جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-11@23:04:26 GMT

تحرَّر من قيود التردد

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

تحرَّر من قيود التردد

 

سلطان بن محمد القاسمي

 

منذ الصغر، تبدأ معالم الشخصية في التكوّن بشكل تدريجي، حيث قد يظهر لدى بعض الأطفال ميل للتردد والخوف في المواقف الاجتماعية. هذه السلوكيات ليست مجرد سمات طفولية مؤقتة؛ بل يمكن أن تكون إشارات مبكرة لنمط سلوكي قد يتطور مع مرور الوقت ليؤثر بشكل كبير على حياة الفرد في مختلف جوانبها.

وفي كثير من الأحيان، يرتبط هذا التردد بتجارب الطفولة، مثل التنشئة الصارمة أو التعرض للسخرية من الأقران. عندما يُنتقد الطفل باستمرار أو يشعر بأنه غير مقبول اجتماعيًا، يبدأ في تطوير سلوكيات تفاعلية تتسم بالحذر والانطواء، وتصبح هذه السلوكيات مع تقدم العمر جزءًا من نمط حياة يصعب تغييره ويؤثر على قدرته على التفاعل مع المجتمع.

ومع دخول الطفل مرحلة البلوغ، قد يجد نفسه أكثر ارتباطًا بهذه المخاوف التي تتزايد حدتها بمرور الوقت. هنا، يبدأ الشخص في تجنب الأنشطة التي تتطلب تفاعلًا اجتماعيًا مباشرًا، سواء كانت في المدرسة، في العمل، أو حتى في الحياة اليومية. هذا التجنب لا ينشأ من فراغ، بل هو نتيجة تجربة نفسية معقدة تتجذر في العقل منذ الطفولة. وعندما يتجنب الشخص فرص التفاعل التي يمكن أن تكون مفيدة، فإنه يعزز شعوره بالعزلة والانطواء، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الانعزال والقلق.

ولا تقتصر الأسباب التي تساهم في تطور هذا النمط السلوكي على العوامل الوراثية فقط، التي تلعب دورًا في كيفية استجابة الفرد للمواقف الاجتماعية؛ بل تشمل أيضًا العوامل البيئية التي ينشأ فيها الطفل. الطريقة التي يتعامل بها الوالدان والمعلمون مع الطفل لها تأثير كبير على تطور سلوكه الاجتماعي. على سبيل المثال، عندما ينشأ الطفل في بيئة تدعمه وتشجعه على التفاعل بثقة، فإنه يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاجتماعية. في المقابل، تجارب الطفولة السلبية، مثل التعرض للتنمر أو الفشل في تكوين صداقات، يمكن أن تترك أثرًا دائمًا يعزز هذا الخوف ويجعله جزءًا لا يتجزأ من الشخصية.

إضافة إلى ذلك، يمتد تأثير هذا النمط السلوكي إلى الحياة المهنية أيضًا. فيجد الشخص نفسه عاجزًا عن استغلال الفرص المهنية التي تتطلب تفاعلًا اجتماعيًا نشطًا، مما يؤدي إلى تراجع في الأداء الوظيفي وإحباط متزايد. على سبيل المثال، قد يواجه صعوبة في تقديم أفكاره بوضوح أو بناء علاقات عمل فعالة مع زملائه، مما يحد من طموحاته ويعيق تقدمه المهني. هذا الشعور بعدم القدرة على التواصل بشكل فعال يمكن أن يؤثر على تقدير الذات ويعزز من الشعور بالفشل.

وعلى المستوى الشخصي، يتسبب هذا الخوف في صعوبات كبيرة في بناء علاقات صحية ومثمرة، حيث يجد الشخص نفسه غير قادر على التواصل بحرية أو التعبير عن نفسه بثقة. عندما يتفاقم هذا الخوف، قد يجد الشخص نفسه يعيش في عزلة متزايدة، مما يزيد من شعوره بالوحدة والانفصال عن الآخرين. هذه العزلة النفسية لا تقتصر على الشعور بالوحدة، بل تتغلغل في عمق النفس لتزرع مشاعر الضعف وعدم الكفاءة. مع مرور الوقت، يمكن أن تتحول هذه الحالة إلى مشاكل نفسية أكبر، مثل الاكتئاب والقلق المزمن، مما يجعل من الصعب على الشخص أن يكسر هذه الدائرة المغلقة ويستعيد حياته الطبيعية. حيث يؤدي هذا إلى تفاقم مشاعر الانطواء والعجز، ويصبح من الصعب على الشخص الخروج من هذا المأزق النفسي دون دعم أو تدخل متخصص.

