جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-19@00:01:28 GMT

جذور القُبح والاستعلاء الصهيوني

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

جذور القُبح والاستعلاء الصهيوني

 

محمد بن رضا اللواتي

mohammed@alroya.net

 

قبل أيام جاء البيان المشترك لكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا يدعو إيران إلى الإحجام عن الرد على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران، ليُظهر لنا عنجهية حكومات هذه الدول الثلاثة الغارقة في وحل الصهيونية حتى النخاع، بحيث إن القتل اليومي لأطفال غزَّة ونسائها وشيوخها، وهدم المدارس والمساجد والمستشفيات على رؤوس مَن فيها لا مانع من أن يستمر، مع منع تام للإشارة إليه بالشجب، أما مواجهة إسرائيل ومعاقبتها فممنوع قطعًا!

هل كُنَّا نننظر كل هذا الدم أن يُسكب، وهذا القتل اليومي البشع أن يجري أمام مرأى ومسمع العالم، حتى نكتشف زيف هذه الحضارة لتلك البلدان الاستعمارية؟

الواقع أن الأمر أبعد من جريان دماء الأبرياء كما نراه اليوم في فلسطين، ويتاخم رغبة عارمة لدى إسرائيل من أجل القضاء على كل من هو "غير إسرائيلي" كعقيدة لا تقبل التبديل، كشفها الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في تحقيقه النفيس عن الصهيونية؛ إذ ذكر لنا أن شريانين يمدان عقلية إسرائيل التوّاقة للغزو والسيطرة، أحد هاذين الشريانين مُستقَى من ملاحم "يوشع" المُحَّرَفة، وغايتها جعل إسرائيل مركزًا للعالم ولتاريخه كحالة تكمن في صلب الديانة اليهودية.

إن الهدف المعلن لهذه العسكرية الضاربة، ليس الدفاع عن إسرائيل؛ بل تفتيت جميع الدول العربية، إنهم يسعون إلى توسعة حدود إسرائيل بالتقتيل والإرهاب لتكون كما رسمها بن جوريون عام 1937م، وفق نص توراتي مُحَّرَف، وهذه الحدود لأرض الميعاد هي من  النيل (في مصر) إلى الفرات (في الشام والعراق).

لقد أضافت النصوص المُحَّرَفة القدسيةَ على المذابح التي ترتكبها الصهيو-أمريكية اليوم في فلسطين، بناءً على فقرات من صنيعة الحاخامات من قبيل: "إن مُدُن هذه الشعوب، قد حكم ربك أن لا ينبغي أن يُدع مخلوقًا حيًا من غير اليهود يعيش فيها. عليك بإبادتهم جميعًا كما أمرك الرب مولاك".

أما الشريان الآخر- كما يذكره جرودي- فيكمن في "طبيعة الغرب الحديثة" التي سقت الصهيونية كؤوس الرغبة المفعمة في السيطرة وقمع غير اليهود. ألا يفسر هذا لنا لماذا تنبري فرنسا وألمانيا وبريطانيا لغض النظر عن هول جرائم إسرائيل الشنيعة وبالمقابل ترعد جيوشها ويبرق سياسيوها وتقض مضاجعهم، لمجرد التفكير في أدنى احتمال وقوع تأديب يطال صهيونيتها الخليعة من كل فضيلة؟

لعل جارودي ينظر إلى القرن 18 و19 من تاريخ أوروبا؛ حيث ضربت العدمية ثم العبثية، وتلاها الإلحاد، بالخصوص في هذه الدول الثلاثة، حتى إن المؤرخ والفيلسوف الأمريكي ويليام ديورانت وصف الإنسان فيها قائلًا: "كان كل شيء يتطور إلّا الإنسان". (قصة الحضارة ص361).

إنَّ أولئك الذين يظنون أن الدماء التي تجري في سكك غزَّة المهدمة بالكامل، ستبقى دماء غزَّة وحدها، لم يقرأوا جيدًا تاريخ صناعة الدولة الصهيونية، أو لم يصَّدقوا ما قرأوا، فكما تم إغفال وجود ذكر لشعب فلسطيني تمامًا عند صياغة السياسة الصهيونية، وعند اتخاذ قرار سلب أرضهم منهم، سيتم يومًا صياغة سياسات شبيهة تجاه كل من هو غير يهودي، ومن المؤسف أننا لا زلنا في حاجة إلى مزيد من الوقت حتى تنكشف هذه الحقائق المكشوفة سلفًا.

