسقاط هذا المفهوم على الواقع المعاصر، متناولاً التغيرات في الأدوار الاقتصادية للنساء، وتحولات الأسرة، وبيّن كيف أن غياب هذا الحق يفضي إلى حيف اقتصادي ومعنوي، يتناقض مع روح الإسلام في حفظ الحقوق. وخصّص فصولاً لتحليل الوضع القانوني المقارن بين تشريعات بعض الدول العربية، المغربية خاصة.
وتنص مدونة الأسرة المغربية لعام 2004م، خصوصاً المادة 49، على أن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة، وتتيح الاتفاق المسبق أو اللاحق على تنظيم الأموال المكتسبة أثناء الزواج. وقد اعتبر المؤلف أن هذه المادة تمثل خطوة إيجابية، لكنها تظل دون تفعيل حقيقي لمبدأ الكدّ والسعاية كما في التراث المالكي، مما يستدعي تطوير الاجتهاد القضائي والتشريعي لضمان حقوق النساء العاملات والمشاركات.
كما تناول الكتاب نماذج قضائية مغربية اعتمدت هذا المفهوم في الأحكام الصادرة، مؤكّداً أن استرداد المرأة لما ساهمت فيه من مال أو بناء أو عمل ليس من باب النفقة ولا الإحسان، بل من باب الحق المالي المشروع، الذي يُثبت بالشهادة والقرائن والعرف، كما هو مقرر في الفقه المالكي.
ويستطرد الدكتور بشاري: يتميز هذا العمل بمنهجه التركيبي، الذي يدمج بين فقه النص، والواقع، والاجتهاد المقاصدي، مقدماً نموذجاً علمياً يجسّد كيف يمكن للفقه الإسلامي، إذا قرئ بمفاتيح المقاصد والاجتهاد المنضبط، أن يكون فاعلاً في إحقاق العدل وتجديد الخطاب القانوني والحقوقي في مجتمعاتنا، بعيداً عن التوظيف الأيديولوجي أو الجمود المذهبي.
إضافة نوعية
وفي إجابته عن سؤال حول الإضافة النوعية التي يقدمها الكتاب إلى المكتبة العربية الإسلامية، يقول د. محمد بشاري: يمثّل كتاب «حق الكدّ والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة» إضافةً نوعية للمكتبة العربية الإسلامية من حيث منهجيته ومضمونه وأثره الاجتماعي والفقهي. فعلى المستوى التأصيلي، أعاد الكتاب فتح ملفٍّ فقهيٍّ شبه منسي هو مفهوم الكدّ والسعاية، الذي نشأ في البيئة المالكية المغاربية وعبّر عن اجتهاد فقهي متقدم يكرّس مبدأ العدالة في توزيع الثروة الزوجية المكتسبة خلال الحياة المشتركة. لقد استعاد الكتاب هذا المفهوم من مدوّنات التراث الفقهي، خاصة من خلال فتوى ابن عرضون، وربطه بإشكالات الواقع المعاصر، مما أخرج الموضوع من سياقه التاريخي إلى أفق تشريعي راهن.
أما على المستوى القانوني، فإن الكتاب قدّم قراءة عميقة للمادة 49 من مدونة الأسرة المغربية، وبيّن كيف أنها – وإن لم تذكر الكدّ والسعاية بالاسم – إلا أنها شرّعت له بمفردات جديدة تحت مسمى «توزيع الأموال المكتسبة بعد الزواج وفق الاتفاق أو الاجتهاد القضائي». لقد مهّد هذا التشريع المغربي لنقلة نوعية في تثبيت الحق المالي للمرأة العاملة في بيت الزوجية، دون اختزالها في مفهوم النفقة أو الإرث فقط.
وعلى المستوى الاجتماعي، استطاع الكتاب أن يُحدث تفاعلاً خارج المجال الأكاديمي الصرف، حين تحوّل مرجعاً لأعمال درامية، مثل مسلسل «حسبة عمري»، ما يدلّ على قدرته في التأثير الثقافي العام، وبيان أن الفقه – حين يُقرأ بعين مقاصدية واقعية – يمكن أن يكون أداة لصيانة الكرامة وتحقيق الإنصاف داخل الأسرة. هذه الإضافة المركّبة هي ما يمنح الكتاب قيمته بوصفه جسراً بين التراث والاجتهاد، بين النص والحياة.
ويختتم د. بشاري حديثه بقوله: فوزي بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع التنمية وبناء الدولة، لا يمثل نهاية لمسار علمي، بل هو إشعال لمرحلة أعمق وأشمل في مشروع معرفي ممتد، يستلهم في مرجعيته الفكرية والإنسانية الرؤية الملهمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن ببناء الإنسان قبل العمران، وجعل من العدالة والمساواة والتسامح ركائز في سياسة الدولة ومنهجها الحضاري. ويأتي هذا التتويج في ظل قيادة حكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يواصل هذا النهج الرشيد، بتعزيز منظومة القيم والمعرفة والتنمية البشرية، مما يشكّل بالنسبة لي محفزاً مضاعفاً لتحمل مسؤولية التجديد العلمي بروح الوفاء والمثابرة.