عربي21:
2025-03-19@21:43:19 GMT

عشرة شهور بألف شهر مما يَعٌدٌّون!

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

ألف شهر تعني 83 سنة وكسور من الشهور، وهي تقريبا المدة الزمنية التي عاشتها الدولة الحشمونائية؛ نتنياهو هو من أخبرنا بذلك، أو بالأحرى لفت نظرنا إلى ذلك منذ سبع سنوات حين قال إنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة، باستثناء فريد استمرت به هي دولة الحشمونائيم، بين عامي 140 و37 قبل الميلاد.. لكن القراءات التاريخية تؤكد قراءة  العقود الثمانية باعتبارها حقيقة تاريخية، إسرائيل أصلا استدعت التاريخ وكونت به "سردية" أقامت بها "دولة"!

يقول إدواردو جاليانو (ت: 2015م)، كاتب أوروجواي الشهير: المذبحة الكبرى التي نظمها هتلر كانت امتدادا لتاريخ أوروبي طويل، لقد كان اصطياد اليهود "تسلية" أوروبية على الدوام، والفلسطينيون الذين لم يمارسوا هذا "التسلية" قطّ هم من يدفعون الثمن اليوم.



وهذا على الرغم من أن تاريخهم الاجتماعي في الحضارة الإسلامية، كان تاريخا يتذكرون به المساواة والحرية، كما قال أبا إيبان (ت: 2002م) وزير خارجية إسرائيل الأسبق في مذكراته: اليهود لم ينعموا بالحرية والكرامة إلا في ظل دولتين، دولة الحضارة الإسلامية في القرون الوسيطة، ودولة الولايات المتحدة الأمريكية الآن (فصول من مذكرات أبا إيبان، مراجعة أ. صبحي عمر).

* * *
الشهور العشرة الماضية من "طوفان الأقصى" كانت أشبه بالمطرقة التاريخية الكبرى التي نزلت على رأس الأحداث والوقائع، فأحدثت بها "طفرة" كتلك الطفرة الجينية
وبحديث نتنياهو عن الدولة الحشمونائية الذي جاء في أحد الأعياد اليهودية (عيد العرش) سنعرف أنها سلالة حكمت الضفة الغربية والجليل، بشكل شبه مستقل، وكثير من المؤرخين يعتبرون أن الدولة الحشمونائية هي بداية مملكة إسرائيل المستقلة التي تعرضت لغزو الإمبراطورية الرومانية للشرق في عام 63 قبل الميلاد، والتي قسمتها وأقامتها كدولة "عميلة" لها في المنطقة؛ تخدِم على مصالحها إلى أن قام هيرودس الكبير (ت: 4 ق.م) بطردهم..

كل هذا تاريخ لا قيمة له في تاريخ الحضارة الإنسانية، إلا بقدر ما يقدم من معرفة عن صعود وانحدار الأمم، وما يصاحب ذلك من ظلم الإنسان لنفسه، بابتعاده عن غايات وجوده على الأرض ميلادا ومماتا.

* * *

الشهور العشرة الماضية من "طوفان الأقصى" كانت أشبه بالمطرقة التاريخية الكبرى التي نزلت على رأس الأحداث والوقائع، فأحدثت بها "طفرة" كتلك الطفرة الجينية التي تحدث في تتابع الـ"دي إن إيه" فتؤدى إلى تغيير في قواعد الاستنساخ، يقول العلماء إنها وليدة حدث مفاجئ وتغيرات بيئية وما إلى ذلك..

ذلك أن الأمة عاشت طوال العقود السبعة الأخيرة على حقيقة واحدة هي الصراع مع إسرائيل، وكانت الستينيات والسبعينيات ذروة تشابك هذا الصراع، وتداخله وتدخله في كل تفاصيل الواقع العربي من سياسة واقتصاد واجتماع وأدب.. الخ. وتم تشكيل واقع يشبه الحقيقة، وإن كان لا علاقة له بالحقيقة على الإطلاق، فماذا يقول هذا الواقع؟

يقول إن إسرائيل قَدَر حتمي، وأنها وجدت لتبقى، وأن من يحاربها فهو سيحارب أمريكا.. ولعل هذه الجملة الأخيرة هي أصدقها، وقد رأينا وسمعنا شواهد تؤكد ذلك وتثبته، لكن الأهم الذي ثبت منه هو أن ذلك ليس بشيء!

مساءلة النظام العربي الرسمي من الخمسينيات، تاريخيا أو سياسيا، لن يكون أمرا ذا فائدة في حركة خط الصراع الذي يسير الآن في صالح الأمة، يوم المساءلة آت آت، لا محالة، إن لم يكن بالحق الطبيعي، فبالحق التاريخ هو آت.

