النهضة.. الجانب الآخر من مأساة مجزرة رابعة
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
في صباح 14 آب/ أغسطس 2013 فوجئنا نحن معتصمي النهضة بآليات عسكرية عملاقة تدخل إلى مقر الاعتصام، وهو منطقة تكاد تكون غير مأهولة بالسكان، فالمنطقة محاطة من ثلاث جهات بحدائق الحيوانات وحدائق الأورمان ومباني جامعة القاهرة، وفي الصيف الجامعة في عطلة.
مضى 47 يوما من الاعتصام، وكانت تجري خلالها مناوشات من فريق الانقلاب الذي سيطر على مصر عن طريق بلطجية ومسجلين خطر مسلحين، ولكنهم لم يفلحوا في فض الاعتصام، مضت الأيام وتخللها شهر رمضان كاملا وكانت النهضة مثلها مثل رابعة المدينة الفاضلة.
المعتصمون يتعايشون في سلام تام رغم قسوة الظروف من حر شديد في شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، ومن صيام، ومن أعداد غفيرة من المعتصمين رجالا ونساء وأطفالا ويجب أن توفر لهم الطعام والشراب، ودورات المياه وأماكن الوضوء وخيام الاعتصام التي تقي من حرارة الشمس وسخونة الأسفلت. ورغم كل هذه الظروف تكاد تكون لم تحدث مشاجرة واحدة؛ لا على طعام ولا مبيت ولا في ازدحام دورات المياه، كانت مدينة السلام والمحبة والإيثار، الصيام نهارا والأذكار والقرآن والإفطار لمئات الآلاف في نفس اللحظة، في سلاسة عجيبة وسهولة لا تخطئها عين، يتجمع الناس لصلاة الجماعة ويفطرون ويصلون التراويح وتليها كلمات ثورية.
أنا لا أتحدث عن غزة ولا عن الجيش الإسرائيلي؛ ولكنها مذبحة من طرف واحد؛ من الجيش المصري ضد المعتصمين من الشعب المصري
وتمضي الأيام على خير حال، وفجأة وبدون مقدمات ولا سابق إنذار جاءت جحافل الجيش لتقتل المعتصمين بلا رحمة، وتحرق المستشفى بمن فيه وتدوس الخيام بمن فيها من البشر.
صدقني أنا لا أتحدث عن غزة ولا عن الجيش الإسرائيلي؛ ولكنها مذبحة من طرف واحد؛ من الجيش المصري ضد المعتصمين من الشعب المصري.
بدأت تحركات مريبة مع شروق الشمس، إذ وُجدت سيارات بث تلفزيون على كوبري الجامعة المواجه لمدخل الاعتصام ولم تظهر أية آلية عسكرية.
تواصلت معنا بعض المعتصمات اللاتي يعدن لبيوتهن مع بدء الصباح وأبلغننا بأن الشوارع شبه مغلقة وأن السيارات تسير في خط واحد وأن هناك تفتيش من الشرطة.
تأكدنا من هذا وتواصلنا مع رابعة وعرفنا أن الفض عندهم قد بدأ، وكانت عند مجموعة النهضة خطة لتقليل الخسائر إذا ما حدث فض، بفتح أبواب كلية هندسة القاهرة ودعوة المعتصمين للدخول إليها تجنبا للمواجهة الدامية مع قوات الانقلاب. نجحنا إلى حد بعيد في تقليل الخسائر بهذه الطريقة، إذ نادينا قدر المستطاع المعتصمين للإسراع لدخول المبنى ودخل الكثيرون، ولكن بقي البعض وأغلبهم لقوا حتفهم أمام الآلة العسكرية الرهيبة التي أتى بها الانقلابيون، فحرقوا المستشفى وفيه مرضى واعتقلوا بعض الأطباء، وداسوا الخيام بالمدرعات وفيها نساء وأطفال وشيوخ لم يتمكنوا من سرعة الاستجابة لنداء الدخول إلى كلية الهندسة.
رغم محاولات الشباب مساعدة من أمكن من غير القادرين على التحرك السريع لم يتوقف الأمر عند هذه النقطة، فقد بدأت هذه القوات بحصار مبنى الكلية وإطلاق الرصاص الحي على من بداخله، وتطور الأمر إلى إطلاق قذائف نارية ومدفعية أثرت بشدة بمبنى قسم العمارة في كلية الهندسة، وقُتل منا العشرات داخل المبني من جراء القصف المستمر.
ظننا أن هناك شيئا له حرمة مثل الحرم الجامعي أو المسجد، ولكن هؤلاء كانوا مثل يأجوج ومأجوج لا يحترمون إنسانية ولا قدسية لشيء.
