عربي21:
2024-11-26@12:00:40 GMT

مكابح اليسار العربي وهراوات التيار القومي

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

بالرغم من عدم قبول معظم أحزاب اليسار العربي بفكرة وواقع اندلاع ثورات عربية في العالم العربي، وتبني بعض نخب التيار القومي العربي لفكرة المؤامرة التي تعصف بأنظمة العسكر والفساد، وفقاً لكثير من المواقف التي ساندت الثورات المضادة ونعتت انتفاضة الشعوب بأوصاف من قواميس الطغاة، فإن الخطاب المؤسس أصلاً لفكرة "قومية ويسارية" اتخذ من شعارات الثورة أحلاماً للتغيير ولجمع العرب في بوتقة واحدة من المصالح، مع طرح أسئلة حاسمة حيال قضايا عربية مرتبطة بالحرية وقضية فلسطين وعمقها العربي، والتحول في حالة المجتمع وبُناه الطبقية، التي انهمك اليسار العربي عقوداً بالتنظير وطرح الاستنتاجات المختلفة لها، إما بالتبشير دوماً باستعادة "نهوض عربي" حققه عسكر الانقلابات العربية في خمسينات وستينيات القرن الماضي، أو باستعارة الاستخدام الأسهل لقضية فلسطين لتغطية كل عيوب القهر والفساد والقمع وستر عجز القوى والأحزاب نفسها عن مواكبة الشارع والوقوف بجانب آلامه وأحلامه.



الاعتقاد بأن التركيز على نوعية محددة من خطاب عربي ضد الثورات، يؤدي لفسحة ضئيلة من أملٍ في مستقبل عربي، زاد من الثغرات الشاملة والقطيعة النهائية مع الشارع العربي، وبالانحياز الكلي من تيار "قومي عربي" ومن يسار داعم لديكتاتوريات قمعية بلا تمييز، وإعطاء تفسيرات لثورات عربية انبثقت من واقع مثخن بدموية وتحطيم شامل، وربطها بذرائع تخدم إعادة الاستبداد لبسط سيطرته والتنكر لدماء عربية سقطت على طريق التحرر من الطغيان والاستبداد والقمع، وتمجيد أنظمة استخدمت القومية العربية وشعارات تحرير ودعم فلسطين، لغرض سحق المطالبين بإحداث تغيير وتحرير شعاراتٍ من أساطيرها الأزلية في أقبية السلطات الحاكمة، والخروج لفضاء عربي يمكن الحديث فيه عن بدايات جديدة ومقنعة، كل ذلك يدفع بالسؤال عن دور تلك الأفكار والتيارات والأحزاب في ظل ظروف متغيرة لا تلائم شارع عربي من الصعوبة استهباله بنفس الأدوات والهراوات المساندة لها.

بعض منظري "التيار القومي" وأشقائهم في قوى وأحزاب ثورية ويسارية عربية أمضوا الكثير من الوقت وبذلوا الكثير من الجهد لإطلاق التوقعات المختلفة، بعيداً عن حسم مسألة الحرية والحريات، بغض النظر عمن طرح أقل أو أكثر تحريراً بجرأة التبشير للخلاص من أنظمة الفساد والرجعية العربية، كمقدمة لحل المشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع العربي في بناء المواطنة والكرامة الإنسانية وتحقيق التنمية، كمؤسس رئيس لانخراط عربي في معركة تحرير فلسطين أو مواجهة بقية التحديات الباقية منذ مطلع القرن الماضي
صحيح أنه لا يمكننا معرفة المستقبل، لكن بعض منظري "التيار القومي" وأشقائهم في قوى وأحزاب ثورية ويسارية عربية أمضوا الكثير من الوقت وبذلوا الكثير من الجهد لإطلاق التوقعات المختلفة، بعيداً عن حسم مسألة الحرية والحريات، بغض النظر عمن طرح أقل أو أكثر تحريراً بجرأة التبشير للخلاص من أنظمة الفساد والرجعية العربية، كمقدمة لحل المشكلات الأساسية التي تواجه المجتمع العربي في بناء المواطنة والكرامة الإنسانية وتحقيق التنمية، كمؤسس رئيس لانخراط عربي في معركة تحرير فلسطين أو مواجهة بقية التحديات الباقية منذ مطلع القرن الماضي.