كتب جارودي يقول: "عدم وجود ذكر هذا الشعب، لا في كتاب هرتزل ولا في الاجتماعات التأسيسية للحركة الصهيونية العالمية، هي مُسَّلمة أساسية للصهيونية، تفرَّعت عنها جميع الجرائم اللاحقة، وها هي جولدا مائير تُصرِّح لجريدة صاندي تايمز بتاريخ 15 يونيو 1969 قائلة: "لا وجود للفلسطينيين، وواقع الأمر لا يبدو وكأنه كان ثمة شعب فلسطيني يعتبر نفسه شعبًا فلسطينيًا، كما لو جئنا لطرده والاستيلاء على بلاده، والواقع أنه لم يكن موجودًا أصلًا"، ولكنهم يقاومون، فوجب إقصاؤهم وتقتيلهم كما قتلت أمريكا الهنود الحمر. وعندما سأل آينشتاين، وايزمان الذي كان حينئذٍ أحد قادة المنظمة الصهيونية العالمية: ماذا سيحلُ بالعرب إذا ما أُعطيت فلسطين لليهود؟ أجاب: "أي عرب تعني؟ إنهم لا يعدون شيئًا!". (يُراجع: دراسة في الصهيونية / اليهودية).

أليس من المؤسف أن علينا أن ننتظر أكثر لنشهد- لا سمح الله- هذا اليوم؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحركة الصهيونية.. وأبعادها الاستعمارية

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

لا ريب أنّ الصهيونية العالمية مشروعٌ استعماريٌ من طراز مُختلف، بدأ بخلاف المشاريع الاستعمارية المُعاصرة، وأن النظر إليه خارج طبيعته الاستعمارية يُضعف مواجهته، ولعل تتبع مراحل تطوره منذ مطلع القرن العشرين الذي تزامن مع تحول الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية مسألة مُهمَّة؛ حيث التقتْ مصالح البرجوازية اليهودية مع البرجوازية الغربية، ومن هنا أخذت الحركة الصهيونية بُعدها العملي التطبيقي.

ومع اقتسام مناطق النفوذ في العالم العربي بين الإمبرياليات الأوربية: البريطانية والفرنسية طبقاً لاتفاقية "سايكس- بيكو" عام 1916، أقدمت بريطانيا على إعطاء وعدها القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المعروف باسم "وعد بلفور سنة 1917". وفي ظل الانتداب البريطاني تدفقت الهجرة اليهودية المُنظَّمة إلى فلسطين ووفرت لهم الحماية في إقامة مستوطناتهم وبناء مؤسساتهم تحت سلطتها الانتدابية، رغم المقاومة الفلسطينية الباسلة آنذاك ضد الاحتلال البريطاني من جانب والعصابات الصهيونية من جانب آخر والتي لا تقل شراسة عن المقاومة اللاحقة والراهنة، الّا أنَّ موازين القوى كانت في غير صالحهم.

وبعد الحرب العالمية الثانية ازداد تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وعلية انتقلت الحركة الصهيونية إلى الارتباط العضوي مع زعيمة الإمبريالية الجديدة، وهذا التبدُّل إن دل على شيء فإنما يدل على دورها الوظيفي في خدمة الاستراتيجية الكونية للإمبريالية العالمية، وبهذا المعنى فإنَّ الحركة الصهيونية نشأت كمشروع إمبريالي استعماري، دون أن نهمل الأبعاد الأخرى التوراتية وغيرها التي استندت إليها ووظفتها في إطار تكوين هوية قومية كما يزعمون. وفي ظل هذا التحالف صدر قرار التقسيم رقم 181 في 29 نوفمبر عام  1947. وتطبيقًا لهذا القرار سارعت الحركة الصهيونية إلى إعلان قيام كيانها المسخ المسمى إسرائيل في 14 مايو عام  1948، ويحتفل الكيان الصهيوني بهذا التاريخ سنويًا باعتباره عيدًا وطنيًا "عيد الاستقلال"!! في حين نسميه نحن عام النكبة، وسيبقى هذا التاريخ عنوانًا للظلم والعدوان وهو يوم أسود في تاريخ الأمة العربية كلها، وسيبقى كذلك حتى رحيل آخر مُستوطِن وتحرير كل فلسطين. وقد عبَّرت الأمة العربية عن رفضها لهذا القرار بدخول ستة جيوش عربية الحرب، ولكن بأسلحة تقليدية بدائية؛ حيث كانت كلها تقريبًا ترزح تحت الوصاية الاستعمارية البريطانية والفرنسية في المشرق العربي والاستعمار الغربي في المغرب العربي.

