أكثر من نصف الشركات الأميركية الكبرى ترى الذكاء الاصطناعي خطراً محتملاً على أعمالها
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - متابعة
ترى أكثر من نصف كبريات الشركات في الولايات المتحدة، الذكاء الاصطناعي كخطر محتمل على أعمالها، وفقاً لمسح جديد لتقارير الشركات يسلط الضوء على كيف يمكن للتكنولوجيا الناشئة أن تحقق تحولًا صناعيًا شاملاً.
بشكل عام، ذكرت 56% من شركات "فورتشن 500" الذكاء الاصطناعي باعتباره "عامل خطر" في أحدث تقاريرها السنوية، وفقاً لبحث أجرته Arize AI، وهي منصة بحثية تتعقب الإفصاحات العامة من الشركات الكبيرة.
على النقيض من ذلك، رأت 33 شركة فقط من أصل 108 شركات ناقشت الذكاء الاصطناعي التوليدي على وجه التحديد - التكنولوجيا القادرة على إنشاء نص يشبه الإنسان وصور واقعية - أن الذكاء الاصطناعي فرصة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وقالت هذه الشركات في تقاريرها السنوية إن الفوائد المحتملة تشمل كفاءة التكلفة والفوائد التشغيلية وتسريع الابتكار. وأشار أكثر من ثلثي هذه المجموعة إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره خطراً.
وتُظهِر الإفصاحات أن تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي محسوس بالفعل عبر مجموعة من الصناعات وفي أغلبية أكبر الشركات المدرجة في الولايات المتحدة.
ازدهرت تكنولوجيا التعلم الآلي التنبؤية على مدار العامين الماضيين منذ إطلاق شركة أوبن إيه آي OpenAI لبرنامج الدردشة الشهير ChatGPT في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. ومنذ ذلك الحين، استثمرت شركات التكنولوجيا الكبرى عشرات المليارات من الدولارات لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية وتم إطلاق مئات الشركات الناشئة للاستفادة من فرصة التغيير.
تشمل مخاطر الذكاء الاصطناعي المذكورة في التقارير المالية السنوية هذا العام لشركات "فورتشن 500"، زيادة المنافسة، حيث تخشى غرف الاجتماعات من فشلها في مواكبة المنافسين الذين يستغلون التكنولوجيا بشكل أفضل.
وتشمل الأضرار المحتملة الأخرى قضايا السمعة أو التشغيل، مثل الوقوع في فخ المخاوف الأخلاقية بشأن التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان والتوظيف والخصوصية.
قالت أكثر من 90% من أكبر شركات الإعلام والترفيه في الولايات المتحدة إن أنظمة الذكاء الاصطناعي سريعة النمو تشكل مخاطرة تجارية هذا العام، وهو ما قالته كذلك 86% من شركات البرمجيات والتكنولوجيا.
أصدرت أكثر من ثلثي شركات الاتصالات المدرجة ضمن قائمة "فورتشن 500"، وأكثر من نصف شركات الرعاية الصحية والخدمات المالية وتجارة التجزئة والاستهلاك والفضاء الجوي نفس التحذير للمستثمرين.
على سبيل المثال، حذرت شركة نتفليكس، خدمة البث التي تبلغ قيمتها 290 مليار دولار، من أن المنافسين قد يكتسبون ميزة عليها من خلال نشر تطبيق الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على "قدرتنا على المنافسة بشكل فعال وقد تتأثر نتائج عملياتنا سلباً".
وقالت مجموعة الاتصالات "موتورولا": "قد لا يعمل الذكاء الاصطناعي دائماً على النحو المقصود، وقد تكون مجموعات البيانات غير كافية أو تحتوي على معلومات غير قانونية أو متحيزة أو ضارة أو مسيئة، مما قد يؤثر سلباً" على أرباحها وسمعتها.
مخاطر مالية وأخلاقية وقانونية وتكنولوجية
استشهدت بعض الشركات بالمخاطر المالية المتعلقة بالاستخدام المتطور لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل التكاليف المتزايدة وغير المتوقعة.
قالت شركة سيلزفورس Salesforce، وهي شركة برمجيات تقدر قيمتها بنحو 250 مليار دولار، إن تبنيها للذكاء الاصطناعي "يطرح قضايا أخلاقية ناشئة" حول جمع البيانات والخصوصية.
