لجريدة عمان:
2024-12-26@11:11:10 GMT

استعصاء التنمية الاقتصادية دون تنمية ثقافية..

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

في الآونة الأخيرة تعاظم حضور مفهوم «التنمية» في الأوساط السياسية والفكرية العربية، بالذات بعد الكشوف النظرية التي رافقت تطوَّر هذا المفهوم، كشوف عَمِلت على تحريره من قيد الحقل الذي ظل مرتبطًا به (حقل الاقتصاد) وربطه بكافة أشكال الحياة الاجتماعية ليشمل: «الفقر والعدالة والحقوق والرأي... إلخ» ومن ضمن هذه الكشوف ما اشتغل عليه الاقتصادي الهندي أمارتيا كومار سن (المولود في 1933م) وبالذات في كتابه «التنمية حرية -1999م» وأمارتيا حائز على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية سنة 1998م.

إن هذا الكتاب قد أحرز تفوقه الخاص حينما قارب مفاهيم سيسيولوجية يقع الاقتصادي منها كنتيجة لا مقدمة، فقد استطاع أن يبرهن بشكل عملي كيف يمكن للسِّياق الاجتماعي أن يكون فاعلًا لتحقيق التنمية في معناها المادي، ولجعل هذه المكونات قادرة على الفعل فإن أولى المهام هي تحرير الفرد من عوائق التقدم، تحريره من فرديته إلى المعنى الجماعي في الإصلاح، وهذا ما استطاع أن ينجزه بتحرير طاقات المجتمع وجعله شريكًا في عمليات البناء الاقتصادي، ومعه غدا مفهوم التنمية فلسفة اجتماعية تنادي بحرية العمل وتفجير طاقات الطبقات الاجتماعية لتحقيق رفاهها، والحقيقة أن نظريته في العدالة الاجتماعية سَبْقٌ معرفيٌّ لتحرير الوعي وتكسير تابوهاته الثقافية التي أقعدت بانطلاقته نحو النهضة.

ونحن إذ نشير لكتاب أمارتيا فهذا ليس طمعًا في الوقوف عند هذا الكتاب، فسعينا هو إدغام مفهوم التنمية في حيز الفعل الاجتماعي العربي، حيث لا يمكن تحقيقها دون اقتران بالنشاط الكلي، إذ هي ليست مجردةً من علاقات البنية الشاملة، وموقعها مشتبك ببقية الفاعليات، ومن متاعبنا حصر هذا المفهوم في التعبير عن معدلات الزيادة التي ينبغي أن تحدث في الناتج المحلي، دون إعطاء أهمية لطبيعته وتمظهراته الاجتماعية والثقافية.

إن هذا المفهوم الضَّيِّق للتنمية أثبت فشله عمليًا، فمعظم الخطط التي تضعها الحكومات لصالح التنمية الاقتصادية لن تكون قادرة على إحداث التغييرات الجذرية والقضاء على مظاهر الفقر ورفع مستوى المعيشة وتحسين الوعي بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع، والسبب وراء هذا العجز يعود إلى غياب الرؤية الكلية للبناء الاجتماعي، وهي رؤية تأخذ في الاعتبار أنه ولتحقيق طفرات إيجابية لا ينبغي إغفال الجوانب الثقافية والتي هي مناط فعل الفرد؛ الفرد الذي لا يجوز أن يغيب عن الإسهام في بناء مجتمعه، وصحيح أن للتنمية جوانبها الاقتصادية لكنها لا تنفك أن تكون تعبيرًا عن الحقيقة الاجتماعية بجذورها التاريخية وتمثلاتها الثقافية.

ونحن في هذا المقال القصير ندعو إلى بناء علاقة متينة بين التنمية بمعناها الكلاسيكي «الزِّيادة، والنَّماء، والكثرة، والوَفرة، والمضاعفة...إلخ» وبين «التنمية الثقافية». وهذا المفهوم يعود إلى الفرنسي جوفري دومازيدييه الذي نشر في ستينيات القرن الماضي مقالاً في مجلة «مجلس التعاون الثقافي التابع لمجلس أوروبا» يتنبأ فيه بالتطورات المستقبلية التي ستحدث في فرنسا وضرورة بناء سياسات ثقافية للدولة، ودومازيدييه كان يرى أنه لا يمكن أن يكون الفعل الثقافي فرديًا في الأمة الفرنسية، بل ينبغي التشريع له في الدولة لصالح تعزيز الحضور الثقافي لفرنسا في أوروبا.

