لجريدة عمان:
2024-09-16@12:29:47 GMT

استعصاء التنمية الاقتصادية دون تنمية ثقافية..

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

في الآونة الأخيرة تعاظم حضور مفهوم «التنمية» في الأوساط السياسية والفكرية العربية، بالذات بعد الكشوف النظرية التي رافقت تطوَّر هذا المفهوم، كشوف عَمِلت على تحريره من قيد الحقل الذي ظل مرتبطًا به (حقل الاقتصاد) وربطه بكافة أشكال الحياة الاجتماعية ليشمل: «الفقر والعدالة والحقوق والرأي... إلخ» ومن ضمن هذه الكشوف ما اشتغل عليه الاقتصادي الهندي أمارتيا كومار سن (المولود في 1933م) وبالذات في كتابه «التنمية حرية -1999م» وأمارتيا حائز على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية سنة 1998م.

إن هذا الكتاب قد أحرز تفوقه الخاص حينما قارب مفاهيم سيسيولوجية يقع الاقتصادي منها كنتيجة لا مقدمة، فقد استطاع أن يبرهن بشكل عملي كيف يمكن للسِّياق الاجتماعي أن يكون فاعلًا لتحقيق التنمية في معناها المادي، ولجعل هذه المكونات قادرة على الفعل فإن أولى المهام هي تحرير الفرد من عوائق التقدم، تحريره من فرديته إلى المعنى الجماعي في الإصلاح، وهذا ما استطاع أن ينجزه بتحرير طاقات المجتمع وجعله شريكًا في عمليات البناء الاقتصادي، ومعه غدا مفهوم التنمية فلسفة اجتماعية تنادي بحرية العمل وتفجير طاقات الطبقات الاجتماعية لتحقيق رفاهها، والحقيقة أن نظريته في العدالة الاجتماعية سَبْقٌ معرفيٌّ لتحرير الوعي وتكسير تابوهاته الثقافية التي أقعدت بانطلاقته نحو النهضة.

ونحن إذ نشير لكتاب أمارتيا فهذا ليس طمعًا في الوقوف عند هذا الكتاب، فسعينا هو إدغام مفهوم التنمية في حيز الفعل الاجتماعي العربي، حيث لا يمكن تحقيقها دون اقتران بالنشاط الكلي، إذ هي ليست مجردةً من علاقات البنية الشاملة، وموقعها مشتبك ببقية الفاعليات، ومن متاعبنا حصر هذا المفهوم في التعبير عن معدلات الزيادة التي ينبغي أن تحدث في الناتج المحلي، دون إعطاء أهمية لطبيعته وتمظهراته الاجتماعية والثقافية.

إن هذا المفهوم الضَّيِّق للتنمية أثبت فشله عمليًا، فمعظم الخطط التي تضعها الحكومات لصالح التنمية الاقتصادية لن تكون قادرة على إحداث التغييرات الجذرية والقضاء على مظاهر الفقر ورفع مستوى المعيشة وتحسين الوعي بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع، والسبب وراء هذا العجز يعود إلى غياب الرؤية الكلية للبناء الاجتماعي، وهي رؤية تأخذ في الاعتبار أنه ولتحقيق طفرات إيجابية لا ينبغي إغفال الجوانب الثقافية والتي هي مناط فعل الفرد؛ الفرد الذي لا يجوز أن يغيب عن الإسهام في بناء مجتمعه، وصحيح أن للتنمية جوانبها الاقتصادية لكنها لا تنفك أن تكون تعبيرًا عن الحقيقة الاجتماعية بجذورها التاريخية وتمثلاتها الثقافية.

ونحن في هذا المقال القصير ندعو إلى بناء علاقة متينة بين التنمية بمعناها الكلاسيكي «الزِّيادة، والنَّماء، والكثرة، والوَفرة، والمضاعفة...إلخ» وبين «التنمية الثقافية». وهذا المفهوم يعود إلى الفرنسي جوفري دومازيدييه الذي نشر في ستينيات القرن الماضي مقالاً في مجلة «مجلس التعاون الثقافي التابع لمجلس أوروبا» يتنبأ فيه بالتطورات المستقبلية التي ستحدث في فرنسا وضرورة بناء سياسات ثقافية للدولة، ودومازيدييه كان يرى أنه لا يمكن أن يكون الفعل الثقافي فرديًا في الأمة الفرنسية، بل ينبغي التشريع له في الدولة لصالح تعزيز الحضور الثقافي لفرنسا في أوروبا.

