تصاعد خطر حرب الأسماك حول العالم
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
سارة جليسر ـ تيم جالوديت
في عام 2012، اشتبك صيادو المحار البريطانيون والفرنسيون في سلسلة من المواجهات العنيفة، التي أطلقت عليها الصحافة «حرب المحار الكبرى». لم يتصاعد الصراع إلى ما هو أبعد من تدمير القوارب وإلقاء الحجارة، لكنه أدى إلى تفاقم التوتر بين الحكومتين. وعندما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2020، مُنع غالبية الصيادين الفرنسيين من العمل في المياه الإقليمية البريطانية.
هذا العام، بعد أن حظرت المملكة المتحدة الصيد بالشباك القاعية لحماية الموائل البحرية الهشة، احتجت الحكومة الفرنسية بشدة وهددت بالرد بإجراءات تجارية عقابية. وتصاعدت الاشتباكات في أجزاء أخرى من العالم أيضًا. في عام 2022، عندما اقترب زورق خفر السواحل الأمريكي لتفتيش سفينة حبار صينية بالقرب من الإكوادور- وفقًا للبروتوكولات القانونية المعمول بها- استخدمت السفينة الصينية مناورات عدوانية لتجنب الصعود عليها، وهو ما ساعد العشرات من السفن الأخرى على الفرار دون تفتيشها.
في عالم غارق في الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، قد تبدو هذه الحوادث غير ذات أهمية، ولكن على الرغم من أنها قد تمر مرور الكرام، فإن النزاعات حول مصايد الأسماك يمكن أن تتحول إلى صراعات أكبر، تماما كما فعلت النزاعات حول النفط والمياه والحبوب في الماضي. تعدّ مصايد الأسماك موارد طبيعية محدودة توفر القوت لمليارات البشر؛ وتشكل المأكولات البحرية ما يقرب من خُمس الاستهلاك العالمي من البروتين الحيواني.
وتعد منتجاتها من بين السلع الغذائية الأكثر تداولا في العالم. ويوظف قطاع مصايد الأسماك مئات الملايين من الناس، ويغذي اقتصادات العديد من البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة. وتواجه الصناعة بالفعل ضغوطًا متزايدة مع تدهور مخزونات الأسماك في جميع أنحاء العالم بسبب الصيد الجائر وسوء الإدارة وتغير المناخ.
ومن المتوقع أن تدفع درجات حرارة المحيطات المرتفعة وحدها ما يقرب من واحد من كل أربعة تجمعات سمكية محلية إلى عبور حدود دولية في العقد المقبل، مما يعيد ترتيب الوصول إلى هذا المورد الحاسم ويحفز الصيد غير القانوني المحفوف بالمخاطر وإساءة معاملة القوى العاملة في هذا القطاع. وليس من الصعب أن نتخيل تفاقم المعركة المتعلقة بالأسماك في هذا السياق.
تحدث بالفعل مناوشات بمعدلات مقلقة، والمعارك حول الأسماك ليست جديدة: خلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، كانت البلدان المتحالفة تتصادم بشكل متكرر حول مصايد الأسماك. في عام 1979، استولت كندا على قوارب صيد أمريكية في نزاع حول سمك التونة الأبيض، وشهدت حروب سمك القد في سبعينيات القرن العشرين اشتباكات بين آيسلندا والمملكة المتحدة حول حقوق الصيد في شمال الأطلسي. ولكن وتيرة المواجهة حول موارد مصايد الأسماك زادت بمقدار عشرين ضعفًا منذ عام 1970، كما أدى النمو السريع لأساطيل الصيد القادرة على السفر إلى مياه بعيدة إلى زيادة خطر وقوع اشتباكات خطيرة.
ولكن من الممكن تجنب تصعيد الصراعات حول الوصول إلى هذا المورد النادر على نحو متزايد. فعندما تتوافر للعلماء البيانات والموارد الكافية، يصبح بوسعهم إعادة بناء المخزونات وإدارة مصايد الأسماك على نحو مستدام، كما تتحسن قدرتهم على التنبؤ بتأثيرات الضغوط البيئية الجديدة على أعداد الأسماك بسرعة. وعندما يتعلق الأمر بتمويل هذا العمل وتطبيق نتائجه على الحوكمة، فإن أغلب البلدان تفشل في تحقيق هذا الهدف، ولكن بفضل المؤسسات القوية وبرامج الحفاظ على البيئة والمعلومات الحديثة حول ما يحدث في المياه الوطنية، تستطيع هيئات مصايد الأسماك الوطنية والدولية أن تجعل من مناطق الصيد مناطق سلام بدلا من مصادر للصراع. وقد حان الوقت لحشد الإرادة السياسية للقيام بذلك على وجه التحديد- وبالتالي منع هذه المأساة في البحر.