لذلك.. فإن التغلب على هذه المشكلة يتطلب وعيًا وتدخلًا مبكرًا. يبدأ الحل من مرحلة الطفولة، حيث يتعين على الأهل والمعلمين توفير بيئة داعمة تعزز من ثقة الطفل بنفسه. على سبيل المثال، تشجيع الطفل على التفاعل الاجتماعي في بيئة آمنة ومحفزة يمكن أن يساعد في بناء شخصية قوية ومتمكنة. وفي مرحلة البلوغ، يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي أداة فعالة في تعديل الأفكار السلبية التي تعزز هذا الخوف. هذا العلاج يهدف إلى إعادة هيكلة التفكير السلبي وتقديم استراتيجيات جديدة للتعامل مع المواقف الاجتماعية بثقة أكبر.

وإضافة إلى ذلك، فإنَّ التعرض التدريجي للمواقف الاجتماعية يُعد وسيلة فعالة لمواجهة هذا الخوف بشكل منهجي. يمكن أن يبدأ الشخص بتحديات صغيرة ومواقف اجتماعية بسيطة ثم يتدرج إلى مواقف أكثر تعقيدًا، مما يساعده على بناء الثقة تدريجيًا. وكذلك تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق يمكن أن تكون أدوات مساعدة أيضًا في تقليل التوتر والقلق المرتبطين بهذه المواقف.

ومن ناحية أخرى، فإن تعزيز الثقة بالنفس يلعب دورًا حاسمًا في هذا المسار. حيث إن أهداف صغيرة والاعتراف بالإنجازات، مهما كانت بسيطة، يمكن أن يسهم في بناء صورة ذاتية إيجابية ويعزز من الشعور بالقدرة على التعامل مع المواقف الاجتماعية بثقة. يجب أن يدرك الشخص أن كل خطوة صغيرة نحو التغلب على الخوف هي بمثابة تقدم يستحق التقدير، ويشكل جزءًا من عملية أكبر لتعزيز الشخصية وتطويرها.

من هنا يؤدي المجتمع دورًا محوريًا في دعم الأفراد الذين يعانون من هذه المخاوف. من خلال خلق بيئة تشجع على التفاعل الإيجابي وتقدير الفروق الفردية، يمكن للمجتمع أن يقلل من شعور هؤلاء الأشخاص بالعزلة والانفصال. وبدلاً من التركيز على النقد والضغوط الاجتماعية، ينبغي على المجتمع أن يشجع ويدعم الجهود الفردية المبذولة في التغلب على هذه المخاوف. هذا الدعم يمكن أن يكون العامل الفارق في مساعدة الشخص على التغلب على التحديات التي تواجهه.

وفي الختام.. يمكن القول إن الخوف من التفاعل الاجتماعي ليس حتمًا يجب القبول به كجزء من الشخصية. فمن خلال الدعم المناسب، سواء كان من الأسرة أو الأصدقاء أو المختصين النفسيين، يمكن للفرد أن يتجاوز هذه التحديات ويعيش حياة مليئة بالتواصل الإيجابي والفرص الجديدة.

الحياة مليئة بالفرص للتعلم والنمو، ومع العمل الجاد والإصرار، يمكن لكل شخص أن يحقق تقدمًا ملحوظًا في تجاوز المخاوف التي تعيق تفاعله الاجتماعي، ليتمتع بحياة أكثر انفتاحًا وسعادة، ويصبح أكثر قدرة على المشاركة الفعالة في المجتمع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بتحصل لكتير مننا .. اعرف أعراض غير متوقعة لمرض الخرف

يعد الخرف من الأمراض الشائعة في العصر الحديث بشكل كبير جدا حتى فى السن الصغير، لذا من المهم معرفة أعراضه وعلاماته.

ووفقا لما ذكره موقع “ betterhealth” نرصد فى هذا التقرير أهم أعراض الخرف المبكرة والأمراض المشابهة له.

علامات تحذيرية لمرض الخرف


اطلع على قائمة الأعراض الشائعة للخرف و إذا ظهرت على الشخص المصاب عدة أعراض، فاستشر طبيبًا لإجراء تقييم شامل.

