انكماش اقتصاد العالم غير وَارِد
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
الإيكونومست
ترجمة ـ قاسم مكي
أثار تقرير عن ضعف نمو الوظائف في الولايات المتحدة مخاوف من أن أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو الانكماش. فقد تهاوت أسواق الأسهم الأمريكية وانتشر الخوف وتمدّد إلى بلدان أخرى. وتراجع مؤشر توبِكس في اليابان بنسبة 15% عن أعلى قيمة بلغها مؤخرا. كما هبط المؤشر الرئيسي في ألمانيا بنسبة 7%.
لكن النظر في آخر البيانات يوحي بأن اقتصاد العالم ليس في خطر وربما ذعر السوق في غير مكانه.
دعونا نتجه أولا إلى سوق العمل. لقد ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة من 3.4% في أبريل 2023 إلى 4.3% في يوليو. وفي الواقع يقول لنا التاريخ إن ارتفاعا «بهذا الحجم» يقترن بهبوط في الناتج الاقتصادي. وهذا يقود بدوره إلى المزيد من الارتفاع في البطالة والإفلاسات وتدني الدخول.
لكن الدورة الاقتصادية الحالية قد تكون مختلفة كما توحي بذلك أسواق العمل في الأجزاء الأخرى من العالم. فعلى مدى شهور ظلت البطالة ترتفع «ببطء» في كل مكان تقريبا. في ألمانيا زاد معدلها من 2.9% مؤخرا إلى 3.4% اليوم. وفي بريطانيا ارتفعت البطالة من 3.6% إلى 4.4% وفي أستراليا من 3.5% إلى 4.1%.
هنالك سبب مشترك وراء بعض هذا الارتفاع في البطالة وهو ازدياد العرض في سوق العمل عند نهاية جائحة كوفيد 19 بعدما شهد نقصا غير عادي. فقبل فترة ليست بعيدة كان أرباب العمل الذين يواجهون أوضاع نقص الأيدي العاملة وارتفاع الطلب عليها إلى عنان السماء عمليا يوظفون أي أحد يجدونه. أما الآن فمع استقرار كل شيء يمكن أن يدققوا ويتخيروا في التوظيف.
إلى ذلك، ترتفع البطالة جزئيا بسبب التغيرات في قوة العمل ببلدان العالم الغني. فمعدل المشاركة في القوى العاملة لمن هم في سن العمل في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ أعلى مستوى له مؤخرا. وأولئك الذين كانوا في الهامش الاقتصادي ينشطون الآن في البحث عن العمل. وهذا من الممكن في الأجل القصير على الأقل أن يرفع معدل البطالة. ولدى هؤلاء الناس سبب للاعتقاد بأنهم سرعان ما يجدون وظيفة. فنمو الوظائف لا يزال قويا جدا. إذ خلال ربع السنة الماضي ارتفع التوظيف بنسبة 0.8% في أستراليا و0.6% في كندا. وعلى الرغم من أن التوظيف في اليابان هبط بنسبة 0.03% ألا أن هذا التراجع يُعدّ استثناء في بلدان العالم الغني.
من الصعب التوفيق بين ضعف سوق العمل المفترض ونمو الأجور الذي يتجاوز بسهولة معدل التضخم في بلدان الاقتصادات المتقدمة. وإذا كان من المعقول أن يشوب الغموض حكاية الوظائف إلا أن حكاية الإنتاج أكثر وضوحا. وتقديرنا (في الإيكونومست) استنادا إلى سلسلة من البيانات هو عدم وجود أدلة كافية على تباطؤ اقتصادي. ففي الوضع المعهود للانكماش تهوِي الأرباح. لكن حتى الآن أداء الشركات جيد في أرجاء العالم الغني.
يشير بنك دويتشه إلى أن نمو أرباح الشركات عالميا في الربع الأول من هذا العام بلغ أعلى مستوى له خلال سبعة أرباع العام. ويبدو أن الأداء القوي استمر في الربع الثاني من العام. كما يبدو أن أرباح الشركات الأمريكية ارتفعت بأكثر من 10%على أساس سنوي.
في 6 أغسطس أوردت شركة «أوبر» لنقل الركاب نتائج جيدة. وفاقت أرباح نسبة جيدة من الشركات الأوروبية توقعاتِ المحللين. وفي كوريا الجنوبية كانت أرباح الربع الثاني من العام أفضل من المتوقع.