يدرك صناع السياسات في الولايات المتحدة والجمهور الأمريكي أن صيد الأسماك صناعة محفوفة بالمخاطر. وقد كشفت تقارير حديثة، بما في ذلك تحقيق في أكتوبر 2023 في مجلة نيويوركر، عن إساءة معاملة واسعة النطاق للعمال على متن سفن صيد الحبار في المحيط الهادئ. وأظهرت تقارير أخرى أن ظروف العمل السيئة والجرائم الأخرى التي تنتشر في هذا القطاع- من الصيد غير القانوني والقرصنة، إلى تهريب الحياة البرية والمخدرات والأسلحة والبشر- تجعل البحار أقل أمانًا مع زيادة خطر السطو المسلح ضد الصيادين، وعسكرة مناطق الحفاظ على البيئة، وتسهيل الفساد.
ومنذ ظهور هذه القضايا إلى النور، عقد أعضاء الكونجرس الأمريكي جلسات استماع، واقترحوا تغييرات على سياسات المشتريات الحكومية، ودعوا إدارة بايدن إلى تعزيز اللوائح الحالية التي تمنع استيراد المأكولات البحرية المنتجة باستخدام القوى العاملة القسرية ومن خلال الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم، فضلا عن تطبيق العقوبات على الشركات التي تستخدم القوى العاملة القسرية.
ولكن رغم أن مثل هذه التدابير قد تكون محمودة، فإنها لا تعالج العوامل الاقتصادية والبيئية التي تغذي الصراعات بين الدول بشأن مصايد الأسماك. والواقع أن السياسات الخاصة بكل بلد ضرورية ولكنها غير كافية لمعالجة المشكلات الإقليمية أو العالمية في نطاقها. والولايات المتحدة، بما لديها من بيروقراطية قادرة على إنفاذ القانون البحري، تتمتع بسجل قوي في تنفيذ التدابير الرامية إلى تعزيز الصيد المستدام، ولكن العديد من البلدان الأخرى تفتقر إلى الموارد اللازمة لإدارة مصايد الأسماك بشكل فعّال، ونتيجة لهذا فإن ما يقرب من 40% من المخزونات العالمية تتعرض للصيد الجائر.
تنشأ النزاعات عندما لا يمتثل أعضاء المنظمات الإقليمية لإدارة مصائد الأسماك لقواعد هذه المنظمات، أو عندما تنتشر مخزونات الأسماك في أكثر من ولاية قضائية تابعة لمنظمة واحدة، أو عندما تنتمي الأساطيل التي تنتهك القواعد إلى بلد ليس عضوا في المنظمة الإقليمية لإدارة مصائد الأسماك ذات الصلة. وقد قامت هذه المنظمات الإقليمية بتسوية النزاعات بين أعضائها، لكن آليات الحوكمة القائمة لابد أن تكون أكثر مرونة واستباقية، وأن تتخذ خطوات لمنع النزاعات التي قد تنشأ عن حركة مصائد الأسماك الناجمة عن تغير المناخ.
تكمن المشكلة جزئيا في طريقة التفكير، فقد تعاملت الحكومات لفترة طويلة مع مصايد الأسماك إما باعتبارها سلعا قابلة للتداول، مع التركيز على تعظيم العائدات، أو باعتبارها موضوعات للحفاظ على البيئة والموارد مثل المتنزهات الوطنية. وتجاهل جميع الباحثين، باستثناء حفنة قليلة منهم، إمكانية تحولها إلى مواقع للصراع، والحاجة إلى إدارتها بطريقة تحافظ على السلام العالمي.
