عربي21:
2024-10-05@15:49:38 GMT

مكابح اليسار العربي وهراوات التيار القومي

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

بالرغم من عدم قبول معظم أحزاب اليسار العربي بفكرة وواقع اندلاع ثورات عربية في العالم العربي، وتبني بعض نخب التيار القومي العربي لفكرة المؤامرة التي تعصف بأنظمة العسكر والفساد، وفقاً لكثير من المواقف التي ساندت الثورات المضادة ونعتت انتفاضة الشعوب بأوصاف من قواميس الطغاة، فإن الخطاب المؤسس أصلاً لفكرة "قومية ويسارية" اتخذ من شعارات الثورة أحلاماً للتغيير ولجمع العرب في بوتقة واحدة من المصالح، مع طرح أسئلة حاسمة حيال قضايا عربية مرتبطة بالحرية وقضية فلسطين وعمقها العربي، والتحول في حالة المجتمع وبُناه الطبقية، التي انهمك اليسار العربي عقوداً بالتنظير وطرح الاستنتاجات المختلفة لها، إما بالتبشير دوماً باستعادة "نهوض عربي" حققه عسكر الانقلابات العربية في خمسينات وستينيات القرن الماضي، أو باستعارة الاستخدام الأسهل لقضية فلسطين لتغطية كل عيوب القهر والفساد والقمع وستر عجز القوى والأحزاب نفسها عن مواكبة الشارع والوقوف بجانب آلامه وأحلامه.



الاعتقاد بأن التركيز على نوعية محددة من خطاب عربي ضد الثورات، يؤدي لفسحة ضئيلة من أملٍ في مستقبل عربي، زاد من الثغرات الشاملة والقطيعة النهائية مع الشارع العربي، وبالانحياز الكلي من تيار "قومي عربي" ومن يسار داعم لديكتاتوريات قمعية بلا تمييز، وإعطاء تفسيرات لثورات عربية انبثقت من واقع مثخن بدموية وتحطيم شامل، وربطها بذرائع تخدم إعادة الاستبداد لبسط سيطرته والتنكر لدماء عربية سقطت على طريق التحرر من الطغيان والاستبداد والقمع، وتمجيد أنظمة استخدمت القومية العربية وشعارات تحرير ودعم فلسطين، لغرض سحق المطالبين بإحداث تغيير وتحرير شعاراتٍ من أساطيرها الأزلية في أقبية السلطات الحاكمة، والخروج لفضاء عربي يمكن الحديث فيه عن بدايات جديدة ومقنعة، كل ذلك يدفع بالسؤال عن دور تلك الأفكار والتيارات والأحزاب في ظل ظروف متغيرة لا تلائم شارع عربي من الصعوبة استهباله بنفس الأدوات والهراوات المساندة لها.

بعض منظري "التيار القومي" وأشقائهم في قوى وأحزاب ثورية ويسارية عربية أمضوا الكثير من الوقت وبذلوا الكثير من الجهد لإطلاق التوقعات المختلفة، بعيداً عن حسم مسألة الحرية والحريات، بغض النظر عمن طرح أقل أو أكثر تحريراً بجرأة التبشير للخلاص من أنظمة الفساد والرجعية العربية، كمقدمة لحل المشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع العربي في بناء المواطنة والكرامة الإنسانية وتحقيق التنمية، كمؤسس رئيس لانخراط عربي في معركة تحرير فلسطين أو مواجهة بقية التحديات الباقية منذ مطلع القرن الماضي
صحيح أنه لا يمكننا معرفة المستقبل، لكن بعض منظري "التيار القومي" وأشقائهم في قوى وأحزاب ثورية ويسارية عربية أمضوا الكثير من الوقت وبذلوا الكثير من الجهد لإطلاق التوقعات المختلفة، بعيداً عن حسم مسألة الحرية والحريات، بغض النظر عمن طرح أقل أو أكثر تحريراً بجرأة التبشير للخلاص من أنظمة الفساد والرجعية العربية، كمقدمة لحل المشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع العربي في بناء المواطنة والكرامة الإنسانية وتحقيق التنمية، كمؤسس رئيس لانخراط عربي في معركة تحرير فلسطين أو مواجهة بقية التحديات الباقية منذ مطلع القرن الماضي.

لكن من المفاجئ أن نرى كم كانت تلك الأحزاب والقوى الوريثة لهذه الأفكار، مترددة ومتنكرة لذاتها أولاً وللإنسان العربي ثانياً، وبنفاد بصيرة بعض النخب الحاملة لأيديولوجيا تتخطى الحاضر بالاقتيات على ماضٍ لن يعود بأمميته واشتراكيته وناصريته وبأقطابه العادلة، وحاضرٍ انفكت عنه بتقبيل هراوة المستبد ودعم أنظمة قتلٍ وفساد، وبالتركيز على تحليل ماضٍ ومؤامرة، لمحاولة تنقية وتطهير الطاغية العربي.

يفقد الخطاب القومي ونخبه من اليسار الضوابط الأخلاقية حتى بالتطور السياسي الآخذ بالانحدار وبالتضاؤل أكثر، فالحديث والتركيز على دور الأحزاب اليسارية أو محاولة إنعاش خطاب قومي عربي من بلاط هذا الطاغية أو ذاك في البحث عن كيفية حشد الشارع لدعم من يدوس على رؤوس البشر ومن يحطم حواضرهم، هو سقوط في هوة عميقة لتلك النخب وأحزابها.