قصصٌ كثيرة وأليمة تجدونها أثناء استعادة تلك الأحداث، وعلى الذين ينتقدون الدور العربي العسكري والسياسي في تلك المرحلة، أن يتحلوا بالموضوعية في تناول الوقائع التاريخية، حتى لا نقسو على تلك الأجيال التي قاتلت، رغم قساوة الظروف الذاتية والموضوعية. وإذا أخذ العامل الذاتي في التقدير والذي يُتهم على الدوام بالقصور والتقاعس، يجب أن ندرك- وبصرف النظر عن أية اعتبارات- قضيتين رئيسيتين: الأولى حجم الفجوة الحضارية القائمة آنذاك، والثانية: طبيعة العلاقة بين الحركة الصهيونية والإمبريالية البريطانية التي انتدبت نفسها على أكثر من بلد عربي ومنها فلسطين، وتعمل على تجسيد وعدها المشؤوم على أرض الواقع لم تكن بهذا الوضوح الذي هو عليه الآن، وهذا ليس تبريرًا بقدر ما هو تفسير. بيد أنَّ تلك المعركة بنتائجها العسكرية والسياسية قدمت درسًا مهمًا جوهره ومضمونه أن لا نصرَ عسكرياً بدون استقلال سياسي واقتصادي. ومن المؤسف أن هذا الواقع بكل ما فيه من ثغرات وعيوب ما زال ممتدًا إلى يومنا في الحالة العربية الراهنة، وواصلت إسرائيل عدوانها التوسعي. وفي عام 1967، احتلت- وبدعم غربي كامل- ما تبقى من فلسطين وأجزاء أخرى من الأراضي العربية، وقد أكدت الأحداث- وبما لا يقبل الشك- أن الكيان الصهيوني بعيدٌ عن طموحه الذاتي والسردية التاريخية المُفتَعلة التي يحاول من خلالها ستر المطامع الاستعمارية؛ لأنه في التحليل النهائي مجرد ذراع عسكري وأداة رخيصة في خدمة المشروع الإمبريالي الأكبر، وأن غياب أو تغييب هذه الحقيقة من أهم الأسباب- إن لم تكن أهمها على الإطلاق- التي أدت إلى الهزائم المتتالية حتى الآن.

وأخيرًا.. نؤكد أنَّه لا يستطيع عقلٌ أو منطق تبرير هزيمة أُمّة تعدادها 400 مليون نسمة، وبكل هذه الطاقات والعمق التاريخي والحضاري أمام كيان استعماري عنصري لقيط تعداده لا يتجاوز 10 ملايين مُستوطِن أتوا من كل أصقاع الأرض، مهما كان حجم الدعم الذي يتلقاه، وإذا كانت كل هذه التطورات قامت على أرضية نتائج الحرب العالمية الثانية التي أثَّرت في تكوين وتركيب النظام الدولي وتحديد ملامحه أكثر من أي حدث آخر، فإنَّ التحولات الحالية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين العربي والدولي تُعطي إمكانية واسعة لهزيمته.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الأردن يرحب باعتماد الأمم المتحدة مشروع قرار بشأن الآثار القانونية عن سياسات إسرائيل في فلسطين
  • الهجمات السيبرانية الصهيونية لأجهزة الاتصالات في لبنان .. كاريكاتير
  • سلطان يفتتح معرض جذور وحداثة الفن العربي المعاصر
  • حاكم الشارقة يفتتح معرض "جذور وحداثة الفن العربي المعاصر"
  • هل تنتقل إسرائيل إلى ما بعد الصهيونية؟
  • حاكم الشارقة يفتتح معرض جذور وحداثة الفن العربي المعاصر في منطقة البحر المتوسط
  • قرار أممي يقضي بإنهاء وجود إسرائيل غير القانوني في فلسطين ويوصي بعدم تزويد تل أبيب بالأسلحة
  • الحركة الصهيونية.. وأبعادها الاستعمارية
  • استهداف العمق الصهيوني بصاروخ “فلسطين 2” انتصار يمني يتوج الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
  • الحوثيون يكشفون مواصفات صاروخ "فلسطين 2" الذي استهدفت به إسرائيل