يقدم الاقتصاد بشكل عام حكاية شبيهة بذلك. لا يكشف مؤشر اقتصادي أسبوعي يعده بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس عمَّا يمكن أن يدل على ضعف النشاط الاقتصادي الأمريكي. ويظل مؤشرُ مدراء مشتريات مركَّبٌ وعالمي يرصد الأوضاع الاقتصادية قويا.
وعلى الرغم من تباطؤ معدل التوسع في يوليو إلا أنه ظل من بين الأفضل خلال العام الماضي. ويقدم «مؤشر الأداء الحالي» الذي يعدَّه بنك جولدمان ساكس سببا آخر للتفاؤل.
يزودنا هذا المؤشر الذي يُنشر في فترات قصيرة جدا ويتم تجميعه من سلسلة مصادر بلمحة عن اتجاه الناتج المحلي الإجمالي في بلدان العالم الغني. ويبدو هذا المؤشر أقوى بقدر طفيف من أدائه خلال معظم العام الماضي. هذا وتواجه بعض الاقتصادات نموا ضعيفا بما في ذلك اقتصاد النمسا وفرنسا. لكنها كانت تبدو متوعِّكة على مدى عام على الأقل والوضع الآن أفضل كثيرا من حالها قبل شهور قليلة مضت.
تتحسن صورة التضخم أيضا. فبعد أن بلغ ذروته عند معدل 10% في عام 2022 في البلد الوَسَطي بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلا إنه هبط باطراد. (البلد الوسطي يعني البلد الذي يتموضع في الوسط تماما بين البلد الأعلى والأقل تضخما من بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- المترجم.) ففي يونيو ارتفعت الأسعار الوَسَطية في بلدان المنظمة بنسبة 2.6% على أساس سنوي. وهذا قريب من المعدل المستهدف بواسطة البنوك المركزية والذي يبلغ 2%.
قلَّصت حوالي ربع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التضخمَ الآن إلى ذلك المستوى أو أدنى منه. فالتضخم السنوي في إيطاليا أقل من 1% فيما نمو أسعار المستهلك في فرنسا وألمانيا عند المعدل المستهدف بالضبط.
وللمفارقة شاعت المخاوف بشأن الانكماش بالضبط حين بدا أن بلدان العالم الغني تستعد لهبوط ناعم. وهو الهبوط الذي تخفِّض فيه البنوك المركزية التضخم إلى المعدل المستهدف دون أن تتسبب في ضرر اقتصادي كبير.
يمكن للمخاوف الوهمية حول الاقتصاد أن تتحول في نهاية المطاف إلى مخاوف حقيقية. فمع تهاوي أسواق الأسهم قد تبدأ العائلات في القلق من المستقبل أو الإحساس بأن أوضاعها المالية صارت أكثر سوءا مما يدفعها إلى التقليل من الإنفاق. كما قد تلغي الشركات المرعوبة خططها الاستثمارية.
لم يُهزم التضخم بَعد ولو أنه انخفض. ومع تقلُّب أسعار السلع يمكن أن يرتفع مرة أخرى. ولا تزال أسعار الفائدة مؤثرة بقدر ليس هَيِّنا. مع ذلك، اقتصاد العالم حتى الآن في صحة جيدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التعاون الاقتصادی والتنمیة اقتصاد العالم فی بلدان الذی ی
إقرأ أيضاً:
استشراف آفاق التكامل الاقتصادي الخليجي
البلاد – الرياض
شاركت الهيئة العامة للتجارة الخارجية، ممثلةً بالمدير العام لشؤون القطاع الخاص قحطان بن فهد الدغيثر، في الحلقة النقاشية التاسعة لاستشراف الآفاق المستقبلية للتكامل الاقتصادي والتنموي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بعنوان “دور القطاع الخاص في التنوع الاقتصادي لدول مجلس التعاون”، وذلك في العاصمة القطرية الدوحة.
وتهدف الحلقة النقاشية إلى تسليط الضوء على أهمية القطاع الخاص من خلال استكشاف كيفية تمكين القطاع في تحقيق الأهداف والرؤى الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومناقشة التحديات والفرص؛ لتعزيز النمو الاقتصادي لدول المجلس.
وتسعى الحلقة إلى تحفيز النقاشات المثمرة وتبادل الأفكار بين المشاركين لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في المنطقة.
يُذكر أن هيئة التجارة الخارجية تعمل على تعزيز مكاسب المملكة التجارية الدولية، وتمثيلها في المنظمات والمحافل الإقليمية والدولية ذات العلاقة بشؤون التجارة الخارجية؛ لضمان تحقيق الأهداف المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة.