جاكوب كوهين واختراق الموساد للوطن العربي
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
انتشر في الآونة الأخيرة مقطع مدته دقيقتان وعشرون ثانية، من مقابلة لإحدى القنوات، مع المفكر الفرنسي من أصل مغربي جاكوب كوهين - وهو أحد المناهضين للصهيونية - أستطيع أن أقول إنّ الرجل لخّص فيه الكثير من الأمور التي ينبغي على الدول العربية أن تهتم وتلم بها. من أبرز ما قاله كوهين إنّ الصهيونية حرصت على تدمير العراق وليبيا، في رسالة واضحة لأيّ نظام عربي يحاول الخروج عن وصاية الغرب.
وعدّد المخاطر التي تحيط بالوطن العربي من الصهيونية، بأنها تهدّد المغرب والجزائر بالحركات الانفصالية عبر وجود الموساد في المناطق القبائلية، وتهدّد بخنق مصر إن لم تتعاون مع إسرائيل، وكذلك دول الخليج بتسليط داعش وأخواتها عليها، ومصادرة ثرواتها المكدسة في البنوك الأمريكية والأوروبية، إن لم تنفّذ رغبات الغرب وإسرائيل. ولخص الموضوع بعبارة لها مغزاها، على لسان الصهيونية هي: «بإمكاننا دومًا أن نجد مبرّرًا لتدمير بلاد ما».
ما قاله جاكوب كوهين في هذه المقابلة، هو تكرار لتحذيراته الكثيرة من الصهيونية، وربما كانت المقابلة التي أجراها معه أحمد منصور في برنامج «بلا حدود» في قناة الجزيرة يوم الأربعاء 18/6/2014، هي الأشهر؛ فقد تناول فيها الاختراق الصهيوني للأوطان العربية. وحسب رأيه فإنه ليس هناك أيُّ بلد عربي في منأى عن السيطرة اليهودية والإسرائيلية، وأوضح أنّ إسرائيل ساهمت في القضاء على كلِّ الرغبات في الاستقلال والوحدة بالدول العربية أو إضعافها، ووصف الكيان بأنه «ذراع عسكرية رهيبة» للغرب، وتخدم ذلك الغرض، وهو «كلب حراسة للإمبريالية الغربية». وتناول في المقابلة نجاح إسرائيل في اختراق الأنظمة العربية، مدللا على ذلك ببعض الدول التي سماها بالاسم (وأنا في حلٍ من ذكرها)، حيث عمل فيها مستشارون من الموساد، في الوقت الذي كانت إسرائيل تحتل فيه الضفة الغربية. ورأى أنّ هناك طرقًا متعددة ومتنوعة لجعل الدول العربية تخضع للإملاءات الإسرائيلية ولا تتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها، ومنها خضوع الدول العربية لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة واليهود. وإزاء هذه النقطة قفزت إلى ذهني المقولة المنسوبة لجولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل عندما قالت: «سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا أوصلنا أبناء إسرائيل إلى حكم بلادهم!»، فهل نجحت في ذلك؟!
عن الأدوات التي تستخدمها الصهيونية لأجل السيطرة يذكر كوهين أنّ الإعلام والسينما والاقتصاد والثقافة، تمثل إلى جانب أشياء أخرى أدوات الصهيونية للسيطرة والتغلغل، وأنّ إسرائيل تُعدّ «الكيان» الوحيد في العالم الذي ليس له تأثير سياسي، لكن لديه عشرات آلاف من العملاء داخل بلدان العالم، جُنِّدوا لخدمة إسرائيل ودعمها، من خلال ترسيخ صورة إسرائيل بأنها دولة صغيرة تريد السلام وسط عرب «إرهابيين» لا يؤمنون بالسلام.
ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي الآن، ويتفحص ردود بعض العرب ممن يعتلون المنابر وبعض الكتّاب والمغرّدين، يخرج بانطباع واحد هو أنّ هؤلاء ليسوا إلا جنود الصهيونية، أو أنهم من ضحاياها من حيث يدرون أو لا يدرون؛ إذ يدافع البعض باستماتة عن الكيان الصهيوني، ويكيل كلَّ التهم لحماس بأنها هي السبب، وينسى أو يتجاهل المجازر التي ارتكبها الإسرائيليون أكثر من ثلاثة أرباع القرن، قبل أن توجد حماس وقبل أن يولد رجالها؛ والأمَرُّ من ذلك أن يشمت البعض باستشهاد إسماعيل هنية ـ رحمه الله - ويتألى البعض على الله ويناقش مسألة الترحم على شهداء غزة وهنية، وكأنه يملك مفاتيح خزائن الله، وبيده أن يُدخل هذا الجنة وذلك النار، وهل هناك دلالة أكبر من هذه على الاختراق الصهيوني للعقليات العربية والإسلامية؟ وهل يمكن أن يقارَن جاكوب كوهين بمثل هؤلاء؟ فالرجل اعتنق في مقتبل شبابه الفكر الصهيوني، لكنه بعد أن عرف خطورة ذلك الفكر أدار له ظهره، وانضم لمنظمة يهودية فرنسية تناصر القضية الفلسطينية، وألف عدة مؤلفات عن الصراع العربي الإسرائيلي؛ وأستطيع أن أقول إنه أكثر عروبة من الكثير من الأدعياء، وهو من أكبر المدافعين عن حقوق المسلمين في فرنسا، وبسبب مواقفه من إسرائيل والصهيونية، تعرّض يوم 12 مارس 2012، لاعتداء من قبل أعضاء ما تسمى «عصبة الدفاع اليهودية» في فرنسا أثناء تقديمه كتابه «ربيع السيانيم» المتعلق بالقضية الفلسطينية، وكاد أن يدفع حياته ثمنًا لمواقفه.