كنت أفكر كثيرا وأنا أنظر إليهم، ونحن داخل المبني ندافع عن أنفسنا بالحجارة وهم بالرصاص الحي؛ هل نحن شعب واحد؟ هل نحن ملة واحدة هل نحن أبناء وطن واحد، رغم أننا من أشد من يحرصون على هذا البلد ولأننا فقط اعتصمنا اعتصاما سلميا ضد انقلاب أجهض أول تجربة ديمقراطية منذ 1952، يوم مجيء العسكر وما أدراك ما العسكر؟
ولكن كانت الإجابة في الفراغ؛ لأن هؤلاء المعتصمين قبلا كانوا في الحكم الديمقراطي واختارهم الشعب بنفسه، وأثبتت الأيام الآن أنهم لا خانوا ولا باعوا ولا رهنوا البلاد لأحد كما ادعي أهل الانقلاب، بل حدث العكس، وهو أن الذي خان وباع وفرط ورهن البلاد كانوا هم أنفسهم؛ الانقلابيون.
وصدق من قال إن السارق يظن أن الجميع مثله سارقين، وأن القاتل يظن أن الجميع قتلة، والزاني يظن أن الكل زناة.
ولكن لك الله يا مصر، فقد تم التفريط في خيرة أبنائها؛ قُتل من قُتل وسُجن من سُجن وأُبعد من أُبعد، ونُزعت الجنسية المصرية وصودرت أموال حلال، وظن بعض الواهمين أن الانقلاب أراد بهم خيرا حتى فطنوا في وقت قد لا ينفع فيه الندم المهم.
النهضة كانت أقل عددا وأقل إصابة من رابعة، ولكنه كان يوما أسود في تاريخ مصر، سيظل يوم الرابع عشر من آب/ أغسطس هو يوم النكبة المصرية، يوم امتهان الإنسانية، يوم جرائم الحرب والإبادة الجماعية لمجمعات من الشعب؛ ارتكبها جيش ينتمي لهذا الشعب
ظللنا في هذه المواجهة حتى العاشرة مساء، وطلب منا محافظ الجيزة، وهو أستاذ في كلية الهندسة أن نخرج وننهي الاعتصام ويضمن لنا السلامة. قررنا الخروج ونصحنا كل المعتصمين معنا أن يتحركوا مشيا على الأقدام في مجموعات ولا يقبلوا بدعوة المحافظ أن يستقلوا حافلات وفّرتها المحافظة لهم، ومن اتبع التعليمات ورفض ركوب الحافلات نجا ومن ركبها ذهب إلى المعتقل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
النهضة كانت أقل عددا وأقل إصابة من رابعة، ولكنه كان يوما أسود في تاريخ مصر، سيظل يوم الرابع عشر من آب/ أغسطس هو يوم النكبة المصرية، يوم امتهان الإنسانية، يوم جرائم الحرب والإبادة الجماعية لمجمعات من الشعب؛ ارتكبها جيش ينتمي لهذا الشعب.
لن ننسى رابعة والنهضة ولن نسامح من لم يكتف بقتل آلاف الأبرياء واعتقال عشرات الآلاف لمدة مفتوحة ليس لها سقف، بل أكمل مهمته أيضا في إذلال هذا الشعب كاملا (من أيده ومن وقف ضده ومن وقف محايدا يشاهد)، وأضاع أمل الأمة في هذا البلد العربي المسلم الكبير وفي هذا الشعب وهذا البلد؛ بل وأفقده هويته ومقدراته.
تُرى كيف يفكر من صفق للسفاحين وكأن هذه الأيام كانت تحضيرا لخذلان غزة وفلسطين؟ ترى كيف يندم اليوم بعدما طاله القهر والجوع والمرض والإذلال وفقدان مقدرات هذا البلد العظيم من نفس الفريق الذي ادعى أنه انقلب لينقذ مصر؟
لن تنتهي القصة هنا بل ستكتمل وتُرد الحقوق إلى أصحابها وتعود مصر هي مصر التي ذكرت في كتاب الله "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، والأيام دول، ويقول الحق جل وعلا: "وتلك الأيام نداولها بين الناس". وغدا ليس بعيدا، تشرق شمس مصر من جديد وتعود مصر تقود الأمة وتحميها بفضل الله وكرمه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاعتصام مصر جرائم مصر الإنقلاب جرائم اعتصام مجزرة رابعة مدونات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا البلد هذا الشعب من الشعب
إقرأ أيضاً:
الحديدي: مكالمة ترامب والسيسي تطرقت لملف سد النهضة ودور مصر في إطلاق سراح الرهائن
قالت الإعلامية لميس الحديدي، إن مصر كانت اليوم محورًا هامًا للأحداث المتعلقة بتطورات الوضع في غزة، حيث شهدت اتصالًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى اجتماع سداسي ضم وزراء خارجية ستة دول مصر وقطر والإمارات والسعودية، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. وجاء الاجتماع لمناقشة الأوضاع الراهنة وخطط المستقبل، وأصدر في ختامه بيانًا رافضًا لفكرة "التهجير" للفلسطينيين خارج أراضيهم، مع التأكيد على ضرورة البدء في عمليات إعادة الإعمار.
