لجريدة عمان:
2024-11-24@03:32:40 GMT

العلاقة مع الآخر .. ميزان على كف متأرجح

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

في كل الحوارات مع الآخر؛ يحدث أن يكون هناك جس نبض لمجموعة من الترددات النفسية الصادرة من كلا الطرفين، هذه الترددات ما كان لها أن تكون، أو يتوهم أنها تكون؛ لولا الصورة النمطية المرسومة سلفا عن مجمل العلاقات القائمة بين الناس، وهي الناتجة؛ أصلا؛ عن كثير من التداعيات التي حدثت ولا تزال تحدث، وأثرت في النفوس بصورة سلبية.

ولأن النفوس هي التي تُقَيِّمْ هذه التداعيات والإخفاقات في مختلف هذه العلاقات، فإن هذه النفوس لرهافتها وحساسيتها، لن يكون أمر الإنصاف عندها يسيرًا، وبالتالي فعليها أن تتجاوز مختلف هذه التداعيات، ولو على سبيل «حسن الظن بالآخر» وقد قيل: «إن القلوب إذا تناثر ودها؛ مثل الزجاج كسرها لا يجبر» فهذا التشبيه الرقيق الحساس هو انعكاس للحالة النفسية الناتجة عن مجموعة من المواقف، ومجموعة المواقف هي المؤصلة بالخبرة التراكمية لهذه العلاقة في تصادماتها وتقاطعاتها المستمرة، ولعله من أصعب الجبر؛ كما جاء في بيت الشعر؛ هو جبر الخواطر، حيث تحتاج إلى زمن طويل حتى تتعافى، وقد لا تتعافى إطلاقا، حيث يظل الجرح نازفا بلا توقف، وكلما صادف شخصا أساء إليه، هذه ثيمة بيولوجية في النفس البشرية، لا يمكن إنكارها، حتى وإن حاول الفرد تجاوزها لأمر ما، فسيظل هذا التجاوز مؤقتا «مثل الزجاج كسره لا يجبر» إلا إن كان هناك عامل لا يمكن تجاوز تأثيره في العلاقة بين الطرفين.

الجانب الآخر في المسألة، وهذا ما هو شائع؛ وهنا في جانبه المادي البحت، هو مجموعة الصدمات التي يتلقاها الطرف الآخر، عندما تظهر سلوكيات العلاقة غير المتوقعة، حيث يظن كل طرف بالطرف الآخر خيرًا، وتأتي الممارسات لتتصادم مع هذا التوقع، عندها لا تقف المسألة عند هذا الحد، بل تتفاعل إلى تجاوز كل المكاسب التي حصلت في زمن العلاقة السوية، ويظل التركيز فقط على المساوئ، وكما يقال: «الناس يرسمون عيوبك على النحاس، وفضائلك على الماء» ففي لحظات تقترب من التجلي في علاقتك مع الآخر، فإذا بهذا الآخر يصدر منه سلوك مغاير للتوقع، ينسف كل بناءات الثقة التي تشكلت خلال فترة زمنية معينة، ومن هنا أيضا يأتي التحذير بصورة مستمرة، ألا يسلم الشخص نفسه للآخر بمجرد تشكل ثقة في لحظة زمنية فارقة لم تتأسس على عهود ومواثيق وتجربة حياة طويلة، مع أن حتى هذه «التجربة للحياة الطويلة» يمكن لها أن تتضعضع في موقف غير متوقع، وترتبك عواميدها التي سكنت إليها النفس في فترتها الزمنية، وإن طالت هذه الفترة، والسبب في ذلك أن الإنسان بحكم فطرته البشرية هو من الأغيار، أي المتغير بصورة دائمة، حيث تتحكم في سلوكياته مجموعة العوامل النفسية، والبيولوجية، والبيئة المحيطة التي تضغط بقوة التأثير، فلا تترك فرصة للنفس لكي تراجع تفاعلاتها، فتنتصر للصواب، وتتجاوز الأخطاء، هذه فطرة، لا يمكن غض الطرف عنها، ولذلك فالذين يعاتبون الآخر عتابا قاسيا؛ هم واقعون في ذات المأزق، ولكنهم في لحظات عتابهم يتناسون حقيقة أنفسهم.