لكن من المفاجئ أن نرى كم كانت تلك الأحزاب والقوى الوريثة لهذه الأفكار، مترددة ومتنكرة لذاتها أولاً وللإنسان العربي ثانياً، وبنفاد بصيرة بعض النخب الحاملة لأيديولوجيا تتخطى الحاضر بالاقتيات على ماضٍ لن يعود بأمميته واشتراكيته وناصريته وبأقطابه العادلة، وحاضرٍ انفكت عنه بتقبيل هراوة المستبد ودعم أنظمة قتلٍ وفساد، وبالتركيز على تحليل ماضٍ ومؤامرة، لمحاولة تنقية وتطهير الطاغية العربي.

يفقد الخطاب القومي ونخبه من اليسار الضوابط الأخلاقية حتى بالتطور السياسي الآخذ بالانحدار وبالتضاؤل أكثر، فالحديث والتركيز على دور الأحزاب اليسارية أو محاولة إنعاش خطاب قومي عربي من بلاط هذا الطاغية أو ذاك في البحث عن كيفية حشد الشارع لدعم من يدوس على رؤوس البشر ومن يحطم حواضرهم، هو سقوط في هوة عميقة لتلك النخب وأحزابها.

إذا كان هناك حد أدنى من الالتزام بالشعارات المطروحة عربياً، من قوى وأحزاب وطنية وقومية ويسارية، لبناء أسس مجتمعات مدنية وديمقراطية للخروج من أزمات كثيرة، وربط ذلك ببعدٍ عربي ديمقراطي من الناحية الموضوعية، كما تُقر ذلك جل الأدبيات، لما شهدنا هذا البون الشاسع لرموز تلك الأحزاب والتيارات مع الشوارع العربية
اللمحات الأخيرة حول درجة مساهمة خطاب ومواقف قوى وأحزاب يسارية وقومية عربية، من الثورات العربية ومن جرائم طالت ملايين البشر، تضاعفت مرات كثيرة منذ أكثر من عقد، وزاد بشكل مطلق ونسبي الدعم الذي وفرته تلك المواقف وتقلباتها من حالة التباعد مع الشارع. وبالنتائج المدمرة لإرث هذه القوى والأحزاب، لا يمكن البناء على مواقف تواجه العربي لا في درء المؤامرات ولا الانخراط في معارك مواجهة التطبيع والقمع، بينما السحق اليومي يقوض منطق حياة "الثوري" وفكره. وبعدم النظر للشارع العربي على أنه أداة تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي وجذري، لا يمكن المساهمة بتدابير نجاة حقيقية لبناء أي تغيير، وترجمة أي أفكار بعيداً عن السطحية التي أصبحت محورية في خطابٍ قومي ويسارٍ عربي.

أخيراً، إذا كان هناك حد أدنى من الالتزام بالشعارات المطروحة عربياً، من قوى وأحزاب وطنية وقومية ويسارية، لبناء أسس مجتمعات مدنية وديمقراطية للخروج من أزمات كثيرة، وربط ذلك ببعدٍ عربي ديمقراطي من الناحية الموضوعية، كما تُقر ذلك جل الأدبيات، لما شهدنا هذا البون الشاسع لرموز تلك الأحزاب والتيارات مع الشوارع العربية.

وباختصار، كل المواقف لا تحل معضلات الوضع الناشئ عن تضخم القمع والاستبداد واستفحال التطبيع والتصهين، والتقدير الرديء للطاغية ووصف جيشه بالبطل "القومي"، لا يُحدث تراكما لاستعادة نهوض عربي تم التآمر عليه من نخب تدعي ثورية وقومية، وهي تمسك مكابح الطاغية وتصبح رمزاً متناسقاً له.

twitter.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليسار التيار القومي القمع اليسار القمع تيارات التيار القومي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکثیر من عربی فی

إقرأ أيضاً:

أبو الغيط: الجامعة العربية تحرص على الالتزام الثابت بالسلام والمبادئ الحقوقية والإنسانية التي تغذيها جروح التاريخ

 أكد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية أن المنطقة العربية التي احتضنت دورتين من منتديات تحالف الحضارات في كل من دولة قطر في 2011 وبالمملكة المغربية في 2022، تحرص تمشيا مع أحكام ميثاق الجامعة العربية على الالتزام الثابت بالسلام والمبادئ الحقوقية والإنسانية، ونبذ العنف والنزاعات المسلحة التي تغذيها جروح التاريخ ومشاعر الظلم واليأس والإحباط وخاصة في الشرق الأوسط.

