جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-13@19:39:27 GMT

الأخلاقُ تتغيَّر!

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

الأخلاقُ تتغيَّر!

 

د. صالح الفهدي

 

الأخلاقُ تتغيَّر هذا أُمرٌ مسلَّمٌ به، ولكن إلى أَيِّ اتجاهٍ تتغيَّر هذا هو الأَمرُ الذي يستحقُّ العنايةَ والتَّدبُّر؟! السلبيَّة هي إِحدى ملامح التغيُّر في الأخلاقيات، فما إن يطرح موضوع ما حتى تكشِّرُ السلبيَّةُ وجهها دون تمحيصٍ ودقَّة في الموضوع؛ بل إنها تُقحم إقحامًا.

فإذا كتبتَ في موضوعٍ ما، جاءك من يقلِّلُ من شأنِ ما كتبتَ ويرى أنَّ عليك أن تكتبَ في الجانبِ السلبيَّ الذي يراهُ هو لك، وكأنَّ الحياة ضائقةٌ إلا في منظورِ ما يراه.

وإذا أثنى أحدٌ من خارجِ الوطنِ على جانبٍ من الجوانبِ في الوطن انبرت له الأصواتُ السلبيَّة مكشّرةً أنيابها بأنه لا يرى الحقيقة وأنهم سيبصِّرونه بالحقيقة دون أن يراعوا أن من واجبهم على وطنهم أن يصونوا حرمته، ويحفظوا كرامته، وإن كان لهم من رأي في أمرٍ ما فإنَّ لكلِّ مقامٍ مقال، وليس مقامه الردُّ على من أثنى عليهم، ومدح صادقًا وطنهم بما رآهُ حسنًا من وجهةِ نظره.

وإلى جانبِ السلبيَّةِ سوءُ الردِّ على الرأي، وذلك ليس من الأدبِ ولا الخُلق، فالرأي حقُّ من حقوق الإِنسان وإشارة إلى حريَّته، لكن أن يكون الرأي سيئَ الأُسلوب، دنيء العبارة، فذلك رأيٌ ينمُّ على ضعفِ التربية، ووضاعة الشخصية، ورداءة الخُلق، هذا فضلًا عن الفراغ الباعث على السلبيَّةِ وسفاهِ الأُسلوب.

مؤشِّر آخر على تغيُّر الأخلاقيات وهو ضيقُ الأُفق في تقدير وجهات نظر الآخرين المخالفة، وقد أصبح ذلك من أسباب انصرام الوشائج الاجتماعية، وانقطاع الروابط الأُسرية.

وإذا كان من ثمَّة قائل أن هذه فئة قليلة لا تمثِّل الفئة الأَغلب فإِن ذلك هو الخطرُ الذي يتغلغل في أوردة المجتمع، فهي لا تظهرُ في وسائل التواصل الأجتماعي وحسب؛ بل إن لها مؤشرات في الواقع، إذا عرفنا أن 92% من فئة طلبة المرحلة المتوسطة- على سبيل المثال- يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للترفيه وليس للبحث والتعلم، وهُنا نربطُ الأمرين بأنَّ هذه النسبة عالية جدًا وباعثة على القلق لأن الترفيه يعني عدم إشغال النفس بما ينفعها، وهذا هو الفراغ الذي حذَّر منه الحديث الشريف عن نبيَّنا الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" أي أن أكثر الناس يضيعون هذه النعم لغير فائدة.

الأمر الآخر أن هذه الفئة التي تظهر سلبيتها في وسائل التواصل الاجتماعي تنتشرُ آرائها وتتداول في الوسائط الأخرى، الأمر الذي يجعل أثرها واسعًا مما يسهم في التأثير على الأغلبية الصامتة.

ضعفُ الإيمان وعدم فهم بديهيات الدين هو السبب الرئيس في ضعف الأخلاقيات، وتدنِّيها، فضلًا عن التربية التي أصابها الضرر في جوانبَ شتَّى فأصبحت من الضحايا وقد كان حريَّا بها أن تكون من الركائز الأساسية لبناء شخصية إنسانية سويَّة وقويمة.

