أزمات متكررة.. من يحاول إغراق السفينة؟
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
شمسان بوست / فارس النجار.
في خضم الوضع الراهن الذي تمر به اليمن، نجد أنفسنا أمام مفترق طرق خطير. التحركات السياسية التي نراها اليوم، والتي تتجاوز الإطار المؤسسي للدولة، تحمل في طياتها عواقب وخيمة قد تدفع بالبلاد نحو الهاوية. لقد تجاوزت هذه التحركات مرحلة النقد البناء لتصبح محاولات واضحة لإغراق السفينة بأكملها، وهي السفينة التي يمثلها مجلس القيادة الرئاسي بقيادة فخامة الرئيس.
هل ندرك فعلاً حجم المخاطر؟
لقد فقدت الدولة 70% من مواردها جراء ممارسات الحوثي الإرهابية. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية بل هو كارثة اقتصادية ترخي بظلالها على كل جانب من جوانب حياتنا. إن تآكل هذه الموارد يضع الدولة أمام تحديات غير مسبوقة، تتطلب منا جميعاً وحدة الصف والتفكير المشترك لمواجهة هذه التحديات، وليس التشتيت والانقسام.
ولكن بدلاً من العمل على التكاتف والتآزر، نجد البعض يتحرك بطرق صبيانية لا تخدم إلا أعداء الوطن. توقف وحدة تقطير الديزل التابعة لشركة بترو مسيلة في حضرموت، بدعوى تلبية مطالب محلية، يعكس فهماً محدوداً للأزمة الحقيقية التي نعيشها. هل فعلاً يمكن لمثل هذه التحركات أن تحل مشكلة الكهرباء؟ أم أنها مجرد خطوة تزيد من تعقيد المشهد؟ وهل من المعقول أن تصبح القبائل هي التي تحدد أسعار بيع الديزل أو توقف تشغيله؟
التاريخ يعيد نفسه دروس من الماضي القريب
إن ما نشهده اليوم يعيد إلى الأذهان مواقف مشابهة شهدناها في فترات سابقة. فمثلاً، شهدت محافظة مأرب في السابق تحديات مماثلة عندما حاولت بعض القبائل فرض سيطرتها على الموارد النفطية، مما أدى إلى توقف الإنتاج وتعطيل مصالح الدولة. تلك التحركات لم تؤدِ إلا إلى المزيد من الفوضى والخسائر. وتلك التجارب أثبتت أن استجابة الدولة لهذه التحديات عبر الأطر الرسمية والحوار الوطني هي السبيل الوحيد لتجاوزها.
لماذا الآن؟ ولصالح من؟
توقيت هذه التحركات يثير العديد من التساؤلات. فخامة الرئيس كان قد زار حضرموت مؤخراً، وعقد لقاءات هامة مع الأطراف المحلية، وخرجت تلك اللقاءات بمخرجات مهمة، خاصة فيما يتعلق بمشاريع الكهرباء. لماذا لم يُمنح الحوار فرصة للنجاح؟ ولماذا يُصر البعض على اتخاذ خطوات تزيد من تعقيد الأوضاع؟ من المستفيد من تعطيل وحدة تقطير الديزل؟ ومن يدفع نحو هذا الاتجاه؟
هذه التصرفات لا تخدم إلا أعداء المشروع الوطني. اليمن في هذه المرحلة الحرجة بحاجة إلى تضافر الجهود وليس إلى تشتيتها. الحلول يجب أن تأتي عبر الأطر الرسمية التي تمثل الجميع، وليس عبر تحركات فردية تزيد من الفوضى وتضعف مؤسسات الدولة
الإصلاحات: ضرورة ملحة لنجاح المشروع الوطني
لا يمكن الحديث عن حل لهذه الأزمات دون الإشارة إلى الحاجة الملحة للإصلاحات الشاملة داخل مؤسسات الدولة. يجب أن نتخلص من الفساد المتجذر في الأنظمة والإدارات، خاصة تلك المرتبطة بالمؤسسات الإيرادية. إن اقتلاع الفاسدين وإحداث تغييرات حقيقية على مستوى الأنظمة الإدارية والمالية هو السبيل الوحيد لضمان عدم تكرار هذه الأزمات، وتعزيز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية.
في هذا السياق، يجب أن نتوقف عن الممارسات السلبية التي تنتهجها بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية، والتي تقوم بتشريع وجود قيادات فاسدة وتدافع عنها بدافع المجاملة أو المحاباة. هذه الممارسات لا تؤدي إلا إلى تعميق الفساد وتعطيل مسار الإصلاحات المطلوبة.
الحوار الوطني وخارطة الطريق: ضرورة وحدة الصف
وفي هذا الإطار، من الضروري أيضاً التأكيد على أهمية الحوار المرتبط بخارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة. هذه المحادثات المفصلية ترتبط بشكل كامل بحل الوضع الاقتصادي في المناطق المحررة بشكل خاص واليمن بشكل عام. إن نجاح هذا الحوار يتطلب وحدة الصف بين كافة مكونات الشرعية، حيث إن أي انقسام أو تشتيت للجهود في معسكر الشرعية سيؤدي إلى عدم الوصول إلى النتائج المرجوة، مما يقلل من فرص المكاسب المحققة، ويزيد من تعقيد الوضع.
نحو رؤية موحدة
نحن بحاجة ماسة اليوم إلى رؤية موحدة تُجمع عليها كافة القوى السياسية والاجتماعية. يجب أن نتجاوز مرحلة التفكير القبلي والحزبي الضيق ونتجه نحو بناء دولة مؤسسات قوية. مجلس القيادة الرئاسي هو الممثل الشرعي للدولة، ويجب أن تُحل كافة الإشكاليات عبره. أي تحركات خارج هذا الإطار لن تكون إلا تهديداً لمستقبل اليمن.
يجب أن ندرك أن العدو يتربص بنا، وينتظر لحظة ضعف لينقض على ما تبقى من الدولة. الوقت الآن للبناء والتحاور بقوة، كتلة واحدة أمام هذا العدو. لا يمكننا أن نسمح لأحد بأن يغرق السفينة التي نحاول جميعاً إنقاذها. على الجميع أن يعوا أن مشروع الدولة أكبر من كل الاعتبارات الضيقة، وأن الحفاظ على الوطن هو واجبنا المشترك.
ختاماً، اليمن لا يحتمل مزيداً من الانقسامات. علينا أن نتذكر دائماً أن قوتنا اليوم هي في وحدة الهدف والمصير لكل المكونات المناهضة للانقلاب، وأن السبيل الوحيد للنجاة هو العمل معاً في إطار مشروع وطني يجمع ولا يفرق. فلنكن على قدر المسؤولية، ولنعمل على تعزيز مؤسساتنا بدلاً من تقويضها، فهذا هو الجرح الذي يجب معالجته، والدواء الذي يحتاجه الوطن اليوم
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: یجب أن
إقرأ أيضاً:
بالخريطة التفاعلية.. الجيش الإسرائيلي يحاول التوغل في عمق القرى الحدودية اللبنانية
15/11/2024