جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-30@23:59:26 GMT

الأخلاقُ تتغيَّر!

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

الأخلاقُ تتغيَّر!

 

د. صالح الفهدي

 

الأخلاقُ تتغيَّر هذا أُمرٌ مسلَّمٌ به، ولكن إلى أَيِّ اتجاهٍ تتغيَّر هذا هو الأَمرُ الذي يستحقُّ العنايةَ والتَّدبُّر؟! السلبيَّة هي إِحدى ملامح التغيُّر في الأخلاقيات، فما إن يطرح موضوع ما حتى تكشِّرُ السلبيَّةُ وجهها دون تمحيصٍ ودقَّة في الموضوع؛ بل إنها تُقحم إقحامًا.

فإذا كتبتَ في موضوعٍ ما، جاءك من يقلِّلُ من شأنِ ما كتبتَ ويرى أنَّ عليك أن تكتبَ في الجانبِ السلبيَّ الذي يراهُ هو لك، وكأنَّ الحياة ضائقةٌ إلا في منظورِ ما يراه.

وإذا أثنى أحدٌ من خارجِ الوطنِ على جانبٍ من الجوانبِ في الوطن انبرت له الأصواتُ السلبيَّة مكشّرةً أنيابها بأنه لا يرى الحقيقة وأنهم سيبصِّرونه بالحقيقة دون أن يراعوا أن من واجبهم على وطنهم أن يصونوا حرمته، ويحفظوا كرامته، وإن كان لهم من رأي في أمرٍ ما فإنَّ لكلِّ مقامٍ مقال، وليس مقامه الردُّ على من أثنى عليهم، ومدح صادقًا وطنهم بما رآهُ حسنًا من وجهةِ نظره.

وإلى جانبِ السلبيَّةِ سوءُ الردِّ على الرأي، وذلك ليس من الأدبِ ولا الخُلق، فالرأي حقُّ من حقوق الإِنسان وإشارة إلى حريَّته، لكن أن يكون الرأي سيئَ الأُسلوب، دنيء العبارة، فذلك رأيٌ ينمُّ على ضعفِ التربية، ووضاعة الشخصية، ورداءة الخُلق، هذا فضلًا عن الفراغ الباعث على السلبيَّةِ وسفاهِ الأُسلوب.

مؤشِّر آخر على تغيُّر الأخلاقيات وهو ضيقُ الأُفق في تقدير وجهات نظر الآخرين المخالفة، وقد أصبح ذلك من أسباب انصرام الوشائج الاجتماعية، وانقطاع الروابط الأُسرية.

وإذا كان من ثمَّة قائل أن هذه فئة قليلة لا تمثِّل الفئة الأَغلب فإِن ذلك هو الخطرُ الذي يتغلغل في أوردة المجتمع، فهي لا تظهرُ في وسائل التواصل الأجتماعي وحسب؛ بل إن لها مؤشرات في الواقع، إذا عرفنا أن 92% من فئة طلبة المرحلة المتوسطة- على سبيل المثال- يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للترفيه وليس للبحث والتعلم، وهُنا نربطُ الأمرين بأنَّ هذه النسبة عالية جدًا وباعثة على القلق لأن الترفيه يعني عدم إشغال النفس بما ينفعها، وهذا هو الفراغ الذي حذَّر منه الحديث الشريف عن نبيَّنا الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" أي أن أكثر الناس يضيعون هذه النعم لغير فائدة.

الأمر الآخر أن هذه الفئة التي تظهر سلبيتها في وسائل التواصل الاجتماعي تنتشرُ آرائها وتتداول في الوسائط الأخرى، الأمر الذي يجعل أثرها واسعًا مما يسهم في التأثير على الأغلبية الصامتة.

ضعفُ الإيمان وعدم فهم بديهيات الدين هو السبب الرئيس في ضعف الأخلاقيات، وتدنِّيها، فضلًا عن التربية التي أصابها الضرر في جوانبَ شتَّى فأصبحت من الضحايا وقد كان حريَّا بها أن تكون من الركائز الأساسية لبناء شخصية إنسانية سويَّة وقويمة.

