التعليم هو البنية الأساسية لأي مجتمع حديث أو قديم، وهو مؤشر على مدى نهضة أو تراجع الأمم والمجتمعات. وقد كان للتعليم وتطويره في خطاب المصلحين العربي الكبار خلال مائتي العام الأخيرة نصيب الأسد، غير أن التجربة العملية أثبتت أن مؤشر التعليم المدني المصري الحديث ينحدر مع الوقت، وهو أمر مرتبط بنشأة هذا النمط من التعليم أكثر من كونه مرتبطا بأية سياسات اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية.



المشكلة التي يعاني منها التعليم المصري هي مشكلة بنيوية هيكلية لمنهجية تعليم كانت تتوق للنموذج الأوروبي من جهة، وترى في التعليم الديني التقليدي مشكلة تحتاج إلى حل من جهة أخرى. وعلى هذا المنوال سارت فلسفة التعليم الرسمي المدرسي والجامعي، ولذلك لم يكن مستغربا أن يطالب المذيع تامر أمين بإلغاء دراسة المواد الأدبية مثل الفلسفة والمنطق وغيرها من المواد. ورغم ألم الطلب إلا أن الواقع يقول فعلا بأن هذه المواد هي مثار تندر الطلاب وسخريتهم، ولا يدرسونها سوى المشكلة التي يعاني منها التعليم المصري هي مشكلة بنيوية هيكلية لمنهجية تعليم كانت تتوق للنموذج الأوروبي من جهة، وترى في التعليم الديني التقليدي مشكلة تحتاج إلى حل من جهة أخرى. وعلى هذا المنوال سارت فلسفة التعليم الرسمي المدرسي والجامعيمن باب الحفظ للنجاح في الامتحانات وليس لها تأثير يذكر على تفكيرهم وسلوكهم. وهذا ليس تأييدا لهذه الدعوة الغريبة، ولكن مواجهة لواقع أليم ينبغي التعامل معه بواقعية وليس بمثالية.

إنني متعاطف مع مدرسي اللغتين الفرنسية والألمانية الذين صُدموا بقرار أن يتحول تدريس المادتين إلى مواد نجاح وسقوط، مما يعني حرمانهم من الدروس الخصوصية، لكن ينبغي الانتباه إلى أن مثل هذه اللغات حتى في دول المغرب العربي أصبحت هناك دعوات كثيرة لإلغاء تدريسها. الأَولى للطالب المصري أن يدرس الصينية أو التركية كلغة أجنبية وليس الفرنسية الآن، وأن لا يتم هذا بشكل يحرم هؤلاء المدرسين من حقوقهم.

لقد غفلنا عن أن هناك منظومة تعليمية تقليدية دينية ممثلة في التعليم الأزهري حاربت للاحتفاظ بموقعها كمسار تعليمي منفصل، ولكن للأسف بعيدا عن النخب وعن طموحات الطبقات المتوسطة والعليا التي جنحت مع الوقت نحو المدارس الأجنبية؛ سعيا نحو تأمين مستقبل أفضل لأبنائهم ومن ثم وسيلة للترقي الطبقي والاجتماعي. ولم يعان التعليم الأزهري من المشاكل ذاتها التي يعاني منها التعليم المدني، بل بالعكس، كان قادرا على جذب طلاب من الدول الإسلامية المختلفة وله فروع في مناطق مثل غزة؛ لا يزالون يرونه تعليما مثاليا.

تنبغي مواجهة الحقائق التاريخية المجردة التي تقول بأن تجربة تحديث التعليم في مصر خلال عقود سعيا وراء تغريبه تحت ستار تطويره؛ لم تثمر سوى صورة مشوهة من التعليم الأجنبي الذي دخل مصر في عهد الاستعمار، وليست لديه مقومات الاستمرار ولا مقومات النهوض. كما أن تهميش التعليم الديني التقليدي لم يكن خيارا شعبيا بقدر ما كان قرارا نخبويا فوقيا متعاليا على الناس أثناء الاحتلال الأجنبي وأثبت الزمن خطأه.