ونحن في مجتمعاتنا العربية أحوج ما نكون إلى هذه الرؤية، إذ نحتاج إلى سياسات ثقافية منتجة تحقق لمجتمعاتنا الازدهار، فطالما أن الهدف من التنمية هو إحداث تحولات جذرية في واقع المجتمعات، فبناء هذه العلاقة بين (الثقافة والاقتصاد) ضرورة عملية، ولإنجاز ذلك نحتاج من صُنَّاع القرار أن يصنعوا سياسات ثقافية قائمة في ترابط مع الخطة التنموية العامة للدولة، وأن ينتقل الفعل الثقافي من فرديته إلى معنى جماعي، حيث تتحول الأفكار إلى منتجات، وبمعنى أكثر دقة، أن تكون التشريعات الاقتصادية متمحورة حول الفاعلية الاجتماعية في تجلياتها كافة. فبالنظر إلى أحد أهم الحقول الاجتماعية حقل «الثقافة» فالأمر منوط بتتويج أشغال المثقفين والمبدعين وتأسيسها على معنى السوق، أي أن تكون ذات عائد ربحي، وهذا ما بات يُعرف بـ«الصناعات الإبداعية» ولأجل ذلك فإنه يقع على عاتق المسؤولين تشجيع المثقف ونقله من حيز التأملات إلى الإنتاج المعرفي، ولكي يستطيع المثقف القيام بهذه المهمة، فإنه مطالبٌ كذلك ببناء مشروعه الثقافي على الراسخ من القيم المادية والمعنوية للمجتمع، وبذا يحقق لنفسه صفة «الناطقية» كونه سيصبح حالة مُجَسِدة لمجتمعه وبيئته وأهله، وهذا هو مطلبه العزيز وشكواه، ومن ناحية المؤسسات المعنية برعاية النشاط الثقافي فدورها أن توفر ميزانيات معقولة ومدروسة الأثر لتفعيل الحقل الثقافي بمختلف أنشطته ومجالاته، فإن تمت هذه الزِّيجة بين «الاقتصادي والثقافي» فإن الدولة ستكون قد حققت المعنى الرئيس من مفهوم «التنمية» تلك التي بموجبها تتجذر فاعلية الدولة لصالح بناء المجتمع وتشغيل أفراده على هدىً من منظومة كليانية قادرة على صناعة معنى التقدم في مظانه كافة، وتنقل الفرد من كونه عالةً على الدولة إلى فاعل إيجابي خدمة لمجتمعه وحقله الثقافي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المفهوم

إقرأ أيضاً:

وزيرة التنمية المحلية: إزالة 1935 حالة تعدى على الأراضي الزراعية والمباني المخالفة

تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية وتكليفات رئيس مجلس الوزراء بشأن التعامل بحسم مع مخالفات البناء فى جميع المحافظات وإزالة التعديات على أراضى وأملاك الدولة بصورة فورية وفرض هيبة الدولة.

وزيرة التنمية المحلية تُهنئ رئيس الوزراء بذكرى المولد النبوى الشريف وزيرة التنمية المحلية تُهنئ السيسي بذكرى المولد النبوي الشريف

استعرضت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية،  تقريراً من غرفة العمليات وإدارة الأزمات بالوزارة عن الجهود التي حققتها المحافظات على مدار أسبوعين من المرحلة الثالثة والأخيرة من الموجة الـ23 لإزالة التعديات على أملاك الدولة والتي انطلقت في الفترة من 31 أغسطس الماضي وتستمر حتى 20 سبتمبر الجاري، و لمتابعة سير إجراءات إزالة التعديات على الأراضى المملوكة للدولة فى مختلف المحافظات، والتنسيق مع جهات الولاية على الأراضى ، ضمن جهود الدولة للتصدي بكل حزم لحالات التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية وإزالتها بشكل فوري لفرض هيبتها وتطبيق القانون.

وأكدت وزيرة التنمية المحلية أن الدولة بكافة أجهزتها المعنية مستمرة في محاربة مخالفات البناء والتعديات على الأراضي الزراعية وأراضي أملاك الدولة ، مشيرة إلي انه لا تهاون في التصدي بحسم لحالات الاستيلاء والتعدي والبناء علي أملاك الدولة  والأراضي الزراعية أو البناء المخالف.

وكشفت الدكتورة منال عوض، أن إجمالي ما تم إزالته من حالات تعد علي أملاك الدولة والأراضي الزراعية حتى الاسبوع الثانى من الموجة الـ 23  بلغت 1935حالة تعد، تضمنت 1335 حالة تعد علي أملاك الدولة بإجمالي مساحة 224,748 ألف متر مربع، وإزالة 600 حالة تعد علي الأراضي الزراعية بإجمالي مساحة 1777 فدان زراعة، مؤكدًة علي مواصلة جهود الوزارة والمحافظات من أجل العمل على إزالة أي تعديات علي أراضي الدولة وكذلك الحفاظ عليها، وصولاً إلى استعادة كافة حقوق الدولة .

