في منزله الواقع على مشارف العاصمة اليمنية، صنعاء، يجلس مظفر على الأرض، ويعرض رسوم ابنته إمتنان، البالغة من العمر 21 عاماً، الجالسة بجانبه بصمت.

 

تعبر الرسوم عن الكثير.. تُظهِر إحداها طفلة ملتفة حول نفسها داخل حفرة عميقة في الأرض، وتنبت منها شجرة خضراء.

 

ويعكس رسمًا آخر رجلاً يسحب فتاة صغيرة بعيدًا من مبنى مدرسة، مع ظهور تعابير الحزن على وجهها.

 

وأوضح والدها أنّ إمتنان تعاني من التوحّد، وتجد صعوبة في التفاعل مع الآخرين اجتماعيًا، وعادةً ما تتجنّب التواصل البصري.

 

وكان هناك معالج يعمل معها بشكلٍ وثيق لمساعدتها على استخدام الرسوم للتعبير عن نفسها.

 

وقال مظفر بفخر لـCNN: "انظروا إلى هذه الرسوم".

 

وتابع الأرمل والأب لخمسة أطفال: "لديها موهبة كبيرة وأنا متأكد من أن لديها القدرة لإنجاز الكثير.. لكن نظراً للوضع الذي نعيشه، لا يسعني تقديم الكثير لها".

 

وطلب أن تتم الإشارة إليها باسمها الأول فقط، بسبب الجهل والوصم المرتبطين بالتوحّد في اليمن.

 

وكمزارع لم يحصل على تعليمٍ رسمي، قال مظفر إنّه لم يكن يعرف سوى القليل عن مرض التوحد حتى وُلِدت امتنان، وهو يشعر بالذنب لعدم رصده العلامات المبكرة لهذه الحالة.

 

وأوضح: "اعتقدت أنها كانت مجرد طفلة سخيفة"، مشيرًا إلى نوبات صراخها، وحركاتها المتكررة، وعدم قدرتها على اللعب مع الأطفال الآخرين في سن الرابعة من عمرها".

 

ونظرًا لكونها امرأة مصابة بالتوحّد، تنتمي إمتنان إلى فئتين مهمّشتين في بلد ظل مصنّفًا بين أسوأ البلدان في مجال المساواة بين الجنسين على مستوى العالم منذ فترة طويلة.

 

وقالت أفراح ناصر، الباحثة اليمنية في منظمة "هيومن رايتس ووتش"،  لـ:CNN "لا يزال المجتمع اليمني يعتبر المرأة كائنًا يجب إخفاؤه، وهنّ يواجهن عوائق ثقافية واجتماعية، مثل القيود المفروضة على حركتهن، واختياراتهن عندما يأتي الأمر للزواج، والحصول على التعليم، كما أنهنّ يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي".

 

وتواجه النساء المصابات بالتوحد تحديات أكبر، وذلك بسبب وصمة العار، ونقص الوعي المستمر حول هذه الحالة.

 

وأكّدت ناصر: "بحكم أن النساء يواجهن صعوبات أكثر من الرجال في مختلف جوانب الحياة، فإن محنة النساء المصابات بالتوحد توازي ضعف محنة الرجال".

 

وأوضح الدكتور دانييل جيشويند، أستاذ علم الوراثة البشرية، وعلم الأعصاب، والطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، أنّ اضطراب طيف التوحّد يشمل "مجموعة واسعة من الحالات التي تتميز بتحديات في المهارات الاجتماعية، والتواصل، والسلوكيات المتكررة، ومقاومة التغييرات في الروتين، أو الاهتمامات المحددة"، وفقًا

 

وهناك تباين كبير في نوع وشدة الأعراض التي يعاني منها الأشخاص، وبالتالي تختلف العلاجات والتدخلات أيضًا، ويجب أن تعتمد على احتياجات الفرد.

 

ويُساعد التشخيص المبكر من التدخل المبكر، وتعديل السلوك، على تحسين حالة المصاب بالتوحد، ونوعية حياته.

