سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
نتطلع نحن كعُمانيين وكمجتمع عربي بحت إلى التطوير بكافة الأمور المهمة التي تحيط بنا من قطاع تعليمي وقطاع تشغيلي وثقافة وفن وأدب وتصوير ورسم، وقس على ذلك الكثير، لكننا في الوقت نفسه نبحث عن نقطة الانطلاق ونقطة التحول التي تلهمنا لنكمل ذلك الإلهام نحو مزيد من التقدم والرفعة في جو مليء بالتطلعات أن تصل أعمالنا وموهبتنا لأكبر شريحة يمكن أن تستفيد منها بشكل إيجابي، ويبعث في النفس التفاؤل والطموح لمواصلة المسير إلى الإمام، وإلى النظر بمنظور أن هناك جهة وأفرادا أو مؤسسة مهتمة، وتعير هذا التحدي وهذا الشغف وهذا الإنجاز الانتباه والتحفيز والتطوير والمساعدة لإجادة العمل، أيًا كان نوعه، وأيًا كان تخصصه، وأيًا كانت أهدافه.
التصوير عالم رحب والشعر عالم أرحب وقس على ذلك مواهب عديدة بحاجة للدعم وللوقوف بجانبها من خلال توفير المستلزمات الضرورية لها وأعني بذلك التشجيع والتحفيز كدولة تقف جنبًا إلى جنب مع أبنائها بالقول والفعل والعمل إذ لا يعقل أن تموت الموهبة الفذة في مهدها وإذ لا يعقل أن يموت الفنان الناشيء قبل موعده فكما نعلم جميعاً أن الدعم هنا يشكل الدافع المحفز لجيل الشباب ووجود مؤسسة أو هيئة تعنى بهذا الجانب والوقوف مع المبدعين الشباب يجعل للإبداع رونقاً وجمالاً آخر.
والاهتمام بجيل الشباب والحرص كل الحرص على توفير كل سبل النجاح لهذا الجيل هو مطلب مهم كي يسمو به الوطن، فلنكن دولة عصرية بكل المقاييس لصنع أفق أكبر وأوسع للجيل القادم، ولماذا لا يتم دعم الشباب العماني الباحث عن عمل من الوزارت أو الشركات والمؤسسات لضم هذا الشاب المنتج بأي تخصص كان لديهم؛ فالشاعر والكاتب مطلوب في وزارة الإعلام وفي مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات؛ كونه يملك موهبة فذة في صياغة وتحليل الأمور. أما الفنان وهو المطرب الصاعد إن لم يتم دعمه من مختلف الإذاعات والتلفزيونات المختلفة داخل البلد، فكيف سنرى إبداعه وسنستمع لما لديه.
الرسام والمصور أيضًا يحملان إبداعًا مختلفًا وبحاجة لتنمية هذه الموهبة واستغلالها الاستغلال الأمثل والوقوف إلى جانبها. والأستوديوهات التي أنشأها الشباب العماني المبدع بعد أن ضخوا أموالًا كبيرة من جهد سنينهم وكدهم، بحاجة للوقوف بجانبهم من خلال استغلالها الاستغلال الأمثل، من تسجيل وتصوير ودعم مختلف، ولا يجب أن نترك الشباب المجتهد يعمل بصمت، إنما نُشركه في أعمال البلد، لنوصل له رسالة أن عمان تقف جنبًا إلى جنب مع المبدعين وجيل الشباب الواعد الذي يملك الأفكار وتنقصه الإمكانيات.
إن التطور التي تشهده البلاد؛ سواءً في القطاع السياحي أو الترفيهي يجعل من عُمان قِبلة للسياحة في ظل أجواء المنطقة الحارة، وإن ما شهدناه من تطوير في أفكار الشباب الطموح في محافظة ظفار، ينصب في رفع اسم عمان عاليًا، وما افتتاح الحديقة المائية والسيرك العالمي الذي قام به الدكتور مصعب الهنائي- والذي يُشكر على هذه اللفتة منه- إلا نموذج من شباب عمان المبدعين الطموحين، ولو كانت الإمكانيات والسيولة المالية متاحة لرأينا من هذا الوطن وشبابه إبداعًا منقطع النظير.
