وصمة اسمها: عامل!! (1- 2)
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
معاوية الرواحي
ثمة شيء لا أفهمه حقاً في مكاننا العُماني. نزعةٌ ممارسةٌ بتواطؤٍ عامٍّ، ويتفق مجموعة كبيرة من العقلاء على الاعتراف بها كحقيقة ضمنية تكمن وراء السطور. دائمًا ما يُناقش هذا الموضوع، ويُشبع تحليلًا، وينتهي الخطاب المُتعلق به بالخلاصات نفسها.
الحديث عن موضوع المهن، وأزمة الوظائف، ونسب البطالة، وعدد الباحثين عن عمل، وأصحاب المؤهلات، والتوظيف بناءً على سوق العمل، والنسبة والتناسب بين الجنسين في سوق العمل، كل شيء عُرضة للجدال، والنقاش، واختلاف الآراء إلّا عندما يتعلق الموضوع بالعمّال، هُناك ثمّة اتفاق ضمني أنّ المهن العُمّالية هذه هي مهنة لا يتمنّاها المرء لمن يُحب، والمجادلة القاصمة التي يستخدمها البعض: هل ترضى أن تزوّج ابنتك لعامل! وكأنَّ هذه المجادلة تختم النقاش! بينما الحري بها أن تبدأ نقاشًا مُطوَّلًا وعريضًا لا نهاية له عن التحيُّزات الاجتماعية، والوصمة الطبقية، والأهمّ معنى أن يكون المرء عاملًا!
المهن العُمالية وفق الاعتياد العُماني هي تلك المهن البسيطة ذات الدخل البسيط التي يعمل فيها الوافدون! هكذا بكل بساطة واعتياد وألفةٍ يدخلُ قطاع عريض للغاية من البشر، ومن فرص الوظائف تحت هذه المظلة.
ومَنْ مِن الأساس يُفكِّر بحقوق العمّال، والعدالة تجاههم؟ لم يكن هذا مطروحًا حتى أصبحت ظروف الاقتصاد وعدد السكان والتوزيع للثروة العامّة تطرح أسئلة عُماليةً حقيقية على الواقع العُماني. وبينما الطرحُ القديمُ الذي يرى العامل إنسانًا مُهاجرًا، أو شبه مهاجرٍ يُسيطَر عليه بنظام الكفالة ليقوم بأقسى الأعمال وأقلها دخلًا، يأتي الطرحُ الجديد المُستفِز للأجيال الجديدة التي يُطلَب منها عدم الخجل من أي وظيفة، وأن يعمل في أبسط المهن، وأن يركب "الهزيلة" حتى يلحق بالسمينة! هذا أيضا طرحٌ متداولٌ، فريقٌ يقول لك العُماني لا يليق به أن يعمل عاملًا، وفريق يقول له اعمل عاملًا في أصعب الظروف فالعمل ليس عيبًا!
لكن أين هي الحقيقة الضمنية التي تكمن وراء السطور!