حينما قُلت قبل عشرةِ أعوامٍ في إحدى الكليات أنَّ أخلاقياتنا تتعرض للهشاشة والضعف والتآكل، لم يرُق كلامي للضيف الآخر المستضاف معي وكان مسؤولًا حكوميًا بإحدى الجهات المناط عليها واجب الإسهام في تعزيز الأخلاقيات، بيدَ أنه فهم بعد ذلك أن مبعث حديثي كان لغيرةٍ في نفسي على أخلاقياتنا، وحرصًا مني على صيانتها والمحافظة عليها. اليوم وبعد تلك السنين أصبحنا نرى تغيُّر هذه الأخلاقيات إلى وجهٍ لا نرتضيه، وسلوكٍ لا نقبله.

إذا كان لنا- نحن العمانيون- من إرثٍ نفتخرُ به، ومن مجدٍ نتباهى به فتلك هي الأخلاق الرفيعة التي توارثناها أبًا عن جد، فلا عزَّ دونها، ولا مجد غيرها. وأعظم شهادةٍ لنا في ذلك من المصطفى عليه السلام "لو أنك أتيت أهل عمان ما سبُّوك وما ضربوك" وهو النبي الأعظم الذي أثني الله عليه ثناءًا خالدًا بقوله في القرآن الحكيم" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم: 4).

إن الأُمم لا ترتقي في حقيقتها إلا بأخلاقها، وها نحنُ نرى أن الأُمم التي تقدَّمت في علومها وصناعتها تنحسرُ في حضارتها، وتتقلص في وجودها بسبب انهيار الأخلاق، وذلك لنا أعظم درسٍ نراهُ بأمِّ أعيننا، فإن نحن لم نأخذ به أصابتنا أضراره وبلاياه، وإن نحن تعلَّمنا منه وفهمنا أثره ثم قمنا بواجبنا تجاه أخلاقياتنا صنَّاها عن الإندثار، وحميناها عن الإنحسار.

على أَنني دائمًا ما أحذِّر بأَننا لا نولي جانب تعزيز الأخلاقيات اهتمامًا يليقُ بها، وهي أساس وجود أُمتنا، وعنصر قوة لحمتها، ومصدر ثبات نهضتها، وما لم يكن للأمة من نبلاءَ فضلاء يعوون ما يحدقُ به من أخطار فيرسمون له سُبل النجاة من مزالق الإنحدار فإنَّها تتجَّه إلى طريقٍ لا غاية له سوى الإنهيار والضياع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من أطلق سموم رحيمة الشريف في جسد السودان؟