في مفهوم آخر؛ لفحوى العلاقات يجب في كل ما يشار إليه؛ إلى أن العلاقات يجب أن تقوم على التكافؤ، والحرص على التكافؤ هنا؛ ليس الهدف منه عدم تفكك العلاقات بين الأطراف، فهذا أمر وارد أيضا؛ مهما كانت معززات البقاء والاستمرار، وإنما لو حدث تفكك فإن مستوى الخسارات الناجمة عن التفكك ستكون قليلة، حيث إن طرفي العلاقة لهما من المعززات ما يكفي عن التعويض عن أية خسارات ناجمة عن هذا التفكك أو فقدان طرف من قبل طرف آخر، بخلاف لو لم يكن هناك تكافؤ، وكان أحد الطرفين أقل مستوى من الآخر، والمقصود بالمستوى هنا هو كل ما من شأنه أن يوجد فارقًا موضوعيًا (ماديًا/ معنويًا) بين طرفي العلاقة، وبالتالي فلو حدث تفكك عند عدم التكافؤ يكون قاسيًا ومؤلمًا، لحاجة أحدهما إلى الآخر، وقد ينظر في هذه الصورة أيضا إلى مستوى الرابط بين الطرفين، فقد يكون الرابط نسبًا، وقد يكون زمالة عمل، وقد يكون صديق جرته الصدفة في موقف ما لأن يكون الحاضر دون غيره «وقت الضيق» فيقدم على عمل يصنف على أنه شجاع بما يرافق ذلك من تضحيات، وبالتالي يُقَيَّمُ ذلك على أنه ذو فضل، وهذا الفضل يجب أن يحفظ، ولا يفرط فيه، ومسألة وجود «فضل» في المسافة التي تفصل بين الطرفين مسألة في غاية الأهمية؛ لأنها محرجة إلى درجة كبيرة، ويظل هذا الفضل «يزن» على الذاكرة، ويقلق سكونها: «كيف تعادي من كان له فضل عليك؟»، «كيف لا تتغاظى عن خطأ ارتكبه ذو فضل عليك قد يكون في حالة ضعف؟»، «كيف تفرط في علاقة شخص وقف معك يوم لم يقف معك أحد؟» وتظل هذه الدفوعات من الأسئلة تضغط عليك بقوة، فتستسلم لها؛ في أغلب الأحيان؛ مع عدم قناعتك بمبرراتها؛ لأنك تواجه موقفا مختلفا من صاحب هذه العلاقة أو تلك، لا تتيح لك فرصة المقارنة، وترجيح الكفة بين متقابلين: فضل مدفوع – استهلك زمانه – وشر ماثل – حاضر زمانه – ومقلق إلى حد بعيد؛ ترى فيه أنه قوض كل ما تم بناؤه في فترة زمنية ماضية، ما يقينك الذي بنيته عبر تجربتك وخبرتك في الحياة، أن لا شيء ثابت، وأن كل شيء قابل للتغير، والإنسان بطبيعته «حمَّالُ أوجه» لا يستقر على حال، وذلك انعكاس لمجمل الظروف التي تمر عليه في اليوم والليلة، المتناوبة بين فرح وحزن، وسعادة وتعاسة، فإنَّ له أن يستمر على حالة ثابتة، وهو يتلقى صدمات من هنا أو هناك، وإن تخلل ما بينها من حالات هي أقرب إلى الرضا، والتعايش والقناعة، ولكن كما يقول أبو العلاء المعري: «وحزن في ساعة الموت؛ آلاف سرور في ساعة الميلاد» وبما أن المواقف المحزنة؛ وإن قلت، فإن تأثيراتها أقسا على النفس من مواقف المسرة والبهجة والانشراح.