* * *

الواقع الآن اكتسب خصائصه من وقائعه التي تجري على الأرض، والكلام هنا لن يكون كلاما عما هو تاريخي كما قال نتنياهو عن الدولة الحشمونية. الكلام هنا الآن عما هو استراتيجي، فصحيفة يديعوت أحرونوت قالت من أسبوعين أن 10 آلاف قتيل وجريح إسرائيلي سقطوا من الجيش خلال هذه الحرب.. وهو ما أكده تصريح من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه الخميس (15 آب/ أغسطس).

والأمر فعلا لم يكن ينقصه إلا الإعلان الرسمي، فالمراقبون من شهور وهم يقارنون بين ما تعلنه المقاومة صوتا وصورة، وبين ما يعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، مؤكدين لنا أن أرقامهم المعلنة تضرب في عشرة وعشرين، وهو ما ثبتت صحته.

* * *

على أن قطاع غزة لا يُقارن بجبهات المواجهة الأخرى وعلى رأسها حزب الله، والذي رغم دوره المساند كما هو معروف، إلا أني أتوقع أنه سيندم كثيرا، لضعف قراءته للفرصة السانحة التي جاءت من "طوفان الأقصى"، لحظة الندم هذه لا نتمناها أبدا، وأقل ما يقال فيها أنها لم تكن من القلب الاستراتيجي لمصالح الأمة إذا عُدت إسرائيل هي رأس الرمح لغرب يعادينا ويحاربنا من القرن الثامن عشر، ولا زال.

ثم إن الواقع الدولي (الصين وروسيا وكوريا..) ما كان ليقف منتظرا النتائج أمام هكذا واقع دولي جديد يتشكل بقوة الحديد والنار، ناهيك عن الحضور الشعبي الذي لا يزال بالفعل رقما غائبا، ولم تتوافر له ظروف تحوله لرقم مهم، وقد كان ذلك متوقعا إذا ما اتسعت دائرة المواجهة الهادفة للوصول "الحلم العربي" الذي طالما كان أغاني وموسيقا، وأصبح على مسافة محطة أو محطتين في الحقيقة.

* * *

خروج أعداد القتلى والمصابين من الرقابة العسكرية ليس مقصودا منه توفير أخبار مثيرة للإعلام، خاصة أذا أضفنا إليه تصريح الجيش السبت (17 آب/ أغسطس)، بأنه أنهي العمليات في غزة.

الأخطر بالفعل هو تمزق التماسك الاجتماعي داخل هذه الدولة الهجين، الجميع يحذر من حرب أهلية داخل "الدولة اليهودية". جانتس قالها صراحة: "حرب الأشقاء" قد تندلع في أي لحظة، والغرب يحذر من أن إسرائيل تسير نحو الانهيار، أصوات وأقلام كثيرة تحدثت وكتبت عن حرب داخلية وشيكة
المؤكد بالفعل أن المقصود به الإشارة المنذرة بـ"اتساع الفجوة بين القول والفعل"، فتصريحات السياسيين وتوصيفاتهم للحرب لا علاقة لها بالواقع العملي والميداني، والجيش في حاجة حقيقية إلى أن يجمع الجميع ويضعهم معه في إطار المشهد الحقيقي للواقع.

* * *

لكن الأخطر بالفعل هو تمزق التماسك الاجتماعي داخل هذه الدولة الهجين، الجميع يحذر من حرب أهلية داخل "الدولة اليهودية". جانتس قالها صراحة: "حرب الأشقاء" قد تندلع في أي لحظة، والغرب يحذر من أن إسرائيل تسير نحو الانهيار، أصوات وأقلام كثيرة تحدثت وكتبت عن حرب داخلية وشيكة، فالجميع مسلح الآن على يد بن غفير وسيموترتش، وأحاديث تحذر من موجة اغتيالات في الطبقة السياسية، ناهيك عن الصورة التي سيكون عليها "الجيش الذي لا يقهر" داخل المجتمع الذي يعاني كل هذه الشروخ ولم يكن له إجماع إلا على هذا الجيش.