 

لكن في اليمن، يُعد رصد علامات التوحد لدى الطفل من مسؤولية الأسرة.

 

وقال أستاذ التربية الخاصة بجامعة "إب"، الدكتور تميم الباشا، لـCNN، إنّ القطاع الصحي مدمَّر بسبب الحرب الأهلية التي دخلت عامها العاشر.

 

تحديات كبيرة

 

لم تُشخَّص إمتنان بالتوحد إلا عندما بلغت السادسة من عمرها، وأوضح مظفر أنها كانت تقول بضع كلمات فقط، وكانت تعاني من نوبات غضب متكررة، وكانت مفرطة النشاط، وتحطم الأشياء في جميع أنحاء المنزل.

 

وشكّلت المدرسة تحديًا أيضًا لأنها لم تكن قادرة على الاستقرار بشكلٍ جيد في الفصل، أو اتباع التعليمات البسيطة.

 

وقال مظفر البالغ من العمر 54 عامًا: "لم ينصحنا أحد بزيارة أختاصاصي. وإلا لكنت قمت بشيء ما في مرحلة مبكرة".

 

وأكّد أنه يقوم بكل ما في وسعه لدعم ابنته.

 

ولكن تتقاضى مرافق العلاج الأقرب إليهم رسومًا باهظة، ويقع المركز الذي يستطيع تحمل تكاليفه على بُعد 22 كيلومترًا من منزلهم. وتبلغ كلفة الرحلة إلى هناك 8 دولارات، أي ثلاثة أضعاف كلفة ما قبل الحرب.

 

وفي نهاية المطاف، لم يستطع مظفر الاستمرار.

 

وقال: "بعد (بدء) الحرب، ساءت الأمور إلى حدٍ كبير، فأدى الوضع الاقتصادي والأمني ​​إلى تراجع قدرتي على تقديم الرعاية التي تحتاجها".

 

ولكن سلوك ابنته كان يتحسن، لذا انخفضت زياراتهم الطبية إلى مرتين في الشهر، ثم مرة في الشهر، وتوقفت في النهاية عندما كانت إمتنان في الثالثة عشر من عمرها، وكانت الحرب جارية بالفعل.

 

ولم يؤثّر الصراع على الأسعار فحسب، بل أثّر أيضًا على طباع إمتنان، وشرح: "زاد صوت القنابل والقصف من انفعالها أيضًا".

 

وفي هذه الأيام، تزور معالجة إمتنان لمدة يوم كامل شهريًا، مقابل 20 دولارًا أمريكيًا لكل زيارة.

 

هذا كل ما يستطيع والدها تحمله، فهو يكسب 95 دولارًا شهريًا من زراعة الطماطم، ولكن يُرسل له شقيقه في المملكة العربية السعودية حوالي 50 دولارًا شهريًا للمساعدة.

 

نظام رعاية صحية متهالك

 

وأفاد رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين المستقل، عبد الله بنيان، أن عدد المرافق التي لا تزال قادرة على تقديم العلاج غير معروف.

 

وكانت هناك 118 منظمة مسجلة لدى الاتحاد قبل الحرب، لكننا "غير قادرين على تحديد العدد الدقيق للكيانات التي لا تزال قادرة على تقديم الدعم والعلاج، بسبب الوضع الاقتصادي والأمني ​​في اليمن"، بحسب ما ذكره لـCNN.

 

وتُظهر دراسات عديدة أنّ الأسر غالبًا ما تعاني من ردود فعل مجتمعية سلبية تجاه الأطفال المصابين بالتوحد، خصوصًا عندما يُظهرون سلوكيات غير مناسبة اجتماعيًا في الأماكن العامة.

 

وبالنسبة للفتيات، قد يشمل ذلك التحدث بصوت عالٍ، والصراخ، والعدوانية، والعناد، لا سيّما في وجه الأعراف الثقافية مثل ارتداء الملابس المحتشمة، أو الصمت بين الرجال الذين لا يعرفونهم.