ولا يقتصر الأمر على الاستخفاف بأهمية مصائد الأسماك الجيوسياسية، فما زال أكثر من 75% من محيطات الأرض غير مستكشفة، على الرغم من الدور الذي تؤديه هذه المياه في إمدادات الغذاء، والتنمية الاقتصادية، واستدامة الطاقة، والصحة العامة، وتغير المناخ، والأمن.
تلقت قضايا المحيطات، بما في ذلك مصايد الأسماك والمناطق المحمية وعلوم البحار، أقل من واحد في المائة من التمويل الخيري العالمي منذ عام 2009، وظلت الاستثمارات الحكومية في علوم المحيطات في انحدار لعقود من الزمن. وتأتي معظم أموال الحكومة في شكل مشروعات الحفاظ على البيئة التي يتم دمجها في ميزانيات التنمية، والتي تمثل في حد ذاتها جزءًا ضئيلًا مما تنفقه الحكومات سنويًا على الدفاع.
ورغم أن الموارد المتاحة للعمل المتعلق بالمحيطات ومصائد الأسماك محدودة، إلا أنها كانت كافية للباحثين لإثبات أن الحكومات بحاجة إلى المزيد من الاهتمام. والظروف التي تؤدي إلى صراعات مصائد الأسماك راسخة: عدم المساواة في الوصول إلى مناطق الصيد أو التنازع عليها؛ ووجود سفن صيد أجنبية، سواء كانت تصطاد بشكل قانوني أو غير قانوني، في المياه المحلية؛ وانخفاض قدرة الحكومة على إنفاذ القانون البحري؛ والانخفاض الحقيقي أو المتصور في أحجام مخزون الأسماك.
وتسلط التحليلات الأخيرة التي أجراها الصندوق العالمي للحياة البرية الضوء على عشرين نقطة ساخنة محتملة للصراع في مختلف أنحاء العالم. وبعض هذه النقاط، مثل بحر الصين الجنوبي، والقرن الإفريقي، وخليج غينيا، ليست مفاجئة، نظرا للاشتباكات المستمرة بين السفن العسكرية وقوارب الصيد، وبين قوارب الصيد الأجنبية والمحلية، في تلك المناطق. ومن المرجح أن تشتعل مناطق أخرى، بما في ذلك القطب الشمالي، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وميلانيزيا، إذا هاجرت مخزونات الأسماك في اتجاهات متوقعة استجابة لتغير المناخ. وباستخدام هذه المعرفة، يمكن لصناع السياسات أن يحولوا تركيزهم إلى منع الصراعات.
في العام الماضي، اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية التنوع البيولوجي خارج الولاية الوطنية (المعروفة أيضًا باسم معاهدة أعالي البحار)، وهي خطوة تاريخية لجهود الحفاظ على البيئة في المياه الدولية. كما بدأت منظمة التجارة العالمية في معالجة إعانات مصايد الأسماك التي ترعاها الحكومات. وقد تم وضع الجزء الأول من اتفاقية متعددة الأطراف، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من الحكومات للتصديق عليها قبل دخولها حيز التنفيذ. بعد ذلك، يحتاج مفاوضو منظمة التجارة العالمية إلى تسريع النص النهائي لاتفاقية ثانية أكثر قوة لإنهاء الإعانات التي تؤدي إلى الصيد الجائر.
والتحدي الآن هو الاستمرار نحو حوكمة المحيطات من خلال سياسات تخفف بشكل خاص من خطر الصراع على مصايد الأسماك. يجب على الحكومات أن تبدأ بتخصيص المزيد من الموارد لمكافحة الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم؛ واعتماد الممارسات التي تبني القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ؛ وتوسيع دور المجتمع المدني والمجتمعات الأصلية في إدارة مصايد الأسماك. توجد في الولايات المتحدة بالفعل آليات وأدوات متاحة للقضاء على الصيد غير القانوني وتعزيز الأمن البحري، لكن الوكالات المعنية تحتاج إلى تمويل.
ومن الضروري تطبيق سياسات حوكمة عالمية أقوى، لأن الشبكة الحالية لمنظمات إدارة مصايد الأسماك الإقليمية تعتمد على الالتزامات الطوعية للأعضاء. وحتى الآن، حققت هذه المنظمات نجاحًا متفاوتًا في التوصل إلى اتفاقيات متعددة الأطراف بشأن تخصيص صيد الأسماك وغير ذلك من تدابير إدارة مصايد الأسماك التي تأخذ في الاعتبار آثار تغير المناخ، ولكنها تجلب إلى الطاولة مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة، من ممثلي الحكومات لمصايد الأسماك الصغيرة في الدول الساحلية إلى أساطيل الصيد في المياه البعيدة في العالم، بما في ذلك صناع السياسات من الصين والاتحاد الأوروبي.