إذا كان هناك حد أدنى من الالتزام بالشعارات المطروحة عربياً، من قوى وأحزاب وطنية وقومية ويسارية، لبناء أسس مجتمعات مدنية وديمقراطية للخروج من أزمات كثيرة، وربط ذلك ببعدٍ عربي ديمقراطي من الناحية الموضوعية، كما تُقر ذلك جل الأدبيات، لما شهدنا هذا البون الشاسع لرموز تلك الأحزاب والتيارات مع الشوارع العربية
اللمحات الأخيرة حول درجة مساهمة خطاب ومواقف قوى وأحزاب يسارية وقومية عربية، من الثورات العربية ومن جرائم طالت ملايين البشر، تضاعفت مرات كثيرة منذ أكثر من عقد، وزاد بشكل مطلق ونسبي الدعم الذي وفرته تلك المواقف وتقلباتها من حالة التباعد مع الشارع. وبالنتائج المدمرة لإرث هذه القوى والأحزاب، لا يمكن البناء على مواقف تواجه العربي لا في درء المؤامرات ولا الانخراط في معارك مواجهة التطبيع والقمع، بينما السحق اليومي يقوض منطق حياة "الثوري" وفكره. وبعدم النظر للشارع العربي على أنه أداة تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي وجذري، لا يمكن المساهمة بتدابير نجاة حقيقية لبناء أي تغيير، وترجمة أي أفكار بعيداً عن السطحية التي أصبحت محورية في خطابٍ قومي ويسارٍ عربي.

أخيراً، إذا كان هناك حد أدنى من الالتزام بالشعارات المطروحة عربياً، من قوى وأحزاب وطنية وقومية ويسارية، لبناء أسس مجتمعات مدنية وديمقراطية للخروج من أزمات كثيرة، وربط ذلك ببعدٍ عربي ديمقراطي من الناحية الموضوعية، كما تُقر ذلك جل الأدبيات، لما شهدنا هذا البون الشاسع لرموز تلك الأحزاب والتيارات مع الشوارع العربية.

وباختصار، كل المواقف لا تحل معضلات الوضع الناشئ عن تضخم القمع والاستبداد واستفحال التطبيع والتصهين، والتقدير الرديء للطاغية ووصف جيشه بالبطل "القومي"، لا يُحدث تراكما لاستعادة نهوض عربي تم التآمر عليه من نخب تدعي ثورية وقومية، وهي تمسك مكابح الطاغية وتصبح رمزاً متناسقاً له.

twitter.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليسار التيار القومي القمع اليسار القمع تيارات التيار القومي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکثیر من عربی فی

إقرأ أيضاً:

صندوق النقد العربي: الإمارات تستحوذ على 47.3% من شركات الصرافة العربية

تستحوذ دولة الإمارات العربية المتحدة على حوالي 47.3% من قطاع شركات الصرافة العربية، وفق أحدث إحصائيات صندوق النقد العربي.

وقال الصندوق، إن موجودات /أصول/ قطاع الصرافة في الدول العربية، وصلت إلى نحو 4.7 مليار دولار في 2023، بنمو طفيف بنسبة 0.02% مقارنة بعام 2022.

وارتفع رأسمال قطاع شركات الصرافة في الدول العربية إلى حوالي 2.9 مليار دولار في نهاية العام الماضي، بنمو بنسبة 3.6% مقارنة بنحو 2.8 مليار دولار في 2022.

أخبار ذات صلة رئيس الدولة يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل المجتمعي خلال استقباله عدداً من الأمهات الحاضنات رئيس وزراء جزر سليمان يزور جامع الشيخ زايد الكبير

وأشار صندوق النقد العربي إلى أن قطاع شركات الصرافة يعتبر قطاعاً هاماً في الدول العربية، حيث يلعب دوراً فاعلاً في الاقتصادات من خلال تلبية الاحتياجات المحلية من العملات الأجنبية لمجموعة متنوعة من المعاملات الاقتصادية، فضلا عن دورها في تحويل الأموال من قبل المقيمين في الخارج إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية.

وذكر صندوق النقد العربي أن معدل العائد على الموجودات لدى شركات الصرافة العربية بلغ في المتوسط حوالي 3.1% في نهاية عام 2023. 

 

 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • تضامن عربي واسع مع لبنان والجامعة العربية تحذر من مخاطر حرب إقليمية
  • مقررة أممية تطالب الجامعات بـ مراجعة السياسات القمعية التي تستهدف التضامن مع فلسطين
  • "المرصد العربي" يناقش إطلاق مؤتمرًا سنويًا وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان
  • "المرصد العربي" يناقش إطلاق مؤتمر سنوي وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان
  • ناشطون يهاجمون مقر جامعة الدول العربية في تونس احتجاجا على موقفها من الحرب على فلسطين ولبنان
  • التيار الوطني الحر: لادانة الاعتداءات الإسرائيلية التي تتجاوز كل الحدود
  • صندوق النقد العربي: الإمارات تستحوذ على 47.3% من شركات الصرافة العربية
  • المؤتمر العربي” يدعو الى فتح الأجواء والجبهات العربية والإسلامية أمام قوى المقاومة
  • المؤتمر العربي يدعو الى فتح الأجواء والجبهات العربية أمام قوى المقاومة
  • غدًا.. اجتماع عربي طارئ لمجلس جامعة الدول العربية للتضامن مع لبنان