 

وقال فياض الدرويش، مسؤول من منظمة "أوكسفام" لتوفير إمدادات المياه: "قد يواجه بعض الأطفال سوء المعاملة، لا سيّما في هذه الأيام" بظل الحرب ووصول الظروف المعيشية لأسوأ حالاتها.

 

ونشأ المهندس المعماري، الذي وُلِد في عام 1990، أثناء المعاناة من التوحّد في اليمن، وتعرّض للتنمّر  عندما كان طفلاً.

 

وبحسب الدرويش، من الشائع النظر إلى بداية مرض التوحد على أنه تلبس من الجن في المناطق الريفية، التي تضم حوالي ثلثي سكان اليمن، الذين يقدر عددهم بـ 34 مليون نسمة.

 

"حمايتها من نفسها"

 

تم تشخيص إصابة ابنة عادل اليزيدي، البالغة من العمر 16 عامًا، بالتوحد، واضطراب فرط الحركة، وتشتت الانتباه الشديد، عندما كانت في الخامسة من عمرها، وهي تعاني من صعوبة في التواصل والتركيز.

 

وأثناء العيش في المملكة العربية السعودية في عام 2020، انتهى المطاف بها خارج منزلها، ووقعت ضحيةً لمجموعة من الشباب الذين اعتدوا عليها جنسيًا.

 

وقال اليزيدي إنه وزوجته يقومان الآن بتقييد ساقي المراهقة إلى سريرها معظم اليوم لإبقائها في المنزل، وفي مأمنٍ من الاعتداء الجنسي.

 

وشرح الأب لثلاث أطفال خلال مكالمة عبر الفيديو من القاهرة، حيث تقيم الأسرة حاليًا: "هذا من أجل حمايتها من نفسها.. ليس لدي خيار آخر".

 

وأضاف اليزيدي: "لو كانت صبيًا، لما كان هناك مشكلة. ولا يهم ما يفعله أو لا يفعله، وسيكون قادرًا على الدفاع عن نفسه. ولكنها فتاة.. كل تصرفاتها مهمة. وجلب لنا سلوكها الفضائح والعار".

 

وأوضحت الأمينة العامة لاتحاد نساء اليمن، عديلة الخضر، أنّ العديد من الأسر اليمنية تخفي فتياتهن المصابات بالتوحد لأنهم يعلمون أن المجتمع لن يعتنقهنّ أو يقبلهنّ كزوجات.

 

وقالت: "يتم النظر إليهن بازدراء وعدم احترام، وبالتالي هنّ يتعرضن لسوء المعاملة من قبل عائلاتهم" سواءً لفظيًا وجسديًا.

 

وقالت معالِجة في صنعاء، طلبت عدم الكشف عن اسمها بسبب وصمة العار المرتبطة برعاية النساء المصابات بالتوحد، لـCNN، إنها رأت ما تعتقد أنه علامات ضرب وتعذيب على فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا مصابة بالتوحد.

 

وأضافت أنه غالبًا ما يتم إبقاؤهنّ بعيدًا عن الأنظار، وفي بعض الأحيان يتم تزويجهنّ من رجال لا يتم إخبارهم بالحقيقة بشأن حالتهنّ، ومن ثم يُتركن لمصيرهن، والذي قد يشمل سوء المعاملة الزوجية، أو الطلاق.

 

وترى الخضر أنّ المشكلة الأكبر في اليمن تكمن في عدم فهم الأسر كيفية التعامل مع الفتيات اللواتي يعانين من التوحد.

 

ولكنها تضيف أن زيادة الوعي المجتمعي حول هذا الاضطراب سيساهم بشكل كبير في الحد من التنمر وزيادة اندماج هذه الفئة في المجتمع، وبين أسرهن.

 

ويرفض مظفر التخلي عن ابنته.

 

وهما يتفاعلان في الغالب مع الأصدقاء المقربين، وأفراد العائلة الذين يتعاملون مع حالة إمتنان باحترام لتجنب تعرضها لأي مضايقة أو سوء معاملة، ويحرص مظفر على إبقاء الأمر على هذا النحو.