تجربة تحديث التعليم في مصر خلال عقود سعيا وراء تغريبه تحت ستار تطويره؛ لم تثمر سوى صورة مشوهة من التعليم الأجنبي الذي دخل مصر في عهد الاستعمار، وليست لديه مقومات الاستمرار ولا مقومات النهوض. كما أن تهميش التعليم الديني التقليدي لم يكن خيارا شعبيا بقدر ما كان قرارا نخبويا فوقيا متعاليا
الحل الذي اقترحه وأدعو إليه هو تعميم تجربة التعليم الأزهري على مراحل التعليم في مصر من الابتدائي وحتى الثانوي، لعدة أسباب:

أولها، أن الزحف مستمر من التعليم العام للأزهري بسبب الوضع البائس الذي وصله التعليم المدني العام في مصر، وبالتالي فمن الناحية العملية هذا مجرد تقنين لظاهرة غالبا ستزداد في الفترة القادمة.

وثانيا، أن التعليم الأزهري يشتمل على المواد التطبيقية والعلمية إلى جانب العلوم الشرعية، فلن يفقد الطالب أية مواد علمية من التي يفترض أن يدرسها، كما أن المواد الأدبية من فلسفة أو منطق سيدرسها كما يدرسها الأزهريون في إطار علوم المعقول وهي أفضل ألف مرة من المناهج في التعليم المدني.

وثالثا، أن هذا النظام التعليمي مستمر منذ أكثر من ألف عام وقائم بالفعل، ولن يكلف الدولة مغامرة الدخول في تجارب جديدة تزيد من أعباء أولياء الأمور والطلاب، كما أن التحول له سيكون إجرائيا وليس معتمدا على تغيير جذري في المناهج.

ورابعا، سيضمن أن الثقافة الدينية العامة ستكون نابعة من المنهج الأزهري الوسطي، مما يجنب البلاد والعباد مشاكل التطرف الذي خرج معظم رموزه من التعليم المدني وليس الأزهري.

ستكون هناك بلا شك بعض التحديات التي يمكن التغلب عليها بسهولة، مثل تدريب بعض كوادر مدرسي اللغة العربية لتدريس العلوم الشرعية وإشراف الأزهر بشكل كامل على التجربة، كما أن وضع الإخوة المسيحين في هذا الإطار يمكن أن يتم عبر مواد أخرى يدرسونها أو بتجنب دراستهم العلوم الشرعية.

x.com/HanyBeshr

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التعليم المصري الأزهري المدارس العلوم مصر الأزهر علوم مدارس التعليم مقالات مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التعلیم الأزهری التعلیم المدنی من التعلیم فی التعلیم کما أن فی مصر من جهة

إقرأ أيضاً:

أسامة الأزهري يشعل احتفالية المولد النبوي ويعزز وحدة الصف مع شيخ الأزهر

 برز الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، خلال احتفالية وزارة الأوقاف بالمولد النبوي الشريف، التي أقيمت في مركز المنارة للمؤتمرات الدولية بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة، بتصرف استثنائي تجاه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لفت انتباه الحاضرين وأثار إعجابهم. 

هذا الموقف الرمزي القوي عبّر عن احترام وتقدير الأزهري للمكانة الكبيرة التي يحظى بها شيخ الأزهر في قلوب المصريين وفي العالم الإسلامي.

تصرف الدكتور أسامة الأزهري يثير إعجاب الحاضرين

في حضور عدد كبير من كبار المسؤولين ورجال الدولة، وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، لفت الدكتور أسامة الأزهري الأنظار بتصرف غير تقليدي عندما قام بمرافقة شيخ الأزهر من مقعده إلى المنصة لإلقاء كلمته بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. 

ما أن قام الأزهري بحمل الملف الذي يحوي كلمة شيخ الأزهر، حتى تعالت التصفيقات في القاعة تعبيرًا عن إعجاب الحاضرين بهذا التصرف الذي حمل رمزية كبيرة.

استمر التصفيق لعدة دقائق، معبرًا عن تقدير الحاضرين لهذا الموقف، الذي يعكس وحدة الصف بين قيادات المؤسسات الدينية في مصر. 

وبعد انتهاء كلمة شيخ الأزهر، عاد الأزهري مرة أخرى ليصطحبه إلى مقعده، ليقابل الحضور هذا الموقف بعاصفة أخرى من التصفيق الحار، مما يعكس التقدير الكبير الذي يحظى به شيخ الأزهر ودور الأزهري في تعزيز هذا الاحترام.

احتفالية المولد النبوي الشريف: مشهد يعبر عن الوحدة والتكامل

 شهدت الاحتفالية التي نظمتها وزارة الأوقاف بمناسبة المولد النبوي الشريف في القاهرة، حضور عدد كبير من القيادات السياسية والدينية في مصر، من بينهم المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، والمستشار عبدالوهاب عبدالرازق، رئيس مجلس الشيوخ، كما ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمته بهذه المناسبة.

الحدث كان مناسبة لتأكيد الوحدة بين مؤسسات الدولة المصرية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، الذي يمثل رمزًا عالميًا للاعتدال والتسامح الديني. 

وقد شهد الحفل أيضًا عدة فقرات تم خلالها استعراض أهمية المناسبة الروحية التي تذكر المسلمين في كل مكان بالسيرة العطرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وقيم التسامح والمحبة التي حملها رسالته.

موقف الدكتور أسامة الأزهري: تعزيز الروابط بين قيادات الأزهر

في سياق حديثه خلال لقاء سابق مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإخبارية، أكد الدكتور أسامة الأزهري أن توجهه نحو دعم مؤسسة الأزهر الشريف وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، يأتي في إطار رغبة عميقة من الشعب المصري في رؤية وحدة الصف بين المؤسسات الدينية والوطنية. 

أشار الأزهري إلى أن الأزهر الشريف يظل منارة للعلم والدين، وتوحيد الجهود خلفه يعزز من مكانة هذه المؤسسة الدينية العريقة على المستويين المحلي والدولي.

كما أشار الأزهري إلى كتابه "جمهرة أعلام الأزهر"، الذي يوثق سيرة 3000 عالم أزهري، والذي قضى في إعداده نحو 16 عامًا من البحث والعمل. 

هذا الكتاب الذي صدر عن مكتبة الإسكندرية يمثل إسهامًا كبيرًا في الحفاظ على تراث علماء الأزهر، وقد أشار الأزهري إلى الدعم الذي تلقاه من الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، في الوصول إلى الوثائق المهمة في دار الكتب القومية.

دعم الأزهري لشيخ الأزهر: توجه صادق ودعم حقيقي

وخلال حديثه عن دعمه لشيخ الأزهر، أكد الدكتور أسامة الأزهري أن هذا الدعم ليس شكليًا أو مجرد التزام بروتوكولي، بل هو نابع من قناعة حقيقية بأهمية الاصطفاف خلف قيادة الأزهر الشريف. 

وأوضح الأزهري أن الشعب المصري يدرك جيدًا الفرق بين التصرفات الشكلية والدعم الحقيقي، مؤكدًا أن وقوفه خلف فضيلة الإمام الأكبر يعكس إيمانًا عميقًا بأهمية هذه المؤسسة الدينية التي تمثل الهوية الإسلامية المعتدلة في مصر.

مقالات مشابهة

  • اجتماعات حضرها العامري.. الكتل الكوردية تتحد لإلغاء قرارات البعث بشأن الأراضي الزراعية
  • وزير التعليم يكشف عن أسباب إعادة هيكلة الثانوية العامة وتقليل المواد
  • وزير التعليم : لا توجد دولة تدرس لغة إضافية غير مصر
  • وزير التعليم يكشف أسباب هيكلة المرحلة الثانوية العامة بالعام الدراسي الجديد
  • وزير التعليم يكشف سبب إعادة هيكلة الثانوية العامة وتقليل المواد
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • مشيرة خطاب: ندعم وزير التعليم في مساءلته لولي أمر الطالب الذي يحرم من التعليم
  • محجوب فضل بدری: أنقذو عبد الرحيم
  • أسامة الأزهري يشعل احتفالية المولد النبوي ويعزز وحدة الصف مع شيخ الأزهر
  • برنامج تدريبي تثقيفي حول معالم المنهج الأزهري