بقلم: حسن أبو زينب عمر

انني مندوب جرح لا يساوم علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأمشي ثم أمشي فأقاوم محمود درويش الجلادون هنا وفي هذه الحالة تحديدا ليس واحدا بل خلايا سرطانية تتمدد ببطيء في أجسادنا وكلها للأسف وكما جرت العادة تحمل عبارة صنع في السودان (فظلم ذوي القربى أشد مضاضة ..على النفس من وقع الحسام المهند) ولذلك لا أتوجه فقط باتهام الناشطة المصرية رحيمة الشريف التي لو أطلقت لسانها السليط الذي يقطر سما الى المواجهات الدموية التي وراء أمواج اللجوء والنزوح والتشرد الذي أضاف أعباءا على أعباء على اقتصاد مصر وهو مصدر شكواها المرة لهان الأمر وربما أشعلنا لها الأكف تصفيقا ورفعنا لها القبعات احتراما . (2) لكن الذي فوق التصور أن يكون هدفها شعب مقهور مغلوب على أمره تعرض أفراده للذي لم يخطر على البال من السلب والنهب والموت المجاني وتعرضت نسائه الحرائر للاغتصابات أمام رجالهم وأبنائهم فهرب من نجا من العطش والجوع في الصحاري القاحلة الى الجيران في فجاج الأرض بحثا عن الأمن والأمان ومنها بالطبع مصر الشقيقة والتي يسيء المصريون تفسيرها ويذهبون ان كلمة شقيقة تعني أثيوبيا وهم لا يدرون أن قائلها هو شاعرنا العملاق تاج السر الحسن صاحب قصيدة آسيا وأفريقيا (مصر يا أخت بلادي يا شقيقة ..يا رياضا عذبة النبع وريقة ..يا حقيقة) ويضيف (مصر يا أم جمال أم صابر. مليء روحي أنت يا أخت بلادي .. سوف نجتث من الوادي الأعادي .. وأنا في قلب أفريقيا فدائي والقنال الحر يجري في دمائي) . (3) ثم جاء أبو آمنة حامد يطلق شيطان الشعر تمجيدا لعبد الناصر ( قم صلاح الدين وأشهد بعثنا .. في لقاء القائد المنتصر ..شعبنا الأسمر من فرحته .. والتقت نهضتنا بالعرب ..حين صافحنا جمال العربي ..أنت يا ناصر في أرضي هنا لست بالضيف ولا المغترب) ..ويقال ان قصيدة (جمال العربي) قيلت أمام الرئيس عبد الناصر الذي تفاعل معها بعاصفة من التصفيق ثم قدم دعوة لأبو آمنة لزيارة القاهرة وهناك أسترعى انتباهه الاسم الطويل لاسم ابن أبو آمنة (جمال عبد الناصر حسين خليل أبو آمنة حامد فضحك عبد الناصر وقال (يا أستاذ أبو آمنة كان يكفي جمال فقط فأجاب أبو آمنة قائلا (والله يا ريس لو كنت اعرف اسم جدك الثالث لأكملت اسم ابني حتى النهاية ) . (4) كلمات رحيمة التي قطع شك ليست رحيمة بل قاسية موجعة بلسعة لهب النار ومريرة بطعم الحنظل لا يستاهلها ولا يحمل وزرها الشعب السوداني وهي قطع شك ليست لسانا لعامة الشعب المصري وليست موقفا من السلطة الحاكمة .. ولكن حتى اذا افترضنا جدلا ان رحيمة استهدفت الإنسان السوداني فهي نيران تنفخ فيها سيدة تعاني من تشوهات عقلية وأزمة نفسية لموقف شخصي يقطر اساءات غير مبررة لشعب ألقاه حظه العاثر في مأساة لم يكن له يد فها فالحرب كما يعلم الجميع ورائها أخطاء تراكمية غزل نسيجها بداية البشير (مفتي العلاقة بين الغرابية و الجعلي) والبرهان الذي جاء بعده لم يكتفى بالمضي في طريق هذه الاخطاء بل وفر لعصابات الاجرام كل عوامل المنعة والقوة حتى أستيقظ السودان الآمن على أفاعي آل دقلو وهي تنخر في جسده . (5) حتى الخارطة الجغرافية المعترف بها من كل المجتمع الدولي ومنظماته الدولية والإقليمية والتي تضع المثلث ضمن حدود السودان احتجت عليها مصر بنجر خارطة جديدة ليس لها وجود الا في ملفات الخارجية المصرية والنتيجة أن كل من قام عفويا بتعليق الخارطة الحقيقية فوق المدارس والمحلات تجارية تعرض لعقوبات أضعفها اقفال المنشأة بالشمع الأحمر. (6) لا يفوت علينا هنا أيضا الثمن الغالي الذي دفعه الانسان السوداني والذي ورائه مغامرة عسكرية