وأوضحت وزيرة التنمية المحلية ان التقرير أشار إلى أن أكثر المحافظات التي قامت بإزالة حالات مباني مخالفة هي محافظة الشرقية حيث قامت باسترداد 56,868 ألف متر مربع بعد إزالة 92 حالة مبانى مخالفة ، يليها محافظة بورسعيد والتى نجحت في استرداد 26,265 ألف متر مربع بعد إزالة 41 حالة مبانى مخالفة، ثم محافظة أسوان بإستردادها 23,291 ألف متر مربع بإزالتها 74 حالة مبانى مخالفة، ثم محافظة قنا باستردادها مساحة تبلغ 23,189 ألف متر مربع بعد إزالتها 101 حالة مبانى خالفة،  مشيرة إلى أن هناك تنسيقاً بين المحافظات وكافة الأجهزة التنفيذية ومديريات الأمن وقوات إنفاذ القانون لتنفيذ المستهدف من الموجة الحالية بكل حسم وعدم التهاون في استرداد حق الدولة والتصدي لأي شكل من أشكال التعديات .

وفي نفس السياق ... شددت الدكتورة منال عوض على ضرورة التصدى بكل حزم لحالات التعدي على الأراضي الزراعية لوقف استنزاف الرقعة الزراعية والحفاظ عليها، لافتة الى ان التقرير أوضح أكثر المحافظات نجاحاً في استرداد الأراضي الزراعية هي محافظة الوادى الجديد باستردادها 841 فدان بإزالتها 12 حالة تعدى ، يليها محافظة الشرقية باستردادها 386 فدان بعد إزالة 91 حالة تعدى ،ثم محافظة أسيوط باستردادها 160 فدان بإزالتها 4 حالات تعدى ، ثم محافظة المنيا باستردادها 150 فدان بعد إزالتها 26 حالة تعدى.

ونوهت الدكتورة منال عوض على مسئولية كل محافظة بالمتابعة المستمرة لملف التعديات على اراضى الدولة و أهمية التنسيق مع مختلف جهات الولاية فيما يتعلق بتلك الاراضى، والعمل على سرعة الانتهاء والبت فى طلبات التقنين المقدمة، فضلاً عن وضع تصور متكامل لكيفية الاستغلال الامثل للاراضى التى تم استعادتها.

وأضافت وزيرة التنمية المحلية ، أن الوزارة تتابع تنفيذ الجدول الزمني الذي أعدته كل محافظة لإزالة التعديات خلال المرحلة الثالثة والاخيرة للموجة الـ23 لإزالة التعديات بالتنسيق مع جهات الولاية على الأراضي والأجهزة المعنية ، فضلاً عن المتابعة المستمرة للأجهزة التنفيذية لمنع التعدي على الأراضي المستردة مرة أخرى، مشيرة إلى أن غرفة العمليات بالوزارة تتابع يومياً بالتنسيق مع غرف عمليات المحافظات موقف التنفيذ لقرارات الإزالة التي تستهدفها الموجة الـ 23 وتقوم بتذليل أي صعاب أو معوقات تعترض عمليات التنفيذ، حتي يتسنى تقديم تقارير بصورة دورية للسيد رئيس مجلس الوزراء حول النتائج التى يتم تحقيقها في هذا الشأن .

والجدير بالذكر، أن المرحلة الأولي من تنفيذ الموجة الـ23 لإزالة التعديات علي أملاك الدولة والأرض الزراعية والبناء المخالف بالمحافظات، والتى بدأت  في الفترة من 6 يوليو واستمرت حتى 26 يوليو الماضى 2024، يليها المرحلة الثانية من الموجة والتى انطلقت في 3 أغسطس وحتى 23 أغسطس الماضى ، وتنتهى أعمال الموجة الـ23 بالمرحلة الثالثة والاخيرة والتى انطلقت في الفترة من 31 أغسطس الماضي وتستمر حتى 20 سبتمبر الجاري.

 

مقالات مشابهة

  • التنمية المحلية تتابع جهود المنيا في إزالة التعديات على البناء المخالف
  • إطلاق حملة إعلامية عالمية تحت شعار “استثمر في الإمارات” للتعريف بالفرص الاقتصادية والاستثمارية في الدولة
  • إسماعيل: أزمة “المركزي” بلغت ذروتها والأوضاع الاقتصادية ستزداد قسوة
  • حزب المؤتمر: استراتيجية حقوق الإنسان تشكل إطارا وطنيا لتحقيق العدالة الاجتماعية
  • بنك التنمية الاجتماعية يطلق النسخة الخامسة من “سوق الدار”
  • وزيرة التنمية المحلية: إزالة 1935 حالة تعدى على الأراضي الزراعية والمباني المخالفة
  • «التنمية المحلية»: إزالة 1935 حالة تعد على الأراضي الزراعية والمباني المخالفة
  • «المؤتمر»: الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية
  • «التنمية المحلية» تتابع تنفيذ الموجة 23 لإزالة التعديات والمخالفات
  • إشراك المصريين بالخارج في جهود التنمية وتذليل العقبات يجذب أنظارهم للاستثمار في وطنهم