ماذا تستفيد تركيا من تعزيز قوتها في أفريقيا؟
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها في أفريقيا وتعزيز أمن الطاقة، ومن المقرر أن ترسل سفينة الأبحاث "عروج رئيس" التي يبلغ طولها 86 مترا لاستكشاف مكامن النفط البحري التابعة للصومال الشهر المقبل.
وحسب تقرير لبلومبيرغ، فإن الخطوة التي أكدها مدير وزارة النفط الصومالية محمد حاشي قد تساعد في تنويع إمدادات النفط الخام التركية وهي جزء من سعي أنقرة المطرد لتعزيز العلاقات في منطقة تتنافس فيها الصين وروسيا ودول الخليج والغرب على النفوذ.
وبسبب الثروة المعدنية للقارة والسكان المتزايدين الذين قد يدفعون موجة جديدة من النمو الاقتصادي، فإن التركيز على أفريقيا يبرر بصورة كبيرة لتركيا استعراض نفوذها الدولي هناك، وفق بلومبيرغ.
ونقلت بلومبيرغ عن باتو كوشكون، الباحث في مؤسسة صادق الليبية للأبحاث التي تتخذ من أنقرة مقرا لها، "أفريقيا مثيرة للاهتمام بالنسبة لتركيا لأنها نقطة يمكن من خلالها تجربة جميع أدوات وأهداف السياسة الخارجية النشطة التي اكتسبتها حديثًا.. القوة الناعمة من ناحية مثل المساعدات والتعليم ومراكز اللغة التركية. والعلاقات التجارية والاقتصادية من ناحية أخرى".
وحسب بلومبيرغ، فإن الصومال أفضل مكان يتجلى فيه هذا الأمر حيث تدير تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج وتدير الشركات التركية ميناء ومطار العاصمة.
وقد زودت شركة بايكار التركية للطائرات من دون طيار التي يديرها سلجوق بيرقدار صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، الصومال بعدد غير معروف من طراز "تي بي2" (TB2)، مما أدى إلى توسيع هجوم الصومال على جماعة الشباب المجاهدين.
لعبة القوةوفي وقت سابق من هذا العام، وافق البرلمان التركي على اقتراح أردوغان بإرسال دعم بحري إلى المياه الصومالية وسط زيادة في القرصنة الناجمة عن انعدام الأمن في البحر الأحمر.
وقال المحلل البارز في شرق أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية عمر محمود "بالنسبة لتركيا، تقدم الصومال موقعًا جيوستراتيجيًا لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي.. كان الارتباط بالصومال بمثابة حالة اختبار وحجر أساس لإستراتيجية تركيا الشاملة لتعميق العلاقات الدبلوماسية والتجارية والأمنية عبر القارة الأفريقية".
ومنذ أن أدت المجاعة إلى تقليص عدد سكان الصومال في عام 2011، ألقت أنقرة بثقلها وراء مقديشو.
واليوم، يمكن للشباب الصومالي الالتحاق بمدرسة تركية مدعومة من الدولة تديرها مؤسسة المعارف في هرجيسا ومقديشو، ووفقًا لوزارة الخارجية التركية، قد تجاوزت المساعدات في العقد الماضي مليار دولار، بالإضافة إلى سلع استهلاكية، من الأدوية إلى الملابس، منتشرة في جميع أنحاء العاصمة.
ونقلت بلومبيرغ عن محمد عثمان، وهو طالب يبلغ من العمر 18 عامًا في مدرسة مؤسسة المعارف في مقديشو، قوله "ارتباطنا بتركيا متجذر في قرون من الثقافة الإسلامية المشتركة. لقد كان دعمهم نقطة تحول".
وفي السابق، كانت المدرسة عبارة عن مأوى متهالك للنازحين داخليًا، وقد تم تجديدها وتحويلها إلى فصول دراسية حديثة مجهزة بأجهزة حواسيب.
منذ عام 1992، حصل أكثر من ألف طالب صومالي على منح دراسية في الجامعات التركية، وكانت قيود التأشيرة المفروضة على الصوماليين الذين يزورون تركيا ضئيلة مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى.
إستراتيجية أوسعالعلاقات التركية مع الصومال جزء من سياسة أوسع في أفريقيا، إذ بلغت صادرات تركيا إلى القارة 28.6 مليار دولار في عام 2023 بانخفاض من 30.6 مليار دولار في عام 2022، وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ، مع استحواذ مصر والمغرب وجنوب أفريقيا ونيجيريا على الحصة الكبرى منها.
وتجمع تعاملات أنقرة مع الدول الأفريقية بين التعاون في مجالات الاستخبارات والدفاع وبين الصفقات في قطاعي التعدين والطاقة.
في وقت سابق من هذا العام، زار وفد بقيادة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نيامي عاصمة النيجر، ووقع مجموعة من الصفقات بعد أن طردت الحكومة العسكرية في البلاد القوات الفرنسية وأمرت الولايات المتحدة بإغلاق قاعدتها العسكرية.
والنيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وتبحث شركة التعدين التركية "إم تي إيه" بالفعل عن الذهب في البلاد، وأجرت كذلك محادثات مع الجزائر وساحل العاج وزيمبابوي في الأشهر الثلاثة الماضية.