وأضافت أن هوامش ربحها قد تتأثر بـ "عدم اليقين" حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي الناشئة، مما يعني أنها قد تضطر على الأرجح إلى تخصيص استثمارات أكبر لتطوير واختبار نماذج جديدة.
كما كانت المخاطر القانونية والتنظيمية والأمن السيبراني المتعلقة بالذكاء الاصطناعي موضوعاً مشتركاً بين شركات "فورتشن 500".
حذرت شركة ديزني العملاقة للترفيه من أن "القواعد التي تحكم تطورات التكنولوجيا الجديدة" مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي "تظل غير مستقرة"، مما قد يؤثر على نموذج أعمالها الحالي مثل تدفقات الإيرادات لاستخدام ملكيتها الفكرية، وكيفية إنشاء منتجات ترفيهية.
حذرت فياتريس Viatris، المجموعة الدوائية التي انفصلت عن شركة فايزر Pfizer، من أن استخدام حلول الذكاء الاصطناعي من الموظفين أو الموردين "قد يؤدي إلى الكشف العلني عن معلومات سرية"، بالإضافة إلى "الوصول غير المصرح به" إلى البيانات الشخصية المتعلقة بالموظفين أو المشاركين في التجارب السريرية أو غيرهم.
ومن بين الشركات القليلة التي روجت للذكاء الاصطناعي باعتباره فائدة محتملة كانت مجموعات الرعاية الصحية Quest Diagnostics وCigna، والتي قالت إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يعمل على تحسين أجزاء من العمل مثل خدمة العملاء ومعالجة العينات وتحليل المطالبات، ووكالة الإعلان IPG، التي قالت إنها "تضيف الذكاء إلى إنشاء المحتوى عبر نطاق التسويق".
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الذکاء الاصطناعی التولیدی فورتشن 500 أکثر من
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي في المسرح
لستُ من القلقين حول توظيف الذكاء الاصطناعي فـي المسرح على المستويات جميعها، لكن قلقي ينبع ككثيرين (المؤلف والمخرج والسينوغراف) من الاعتماد الكامل فـي توجيه الذكاء الاصطناعي للقيام بمهمات عديدة كزرع نواة الحكاية وتأليفها وتسليمها إلى المخرج الذي بدوره سوف يعدلها وحصر عدد ممثليها، فعلى سبيل الشاهد عوضَ أن تكون المسرحية متضمنة عددا من الممثلين أو الجوقة بتعبير الكلاسيكيين، يمكن للذكاء الاصطناعي اقتراح اختزالها فـي مونودراما أو ديودراما. ولا يقف الأمر بالاستفادة من قدرة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته عند هذا الأمر، بل يُمكنه التمدد إلى مستويات متعددة كاختيار نوع الإضاءة والأزياء والموسيقى المناسبة والقاعة المثالية الصالحة لتقديم العرض وكذلك قدرته على انتخاب الجمهور الملائم، من الأعمار والشرائح .
أعود إلى سؤال قديم سألته نفسي بعد قراءاتي لقصة حُلم الحكيم الصيني (جوانج زو)، وكان السؤال: هل يُمكن تحقيق حلم جوانج زو فوق خشبة المسرح على وجه الحقيقة، لا وجه المجاز؟ أمّا الحلم فتروى قصته كما يلي: «رأيتُ أنا جوانج زو مرّةً فـي منامي أنّني فراشةٌ تُرفرفُ بجناحيها فـي هذا المكان وذاك، أنا فراشةٌ حقا من الوجوه جميعها، ولمْ أَكنْ أُدركُ شيئا أكثرَ منْ تتبعي لخيالاتي التي تُشعرني بأنّني فراشة، أمّا ذاتي الإنسانيّة، فلم أكنْ أُدركها البتّة، ثُمَّ استيقظتُ على حينِ غفلة وها أنا ذا مُنطرحٌ على الأرض رجلا كما كنت، ولستُ أعرفُ الآن هل كنتُ فـي ذلكَ الوقتِ رجلاً يحلمُ بأنّه فراشة، أو أنّني الآن فراشةٌ تحلمُ بأنّها رجل».