لا أعرف لماذا عندما يتعلق الأمر بالمهن العُمالية وكأنه تواطؤ بين الطرفين المتضادين هذين على القبول بأنّ هذه المهن من الحلال والقانوني والمنطقي اجتماعيًا استغلالها أبشع استغلال مقابل أبخس الأجور! هل هو منطق الترف الاجتماعي؟ أم منطق الاستغلال الرأسمالي. لا يبدو لي أن التفكير الاجتماعي في موضوع العمّال قد اقترب نقديًا من موضوع حقوق العُمّال، العامل له حق فقط عندما يكون عُمانيًا، وكلما عُمِّنت مهنة من المهن ترى الامتعاض تجاه المسألة! أيهما أولى حقًا؟ الاستجابة لنداء الوصمة العمّالية أم إصلاح حال وشأن حقوق العمّال ككل؟ عُماني وغير عُماني، الإنسان إنسانٌ، واستغلاله فعل سيئ، ولكن متى تتحركُ حزازاتنا الاجتماعية؟ عندما نصاب بالصدمة أنّ أحد العُمانيين يعمل عاملًا، وكأنه أولًا مهنة مؤبدة، وثانيًا وكأنها مهنة لا تناسبه، وثالثًا وكأنها حكم بالإعدام على طموحه إلى الأبد! وبينما يغرق المُترفون والمُغرقون في الاستحقاق في التحليل والتنظير، تتساقط قصص النجاح والثراء على ذاكرتنا كل يوم، سائق الباص الذي أصبح يملك أسطولًا من الحافلات، وسائق حافلة المياه الذي صنع نفسه من الصفر، فضلًا عن القصص الدائمة لكل من بدأ في مهنةٍ بسيطة وأصبح يملك مشروعه التجاري الخاص، كلهم يعيشون في عقل جمعي مختلف عن هذا الذي يتهافت حوله المترفون والمتعالون على مفهوم المهنة! كلهم يؤمنون أن العمل ليس عيبًا، وكلهم عرفوا أن الواقع العُمالي الذي عاشوه لم يكن أكثر من عتبة أولى، عتبة اجتهدوا بشقاء وبتعب لتجاوزها، وعلموا أن الواقع لن يرحمهم، ولسان الناس لن يرحمهم، ولا شفقة ولا رحمة لكل الرأسماليين الذين يستغلون أعمارهم.
هذه قصص بسيطة ولكنها مؤثرة، قصص لا تسمح الحياة للجميع أن يعيشها، ومن الخيانة للمنطق أن تَعِد العامل بأنّ نهاية مساره الوظيفي النجاح نفسه الذي عاشه فلانٌ سائق "التنكر" الذي أصبح صاحب أسطول سيارات، أو فلانٌ عامل النظافة الذي وفّر الريال فوق الريال ليفتح دكانًا يعيل به أسرة من الأيتام. نعم، قصص الإرادة البشرية موجودة حولنا، وتُلهمنا ولكنّها لا تحدث للجميع، ولماذا لا تحدث للجميع؟ لأن اتفاقًا ما مقيتًا أن العامل هو ذلك الشخص الذي يُمكنك استغلاله، ويُمكنك أن تنظر إليه بنظرة أدنى اجتماعيا؛ بل وفوق ذلك يمكنك أن تُحوِّل حياته إلى جحيم! وأن تُمارس عليه شتى أشكال التعيير، وضرب الأمثلة، وكأنّ الآخرين عليهم الاستجابة لمعاييرنا في الحياة، تلك المعايير التي لا تُناسبُ الجميع بالضرورة، والتي لا تتعاطف مُطلقًا مع ظروف حياة كثيرين نحاول وفق منطق الترف الاجتماعي أن ننظر لمعيشةٍ أفضل لهم، حتى لو كان ذلك بإعاقتهم نفسيُا من الشعور بالسعادة بأن مهنة بسيطة بجانب منزل عائلته، أقبح له، وأشد خسرانًا من مهنةٍ أخرى يقطع يوميًا ساعةً ونصف الساعة بالسيارة للوصول لها!
ألم نمرُّ في وعينا الاجتماعي من قبل بإشكالية "يعمل في شركة!" قبل أن يتغير الوعي، وأصبح العمل في القطاع الخاص يعني الراتب الأكثر؛ بل والآلاف المُؤلفة؟ والمكافأة في نهاية العام؟ وعيٌ من جانبٍ بمفهوم "من يعمل أكثر يجد أكثر"، وفي الجانب الآخر صدمةٌ جديدةٌ عندما أصبحت كلمة "مُسرَّح من العمل" جديدة على القاموس العُماني المحلي؛ لنعود إلى الدائرة الأولى، عن الوظيفة الحكومية الحُلم، والتي مهما كان راتبها زهيدًا فهي بلا شكل أفضل بكثير من أي عمل تجاري، وأفضل من أي عمل في شركة، وبلا شك أفضل من كلمة "عامل"!
ثمّة جانبٌ ثقافي مُتأصِّل في المسألة، جانب لا يُمكن حلّه بسهولة. وثمّة جانب اقتصادي مُعقَّد وعويص للغاية، العمالة الوافدة شبه المُهاجرة تُشكِّل نسبة كبيرة للغاية من مجموع السكان الكلي، ودول الخليج قد ابتلعت سنّارة هذه الأزمة منذ عقود تجعل التصدي الثقافي والاقتصادي والتشريعي لحل كل هذا الإرث المتراكم موضوعًا لا يُمكِن أن يُحل دون أزمة ستحتاج إلى حلول! أن تكون عاملًا ماهرًا، ما أصعب هذا الخيار في الواقع العُماني، وهذا العُماني، الجلد، الذي يشقُّ طريقه لصناعة لُقمة رزقه الحلال ليس ابن ترف كترف المُنظِّرين الذين يقولون له: هل ترضى أن تزوج ابنتك ميكانيكيًا؟ وإن كان في موازين المُترفين شابًا مُلطخًا بالزيوت، فهو في موازين الحقيقة رائد أعمال، يصنع مشروعه التجاري، وسمعته، وينطلق من مهارةٍ صغيرة إلى صناعة اسم كبير في السوق، وذلك "المُلطّخ بالزيت" الذي كنت تتعالى عليه أنت وراتبك الذي يتجاوز الخمسمائة ريال عُماني أصبح بعد 10 سنوات صاحب جراج كبير، يتوظف لديه 5 أو 6 من العُمانيين، مُنتجٌ في المجتمع، داعم للاقتصاد، ونموذج حقيقي للنجاح، وفوق ذلك، إن كنت حقًا تُقيِّم الناس بما يملكون من مال، فهو "أحسن منك" وأعلى مقامًا، وشأنًا، نعم ذلك "المُلطّخ بالزيت" الذي بدأ حياته يعمل في الصحراء، والذي أنهى شهادات مهنية متتالية، أصبح مشرفًا عُماليًا براتب يفوق الألف ريال، وتلك الفتاة التي بدأت تبيعُ معدات التجميل في حساب إلكتروني، والتي كانت تقدم خدمات الحنّاء في البيوت أصبحت صاحبة صالونٍ كبير، وناجحٍ، وأعالت أسرةً من الأيتام، وهي بالمعيار الاجتماعي أفضل منك، أنت وراتب الخمسمائة ريال الذي تتباهى به أنت ووظيفتك النمطية؛ بل وأزيدك من الشعر بيتًا عزيزي المُترَف، لو كُنَّا سنُطبِّق نظرتك الطبقية على مآلات البشر، أنت الذي يجب أن يُنظر إليه بألف علامة استفهام؛ لأن راتبك الذي يذهب نصفه للقروض، وللسفر في نهاية العام مُقترضًا من بطاقة الائتمان سيجعلك في واقع طبقي أدنى مكانة من كل هؤلاء الذين تَنظُر لهم بنظرة دونية! ولكن مجددًا، سيقف التفكير العام في صفِّك، وسيضطر البشرُ إلى التباهي بالمال، وتُصنع أزمة أخرى، عن التعامل مع الوفرة المالية، بسبب هذه الضغوط النرجسية السامّة التي يُعاني منها المُوسِر والمُعسِر، والناجح والفاشل، والموظف الحكومي والموظف بالقطاع الخاص، الترف، وسُمِّيَّته، وتمييعه للحقائق، والأسوأ ما يُبرره من ظلم واستغلالٍ للوظائف العُمالية بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان!
يُتبع...
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
انطلاق المؤتمر العُماني الرابع والعشرين للأذن والأنف والحنجرة بمشاركة دولية واسعة
العُمانية: انطلقت اليوم أعمال المؤتمر العُماني الرابع والعشرين للأذن والأنف والحنجرة بفندق جراند ميلينيوم مسقط، الذي تنظمه الرابطة العُمانية للأذن والأنف والحنجرة، بالتعاون مع وزارة الصحة، متمثلة في مستشفى النهضة، والمديرية العامة لمستشفى خولة، ومستشفى جامعة السلطان قابوس، والمجلس العُماني للاختصاصات الطبية، والجمعية الطبية العُمانية، ويستمر لمدة يومين.
ويشارك في أعمال المؤتمر عدد من الأساتذة والاستشاريين والمختصين من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى قرابة 300 مشارك من الفئات الطبية والطبية المساعدة من داخل سلطنة عُمان وخارجها، ويُعد المؤتمر منصة للتفاعل والتواصل وتبادل الخبرات بين الأطباء من مختلف دول العالم من المختصين في مجال الأذن والأنف والحنجرة، فضلًا عن تسلّيط الضوء على أبرز مستجدات الوقاية والتشخيص والعلاج والتأهيل في هذا المجال.
رعت حفل الافتتاح صاحبة السمو السيدة حجيجة بنت جيفر آل سعيد، بحضور عدد من رؤساء الجمعيات والروابط الطبية الخليجية والعربية، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الصحيين في سلطنة عُمان.
وقال الدكتور محمد بن عبدالله الرحبي، رئيس الرابطة العُمانية للأذن والأنف والحنجرة: إنّ المؤتمر يُعد فرصة جيدة لتبادل الخبرات وتعزيز العلاقات بين الباحثين والمختصين في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، سعيًا لمواكبة تطوّرات العلاج في هذه الأمراض، وما توصلت إليه آخر المستجدات والأبحاث والتقنيات الحديثة.
وأضاف قائلًا: "سبق افتتاح المؤتمر إقامة حلقات عمل خلال يومي العشرين والحادي والعشرين من نوفمبر 2024 حول التشريح المتقدم للعظم الصدغي، كما قُدّمت محاضرات متعلقة بأمراض الأذن والعمليات المرتبطة بها، كذلك تم تنظيم حلقات تدريب عملي للمشاركين على عمليات الأذن، منها عمليات متقدّمة على نماذج بشرية في مختبر المهارات بمستشفى النهضة بالمديرية العامة لمستشفى خولة، كما أقيمت حلقة عمل أخرى تناولت أمراض دوار الرأس وعلاجاتها، حيث قُدّمت محاضرات تتعلق بالدوار المرتبط بأمراض الأذن وكيفية علاجه والتعامل معه، مع تطبيق عملي للفحوصات والأجهزة المستخدمة في هذا الشأن".
من جانبه، قال الدكتور فيصل بن خميس الكلباني، استشاري جراحة الأذن والأنف والحنجرة والرأس والرقبة: "إنّ تخصص جراحة الأذن والأنف والحنجرة والرأس والرقبة هو أحد التخصصات الطبية الجراحية التي تشهد تطوّرًا مطردًا وسريعًا في طرق العلاج الجراحية والدوائية للعديد من الأمراض التي تصيب الإنسان وتؤثر على وظائف حيوية مهمة ورئيسة في جسمه، منها السمع والتوازن والنطق والبلع والتنفس والشم، وهو ما يدفع الطاقم الطبي إلى مواصلة البحث وتطوير طرق العلاج".
وأردف قائلًا: "خلال أعمال المؤتمر سنستعرض أكثر من 72 ورقة عمل، وستتخللها نقاشات علمية وحلقات عمل جانبية حول جراحات الأذن وزراعة القوقعة، وأمراض التوازن، وجراحات الأنف والجيوب الأنفية وقاع الجمجمة، وجراحات أورام الرأس والرقبة، وجراحات الصوت، وانقطاع التنفس أثناء النوم".
واشتمل برنامج المؤتمر على افتتاح معرض ترويجي لأحدث الأجهزة والأدوات الطبية الحديثة المتعلقة بعلاج وجراحات الأذن والحنجرة والتعليم الطبي والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تكريم المنظمين والداعمين للمؤتمر.