ما معنى «السيانيم»؟ يجيب كوهين عن السؤال أنها تعني المتعاونين مع إسرائيل (مفردها السايان)، وهم يهود يوجدون في كلّ دول العالم، يعملون في مختلف المجالات، كالاقتصاد والإعلام والسياسة والثقافة لصالح الموساد، من أجل الدفاع عن مصالح إسرائيل في الغرب والدفاع عن سياستها، وينشطون أيضًا من خلال جمعيات ومنظمات وشركات في كلّ دول العالم، ويدعمون إسرائيل من دون مقابل؛ فمثلا في الإعلام، فإنّ الصحفيين السيانيم يعملون على تجميل صورة إسرائيل وتبرير كلّ سياساتها العدائية والاستيطانية، من قتل وتشريد للفلسطينيين، ويعملون على الدفاع عن الصهاينة، وإنّ «قوة السيانيم لا تكمن في الميدان الإعلامي فقط؛ بل تتعداه إلى كلّ المجالات الأخرى، كالسياسة والاقتصاد».
يعتقد البعض - خطأ - أنهم هم الذين أطاحوا بصدام حسين وبالقذافي، ويعتقد آخرون أنهم قادة الثورة في سوريا واليمن وغيرها من البلدان. ولا تلام الشعوب العربية عندما تنشغل بمعارك البحث عن الكرامة ومحاربة الاستبداد والفساد، ولكن ذلك الجو ساعد إسرائيل على اختراق الأمة، لإيجاد مواقع قدم لها؛ وأتصور أنّ العراق أكبر مثل في ذلك؛ فالغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كان يهدف لإخضاع العراق لمصالح إسرائيل، «الذي كانت تراه عدوًّا قاتلًا بسبب قوته ووحدته، حتى تمكنت من تدميره»، كما ذكر جاكوب كوهين؛ ويرى أنّ المخططات الأمريكية والإسرائيلية تهدف لتقسيمه إلى ثلاث مناطق تخدم مصالح الإمبريالية الغربية؛ أما عن سوريا فمما يؤسف له أنها خرجت من معادلة مواجهة إسرائيل التي جاهدت بكلّ السبل لإضعافها، «فحتى لو خرجت من أزمتها فستخرج مدمَّرة وضعيفة جدًا ومنقسمة، وستخضع للتناقضات الاجتماعية إلى الأبد».
الخلاصة التي نخرج بها من تصريح جاكوب كوهين عن تهديد الصهيونية للدول العربية التي تخرج عن بيت الطاعة، فإنّ سؤالا يطرح نفسه: هل على الدول العربية أن تستسلم للواقع، وتسلم أمرها لإسرائيل تديرها كيفما تشاء؟! الجواب بالتأكيد لا. الحقيقة المؤكدة هي أنّ الاختراق الإسرائيلي لم يتم إلا بموافقة هذه الدول؛ لأنّها طبّقت بسعيها إلى التعامل مع الكيان الإسرائيلي، ما جاء في سورة المائدة: {فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبَنا دائرةٌ فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}؛ فالخوف جعل هذه الدول تعتقد أنها بالإسراع إلى الكيان ستكون في أمان، وفي سبيل ذلك ضيّقت الخناق على الشعوب، وغيّرت المناهج حسب الطلب، وتعاملت مع الموساد تعاملا شبه رسمي، وصارت هذه الدول تستخدم أجهزة التجسس الإسرائيلية ضد الشعوب المغلوب على أمرها وضد بعضها البعض، ممّا ساعد على الاختراق، متناسية أنّ الشرعية هي أساسًا تُستمد من الداخل ومن الشعوب وليس من الخارج مهما بلغت قوة الخارج. والمصيبة أنّ هذه الدول التي سمحت لهذا الاختراق لا تعلم أنها سلمت لعدوّها معاول هدمها بنفسها، وعلى نفسها جنت براقش.
سيبقى جاكوب كوهين أحد أحرار العالم؛ إذ لم يحُل دينُه اليهودي بينه وبين تأييده للحق كما يراه. وفي الوقت الذي نشاهد فيه سقوط النخب العربية وهرولتها للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ جاكوب يرى ذلك أمرًا يثير غضبه وحزنه: «أنا يهودي عربي وقلبي يتفطر ويعتصرني الألم والحزن، عندما أرى واقع الأمة العربية وما تعيشه من انقسامات واقتتال، والعربُ لا يحرّكون ساكنًا لتأييد القضية الفلسطينية».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدول العربیة هذه الدول
إقرأ أيضاً:
قوى 8 آذار: الواقع العربي جيد
قالت مصادر مطلعة في "قوى الثامن من اذار" إن الموقف العربي مما يحصل في لبنان جيد جدا ويمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة، وهذا الامر مفاجئ لكل المتابعين الذين انتظروا موقفا اكثر سلبية".
وبحسب المصادر فإن العلاقة الخليجية-الايرانية وتحديدا السعودية-الايرانية، وكذلك العلاقات العربية مع سوريا والتطورات التي حصلت في المنطقة جعلت الدول الخليجية تأخذ موقفا شبه محايد.
وتعتقد المصادر ان احدى اهم خسائر اسرائيل الاستراتيجية هو الانسحاب السعودي العلني من صفقة القرن والمطالبة بحل الدولتين وهذا ما يلزم كل الدول العربية المتحالفة مع المملكة العربي السعودية.
المصدر: لبنان 24