العلاقة مع الآخر .. ميزان على كف متأرجح
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
في كل الحوارات مع الآخر؛ يحدث أن يكون هناك جس نبض لمجموعة من الترددات النفسية الصادرة من كلا الطرفين، هذه الترددات ما كان لها أن تكون، أو يتوهم أنها تكون؛ لولا الصورة النمطية المرسومة سلفا عن مجمل العلاقات القائمة بين الناس، وهي الناتجة؛ أصلا؛ عن كثير من التداعيات التي حدثت ولا تزال تحدث، وأثرت في النفوس بصورة سلبية.
ولأن النفوس هي التي تُقَيِّمْ هذه التداعيات والإخفاقات في مختلف هذه العلاقات، فإن هذه النفوس لرهافتها وحساسيتها، لن يكون أمر الإنصاف عندها يسيرًا، وبالتالي فعليها أن تتجاوز مختلف هذه التداعيات، ولو على سبيل «حسن الظن بالآخر» وقد قيل: «إن القلوب إذا تناثر ودها؛ مثل الزجاج كسرها لا يجبر» فهذا التشبيه الرقيق الحساس هو انعكاس للحالة النفسية الناتجة عن مجموعة من المواقف، ومجموعة المواقف هي المؤصلة بالخبرة التراكمية لهذه العلاقة في تصادماتها وتقاطعاتها المستمرة، ولعله من أصعب الجبر؛ كما جاء في بيت الشعر؛ هو جبر الخواطر، حيث تحتاج إلى زمن طويل حتى تتعافى، وقد لا تتعافى إطلاقا، حيث يظل الجرح نازفا بلا توقف، وكلما صادف شخصا أساء إليه، هذه ثيمة بيولوجية في النفس البشرية، لا يمكن إنكارها، حتى وإن حاول الفرد تجاوزها لأمر ما، فسيظل هذا التجاوز مؤقتا «مثل الزجاج كسره لا يجبر» إلا إن كان هناك عامل لا يمكن تجاوز تأثيره في العلاقة بين الطرفين.
الجانب الآخر في المسألة، وهذا ما هو شائع؛ وهنا في جانبه المادي البحت، هو مجموعة الصدمات التي يتلقاها الطرف الآخر، عندما تظهر سلوكيات العلاقة غير المتوقعة، حيث يظن كل طرف بالطرف الآخر خيرًا، وتأتي الممارسات لتتصادم مع هذا التوقع، عندها لا تقف المسألة عند هذا الحد، بل تتفاعل إلى تجاوز كل المكاسب التي حصلت في زمن العلاقة السوية، ويظل التركيز فقط على المساوئ، وكما يقال: «الناس يرسمون عيوبك على النحاس، وفضائلك على الماء» ففي لحظات تقترب من التجلي في علاقتك مع الآخر، فإذا بهذا الآخر يصدر منه سلوك مغاير للتوقع، ينسف كل بناءات الثقة التي تشكلت خلال فترة زمنية معينة، ومن هنا أيضا يأتي التحذير بصورة مستمرة، ألا يسلم الشخص نفسه للآخر بمجرد تشكل ثقة في لحظة زمنية فارقة لم تتأسس على عهود ومواثيق وتجربة حياة طويلة، مع أن حتى هذه «التجربة للحياة الطويلة» يمكن لها أن تتضعضع في موقف غير متوقع، وترتبك عواميدها التي سكنت إليها النفس في فترتها الزمنية، وإن طالت هذه الفترة، والسبب في ذلك أن الإنسان بحكم فطرته البشرية هو من الأغيار، أي المتغير بصورة دائمة، حيث تتحكم في سلوكياته مجموعة العوامل النفسية، والبيولوجية، والبيئة المحيطة التي تضغط بقوة التأثير، فلا تترك فرصة للنفس لكي تراجع تفاعلاتها، فتنتصر للصواب، وتتجاوز الأخطاء، هذه فطرة، لا يمكن غض الطرف عنها، ولذلك فالذين يعاتبون الآخر عتابا قاسيا؛ هم واقعون في ذات المأزق، ولكنهم في لحظات عتابهم يتناسون حقيقة أنفسهم.