بتوريط بلد وشعب في جريمة نكراء لم تكن في البال وهي جريمة اغتيال الرئيس المصري في مطار اديس أبابا في 26 يونيو 1995 والنتيجة احتلال مصر لحلايب وشلاتين وفرض عقوبات صارمة على السودان حسب منطوق القرار 1044 الصادر من مجلس الأمن بتهمة عدم تسليم الجناة الذين تمت تصفية السودانيين منهم وتهريب المصريين الى أفغانستان حسب اعترافات الترابي لقناة الجزيرة في مشاهد من الرعب يغير منها حتى الفريد هيتشكوك نفسه . (7) كما يعلم الجميع أن هناك نزاع قانوني بين مصر والسودان على المنطقة وكان هادئا فحكومات السودان لا زالت منذ حكومة عبد الله خليل تجدد شكواها ضد مصر كل عام في مجلس الأمن وحكومات مصر لا زالت تسد أحد اذنيها بالطين والأخرى بالعجين تستجيب سلبا لشكوى السودان فهي رفضت الشكوى من المبدأ واختارت بدلا عنها طريق كسب المواطن المحلي بالإغداق عليه بخدمات شبه مجانية لا يجدها حتى انسان الجيزة تحسبا لاستفتاء قد تلجأ اليه الأمم المتحدة مستقبلا. لكن الذي يضع مزيدا من التعقيد ان محكمة العدل الدولية المخولة بالنظر في النزاع تشترط موافقة الطرفين المتنازعين للنظر في أي خلاف وهذا يعني أن استردادها سياسيا ( اخوي و أخوك) أصبح في باب المستحيل . (8) من المؤكد أن حالات النزوح الى الدول المجاورة قد أضاف أعباء إضافية على هذه الدول وكاهل انسانها انعكس ذلك بطبيعة الحال على السلع والمواصلات وخدمات المياه والكهرباء ولعل هذا سبب التذمر والشكوى من تواجدهم تحديدا في مصر. هناك نقاط تتعلق بممارسات بعض السودانيين في مصر جديرة بالتعليق وقد تطورت مؤخرا الى ظاهرة سلبية تقدح في سمعتنا أثارتها من قبل الكاتبة الدكتورة بخيتة أمين ..ربما تعتبر سلوكا عفويا لا غبار عليه داخل السودان ولكنها سلوكيات قبيحة مرفوضة بكل المقاييس خارج الوطن منها الحوامة والجلوس على مداخل العمارات السكنية بارتداء (العراريق) الداخلية الخفيفة والأحذية الشعبية ( السفنجة) التي مكانها البيت ولا تصلح في الشارع العام . النتيجة أن انساننا لم يعد مرحبا به persona non grata كما تقول الفرنجة وانفلاتاته تحتاج لتدخلات حاسمة من السفارة وأجسام المجتمعات المدنية . (9) كل الشتائم وكل الاساءات وكل سكاكين الكوارث التي تجاوزت تقطيع اللحم الحي الى طحن عظم الانسان السوداني يسأل عنه عسكر السودان وليس رحيمة الشريف وحدها . قضيتنا الآن ليست الثأر للشرف الرفيع من الأذى حتى لو جاء من (اللي يسوى واللي ما يسواش) من أمثال رحيمة الشريف .. رسالتنا الآن ليس تقمص دور الضرات يتبادلن الردح والملاسنات من على الشرفات كما كان الحال في الأفلام المصرية القديمة. رسالتنا المقدسة التي تعلو ولا يعلى عليها هي وحدة الموقف ووحدة الصف ووحدة الصوت الرافض للحرب التي يجمع الكل بتسميتها بالحرب العبثية .. رسالتنا الرفض المطلق بأن يكون الجنرالان جزءا من أية تسوية سياسية حتى لا يتكرر سيناريو الموت والدمار.

oabuzinap@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الحكم الرشيد
  • صورة «تشي» في إعلان تجاري
  • عسى ولعلَّ.. يتم الاعتبار
  • السلطات الإيرانية تغلق مكتب الخطوط الجوية التركية في طهران.. ما علاقة الموظفات؟
  • من أطلق سموم رحيمة الشريف في جسد السودان؟
  • الرفاعي: الانقسام السلبي جرّ على الوطن كلّه ويلاته كلّها
  • منظومة الأخلاق الإسلامية تحصِّن الأمة من خطر حضارة الغرب
  • خالد الجندى: الشركة المتحدة فعلت أمرا له أجر عظيم عند الله
  • خالد الجندي مشيدا باختيار عنوان "الله معنا" لخطبة الجمعة: معنى جليل (فيديو)
  • “إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ”