عربي21:
2025-05-01@11:30:08 GMT

مكابح اليسار العربي وهراوات التيار القومي

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

بالرغم من عدم قبول معظم أحزاب اليسار العربي بفكرة وواقع اندلاع ثورات عربية في العالم العربي، وتبني بعض نخب التيار القومي العربي لفكرة المؤامرة التي تعصف بأنظمة العسكر والفساد، وفقاً لكثير من المواقف التي ساندت الثورات المضادة ونعتت انتفاضة الشعوب بأوصاف من قواميس الطغاة، فإن الخطاب المؤسس أصلاً لفكرة "قومية ويسارية" اتخذ من شعارات الثورة أحلاماً للتغيير ولجمع العرب في بوتقة واحدة من المصالح، مع طرح أسئلة حاسمة حيال قضايا عربية مرتبطة بالحرية وقضية فلسطين وعمقها العربي، والتحول في حالة المجتمع وبُناه الطبقية، التي انهمك اليسار العربي عقوداً بالتنظير وطرح الاستنتاجات المختلفة لها، إما بالتبشير دوماً باستعادة "نهوض عربي" حققه عسكر الانقلابات العربية في خمسينات وستينيات القرن الماضي، أو باستعارة الاستخدام الأسهل لقضية فلسطين لتغطية كل عيوب القهر والفساد والقمع وستر عجز القوى والأحزاب نفسها عن مواكبة الشارع والوقوف بجانب آلامه وأحلامه.



الاعتقاد بأن التركيز على نوعية محددة من خطاب عربي ضد الثورات، يؤدي لفسحة ضئيلة من أملٍ في مستقبل عربي، زاد من الثغرات الشاملة والقطيعة النهائية مع الشارع العربي، وبالانحياز الكلي من تيار "قومي عربي" ومن يسار داعم لديكتاتوريات قمعية بلا تمييز، وإعطاء تفسيرات لثورات عربية انبثقت من واقع مثخن بدموية وتحطيم شامل، وربطها بذرائع تخدم إعادة الاستبداد لبسط سيطرته والتنكر لدماء عربية سقطت على طريق التحرر من الطغيان والاستبداد والقمع، وتمجيد أنظمة استخدمت القومية العربية وشعارات تحرير ودعم فلسطين، لغرض سحق المطالبين بإحداث تغيير وتحرير شعاراتٍ من أساطيرها الأزلية في أقبية السلطات الحاكمة، والخروج لفضاء عربي يمكن الحديث فيه عن بدايات جديدة ومقنعة، كل ذلك يدفع بالسؤال عن دور تلك الأفكار والتيارات والأحزاب في ظل ظروف متغيرة لا تلائم شارع عربي من الصعوبة استهباله بنفس الأدوات والهراوات المساندة لها.

بعض منظري "التيار القومي" وأشقائهم في قوى وأحزاب ثورية ويسارية عربية أمضوا الكثير من الوقت وبذلوا الكثير من الجهد لإطلاق التوقعات المختلفة، بعيداً عن حسم مسألة الحرية والحريات، بغض النظر عمن طرح أقل أو أكثر تحريراً بجرأة التبشير للخلاص من أنظمة الفساد والرجعية العربية، كمقدمة لحل المشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع العربي في بناء المواطنة والكرامة الإنسانية وتحقيق التنمية، كمؤسس رئيس لانخراط عربي في معركة تحرير فلسطين أو مواجهة بقية التحديات الباقية منذ مطلع القرن الماضي
صحيح أنه لا يمكننا معرفة المستقبل، لكن بعض منظري "التيار القومي" وأشقائهم في قوى وأحزاب ثورية ويسارية عربية أمضوا الكثير من الوقت وبذلوا الكثير من الجهد لإطلاق التوقعات المختلفة، بعيداً عن حسم مسألة الحرية والحريات، بغض النظر عمن طرح أقل أو أكثر تحريراً بجرأة التبشير للخلاص من أنظمة الفساد والرجعية العربية، كمقدمة لحل المشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع العربي في بناء المواطنة والكرامة الإنسانية وتحقيق التنمية، كمؤسس رئيس لانخراط عربي في معركة تحرير فلسطين أو مواجهة بقية التحديات الباقية منذ مطلع القرن الماضي.

لكن من المفاجئ أن نرى كم كانت تلك الأحزاب والقوى الوريثة لهذه الأفكار، مترددة ومتنكرة لذاتها أولاً وللإنسان العربي ثانياً، وبنفاد بصيرة بعض النخب الحاملة لأيديولوجيا تتخطى الحاضر بالاقتيات على ماضٍ لن يعود بأمميته واشتراكيته وناصريته وبأقطابه العادلة، وحاضرٍ انفكت عنه بتقبيل هراوة المستبد ودعم أنظمة قتلٍ وفساد، وبالتركيز على تحليل ماضٍ ومؤامرة، لمحاولة تنقية وتطهير الطاغية العربي.

يفقد الخطاب القومي ونخبه من اليسار الضوابط الأخلاقية حتى بالتطور السياسي الآخذ بالانحدار وبالتضاؤل أكثر، فالحديث والتركيز على دور الأحزاب اليسارية أو محاولة إنعاش خطاب قومي عربي من بلاط هذا الطاغية أو ذاك في البحث عن كيفية حشد الشارع لدعم من يدوس على رؤوس البشر ومن يحطم حواضرهم، هو سقوط في هوة عميقة لتلك النخب وأحزابها.

إذا كان هناك حد أدنى من الالتزام بالشعارات المطروحة عربياً، من قوى وأحزاب وطنية وقومية ويسارية، لبناء أسس مجتمعات مدنية وديمقراطية للخروج من أزمات كثيرة، وربط ذلك ببعدٍ عربي ديمقراطي من الناحية الموضوعية، كما تُقر ذلك جل الأدبيات، لما شهدنا هذا البون الشاسع لرموز تلك الأحزاب والتيارات مع الشوارع العربية
اللمحات الأخيرة حول درجة مساهمة خطاب ومواقف قوى وأحزاب يسارية وقومية عربية، من الثورات العربية ومن جرائم طالت ملايين البشر، تضاعفت مرات كثيرة منذ أكثر من عقد، وزاد بشكل مطلق ونسبي الدعم الذي وفرته تلك المواقف وتقلباتها من حالة التباعد مع الشارع. وبالنتائج المدمرة لإرث هذه القوى والأحزاب، لا يمكن البناء على مواقف تواجه العربي لا في درء المؤامرات ولا الانخراط في معارك مواجهة التطبيع والقمع، بينما السحق اليومي يقوض منطق حياة "الثوري" وفكره. وبعدم النظر للشارع العربي على أنه أداة تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي وجذري، لا يمكن المساهمة بتدابير نجاة حقيقية لبناء أي تغيير، وترجمة أي أفكار بعيداً عن السطحية التي أصبحت محورية في خطابٍ قومي ويسارٍ عربي.

أخيراً، إذا كان هناك حد أدنى من الالتزام بالشعارات المطروحة عربياً، من قوى وأحزاب وطنية وقومية ويسارية، لبناء أسس مجتمعات مدنية وديمقراطية للخروج من أزمات كثيرة، وربط ذلك ببعدٍ عربي ديمقراطي من الناحية الموضوعية، كما تُقر ذلك جل الأدبيات، لما شهدنا هذا البون الشاسع لرموز تلك الأحزاب والتيارات مع الشوارع العربية.

وباختصار، كل المواقف لا تحل معضلات الوضع الناشئ عن تضخم القمع والاستبداد واستفحال التطبيع والتصهين، والتقدير الرديء للطاغية ووصف جيشه بالبطل "القومي"، لا يُحدث تراكما لاستعادة نهوض عربي تم التآمر عليه من نخب تدعي ثورية وقومية، وهي تمسك مكابح الطاغية وتصبح رمزاً متناسقاً له.

twitter.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليسار التيار القومي القمع اليسار القمع تيارات التيار القومي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکثیر من عربی فی

إقرأ أيضاً:

معتصم أقرع: اليسار والدولة مرة أخري

– منذ إنطلاق هذه الحرب اندلع جدل في دار يسار بين جماعة منه تدعو لتدمير الدولة وتيار آخر يري في هذا استعجال شديد الخطورة علي مصير الشعب. شاركت هذه الصفحة في هذا الجدال الذي لم يكن موجودا بهذه الدرجة قبل الحرب حيث كانت شعارات اليسار: ديمقراطية، مدنية، عدالة إجتماعية نسبية، والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل. ولم يكن حل الدولة أو الجيش علي طاولة الحوار العام ولا في أوساط فقهاء اليسار ولا أدري لماذا اشتعل بعد الحرب ولكن من الطبيعي لي تخميناتي.
– الداعون لهدم الدولة أحيانا يصوبون سهامهم نحو الدولة في حد ذاتها واحيانا ضد “الدولة القديمة” . لكن عليهم واجب تحديد المشكلة. فلو كانت مشكلتهم مع تدمير “الدولة القديمة” فهل يعني هذا أنهم يدعون لدولة أخري تحل محلها؟ إن كان الأمر كذلك، فعليهم تحديد القوي الإجتماعية الجاهزة لإستلام الدولة وتجديدها بما أنهم يدعون لتحطيم جهاز هنا الآن والبلاد يستبيحها الغزاة.
– يردد الداعون لهدم الدولة حجة إنها أداء قمع طبقي وسوط الطبقة المتنفذة علي حساب الآخرين. وهذا الزعم عموما صحيح ولكنه ليس كل الحقيقة. إذ أن الدولة أيضا هي التي تنسق المصلحة العامة مثل توفير الأمن وحد من التعليم والصحة والبني التحتية وإنفاذ القانون، والمعايير الصحية والمهنية وإدارة العملة وتنظيم الأسواق والتجارة وحماية الحدود وهذه متطلبات لا تقوم حياة حديثة في غيابها. ولكن حتي الآن لم يحدد الداعون لهدم الدولة هنا الآن من سيقوم بهذه المهام. من سيقوم في سودان ما بعد تدمير الدولة ببسط الامن وحماية المواطن في حياته وبدنه وماله ومن سينظم الصحة العامة ويدير المواصلات والإتصالات ومن يحمي الشعب من الغزاة الطامعين؟
– لا جدال في أن الدولة ليست أداة محايدة طبقيا في أي مكان في العالم ولكن هذا لا ينفي حوجة المجتمعات لها مرحليا، وبالذات مجتمعنا. لذلك فان الطرح عن نزاهة الدولة هو السؤال الخطأ لتحديد الموقف منها. من الممكن رفع الوعي بعيوب الدولة بهدف تجاوزها ولكن لتدمير الدولة يجب علي الداعين لذلك إقناع الراي العام بوجود بديل جاهز أحسن منها وجاهز للقيام بكل مهامها ببساطة لان إنهيار الدولة قد يدفع السودان إلي واقع أكثر تخلفا.
– النقاش حول ضرورة الدولة أو ضرورة حلها يجب أن ينطلق من الواقع الماثل أمامنا ولا يحتاج لنصوص فقهية من تاريخ يسار غربي نظر في سياق تاريخي يختلف تماما عن واقعنا الحالي. وهذا لا يعني عدم الإستفادة من الخلفيات التاريخية والفكرية والفلسفية. ولكن – كما قال الصديق عثمانتو- المرجعية الأخيرة يجب أن تكون لواقعنا الماثل هنا الآن وليس لنصوص أنتجت في أزمنة مختلفة وفضاءات جيوسياسية أشد إختلافا. لذلك فان الداعين لهدم الدولة عليهم إقناع الراي العام بوجود بديل أفضل منها وجاهز للتركيب الآن في أثناء قصف مسيرات الغزاة لحيواتنا وبنانا التحتية.