حينما قُلت قبل عشرةِ أعوامٍ في إحدى الكليات أنَّ أخلاقياتنا تتعرض للهشاشة والضعف والتآكل، لم يرُق كلامي للضيف الآخر المستضاف معي وكان مسؤولًا حكوميًا بإحدى الجهات المناط عليها واجب الإسهام في تعزيز الأخلاقيات، بيدَ أنه فهم بعد ذلك أن مبعث حديثي كان لغيرةٍ في نفسي على أخلاقياتنا، وحرصًا مني على صيانتها والمحافظة عليها. اليوم وبعد تلك السنين أصبحنا نرى تغيُّر هذه الأخلاقيات إلى وجهٍ لا نرتضيه، وسلوكٍ لا نقبله.

إذا كان لنا- نحن العمانيون- من إرثٍ نفتخرُ به، ومن مجدٍ نتباهى به فتلك هي الأخلاق الرفيعة التي توارثناها أبًا عن جد، فلا عزَّ دونها، ولا مجد غيرها. وأعظم شهادةٍ لنا في ذلك من المصطفى عليه السلام "لو أنك أتيت أهل عمان ما سبُّوك وما ضربوك" وهو النبي الأعظم الذي أثني الله عليه ثناءًا خالدًا بقوله في القرآن الحكيم" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم: 4).

إن الأُمم لا ترتقي في حقيقتها إلا بأخلاقها، وها نحنُ نرى أن الأُمم التي تقدَّمت في علومها وصناعتها تنحسرُ في حضارتها، وتتقلص في وجودها بسبب انهيار الأخلاق، وذلك لنا أعظم درسٍ نراهُ بأمِّ أعيننا، فإن نحن لم نأخذ به أصابتنا أضراره وبلاياه، وإن نحن تعلَّمنا منه وفهمنا أثره ثم قمنا بواجبنا تجاه أخلاقياتنا صنَّاها عن الإندثار، وحميناها عن الإنحسار.

على أَنني دائمًا ما أحذِّر بأَننا لا نولي جانب تعزيز الأخلاقيات اهتمامًا يليقُ بها، وهي أساس وجود أُمتنا، وعنصر قوة لحمتها، ومصدر ثبات نهضتها، وما لم يكن للأمة من نبلاءَ فضلاء يعوون ما يحدقُ به من أخطار فيرسمون له سُبل النجاة من مزالق الإنحدار فإنَّها تتجَّه إلى طريقٍ لا غاية له سوى الإنهيار والضياع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"70 عامًا" السيسي يوضح الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن القضية الفلسطينية شهدت ظلمًا تاريخيًا استمر لمدة 70 عامًا، مشيرًا إلى أن ما يحدث في قطاع غزة اليوم هو نتيجة لعدم معالجة جذور المشكلة على مدار سنوات طويلة. وأضاف الرئيس خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الكيني، أن الحل الحقيقي لهذه الأزمة يكمن في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وفقًا لحل الدولتين الذي يضمن حقوق الفلسطينيين وأمن المواطنين الإسرائيليين.

موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية

من خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الكيني وليام روتو، نقل الرئيس السيسي رسالة واضحة حول موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية. أكد السيسي أن بلاده لن تتراجع عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، طبقًا لقرارات الشرعية الدولية. وأضاف أن مصر ستواصل العمل بشكل حثيث مع الأطراف الدولية لتحقيق هذا الهدف، لافتًا إلى أن أي محاولة لفرض واقع جديد يتعارض مع هذه الحقوق الفلسطينية ستواجه بالرفض.