ونحن في مجتمعاتنا العربية أحوج ما نكون إلى هذه الرؤية، إذ نحتاج إلى سياسات ثقافية منتجة تحقق لمجتمعاتنا الازدهار، فطالما أن الهدف من التنمية هو إحداث تحولات جذرية في واقع المجتمعات، فبناء هذه العلاقة بين (الثقافة والاقتصاد) ضرورة عملية، ولإنجاز ذلك نحتاج من صُنَّاع القرار أن يصنعوا سياسات ثقافية قائمة في ترابط مع الخطة التنموية العامة للدولة، وأن ينتقل الفعل الثقافي من فرديته إلى معنى جماعي، حيث تتحول الأفكار إلى منتجات، وبمعنى أكثر دقة، أن تكون التشريعات الاقتصادية متمحورة حول الفاعلية الاجتماعية في تجلياتها كافة. فبالنظر إلى أحد أهم الحقول الاجتماعية حقل «الثقافة» فالأمر منوط بتتويج أشغال المثقفين والمبدعين وتأسيسها على معنى السوق، أي أن تكون ذات عائد ربحي، وهذا ما بات يُعرف بـ«الصناعات الإبداعية» ولأجل ذلك فإنه يقع على عاتق المسؤولين تشجيع المثقف ونقله من حيز التأملات إلى الإنتاج المعرفي، ولكي يستطيع المثقف القيام بهذه المهمة، فإنه مطالبٌ كذلك ببناء مشروعه الثقافي على الراسخ من القيم المادية والمعنوية للمجتمع، وبذا يحقق لنفسه صفة «الناطقية» كونه سيصبح حالة مُجَسِدة لمجتمعه وبيئته وأهله، وهذا هو مطلبه العزيز وشكواه، ومن ناحية المؤسسات المعنية برعاية النشاط الثقافي فدورها أن توفر ميزانيات معقولة ومدروسة الأثر لتفعيل الحقل الثقافي بمختلف أنشطته ومجالاته، فإن تمت هذه الزِّيجة بين «الاقتصادي والثقافي» فإن الدولة ستكون قد حققت المعنى الرئيس من مفهوم «التنمية» تلك التي بموجبها تتجذر فاعلية الدولة لصالح بناء المجتمع وتشغيل أفراده على هدىً من منظومة كليانية قادرة على صناعة معنى التقدم في مظانه كافة، وتنقل الفرد من كونه عالةً على الدولة إلى فاعل إيجابي خدمة لمجتمعه وحقله الثقافي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المفهوم

إقرأ أيضاً:

الحكومة تكشف موعد تحسن الأوضاع الاقتصادية (فيديو)

أوضح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن مصر تمكنت من الوفاء بكافة التزاماتها المستحقة منذ بداية عام 2024 وحتى نهايته، والتي بلغت 38.4 مليار دولار.

‏‭‬ الحكومة تؤيد طلب نائبة التنسيقية بشأن تخفيض فترات البحث عن البترول والغاز الحكومة توافق على 10 قرارات هامة تعرف عليها


وأوضح خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "على مسئوليتي" مع الإعلامي أحمد موسى على قناة صدى البلد،  أن الدولة أثبتت قدرتها على دفع كافة المستحقات رغم التحديات الاقتصادية المحيطة، مشيرا إلى أن  الالتزامات المالية لعام 2025 ستكون أقل من تلك التي تم دفعها في عام 2024، مما يشير إلى تحسن تدريجي في الوضع المالي للدولة.

 الدولة تسعى جاهدة لزيادة مواردها 

وأكد متحدث الحكومة أن الدولة تسعى جاهدة لزيادة مواردها وعائداتها الاقتصادية لتحسين الوضع المالي.

ونفى الحمصاني ما يُشاع حول حصول مصر على قروض لسداد المستحقات، مؤكدًا أن كافة البيانات تُعلن بشفافية، وأن الديون تراجعت نتيجة الإجراءات الإصلاحية التي حظيت بإشادة المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

تمويل المشروعات القومية والتنموية

وأضاف متحدث الحكومة أن القروض التي تحصل عليها الدولة تُدار من خلال لجنة متخصصة لحوكمة القروض، وتُوجه بالكامل لتمويل المشروعات القومية والتنموية مثل البنية التحتية، والتي تهدف لدعم الاقتصاد المصري.

موعد صرف الشريحة المقبلة من صندوق النقد
وحول موعد صرف الشريحة المقبلة من صندوق النقد الدولي، أشار الحمصاني إلى أن الإعلان عنها سيتم من قبل الصندوق في وقت لاحق، مما يعكس الثقة في الاقتصاد المصري والسياسات الإصلاحية التي تتبعها الدولة رغم التحديات العالمية.

توقعات موعد تحسن اقتصادي في 2025
واختتم الحمصاني حديثه بالتأكيد على أنه مع منتصف وأواخر عام 2025، ستشهد الأوضاع الاقتصادية تحسنًا كبيرًا، مع انخفاض واضح في معدلات التضخم واستمرار تحسن المؤشرات الاقتصادية، مما يعزز من قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها ودعم التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • الغويل: التنمية والعدالة الاجتماعية مفتاح بناء وطن قوي ومستدام
  • النجار تستعرض برامج التنمية الاجتماعية في جنوب الشرقية وتزور الحالات المستفيدة من خدمات الوزارة
  • مدبولي: القطاع الخاص هو قاطرة التنمية الاقتصادية للدولة
  • الحكومة تكشف موعد تحسن الأوضاع الاقتصادية (فيديو)
  • “الراجحي” يشارك في اجتماع مجلس وزراء الشؤون/ التنمية الاجتماعية العرب في دورته الـ44
  • هنو: قصور الثقافة ذراعنا بالمحافظات ونطورها لتحقيق تنمية ثقافية مستدامة
  • وزير الشؤون الاجتماعية: العمل التطوعي ركيزة لتحقيق التنمية المستدامة
  • أمير المنطقة الشرقية يشهد توقيع اتفاقيات تعاون بين بنك التنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المحلي
  • ولي العهد البحريني يؤكد أهمية دفع التكامل العربي في مجالات التنمية الاجتماعية
  • التنمية الاجتماعية تصدر بيانا بشأن مؤسسات توزيع المساعدات في غزة