– حسب تقديري هذا البديل للدولة لا يوجد حاليا في أكثر الدول تطورا في أوروبا وأمريكا واسيا دع عنك في عرصات رجل أفريقيا المريض. لذلك فان تدمير الدولة السودانية حاليا لن يقود إلي فردوس أناركي أو شبه أناركي تزدهر فيه العدالة والحريات. تدمير الدولة السودانية يعني عمليا تصفية نهائية للسودان ككيان إجتماعي، ثقافي ولن ينعم أحد بفردوس ما بعد الدولة ولكن سينتقل جميع أهل السودان للعيش كأقنان في كنف دول إستعمارية أخري ونكون فقط قد استبدلنا دولة السودان بدول أخري أشد بطشا واكثر غربة. وفي المساحات من السودان التي تعافها الدول الإستعمارية إلي حين سيخضع المواطن لحكم عصابات لا تختلف كثيرا عن عصابات الجنجويد ولن يعيش في فردوس أناركي. لذلك فان الدعوة لتدمير الدولة والجيش الآن تعني الدعوة لتصفية السودان ككيان/ات إجتماعية مستقلة وهذا حد بعيد من كراهية الذات وكراهية السودان.
– في أدبيات اليسار لا أعلم بنصوص تدعو شعب لحل دولته وحده بينما الدول الإستعمارية والطامعة حوله تحافظ وتنمي من مقدراتها العسكرية ومن قدراتها التقنية علي إخضاع الآخرين. حل الدولة أو حل الجيوش في السياق التاريخي الصحيح يكون باتفاق دولي تقوم فيه جميع الدول في نفس الوقت بتصغير جيوشها ثم حلها في إطار تعاون دولي عميق وواسع. لذلك فان دعوة دولة لحل مؤسساتها وجيشها بينما الدول الأخري تحافظ علي هذه الأدوات هي دعوة للإنتحار وعزومة مجانية للغزاة والمغتصبين وتبرع مجاني بالوطن للأجنبى. وهذه هدية يسارية للاستعمار وهي عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
– جوان روبنسون عالمة إقتصاد بحت رفيعة بقامة كينز أو أعلي كانت في هيئة التدريس في جامعة كامبريدج. يقال أن جائزة نوبل تجاهلتها لانها كانت متهمة بالماركسية وكانت من أنصار ماو المتحمسين له. ويجادل البعض أن غياب جوان عن قائمة شرف نوبل فضيحة للجائزة. وبالنظر للتنمية المذهلة في الصين الآن، ربما كان علي لجنة نوبل أن توقظ جوان من الموت وتمنحها الجائزة مرتين.
– ينسب لجوان قولها أن من أفظع الأشياء للعامل أن يستغله صاحب عمل راسمالي ويحلب عرقه قيمة زائدة. ولكن أسوأ من ذلك ألا يجد العامل راسمالي يستغله. هكذا الدولة السودانية. فظيعة جدا ولكن النقطة الأهم هي أن غيابها أفظع. وهذه هي نقطة عمي أعداء الدولة السودانية إذ هم يرون فظاعتها ومن ثم يقفزون إلي إستنتاج متعجل بضرورة تدميرها الآن بينما المنطق يقول أن تدميرها سيقود إلي واقع أكثر جحيمية. وإلي بزوغ شمس مجتمع آخر، علي العامل أن يجد راسمالي يستغله حتي لا يجوع تحت شعارات ثورية براقة. وإلي أن تتوفر شروط الإنتقال لتنظيم إجتماعي أكثر عدالة وكفاءة الدولة بصلة نتنة في فمنا من يدعو لحلها يضع جمرة “حمراء، يسارية”، متقدة، مكانها. ولا أعتقد أن مضغ الجمر حل مناسب لمشكلة البصلة.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تنظم اجتماع لجنة تحكيم جائزة «التميز الإعلامي العربي» 5 مايو
  • دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين
  • الغرف العربية: مركز عربي – صيني لدعم ريادة الأعمال والابتكار
  • «الغرف العربية»: العالم العربي سيصبح الشريك التجاري الأول للصين
  • اتحاد الغرف العربية: 400 مليار دولار حجم التبادل التجاري العربي - الصيني في 2024
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • معتصم أقرع: اليسار والدولة مرة أخري
  • بين فشل أمريكا المُدوِّي وصمود اليمن.. قصة الضمير العربي الوحيد المدافع عن فلسطين
  • بمشاركة عربية ودولية.. اختتام فعاليات المؤتمر الإقليمي العربي الثالث للدواجن
  • 7مايو توزيع جوائز الإبداع في خدمة العربية بالبرلمان العربي