وقد وقعت تركيا اتفاقات مماثلة مع الجزائر، إذ قالت شركة الطاقة الحكومية الجزائرية ونظيرتها التركية "تركيش بيتروليوم" إنها ستنقب عن النفط والغاز. كما أن شركة "أفرو ترك" بذلت جهودًا لدخول سوق الذهب في بوركينا فاسو، والآن تسيّر الخطوط الجوية التركية رحلات إلى بعض أكثر المناطق النائية في القارة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
كيف تستفيد أي تنسيقية مدنية من الكفاءات المدنية المستقلة؟
المقدمة
في خضم الحرب الأهلية التي تمزق السودان، تبرز تنسيقيات مدنية جامعة للقوى المدنية السودانية الساعية لوقف الحرب وإعادة بناء الدولة. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو كيفية توحيد الجهود مع الكفاءات المهنية المستقلة خارج نطاقها، خاصة تلك غير المنتمية لأحزاب سياسية، ولكنها تمتلك خبرات علمية وعملية كبيرة يمكن أن تساهم في إنقاذ البلاد.
فكيف يمكن لها أن تنسق مع هذه القوى وتوظف إمكانياتها لتحقيق السلام والاستقرار؟
1. إشراك الخبراء في صنع القرار: من التهميش إلى التمكين
تزخر السودان بالعديد من الكفاءات الأكاديمية والإدارية والفنية التي ظلت لعقود خارج دوائر صنع القرار بسبب هيمنة العسكر والأحزاب التقليدية. اليوم، يمكن للتنسيقية المدنية أن تعوض هذا الإقصاء عبر:
- تشكيل مجالس استشارية تضم خبراء في الاقتصاد، الصحة، الإدارة، والعدالة الانتقالية.
- إشراكهم في وضع خطط إنقاذ سريعة لإعادة الخدمات الأساسية في المناطق الخارجة من الحرب.
- الاستعانة بهم في صياغة سياسات طويلة الأمد لإعادة الإعمار.
لكن من المهم التنبيه إلى نقطة أساسية: إشراك الخبراء لا يعني أن الحلول تأتي من طرفهم منفردين، بل الأهم هو توفير مناخ صحي يقبل الاختلاف في وجهات النظر، ويسمح بتفاعل مثمر بين الخبراء والسياسيين، بما يؤدي إلى حلول ذكية ومستدامة لا مجرد وضع "ضمادات على جرح الوطن المعتل".
الذكاء الجمعي القائم على الاختلاف الخلّاق وتعدد الزوايا في النظر إلى القضايا هو ما نفتقده في العمل العام، وهو ما يجب أن تسعى التنسيقيات المدنية إلى تبنيه كأساس لأي شراكة مع الكفاءات المستقلة.
لا يمكن بناء سودان جديد بمنظومة قرار قديمة.. إشراف الخبراء المستقلين ضرورة وليس رفاهية.
2. النقابات المهنية: قوة ضغط ودعم ميداني
تمتلك النقابات المهنية (كالأطباء والمهندسين والمحامين) تاريخاً نضالياً وتنظيمياً يمكن أن يكون عوناً للتنسيقيات المدنية في:
- تنظيم قوافل إغاثية للمناطق المتضررة.
- توثيق انتهاكات الحرب عبر شبكات المهنيين من المحامين والأطباء وغيرهم من المستقلين.
- تقديم الدعم الفني في إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة.
مثال حي:
في بداية الحرب، لعبت نقابة الأطباء دوراً محورياً في إنشاء خدمات ميدانية. فلماذا لا يتم تعميم هذه التجربة عبر تنسيق أوثق مع التنسيقيات المدنية؟
3. الأكاديميون والباحثون: عقول تُهمَّش بينما الأزمة تحتاجها
الجامعات ومراكز الأبحاث السودانية تضم كفاءات قادرة على تحليل الأزمات وطرح الحلول، لكنها غالباً ما تُستبعد من عملية صنع القرار. هنا يأتي دور التنسيقيات المدنية في:
- توظيف الباحثين لرصد آثار الحرب (النزوح، الجوع، انهيار التعليم).
- الاستفادة من الدراسات الأكاديمية في وضع خطط التنمية.
- إشراك الأساتذة في تصميم برامج التوعية المجتمعية.
---
4. منصات تنسيقية جامعة: تجمع الجهود بدلاً من تشتيتها
إحدى مشكلات العمل المدني السوداني هي التشرذم، ولتجاوز ذلك يمكن:
- إنشاء منصة رقمية تجمع كل المبادرات المستقلة تحت مظلة تنسيقية واحدة.
- عقد مؤتمرات دورية تجمع التنسيقيات المدنية مع الكيانات المهنية لتوحيد الرؤى.
---
5. الضغط الدولي: صوت موحد أقوى
الكفاءات المستقلة تتمتع بمصداقية دولية عالية، ويمكن للتنسيقيات المدنية أن تستفيد منها في:
- إصدار تقارير مشتركة تعرض معاناة السودان للعالم.
- تنظيم حملات ضغط على المنظمات الدولية بخطاب مهني غير حزبي.
---
الخاتمة: شراكة وطنية لا استقطاب سياسي
السودان لا ينقصه الكفاءات، بل ينقصه الإطار الذي يتيح لها العمل المشترك في بيئة تُقدّر التنوع وتُرحّب بالاختلاف.
التنسيقيات المدنية أمام فرصة تاريخية لقيادة تحالف مدني حقيقي، لا يقوم على استقطاب سياسي ضيق، بل على الذكاء الجمعي وروح الشراكة الوطنية. المطلوب هو فضاء مشترك يتفاعل فيه السياسي مع الخبير، والأكاديمي مع الميداني، على قاعدة واحدة.
الخروج من الأزمة لن يكون بقرارات فردية، بل بشراكة وطنية تضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار.
كلمة أخيرة:
الوقت ليس في صالح السودان.. كل يوم حرب يُفقد البلاد جزءاً من مستقبله.
التعاون بين التنسيقات المدنية والقوى المهنية المستقلة ليس خياراً، بل هو ضرورة للنجاة.
dr.elmugamar@gmail.com