* * *

عشرة شهور وأكثر قليلا مضت على "طوفان الأقصى"، وحدث فيها من التغيير اللافح لواقع الشرق الأوسط، وفي القلب منه قضية الأمة (فلسطين والأقصى)، ما كان يحتاج إلى ألف شهر، بدءا من انكشاف أكذوبة القرن (إسرائيل)، وانتهاء بإعلان البشارة بالقادم الجديد إلى هذا الشرق "المقاوم وما بينهما من روائع الوقائع، ستحكيها لنا الأيام والليالي القادمة، أبسطها: انتشار الوعي الصحيح بالإسلام الصحيح.. والذي كان أحد أهم بركات الشهور العشرة أقصد "ألف شهر".

x.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التاريخية إسرائيل غزة فلسطين إسرائيل فلسطين غزة تاريخ طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طوفان الأقصى یحذر من

إقرأ أيضاً:

الدرجات

رحم الله الصديق الدكتور صالح باقلاقل الأستاذ بكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز فرع المدينة المنورة قبل ضمها إلى جامعة طيبة. كانت له طريقة جذابة في وضع أسئلة الاختبار لطلبته في علم أصول الفقه. فكان يعطيهم (ويعطيهن) خمسة أسئلة ويشترط الإجابة على ثلاثة أسئلة من خمسة على الأقل. وقد احتار الطلاب في هذي الطريقة. وبحكم الصداقة بيني وبينه سألته: أيش تعني يا أبا محمد بهذا الشرط؟
فقال: اختيار الجواب على ثلاثة أسئلة كحد أدنى يعني أن الطالب حدد سقف درجاته. بينما لو أجاب عن خمسة فإني عند مراجعة ورقته، أفاضل بين أجوبته الخمسة أو الأربعة، وأعطيه درجات على الجواب الأفضل. فما نقص من جواب لدى الطالب، فإنه قد عوضه بالإجابة على ما زاد عن ثلاثة أسئلة.
ولما أعلنت درجات اختبارات المدارس الابتدائية في مكة المكرمة قبل ستين سنة، كان من نصيب الطالب عويد بن عياد المطرفي، مكافأة له ولنحو مائة طالب من المتفوقين السفر على حساب إدارة تعليم مكة إلى الطائف للتمتع بالجو البارد في دورة صيفية قبل انتشار المكيفات. قابلته رحمه الله وقد أصبح دكتورا بجامعة أم القرى فقال لي: إن الدورة الصيفية وضعت اختبارا في مادة التعبير، وأنه كسب المركز الأول بعد أن كان راعيا للغنم في مكة. قال فاستدعاني الأستاذ إبراهيم النوري لاستلام ورقتي تكريما لي على مشهد كل الطلاب. لكني اكتشفت أنهم أعطوني ثماني درجات من عشرة، فعدت إلى الأستاذ وقلت له ما دمت أنا الأول يا ليت تحطون لي عشر درجات من عشرة. فقال لي بحزم: ارجع مكانك واترك هاتين الدرجتين لطه حسين أو عباس العقاد إذا جلسا مكانك.
ظل كلام الدكتور باقلاقل حول مسألة الدرجات يناوشني بين الحين والآخر، حتى جاءني سؤال عادي هادي من ابن أخي حين سألني بالقول: هل في الآخرة درجات؟ فقلت وقد حرك فيّ شجوني: نعم يا بني يشهد لذلك قول الله تعالى في سورة الأحقاف: ” ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون”. وورد في حديث نبوي لا أذكر تفصيله ما معناه أن ما بين الدرجة والدرجة كمثل ما بين السماء والأرض. قال تعالى:” أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا”.
ولا يقتصر الأمر على درجات الاختبارات المدرسية أو الجامعية، بل هو منتشر في كافة أنشطة الإنسان. وفي الآخرة يأتي البلاء ليرفع درجات الناس.
ومن الابتلاء، ما وقع فيه صديق لي صداقة عن بعد. فقد أصيبت زوجته بالجنون. وأنجبت له عشرة من البنين والبنات كلهم قد وقع عليه الابتلاء نفسه. وقد كان مثالا في الحكمة والتصبر حتى أنه لم يكشف لي أنه العاقل الوحيد في بيته. إلى الدرجات العلى في جنة الخلد يا أبا سالم.

مقالات مشابهة

  • شاب يشكو خطيبته: تهربت منى وغيرت محل إقامتها ورفضت رد شبكة
  • هآرتس: إسرائيل وليست حماس هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • تعرف على القيادات الحكومية التي اغتالتها إسرائيل بعد استئناف العدوان على غزة
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
  • الدرجات
  • رئيس الدولة يستقبل عدداً من العسكريين الإماراتيين الفائزين بمسابقة القرآن الكريم التي أقيمت في السعودية
  • الرئيس السيسي: تحركنا بخطى ثابتة ومدروسة رغم التحديات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية
  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • بعد 9 شهور.. رواد الفضاء العالقون يغادرون محطة الفضاء الدولية اليوم
  • إسرائيل تخفي تقارير عن تكلفة الحرب.. كم بلغت حتى نهاية العام الماضي؟