 وأضاف في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه السفير أحمد رشيد خطابي الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الاعلام والاتصال بالجامعة خلال فاعليات المنتدى العالمي العاشر للأمم المتحدة لتحالف الحضارات انه انطلاقا من التوجهات الاستراتيجية لجامعة الدول العربية التأكيد على إرادتنا الراسخة لتكريس الانخراط في خدمة ثقافة السلام، وبناء مقومات الثقة، ومد جسور الحوار، باتساق مع الأهداف الكبرى الذي يسعى المنتدى العالمي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات إلى تحقيقها لاحتواء نزعات العنف ومواجهة السرديات المحرضة على التعصب والكراهية وازدراء الأديان والتطاول على حرمة رموزها.

لافتا الي الوضع الإنساني الكارثي في غزة مع استمرار القصف والنزوح المتكرر، وعرقلة المساعدات الإغاثية، وحظر أنشطة "الأونروا “، واستهداف الدور السكنية والمنشآت العامة بما فيها المؤسسات التعليمية والمعالم الثقافية والأثرية وأماكن العبادة .

وقال أبو الغيط إن استقرار هذا الفضاء الجيو سياسي الحساس يمر حتما عبر الحلول السلمية بعيدا عن منطق القوة ودوامة العنف والدمار بما يضمن، بعد عقود طويلة وقاسية، كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في إرساء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ورؤية حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية.
 

 وأشار أبو الغيط الي أن الجامعة العربية سباقة للانضمام إلى "مجموعة أصدقاء التحالف " منذ 2005، وإطلاق تعاون مؤسساتي طموح بالتوقيع على مذكرة تفاهم في يناير 2008.وعملت، بانفتاح على التجارب الوطنية للدول الأعضاء، على إعداد الخطة الاستراتيجية الموحدة لتحالف الحضارات التي اعتمدت في 2016 والتي يجري العمل على تحديثها برسم سنوات 2025-2029 وإثرائها بقضايا حيوية كالهجرة والتعليم والاعلام والشباب والتي ستعمّم على نقاط الاتصال العربية لدى التحالف لاستيفاء دراستها بشكل متكامل.

وقال أبو الغيط ان الجامعة العربية سباقة للانضمام إلى "مجموعة أصدقاء التحالف " منذ 2005، مؤكدا على أن المدخل القويم لإضفاء مزيد من النجاعة على هذا المسار الواعد يتمثل في الدعم المستمر لكافة الشركاء حكومات وبرلمانات وفاعلين محليين ومنظمات ومجتمع مدني ونخب فكرية وإعلامية وفنية ورياضية تؤمن برسالة حماية السلام، وقدسية الكرامة البشرية في نطاق مقاربة تشاركية ترتكز على التعاون وتضافر الجهود على مختلف المستويات الوطنية والاقليمية والكونية.

مقالات مشابهة

  • أبو الغيط: الجامعة العربية تحرص على الالتزام الثابت بالسلام والمبادئ الحقوقية والإنسانية التي تغذيها جروح التاريخ
  • "القومي للمرأة" يوضح أبرز الجرائم الإلكترونية التي تهدد السيدات.. فيديو
  • رئيس البرلمان العربي: الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم 
  • رئيس البرلمان العربي: الجامعة العربية رمز وحدة العرب
  • انطلاق أعمال المؤتمر العربي الأفريقي لمنظمي الطاقة 2024 بالجامعة العربية
  • دعم اليسار للإخوان – وقود استمرار الحرب
  • صنعاء تدين الانتهاكات التي يتعرض لها الصيادون في البحر العربي
  • مذكرة تعاون بين مكتبة الإسكندرية وجامعة الدول العربية على هامش الأسبوع العربي للتنمية المستدامة
  • بحضور أبو الغيط.. انطلاق فعاليات الأسبوع العربي للتنمية المستدامة بجامعة الدول العربية
  • انطلاق الأسبوع العربي للتنمية المستدامة غدًا بالجامعة العربية