لم أخفِ دهشتي أو متعتي بحلم جوانج زو. منطلقات الحلم ليس صراعا بين الأنا والذات فحسب، أو بين الحقيقي وغير الواقعي، أو المحسوس واللامحسوس، بل أعدّه درسا تأسيسيا فـي تربية الخيال الإبداعي وتنمية مستوياته، ومحفزا للابتكار وآلية أوليّة لتشريح التفكير الناقد.
منذ اختراع الأساطير، والإنسان يسعى باحثًا عن تفسير الماورائيات والموجودات من حوله. كانت الأفكار الغريبة وتشظياتها تحفر فـي داخله، فلا يستكين، ولا يهدأ. فلماذا وصل بنا الخوف أن نرى ما نتخيله مجسدا فوق الخشبة؟ هل سببه الخوف لمجرد الخوف؛ لأن الإنسان عدو ما يَجهل؟ فـي سياق الابتكار والإبداع والطموح بالذهاب مع الخيال إلى عوالم غير مُدركة ولا ملموسة، لم يكن مثلا صانعا أول طائرة حقيقية (الأخوان رايت - 1903م) إلا تراكما لحق بأفكار مَن سبقهم من محاولات فـي الطيران بدأها (عباس بن فرناس 810 - 887م) الذي حاول «الطيران عن طريق القفز من مكان مرتفع عن طريق أجنحة من الحرير وريش الطيور».
هذه المحاولات وغيرها الكثير كانت دافعا لتطوير البحث فـي مجالات العلوم التي من بينها علم الحاسوب، حتى جاء اكتشاف الذكاء الصناعي Artificial Intelligence- AI الهادف «إلى إنشاء أنظمة وبرامج قادرة على محاكاة القدرات العقلية البشرية، مثل التفكير والتعلّم واتخاذ القرارات وحل المشكلات. يعتمد الذكاء الاصطناعي على خوارزميات وتقنيات تمكّن الآلات من أداء مهام تتطلّب ذكاء بشريا».
الناظر إلى الذكاء الاصطناعي المُنطلق من فعل المُحاكاة Mimesis يعيدنا إلى المعلم الأول أرسطو. فالمحاكاة نقلا عن (معجم المصطلحات المسرحية - للدكتور أحمد بلخيري - ص396) هي «تقليد أو عرض شيء. وفـي الأصل تعتبر المحاكاة تقليدا لشخص بوسائل فـيزيقية أو لغوية؛ هذا الشخص يمكن أن يكون شيئا أو فكرة، كما يمكن أن يكون بطلا أو إلها. وفـي شعرية أرسطو يتحدد الإنتاج الفني انطلاقا من كونه تقليدا للفعل».
ليس من شك فـي أن موضوعة المحاكاة هي منطلق جميع الفنون والأفكار والإبداع، وأن السعي البشري بالتقدم العلمي إنما يهدف إلى السيطرة على الوجود والتمركز فـي العالم والتحكم فـي المسار البشري والهيمنة عليه بتعطيل أجزاء من قدراته الحيوية، فالعقل البشري الجامح الذي لا يعترف بوجود إله يُنظم الكون، لا تُهمه الأخلاق ولا القوانين ولا الأعراف التي وضعها الإنسان لتنظيم العلاقات بين الناس على امتداد الحضارات المنتجة.
أعود من جديد إلى أرسطو، ولكن هذه المرة فـي فلسفته التي نظر من خلالها إلى الوجود، الفلسفة التي شكلّت أساسا لنظرية الدراما فنيا لا تاريخيا. فـي كتابها (المسرح بين الفكر والفن) تناقش الأكاديمية الراحلة الدكتورة نهاد صليحة بتوسع المسرح بين النظرية الدرامية والنظرة الفلسفـية متتبعة فـي أحد فصوله أسباب هيمنة النظرية الدرامية الأرسطية على المسرح الغربي حتى القرن العشرين، متمثل ذلك كما تقول فـي وجود «تشابه الأيديولوجيا التي بطنت النظرية الأرسطية للدراما مع جوهر الأيديولوجيات التي تلتها»، فنظرية أرسطو بحسب قولها لم «تكن فلسفته مجرد بحث موضوعي غير مغرض فـي الحقيقة والوجود، بل كانت طرحا على مستوى الوعي أو اللاوعي- لتصور نظري، أو رؤية للعالم تتضمن تأصيل نظام سياسي - اجتماعي - أخلاقي معين». إن نظرة أرسطو إلى الوجود بجعل العالم يتحرك نحو غاية مسبقة محسوبة لا دخل فـيها للإنسان تجعل من وجود تشابه بين نظريته عملا أو فكرا يستعاد بفعل الذكاء الاصطناعي. صحيح أن هذا الأخير ينطلق من وفرة المعلومات والخوارزميات لدى الإنسان ومحاولة محاكاتها وابتكار لحظات جديدة أو قدرات خارقة، فـي حين أن نظرية المحاكاة تتمظهر أو تتمركز فـي القدرة على إنتاج وتقليد الفعل البشري.