نحن عندما نعمل نُنجز، وعندما نُنجز نُبهِر، ولكن كل ما ينقصنا هو الدعم، فهيا بنا يا عمان كوني داعمًا لفئة الشباب من خلال الأخذ بالأفكار وتطويرها ورعايتها حتى لا تُسرق كما سُرقت منا أغلب الأمور التي قد نرى أنها بسيطة.. لكن التراث العماني هو التراث الذي لا يمكن أن نستنسخه بأي طريقة.
من هنا.. أوجه دعوة لأصحاب الشأن الاهتمام والدعم الأكبر والرعاية لفئة الشباب المنتج المجتهد، كلٌ حسب ميوله واختصاصه؛ لنبني من وطننا بنية قوية متكاملة.. معًا بيد بعضنا نولي الشباب العماني كل الدعم والتكريم والانتباه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ابن رُزَيق
حميد بن محمد بن رُزَيق بن بخيت العبيداني النخلي، ولد فـي مسقط سنة 1784م، وعرف نفسه بأنه سليل ابن رزيق، نشأ فـي كنف عائلة لها صلة وثيقة بالأسرة الحاكمة سواء اليعاربة أو البوسعيديين، فوالده وجده كانا محاسبين فـي فرضة مسقط، وفـي ذلك يقول: «وكان جدي قد خرج من بيته يريد فرضة مسقط، وكان هو يومئذ المتقدم عند الإمام سيف بن سلطان على كتابة الدفتر الحسابي، وبيده قلمه». وحين تولى الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الإمامة فـي عمان عام 1744م أبقى جده فـي منصبه محاسبًا فـي فرضة مسقط، وكتب له عهدًا فـي ذلك كتب فـيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من إمام المسلمين أحمد بن سعيد إلى كافة أولادي خصوصًا، وإلى الناس عمومًا، أما بعد، لتتركوا بعدي رزيق بن بخيت ومن تناسل منه مثل ما تركته فـي الفرضة على قلم الحساب، وتمموا له الفريضة كما تممتها له، وهي مرقومة فـي دفتر السركار، وأحسنوا إليهم مثلي، (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم).
توفرت لابن رزيق البيئة المناسبة لطلب العلم، فهو مقرب من الأسرة البوسعيدية، وفـي مستوى معيشي يكفل له حياة كريمة تجعله ينصرف وبكل همة ونشاط لطلب العلم دون أن يشغل تفكيره طلب الرزق، فحفظ القرآن والحديث الشريف، واستوعب فؤاده الكثير من شعر العرب، وقرأ الكتب للشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي؛ لأن الشيخ أعمى فكانت فرصة كبيرة لابن رزيق لأن يدرس على يديه ويطلع على العديد من المؤلفات ويتدارسها معه. ولابن رزيق علاقات بعلماء عصره كالشيخ جاعد بن خميس الخروصي وولده ناصر بن جاعد الخروصي، والشيخ معروف بن سالم الصايغي والشيخ ناصر بن حميد البداعي.
برز حميد بن رُزَيق كشاعر متميز، عبّر فـي قصائده عن هموم وطنه وأحوال عصره، وتغنى بالبطولات العمانية، ولا سيما تلك التي قادها الأئمة والسلاطين البوسعيديون ضد من لهم مطامع فـي عمان. تنوعت موضوعات شعره بين الفخر، والحكمة، والرثاء، والمدح، واحتوت قصائده على لغة عربية جزلة وصور بلاغية تعكس تمكنه من الأدب العربي الكلاسيكي.
كتب ابن رزيق عددًا من المؤلفات منها: ثمانية دواوين شعرية، ومن هذه الدواوين: ديوان «سبائك اللجين»، وهو ديوان شعري فـي مدح السيد سالم بن سلطان وابنه محمد. ونظم ابن رزيق ديوانا شعريا آخر فـي مدح السيد محمد بن سالم بعنوان «فصوص المرجان»، وله ديوان «فرقان الجمان فـي مدح العلامة ناصر بن أبي نبهان»، وديوان «نور الأعيان وضوء الأذهان فـي مدح محسن بن زهران العبري»، وديوان «سلك الفريد فـي مدح السيد ثويني بن سعيد» وقصيدة «الشعاع الشائع باللمعان فـي ذكر أئمة عمان». وله فـي فن المقامات كتاب عنونه بـ«علم الكرامات المنسوب إلى نسق المقامات»، يضم 60 مقامة. ومن الكتب التي كتبها ابن رزيق كتاب «الصحيفة القحطانية»، وكتاب «الصحيفة العدنانية»، وكتاب «سراج المسترشد الهادي إلى مناقب الإمام الممجد ناصر بن مرشد»، وكتاب «السيرة الجليلة المسماة سعد السعود البوسعيدية»، وكتاب «المؤتمن فـي ذكر مناقب نزار واليمن».