وفي نهاية المطاف، يحتاج الصيادون إلى الحد من عدد الأسماك التي يقتلونها كل عام إذا كان من المقرر أن تظل مصايد الأسماك مصادر للرزق. وهناك العديد من الأدوات المتاحة لتحقيق هذه الغاية، ويمكن تكييفها لتناسب كل مصايد الأسماك. ويمكن للجهات التنظيمية السماح لعدد أقل من القوارب في مصايد الأسماك؛ ومع وجود أموال كافية أو استثمار من القطاع الخاص، يمكن للصيادين تبني ممارسات تقلل من التلف والهدر؛ ويمكن للحكومات الاستثمار في البحث العلمي لتحسين النظم الإيكولوجية لمصايد الأسماك؛ ويمكن لصناع السياسات القضاء على إعانات الوقود الضارة ومعالجة إساءة معاملة العمال في قطاع صيد الأسماك، وبالتالي جعل سعر المأكولات البحرية يعكس التكلفة الحقيقية لصيد الأسماك. لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، ولكن الخبر السار هو أن هناك العديد من المسارات الممكنة للمضي قدمًا.
الحقيقة إن مخزونات الأسماك مورد نادر وغير قابل للتنبؤ به على نحو متزايد، وقد تتصاعد النزاعات الناتجة عن مصايد الأسماك وتغذي الصراعات الإقليمية أو حتى العالمية، والعنف الذي قد ينجم عن ذلك لن يحصد أرواح البشر فحسب. فمن خلال تعطيل صناعة حيوية وإطلاق الملوثات في المحيط، فإن الحرب في البحر من شأنها أيضا أن تدمر الموائل، وتؤدي إلى تدهور النظم الإيكولوجية، وتعرض الأمن الغذائي للخطر، وتؤدي إلى فقدان الوظائف، وتضعف الاقتصادات، وتعيق جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
ويقع العبء حاليًا على عاتق صناع السياسات لاتخاذ إجراءات وقائية بينما لا تزال لديهم الفرصة.
سارة جليسر خبيرة في الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، وترأس فريق Oceans Futures المُشكّل حديثًا والذي يعمل على تطوير برامج أمن المحيطات والمناخ.
تيم جالوديت هو عالم محيطات أمريكي وأميرال بحري متقاعد في البحرية الأمريكية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصید غیر القانونی الحفاظ على البیئة مصائد الأسماک تغیر المناخ صید الأسماک الأسماک فی بما فی ذلک العدید من فی المیاه فی عام
إقرأ أيضاً:
القبض على مواطن قام بالصيد في أماكن محظورة الصيد بمحمية الإمام عبدالعزيز
الرياض
تمكنت الدوريات الميدانية للقوات الخاصة للأمن البيئي وهي تؤدي مهامها في تنفيذ نظام البيئة في محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية من القبض على المواطن بدر مناحي الهليمي، لارتكابه مخالفة الصيد في أماكن محظور الصيد فيها، بحوزته بندقية هوائية، و(141) ذخيرة هوائية، وكائنين فطريين مصيدين .
وعلى الفور جرى إيقافه واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه، وإحالته إلى الجهة المختصة.
وشددت القوات الخاصة للأمن البيئي على الالتزام بنظام البيئة ولوائحه التنفيذية التي تحظر صيد الكائنات الفطرية، مؤكدةً أن عقوبة الصيد دون ترخيص غرامة (10,000) ريال، وعقوبة الصيد في أماكن محظور الصيد فيها غرامة (5,000) ريال، وعقوبة صيد طائر القمري غرامة (1,500) ريال.
وأهابت بالمبادرة بالإبلاغ عن أي حالات تمثل اعتداءً على البيئة أو الحياة الفطرية، وذلك بالاتصال بالرقم (911) بمناطق مكة المكرمة والرياض والشرقية، و(999) و(996) في بقية مناطق المملكة.