إن المنطلق الأخلاقي وعلاقته بالذكاء الاصطناعي كسؤال مرحلي هو أحد منطلقات الملتقى الفكري المصاحب للدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي التي أقيمت فـي مسرح العرفان بالعاصمة مسقط للفترة من 10-15 يناير 2024م. حمل الملتقى على مدى يومين العنوان التالي: (المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع)، وبين عناوين الأوراق النقدية التي قدمها الباحثون: «المساحة الرمادية بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي: تجربة مسرحية كونتراست»، للدكتور أسامة لاذقاني، وورقة بعنوان «حول التصميم»، للدكتور محمد مبارك تسولي، وورقة «الإضاءة المسرحية البديلة: استكشاف إمكانيات الذكاء الاصطناعي فـي التصميم الإبداعي»، للدكتور عماد الخفاجي، وورقة «قناع الفـيروفـيوس... برامج وسائطية فـي الدراما: قناع فـيروفـيوس لدمج حركة الممثل والتكنولوجيا والإنترنت»، للدكتور أيمن الشريف، وورقة «الذكاء الاصطناعي وتوليد النص المسرحي» للأستاذ عبداللطيف فردوس، وورقة «الصوت... المؤثرات الخاصة: الصوت المحيطي والهولوجرافـي والمؤثرات البصرية التفاعلية بين الآلة والممثل»، للأستاذين وسام قطاونة وحسن حينا، وورقة «التصميم المسرحي والذكاء الاصطناعي.. البديل الغامض»، للدكتور خليفة الهاجري، وورقة «التصميم والابتكار - الإبداع» للباحث Shen Qian، وورقة «تصميم إضاءة نحو المستقبل» للباحث Guo Jin Xin، فإن العناوين تضعنا أمام تحديات عدة أهمها: محاولة الذكاء الاصطناعي محاكاة (العقل) البشري لا (الفعل) فـي ظل الخوارزميات التي تعمل بآلية معقدة تستطيع أن تفـيد الإنسان فـي مناحي الحياة العلمية والطبية والفنية، وأنها تقدر أن توجهه التوجيه الذي يراه الذكاء الاصطناعي بأنه «الأمثل»، فـي المقابل قصور الذكاء الاصطناعي عن معرفة المشاعر والأحاسيس من جهة، والحاجة إلى ضوابط أخلاقية صارمة تحفظ للإنسان خصوصيته من جهة مقابلة، هي مسائل فـي غاية الصعوبة. فهل هناك حدود للذكاء الاصطناعي لا يستطيع تجاوزها؟ إن الصانع بتعبير الفلاسفة للذكاء الاصطناعي هو الإنسان، وكما قدم الدكتور يوسف عيدابي فـي افتتاحية الملتقى الفكري بالقول: «المسرح والتقانة صنوان، تأتي التكنولوجيا بجديدها الذي يذهب بعد حين إلى قديم، ويأتي جديد آخر. ولكن ما يثير هو أن الذكاء الاصطناعي يصادم فـي (الخَلق)، هو يكتب ويُخرج ويُمثل وينتج ويفعل بنا ما يشاء، هو لا مخيّر ولا مسيّر، هو لا يؤمن إلا بقدرته وأقداره... هو الهو! - ولكنه من خلق الإنسان الفاني - مع هذا الذكاء يتراجع المؤدي/ الإنسان إلى المرتبة الثانية - الآلة تكون لها الأولوية، وهذا إشكال وجوهره فـي هذا الجدل الذي لن ينتهي.