البابا تواضروس الثاني يتحدث مع لميس الحديدي حول مسيرة 12 عامًا على رأس الكنيسة الأرثوذكسيةلميس الحديدي تطالب نجل نبيل الحلفاوي بإعادة نشر ديوان شعره في الثمانينات
وأشارت الحديدي، خلال برنامجها "كلمة أخيرة" المذاع على شاشة ON، إلى أن معبر رفح أعيد فتحه وفقًا لاتفاق الهدنة، وذلك لأول مرة منذ ثمانية أشهر، بعد رفض مصر التواجد العسكري الإسرائيلي على المعبر. كما استقبلت مصر 50 من المرضى والجرحى الفلسطينيين مع مرافقيهم، بإجمالي 100 شخص.
ولفتت إلى أنه، بالتزامن مع هذه التطورات، جرى اليوم تسليم الدفعة الرابعة من الأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تم إطلاق سراح ثلاثة محتجزين إسرائيليين مقابل 183 أسيرًا فلسطينيًا من سجون الاحتلال.
وأضافت الحديدي أن هذه الأحداث جعلت من مصر محورًا أساسيًا، خاصة بعد مكالمة الرئيس الأمريكي ترامب مع الرئيس السيسي، والتي أعقبها صدور بيانين رسميين؛ أحدهما عن الرئاسة المصرية والآخر عن البيت الأبيض، وهو إجراء بروتوكولي متعارف عليه دبلوماسيًا بأن يصدر كل طرف بيانًا حول الاتصال.
وأوضحت أن البيانين لم يختلفا في المضمون، إلا أن بيان البيت الأبيض أضاف أن المكالمة تطرقت إلى ملف سد النهضة، إضافة إلى دور مصر في إطلاق سراح الرهائن.
وأشارت الحديدي إلى أن قراءة البيانين تعكس تحسنًا في الأجواء بعد أيام من الاتجاه صوب التوتر، خاصة على خلفية تصريحات ترامب المتكررة حول إصراره على "تهجير" الفلسطينيين، وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع على المستويين الرسمي والشعبي.
وأكدت أن المكالمة الأخيرة تشير إلى تحوّل المسار نحو السياسة والنقاش، قائلة: "أصبح هناك اتجاه للحوار والنقاش وهذا هو علم السياسة بدلًا من أسلوب هتعملوا كده ، حيث لم يذكر البيان أي إشارة إلى مصطلح 'التهجير'."
وتابعت "البيانات الرسمية لا تكشف كل التفاصيل، لكنها توضح العناوين الرئيسية. والمكالمة تعكس الاتجاه للنقاش والسياسة والتفاوض وهذا هو الأساس حتى مع الاختلاف ، وهذا هو جوهر السياسة: النقاش والتفاوض دون الوصول إلى حافة الهاوية. لامصر عاوزة توصل لحافة الهاوية ولا واشنطن والحقيقة أن الولايات المتحدي دولة عظمى تملك الادوات مثل المعونة العسكرية وتاثيرها على المؤسسات الدولية وبوسعها فرض رسوم وإحنا شايفين ده ترامب يفرض رسوماً جمركية على الصين والمكسيك وكندا ".
واختتمت الحديدي تعليقها قائلة: " يبدو أن الرئيس ترامب لديه مواقف صداميه بعض الشيء منذ وصوله لسدة الحكم نحن لانريد الوصول لحافة الهاوية مايهمنا أن نعلن راينا ونتمسك به بوضوح ولدينا موقف واضح وشريطة أن نصل لاتفاق وحوار وهنا تكمن أهمية الاتصال بين الرئيسين وإجتماع القاهرة السداسي ".
وشددت الحديدي أنه إذا كانت الولايات المتحدة دولة عظمى فمصر أيضاً دولة محورية في المنطقة قائلة : " لابد أن يكون للدول العربية طرح بديل والعمل على حل الدولتين، ومصر تعمل جاهدة على توحيد الفصائل الفلسطينية في الفترة المقبلة، والطرح العربي يجب أن يكون واضحًا.