يُلْتَفَتُ إلى كثير من المعايير في مختلف العلاقات القائمة بين الناس ودورها الكبير والمؤثر في شأن ديمومات العلاقات بين الأطراف، قد يكون المعيار القيمي هو أول ما يطرح لتقييم العلاقة، هذا إذا قيست المسألة من جانبها العاطفي، أما إذا قيست من معيار مادي، فإن هنا المسألة تقف عند مفهوم السوق (الربح والخسارة) وعند هذه المسألة تكون مزعجة بالفعل، عندما ننزل علاقاتنا مع الآخر هذه المنزلة، وخاصة إذا كانت ما بين حاضنتها الاجتماعية، كمسألة «المقابل» إذا زارني زرته؛ وإذا أسدى إليَّ معروفًا في أمر ما، أسدي إليه معروفًا مقابلًا، وإذا استنكر عليَّ شيئًا؛ استنكرت عليه أشياء، وإذا عاداني أعاديه، «فهو ليس أكثر أهمية منى» وهكذا تستمرئ الأنفس وفق هذه الصورة المتعبة والمنهكة، وأصفها بذلك؛ لأنها لا تستنشق عطر حريتها، وقراراتها المنفصلة عن هذه الموازنة المقيتة، ولعل المأزق الأكبر في العلاقات هي هذه المتوازنات، والحرص على استحداث كفتي ميزان في كل المواقف توزن من خلالها مجموعة التناظرات السلوكية، بين الطرفين، ولا يترك أي أفق مشرق يتجاوز هذه المظان المهلكة، ولذلك يروج بصورة دائمة لمفهوم «لا تخبر صديقك عن اليد التي تؤلمك؛ فقد يأتي زمان ويلويها» حيث لا أمان بالمطلق.

أختم هنا بمقولة: «العلاقة بين الناس كالبيوت؛ بعضها يستحق الترميم البسيط، وبعضها يستحق الهدم وإعادة البناء، وبعضها الآخر يجبرنا أن نكتب عليها للبيع» – انتهى النص – وهي التي تقف عند ثلاثة مستويات من مستويات التعاطي مع الآخر، هذا الآخر الذي أعيا الآخر المماثل، فأضحت الصورة باهتة، مشحونة بكثير من الألم، وعلى الرغم من التجربة الإنسانية الطويلة في الحياة، لم يستطع أن يرممها بالصورة التي تبدو جلية مشرقة من الشوائب والمكدرات، فلله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الطرفین مع الآخر

إقرأ أيضاً:

الفنان عبد الرحيم حسن: العلاقة بين الأب والابن تشبه سياسة «العصا والجزرة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الفنان عبد الرحيم حسن، إنه يجب على  الأم إخبار الأب بكل ما يحدث في البيت، ليكون على علم به، مشيرًا إلى أن دور الأب يحتم توجيه الأم، لاسيما وأنه يجب عليه التدخل في بعض الأمور الحاسمة.
أضاف «حسن» خلال لقائه ببرنامج «الحياة أنت وهي» المذاع عبر قناة «الحياة» من تقديم الإعلامية راندا فكري، أن العلاقة بين الأب والابن تشبه سياسة «العصا والجزرة»، موضحًا أنه لا بد أن يكون حازم في كل قرارته أمام أبنائه، فضلا عن سماع كلمة الأب من مرة واحدة.
ولفت إلى أن الصداقة بين الآباء والأبناء لا يقصد به التقليل من الآباء، متابعًا: «الاحترام المتبادل بين الأب والابن واجب، إذ أنه بعد ذلك سيعمل على تقليل منه ومن هيبته، ولكن الصداقة تكون بالخروج معًا، ومعرفة تفاصيل حياة كل شخص عن التاني».

مقالات مشابهة

  • موعد شهر رمضان 2025 في مصر
  • مصرع شاب وإصابة آخر سقطا من قطار بقنا
  • تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
  • موتسيبي يرد على “العالم الآخر” من الرباط : المغرب سينظم أفضل وأنجح نسخ كأس أفريقيا للرجال والسيدات على الإطلاق
  • لغة الجسد تكشف عن صراع القوة بين ترامب وماسك
  • في العلاقة الملتبسة بين إعادة التأسيس والبورقيبية
  • الفنان عبد الرحيم حسن: العلاقة بين الأب والابن تشبه سياسة «العصا والجزرة»
  • «هزار انتهى بكارثة».. قرار قضائي ضد متهم بقتل شاب وإصابة شقيقه بالجيزة
  • حتى يكون ممكناً استعادة الدولة
  • 6 عادات صباحية للزوجين لتعزيز العلاقات الحميمة