وأشار السيسي إلى أن مصر تبذل جهودًا كبيرة من أجل الوصول إلى حل شامل وعادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مؤكدًا أن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أكد أن مصر لن تتهاون في أي مسألة تتعلق بأمنها القومي، وأنها لن تسمح بفرض أي واقع جديد على الأرض يتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

تأثير تصريحات ترامب على المنطقة

في الوقت نفسه، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي طالب خلالها الأردن والمغرب بإيواء المزيد من اللاجئين الفلسطينيين نتيجة الفوضى التي يشهدها قطاع غزة، لتهز الوضع الإقليمي وتثير تساؤلات عدة حول مستقبل القضية الفلسطينية. وقال ترامب في تصريحاته التي أدلى بها للصحفيين على متن طائرته الرئاسية، إنه طلب من العاهل الأردني استقبال المزيد من الفلسطينيين في وقت تشهد فيه غزة دمارًا غير مسبوق. وأضاف ترامب أنه تحدث مع الرئيس السيسي حول هذا الموضوع في محاولة لتخفيف العبء الناتج عن النزاع في غزة.

ووفقًا لتصريحات ترامب، يرى أن الحل يمكن أن يكون في إقامة مخيمات مؤقتة أو حتى بناء مساكن دائمة في دول مثل الأردن ومصر لإيواء الفلسطينيين. إلا أن هذا الطرح قوبل بانتقادات واسعة في المنطقة، حيث كان هناك قلق من أن هذه التصريحات قد تؤدي إلى تصعيد جديد في النزاع الإقليمي.

التباين بين المواقف الدولية

تعكس هذه التصريحات تباينًا واضحًا في المواقف الدولية تجاه كيفية التعامل مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين. في حين ترى الإدارة الأمريكية السابقة أن نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى قد يكون حلًا مؤقتًا، يعارض قادة الدول العربية، مثل الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، هذا الطرح بشدة. فقد حذر السيسي في وقت سابق من أن عملية تهجير الفلسطينيين من غزة قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي، حيث من الممكن أن يتسبب ذلك في حدوث أزمة مماثلة في الضفة الغربية.

أما الملك عبد الله الثاني فقد وصف في وقت قريب فكرة نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن أو مصر بأنها "خط أحمر"، مؤكدًا أن الأردن لا يمكنه تحمل المزيد من اللاجئين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها. وأضاف أن بلاده تستضيف بالفعل أكثر من 2.39 مليون لاجئ فلسطيني وفقًا للأمم المتحدة، وأن استضافة المزيد منهم سيكون أمرًا غير ممكن في المستقبل القريب.

الواقع في غزة: دمار وانهيار

من جهة أخرى، تستمر الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة في التدهور بشكل خطير. فبعد 15 شهرًا من الحرب بين إسرائيل وحماس، تحول جزء كبير من غزة إلى أنقاض، حيث تم تدمير نحو 60% من المباني بما في ذلك المدارس والمستشفيات. كما نزح ما يقرب من 90% من سكان القطاع، مع استمرار موجات النزوح القسري التي جعلت الكثير من السكان يهربون أكثر من مرة.

خاتمة: التحديات المستمرة

تبدو تصريحات ترامب المتعلقة بنقل الفلسطينيين إلى الدول المجاورة بمثابة محاولة لتغيير الواقع في المنطقة بطريقة قد تتناقض مع الأسس التي قامت عليها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لعقود. بينما تواصل مصر والأردن التأكيد على موقفهما الرافض لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن المنطقة من التوصل إلى حل شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق الاستقرار الدائم؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الدول العربية والمجتمع الدولي في هذا الشأن.

مقالات مشابهة

  • محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى
  • دولفين يرد الجميل للبحار الذي أنقذه.. فيديو
  • التعادل السلبي يحسم الشوط الأول بين برشلونة وأتالانتا في دوري أبطال أوروبا
  • "70 عامًا" السيسي يوضح الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني
  • حركة إم 23.. جناح إثنية التوتسي المسلح الذي أحكم قبضته على الكونغو
  • ندوة عن التطرف وانعدام الأخلاق في الدقهلية
  • بالفيديو| حاكم الشارقة يزور الصف الذي درس فيه بالمرحلة الابتدائية
  • ما الذي دفع بالإسرائيلي إلى تمديد بقائه في الجنوب؟
  • كيف نربي أبنائنا في ظل وجود السوشيال ميديا؟.. أستاذ بالأزهر يجيب
  • عالم أزهري يوضح طريقة تربية الأبناء في ظل انتشار وسائل السوشيال ميديا