في مفهوم آخر؛ لفحوى العلاقات يجب في كل ما يشار إليه؛ إلى أن العلاقات يجب أن تقوم على التكافؤ، والحرص على التكافؤ هنا؛ ليس الهدف منه عدم تفكك العلاقات بين الأطراف، فهذا أمر وارد أيضا؛ مهما كانت معززات البقاء والاستمرار، وإنما لو حدث تفكك فإن مستوى الخسارات الناجمة عن التفكك ستكون قليلة، حيث إن طرفي العلاقة لهما من المعززات ما يكفي عن التعويض عن أية خسارات ناجمة عن هذا التفكك أو فقدان طرف من قبل طرف آخر، بخلاف لو لم يكن هناك تكافؤ، وكان أحد الطرفين أقل مستوى من الآخر، والمقصود بالمستوى هنا هو كل ما من شأنه أن يوجد فارقًا موضوعيًا (ماديًا/ معنويًا) بين طرفي العلاقة، وبالتالي فلو حدث تفكك عند عدم التكافؤ يكون قاسيًا ومؤلمًا، لحاجة أحدهما إلى الآخر، وقد ينظر في هذه الصورة أيضا إلى مستوى الرابط بين الطرفين، فقد يكون الرابط نسبًا، وقد يكون زمالة عمل، وقد يكون صديق جرته الصدفة في موقف ما لأن يكون الحاضر دون غيره «وقت الضيق» فيقدم على عمل يصنف على أنه شجاع بما يرافق ذلك من تضحيات، وبالتالي يُقَيَّمُ ذلك على أنه ذو فضل، وهذا الفضل يجب أن يحفظ، ولا يفرط فيه، ومسألة وجود «فضل» في المسافة التي تفصل بين الطرفين مسألة في غاية الأهمية؛ لأنها محرجة إلى درجة كبيرة، ويظل هذا الفضل «يزن» على الذاكرة، ويقلق سكونها: «كيف تعادي من كان له فضل عليك؟»، «كيف لا تتغاظى عن خطأ ارتكبه ذو فضل عليك قد يكون في حالة ضعف؟»، «كيف تفرط في علاقة شخص وقف معك يوم لم يقف معك أحد؟» وتظل هذه الدفوعات من الأسئلة تضغط عليك بقوة، فتستسلم لها؛ في أغلب الأحيان؛ مع عدم قناعتك بمبرراتها؛ لأنك تواجه موقفا مختلفا من صاحب هذه العلاقة أو تلك، لا تتيح لك فرصة المقارنة، وترجيح الكفة بين متقابلين: فضل مدفوع – استهلك زمانه – وشر ماثل – حاضر زمانه – ومقلق إلى حد بعيد؛ ترى فيه أنه قوض كل ما تم بناؤه في فترة زمنية ماضية، ما يقينك الذي بنيته عبر تجربتك وخبرتك في الحياة، أن لا شيء ثابت، وأن كل شيء قابل للتغير، والإنسان بطبيعته «حمَّالُ أوجه» لا يستقر على حال، وذلك انعكاس لمجمل الظروف التي تمر عليه في اليوم والليلة، المتناوبة بين فرح وحزن، وسعادة وتعاسة، فإنَّ له أن يستمر على حالة ثابتة، وهو يتلقى صدمات من هنا أو هناك، وإن تخلل ما بينها من حالات هي أقرب إلى الرضا، والتعايش والقناعة، ولكن كما يقول أبو العلاء المعري: «وحزن في ساعة الموت؛ آلاف سرور في ساعة الميلاد» وبما أن المواقف المحزنة؛ وإن قلت، فإن تأثيراتها أقسا على النفس من مواقف المسرة والبهجة والانشراح.
يُلْتَفَتُ إلى كثير من المعايير في مختلف العلاقات القائمة بين الناس ودورها الكبير والمؤثر في شأن ديمومات العلاقات بين الأطراف، قد يكون المعيار القيمي هو أول ما يطرح لتقييم العلاقة، هذا إذا قيست المسألة من جانبها العاطفي، أما إذا قيست من معيار مادي، فإن هنا المسألة تقف عند مفهوم السوق (الربح والخسارة) وعند هذه المسألة تكون مزعجة بالفعل، عندما ننزل علاقاتنا مع الآخر هذه المنزلة، وخاصة إذا كانت ما بين حاضنتها الاجتماعية، كمسألة «المقابل» إذا زارني زرته؛ وإذا أسدى إليَّ معروفًا في أمر ما، أسدي إليه معروفًا مقابلًا، وإذا استنكر عليَّ شيئًا؛ استنكرت عليه أشياء، وإذا عاداني أعاديه، «فهو ليس أكثر أهمية منى» وهكذا تستمرئ الأنفس وفق هذه الصورة المتعبة والمنهكة، وأصفها بذلك؛ لأنها لا تستنشق عطر حريتها، وقراراتها المنفصلة عن هذه الموازنة المقيتة، ولعل المأزق الأكبر في العلاقات هي هذه المتوازنات، والحرص على استحداث كفتي ميزان في كل المواقف توزن من خلالها مجموعة التناظرات السلوكية، بين الطرفين، ولا يترك أي أفق مشرق يتجاوز هذه المظان المهلكة، ولذلك يروج بصورة دائمة لمفهوم «لا تخبر صديقك عن اليد التي تؤلمك؛ فقد يأتي زمان ويلويها» حيث لا أمان بالمطلق.
أختم هنا بمقولة: «العلاقة بين الناس كالبيوت؛ بعضها يستحق الترميم البسيط، وبعضها يستحق الهدم وإعادة البناء، وبعضها الآخر يجبرنا أن نكتب عليها للبيع» – انتهى النص – وهي التي تقف عند ثلاثة مستويات من مستويات التعاطي مع الآخر، هذا الآخر الذي أعيا الآخر المماثل، فأضحت الصورة باهتة، مشحونة بكثير من الألم، وعلى الرغم من التجربة الإنسانية الطويلة في الحياة، لم يستطع أن يرممها بالصورة التي تبدو جلية مشرقة من الشوائب والمكدرات، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بین الطرفین مع الآخر
إقرأ أيضاً:
من هي الزوجة الاتكالية.. إيجابياتها وسلبياتها؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لكل زوجة صفات وطباع مختلفة وهناك زوجات اتكالية على عكس زوجات أخرى، الاتكالية هي التي تعتمد بشكل كبير على شريك حياتها في اتخاذ القرارات، إدارة شؤون الحياة اليومية، أو حتى في الجوانب العاطفية والنفسية، هذه الشخصية لها إيجابيات وسلبيات تؤثر على العلاقة الزوجية وتبرز “البوابة نيوز” كل ما يخص هذه الصفة وفقا لـPsychology today.
إيجابيات الاتكالية للزوجة:
*الاعتماد على الزوج يعزز دوره القيادي:
الزوجة الاتكالية تمنح الزوج دورًا قياديًا في الأسرة، مما يشعره بأهميته وقدرته على حماية الأسرة وإدارتها.
*المرونة في التكيف:
في كثير من الأحيان، تكون الزوجة الاتكالية مرنة ومستعدة لتقبل توجيهات الزوج، مما يُسهّل حل الخلافات.
*تعزيز الترابط العاطفي:
الزوجة الاتكالية تعتمد على زوجها ليس فقط في الأمور المادية، ولكن أيضًا للحصول على الدعم العاطفي، مما قد يعزز التقارب العاطفي بينهما.
*الالتزام بالدور التقليدي:
في بعض المجتمعات، يعتبر اعتماد الزوجة على الزوج جزءًا من التقاليد والأدوار الأسرية، وهو ما يحقق التوازن في الأسرة وفقًا لهذه المفاهيم.
سلبيات الزوجة الاتكالية:
*الضغط الزائد على الزوج:
الاعتماد الكامل على الزوج قد يسبب ضغطًا نفسيًا وبدنيًا عليه، حيث يصبح مسؤولًا عن جميع جوانب الحياة.
*غياب المبادرة:
الزوجة الاتكالية قد تُظهر قلة في اتخاذ القرارات أو تحمل المسؤولية، مما قد يُعيق تطور العلاقة ويجعل الزوج يشعر بالإرهاق.
*ضعف الشخصية:
قد يُنظر إلى الزوجة الاتكالية على أنها ضعيفة الشخصية أو غير قادرة على إدارة شؤونها الخاصة، مما قد يؤدي إلى ضعف احترام الزوج لها بمرور الوقت.
*غياب التوازن في العلاقة:
العلاقة الزوجية الصحية تعتمد على التعاون المتبادل. إذا كان أحد الطرفين يعتمد كليًا على الآخر، فقد يفقد التوازن الطبيعي في العلاقة.
*التأثير على تربية الأطفال:
إذا كانت الزوجة اتكالية بشكل كبير، فقد يؤثر ذلك على قدرتها على تربية الأطفال بثقة واستقلالية، مما قد ينعكس سلبًا على تطورهم النفسي والاجتماعي.
*زيادة الاعتماد العاطفي:
الزوجة الاتكالية قد تطلب دعمًا عاطفيًا زائدًا من الزوج بشكل دائم، مما قد يؤدي إلى شعور الزوج بالإرهاق أو التباعد العاطفي بمرور الوقت.
نصائح للتعامل مع الزوجة الاتكالية:
الاتكالية قد تكون مصدرًا للتحديات في العلاقة الزوجية، حيث يعتمد أحد الشريكين بشكل كبير على الآخر في اتخاذ القرارات أو تنفيذ المهام. للتعامل مع الزوجة الاتكالية بشكل فعال، يتطلب الأمر التفهم، الصبر، والتواصل البناء.
*فهم أسباب الاتكالية.
*التقييم الشخصي:
قد تكون الاتكالية نتيجة لتجارب سابقة أو قلة الثقة بالنفس.
*الأسباب الشائعة:
التربية التي شجعت على الاعتماد على الآخرين.
الخوف من تحمل المسؤولية أو اتخاذ قرارات خاطئة.
القلق أو الضغوط النفسية التي تعيق الاستقلالية.
حاول التحدث مع الزوجة بلطف لفهم جذور المشكلة.
أظهر دعمك وطمأنتها بأن الأخطاء جزء من التعلم والنمو.
* تعزيز الثقة بالنفس:
التشجيع: قدم لها الدعم العاطفي وشجعها على اتخاذ القرارات بنفسها.
المشاركة التدريجية: اطلب منها القيام بمهام صغيرة أو اتخاذ قرارات بسيطة كبداية.
الاحتفاء بالإنجازات: أشعرها بالتقدير عندما تنجح في إنجاز مهام بمفردها.
قل عبارات محفزة
اسمح لها بتحمل المسؤولية في قرارات يومية دون تدخل فوري منك.
* تعزيز الاستقلالية
التقسيم المتوازن: قسم المهام والمسؤوليات بينكما بشكل عادل.
تشجيع اتخاذ القرارات: اترك لها المجال لاتخاذ قرارات خاصة بها، حتى لو كانت بسيطة.
دعم التطور الشخصي: حفزها على اكتساب مهارات جديدة أو تعلم أمور تسهم في تعزيز استقلاليتها.
دعها تتولى إدارة ميزانية المنزل أو التخطيط لرحلة عائلية.
شجعها على حضور دورات تدريبية أو ممارسة هواية تُزيد من استقلاليتها.
*استخدام الحوار البناء:
التواصل المفتوح: تحدث معها بصراحة حول تأثير الاتكالية على علاقتكما بطريقة لطيفة وغير تصادمية.
*توضيح التوقعات:
وضح أنك تحتاج إلى شريكة تعتمد على نفسها، وأن هذا سيعزز العلاقة بينكما.
التفاوض:
اتفقا على توزيع المهام بشكل متوازن يرضي الطرفين.
تجنب إصدار الأحكام أو استخدام كلمات قد تشعرها بالذنب.
*وضع حدود صحية:
التوازن: لا تجعل نفسك المسؤول الوحيد عن كل الأمور، فهذا قد يزيد من اتكالها عليك.
رفض الاتكال المفرط: إذا طلبت مساعدة في أمور يمكنها القيام بها، قدم الدعم المعنوي بدلًا من تنفيذ المهمة نيابةً عنها.
* التحلي بالصبر والتفهم
التغيير يحتاج وقتًا: من المهم أن تتذكر أن الاعتماد على الذات هو مهارة قد تستغرق وقتًا لتطويرها.
الدعم الإيجابي: استمر في تشجيعها دون إظهار الإحباط أو الانتقاد.
تذكر أن الاتكالية ليست بالضرورة نتيجة للكسل، بل قد تكون نتيجة للقلق أو الخوف من الفشل.
* طلب المساعدة المهنية إذا لزم الأمر
إذا استمرت الاتكالية وكانت تؤثر بشكل كبير على علاقتكما، قد يكون من المفيد استشارة مختص في العلاقات أو معالج نفسي.
يمكن للمختصين تقديم إرشادات وتقنيات لتحسين التوازن في العلاقة.