 

وقال: "لا أستطيع تحمل إشارة أي شخص إلى حالتها بطريقة ساخرة أو فيها تنمر".

 

وأكّد: "أتمنى أن أعطيها المزيد. أريدها أن تعيش حياة طبيعية قدر الإمكان، حيث يمكنها التفاعل مع العالم بطريقة طبيعية، وإنشاء العلاقات، وإكمال تعليمها.. سأبذل قصارى جهدي لمساعدتها على تحقيق ذلك".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: من العمر فی الیمن من عمرها تعانی من

إقرأ أيضاً:

تقرير حقوقي: شركة ميتا وسلطات اليمن فشلت في حماية حقوق المرأة اليمنية 

يمن مونيتور/غرفة الأخبار

قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات في اليمن فشلت في معالجة الابتزاز والتحرش على أساس الجنس على موقع فيسبوك، وحماية حق المرأة في الخصوصية في الفضاءات الإلكترونية وتوفير الإنصاف للناجيات.

وأضافت المنظمة أن هذه الاعتداءات تحدث في سياق افتقار شركة ميتا إلى إجراءات وقائية كافية فيما يتعلق بالحماية عبر الإنترنت.

وأكدت المنظمة في تقرير لها إنها فحصت حالات سبع نساء تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي باستخدام التكنولوجيا على فيسبوك بين عامي 2019 و2023 في محافظات عدن وتعز وصنعاء.

وأضافت: واجهت هؤلاء النساء ابتزازًا ومضايقات عبر الإنترنت تنطوي على مشاركة صور أو معلومات حساسة دون موافقة، مما يشكل انتهاكًا لحقهن في الخصوصية، ولم تعرف أي من النساء كيفية الإبلاغ عن شكوى على فيسبوك لإزالة المحتوى المسيء.

وقالت ديالا حيدر، الباحثة في شؤون اليمن بمنظمة العفو الدولية: “لقد تعرضت النساء في اليمن منذ فترة طويلة للتمييز المنهجي والعنف المتفشي مع عواقب مدمرة على حياتهن.

وأوضحت أن هذا الوضع قد تفاقم الآن بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي على الإنترنت وسط تقاعس السلطات عن اتخاذ أي إجراء. ويجب على السلطات اليمنية، بما في ذلك الحكومة والسلطات الحوثية الفعلية والمجلس الانتقالي الجنوبي، اتخاذ إجراءات ملموسة وسريعة لمعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي على الإنترنت، كجزء من القضاء على جميع أشكال التمييز والعنف ضد المرأة”.

وقالت: يجب على شركة ميتا أيضًا تقديم تدابير لتحسين الوعي بين مستخدميها بشأن الأمن الفردي والخصوصية على فيسبوك في جميع الأسواق، بما في ذلك اليمن، ويجب عليها ضمان أن تكون آليات الإبلاغ متاحة وحساسة ثقافيًا.

مقالات مشابهة

  • دقت ساعة الصفر.. معلومات تكشف الخطة الأمريكية السعودية للتصعيد ضد اليمن وتاريخ بداية الهجوم والقوات التي أستلمت خطة الحرب
  • لوبس: 6 أشياء قد لا تعرفها عن نائب ترامب
  • نقص السماد من أهم المشاكل التي تواجه فلاحين أسيوط  
  • تقرير حقوقي: شركة ميتا وسلطات اليمن فشلت في حماية حقوق المرأة اليمنية 
  • مصير الحوثيين و التغييرات التي ستطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد - تحليل
  • ماكرون وشولتس يطالبان أوروبا بالتوحد لمواجهة تحديات فوز ترامب
  • اجتماع بمحافظة صنعاء يناقش الإشكاليات التي تواجه قطاع الأشغال
  • اجتماع بصعدة يستعرض الصعوبات التي تواجه عمل المؤسسة المحلية للمياه
  • عندما تفكر أمريكا بالانتحار في اليمن
  • دومة يبحث سبل حل الصعوبات التي تواجه جمعية الدعوة الإسلامية العالمية