الخرف وفقدان الذاكرة


من الطبيعي أن ننسى المواعيد أحيانًا ثم نتذكرها لاحقًا أما المصاب بالخرف فقد ينسى الأشياء أكثر أو لا يتذكرها إطلاقًا.

الخرف وصعوبة أداء المهام


قد يتشتت انتباه الناس وينسون تقديم جزء من الوجبة ويواجه المصاب بالخرف صعوبة في جميع خطوات تحضير الوجبة.

الخرف وفقدان التوجه


قد يواجه الشخص المصاب بالخرف صعوبة في العثور على طريقه إلى مكان مألوف أو يشعر بالارتباك بشأن مكانه، أو يعتقد أنه عاد إلى وقت سابق من حياته.

الخرف ومشاكل اللغة


يواجه الجميع صعوبة في إيجاد الكلمة المناسبة أحيانًا، لكن المصاب بالخرف قد ينسى كلمات بسيطة أو يستبدلها بكلمات غير مناسبة، مما يجعل الجمل صعبة الفهم كما قد يواجه صعوبة في فهم الآخرين.

الخرف والتغيرات في التفكير المجرد


يمكن أن تكون إدارة الأموال صعبة على أي شخص، ولكن الشخص المصاب بالخرف قد يواجه صعوبة في معرفة ما تعنيه الأرقام أو ما يجب فعله بها.

الخرف وسوء الحكم


تتطلب العديد من الأنشطة حكمًا سليمًا عندما تتأثر هذه القدرة بالخرف، قد يواجه الشخص صعوبة في اتخاذ القرارات المناسبة، مثل اختيار الملابس المناسبة في الطقس البارد.

الخرف وضعف المهارات المكانية


قد يواجه الشخص المصاب بالخرف صعوبة في تقدير المسافة أو الاتجاه عند قيادة السيارة.

الخرف وإساءة وضع الأشياء


قد يضيع أي شخص محفظته أو مفاتيحه مؤقتًا وقد لا يعرف المصاب بالخرف استخدام المفاتيح.

الخرف وتغيرات المزاج أو الشخصية أو السلوك


يصاب الجميع بالحزن أو تقلب المزاج من وقت لآخر وقد يعاني المصاب بالخرف من تقلبات مزاجية سريعة، دون سبب واضح. قد يصاب بالارتباك أو الشك أو الانطواء. وقد يصبح البعض الآخر أكثر انفتاحًا أو انفعالًا.

الخرف وفقدان المبادرة


من الطبيعي أن يتعب الشخص من بعض الأنشطة ولكن الخرف يُفقد اهتمامه بالأنشطة التي كان يستمتع بها سابقًا، أو قد يحتاج إلى إشارات تحفزه على المشاركة فيها.

حالات تتشابه مع الخرف


تذكر أن العديد من الحالات تُشبه أعراض الخرف، لذا من المهم عدم افتراض إصابة شخص ما بالخرف لمجرد وجود بعض الأعراض حيث أن السكتات الدماغية، والاكتئاب، والإفراط في تناول الكحول لفترات طويلة، والالتهابات، والاضطرابات الهرمونية، ونقص التغذية، وأورام الدماغ، كلها عوامل تُسبب أعراضًا تُشبه الخرف ويمكن علاج العديد من هذه الحالات.

طباعة شارك الخرف مرض الخرف أعراض الخرف المبكرة أعراض الخرف علامات تحذيرية لمرض الخرف

مقالات مشابهة

  • مرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تجمد وعي أتباعها عبر تحريف النصوص الدينية
  • أسماء أولاد من القرآن والصحابة
  • المتقون.. النموذج الصحيح للإيمان الصادق
  • استشارية:الحوار الأسري الدافئ والاحتواء العاطفي خط الدفاع الأول لحماية الطفل
  • بتحصل لكتير مننا .. اعرف أعراض غير متوقعة لمرض الخرف
  • الكوابيس المستمرة.. أسبابها وكيفية التعامل معها
  • سامسونغ تكشف عن خسائر ضخمة بسبب قيود أمريكية
  • لماذا نستمتع بمشاهدة برامج الجرائم الواقعية؟
  • بين الجمع والطرح بقايا متناثرة..
  • من يدفع لنشر الخوف من المسلمين؟