تُعد مؤلفات ابن رُزَيق مصدرًا أساسيًا للباحثين فـي تاريخ عُمان ومنطقة الخليج العربي فـي القرن التاسع عشر. فقد تميزت أعماله بدقة السرد، وحيادية الطرح، واعتماده على مصادر متعددة، بما فـي ذلك شهادات معاصريه ووثائق رسمية. كما لعبت قصائده دورًا فـي تعزيز الهُوية الوطنية وتوثيق الروح القومية العمانية فـي مواجهة التحديات الخارجية.
من أهم مؤلفات حميد بن محمد بن رزيق كتاب «الفتح المبين فـي ذكر السادة البوسعيديين»، ولقد كتب هذا الكتاب بطلب من السيد حمد بن سالم بن سلطان البوسعيدي، إدراكا من السيد حمد أن القلم هو من يخلد السيرة لأجيال طويلة. وأن تاريخ جده الإمام أحمد بن سعيد الحافل بالأعمال والمنجزات لن يحصل على التقدير، إلا إذا دُوِنت هذه الإنجازات فـي كتاب ليقرأه الناس ويتداولونه أجيالا كثيرة. ويقول ابن رزيق فـي ذلك: «فقد سألني ذو الدراية والاحتشام والأخلاق الرضية...، السيد حمد ابن مولانا سالم بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي اليمني الأزدي، أن أشرح له ما سمعته وحفظته من أهل المعرفة والأنساب والأخبار المطبقة للصواب عن نسب الإمام الحميد أحمد بن سعيد، وما جرى فـي سيرته الجليلة، ومملكته العلية، وعن السبب الذي استأصل به من اليعاربة السلطان، وصار بيده ما كان بيدهم من زمام الزمام بعمان، وأن أبين له فراغي من ذكر نسبه وسيرته وحدود مملكته بلا إبهام، سيرة أولاده النجباء الكرام، وما جرى لهم من الشأن الشائع بعمان مع الأعيان».
رتب ابن رزيق كتابه على أربعة أبواب، جعل فـي كل باب عدة فصول، الباب الأول تناول فـيه سلسلة البيت البوسعيدي، وذكر فرسانهم وشعراءهم، ثم يذكر فـي هذا الباب عددًا من الأخبار القديمة كقصة أصحاب الأخدود، وخروج الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة المشرفة، وخروج ابن ذي يزن إلى كسرى، ثم يتناول عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من الأزد والصحابيات الأزديات، ويختم هذا الباب بمجموعة من مشاهير العلماء العمانيين. والباب الثاني حول تاريخ أئمة عمان مبتدئًا بالإمام الجلندى بن مسعود وصولا إلى الإمام أحمد بن سعيد، ويكتب فـي هذا الباب عن تاريخ عمان فـي عهد الدولة الأموية ويسترسل فـي سيرة عمر بن عبدالعزيز العطرة، بعدها يستعرض أئمة عمان وأهم إنجازاتهم فـي خدمة وطنهم والدفاع عنه.
يمثل حميد بن محمد بن رُزَيق بن بخيت النخلي رمزًا من رموز الثقافة العمانية، جمع بين براعة الشاعر ودقة المؤرخ، فاستحق مكانته الرفـيعة فـي سجل الأدباء والمؤرخين العمانيين. لقد وثّق بعين الشاعر وأمانة المؤرخ حقبة مفصلية من تاريخ بلاده، فجعل من إرثه جسرًا بين الماضي والحاضر للأجيال اللاحقة.
توفـي حميد بن محمد بن رُزَيق النخلي عام 1874م بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي والتاريخي. وقد بقيت مؤلفاته، خاصة كتابه «الفتح المبين فـي سيرة السادة البوسعيديين»، مرجعًا مهمًا للمهتمين بتاريخ عُمان والخليج العربي، ولا تزال أعماله تُدرّس وتُحلل فـي الأوساط الأكاديمية إلى اليوم .
بدرية الشعيبية تربوية وباحثة في الشأن التاريخي