بعد فتح معبر أدري .. قافلتا مساعدات لنحو نصف مليون شخص تستعدان للتوجه إلى دارفور
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
رحب كل من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية بالأنباء التي تفيد بأن السلطات السودانية ستفتح معبر أدري الحدودي من تشاد إلى السودان، حيث يواجه البلد الذي مزقته الحرب- المجاعة أو الجوع الحاد في العديد من المناطق.
الخرطوم ــ التغيير
وفي المؤتمر الصحفي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في السودان، ليني كينزلي إن ذلك الممر الإنساني الحيوي سيسمح للبرنامج بتوسيع نطاق المساعدات إلى 14 منطقة ظهرت بها ظروف المجاعة أو يهددها شبح المجاعة في ولايات دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة.
وأضافت كينزلي التي كانت تتحدث عبر الفيديو من نيروبي: “بينما نتحدث، يتم تحميل قافلتين تحملان ما يقرب من 6000 طن متري من المواد الغذائية والإمدادات التغذوية لنحو نصف مليون شخص، ستتجهان إلى مناطق معرضة لخطر المجاعة في ولايات شمال ووسط وغرب دارفور بمجرد تلقي الاتصالات الحكومية الرسمية والموافقات”.
وقبل أسبوعين فقط، تم تأكيد المجاعة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر، عاصمة شمال دارفور، والذي يؤوي أكثر من 400,000 نازح. ويهدف برنامج الأغذية العالمي إلى دعم ما يصل إلى 8.4 مليون شخص في السودان بحلول نهاية العام.
وأعربت كنزلي عن أملها في “رؤية الافتتاح الفعلي (لمعبر أدري)، ورؤية الشاحنات تتحرك عبر الحدود في أقرب وقت ممكن”. وأشارت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في السودان إلى تسبب موسم الأمطار المستمر بالفعل في انتكاسات كبيرة في تقديم المساعدات.
وأضافت: “أكثر من 50 شاحنة تحمل ما يقدر بنحو 4800 طن متري من المساعدات الغذائية والتغذوية، والتي تكفي نحو نصف مليون شخص، عالقة في مواقع مختلفة في جميع أنحاء السودان وغير قادرة على التحرك نحو وجهاتها النهائية بسبب الطرق المغمورة وغير القابلة للعبور”.
خطر الموت من عدوى بسيطة
بدورها، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، الدكتورة مارغريت هاريس للصحفيين في جنيف إن العدوى الخفيفة لدى شخص يعاني من سوء التغذية وضعف في جهاز المناعة يمكن أن تتحول بسهولة إلى مرض كارثي.
وحذرت من أن الأطفال على وجه الخصوص يمكن أن يموتوا بسرعة كبيرة مما قد يكون عدوى بسيطة، مضيفة أنه بعد 16 شهرا من القتال العنيف، لم يكن السودان مجهزا بشكل جيد لتوفير الرعاية الطبية المنقذة للحياة، حيث أصبح ما يصل إلى 80 في المائة من المستشفيات غير عاملة.
وأضافت: “يموت الناس ببساطة بسبب عدم الحصول على الأدوية الأساسية والضرورية للرعاية الصحية. إننا نشهد تقارير عن الكوليرا والحصبة والملاريا وحمى الضنك والتهاب السحايا من عدة ولايات”.
الطريق الأكثر فعالية
بدورها، رحبت المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي بقرار السلطات السودانية إعادة فتح معبر أدري من تشاد إلى دارفور.
وقالت سلامي في بيان أصدرته اليوم الجمعة إن معبر أدري يعد طريقا إنسانيا بالغ الأهمية لتوصيل المساعدات الطارئة إلى ملايين الأشخاص، بما في ذلك الغذاء والإمدادات الغذائية والأدوية والمأوى.
وأضافت: “كنا ندعو بلا هوادة إلى إعادة فتح معبر أدري، لأنه الطريق الأكثر فعالية والأقصر لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى السودان بالحجم والسرعة المطلوبين، وخاصة إلى دارفور”.
ونبهت إلى أن انعدام الأمن الغذائي في السودان وصل إلى مستويات قياسية، حيث يعاني ما يقرب من 26 مليون شخص من الجوع الحاد.
وشددت المسؤولة الأممية على أنه يتعين على جميع الأطراف إزالة جميع العوائق البيروقراطية غير الضرورية في دارفور والمناطق الأخرى التي تواجه احتياجات حادة، وضمان سلامة وأمن العاملين في مجال الإغاثة والموجودات الإنسانية في الفاشر وتسهيل توصيل المساعدات دون عوائق من خلال جميع الطرق الممكنة إلى داخل البلاد وداخلها، بما في ذلك عبر خطوط الصراع كما اتفق عليه في إعلان جدة.
الوسومأدري الصحة العالمية برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تشاد مساعدات معبرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أدري الصحة العالمية برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تشاد مساعدات معبر
إقرأ أيضاً:
هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.
إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.
أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.
الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.
كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.
بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».
مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.
الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.
فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط