عربي21:
2024-12-29@05:21:21 GMT

لعبة المفاوضات الأمريكية لإنقاذ إسرائيل

تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT

تشكل المفاوضات إحدى الألعاب الأمريكية للانتقال من الحرب إلى السياسة والتحول من السياسة إلى الحرب، فلا تعدو المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة عن كونها وسيلة سياسية ملازمة للحرب لإنقاذ مشروعها المتداعي في الشرق الأوسط، وحماية حليفتها الوحيدة المدللة في المنطقة، إسرائيل، التي نفذت عمليتي اغتيال متهورتين استهدفتا القائد العسكري الكبير في حزب الله اللبناني فؤاد شكر في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.



ورغم ادعاء واشنطن أنها غاضبة من عملية الاغتيال، ورغم تعبير جو بايدن عن استيائه، إلا أن الولايات المتحدة راسخة في مسعى إنقاذ حليفتها من أي سلوك متهور آخر، إذ تخشى واشنطن من أن تؤدي عمليتا الاغتيال إلى رد فعل انتقامي من قبل إيران وحزب الله يعقبه رد فعل إسرائيلي على رد الفعل الانتقامي، مما يؤدي إلى ضربات متبادلة تقود إلى حرب شاملة في المنطقة يشارك فيها جميع حلفاء إيران من محور المقاومة، وتنجر إليها الولايات المتحدة، وهو ما لا ترغب فيه وتسعى إلى تجنبه وتدرك كلفته العالية، وكارثيته على صعيد الانتخابات وتبخر فرص الإدارة الديمقراطية التي دخلت المرحلة الأخيرة من حملة الانتخابات الرئاسية.

إن الهدف الرئيس للولايات المتحدة بإظهار جدية المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة، وإشاعة أجواء من التفاؤل والتهديد باعتبارها الفرصة الأخيرة، هو محاولة لتأخير هجوم إيران وحزب الله باستهدف إسرائيل أو تأجيله إلى أجل غير مسمى تحت ذريعة ديمومة المفاوضات الجدية، ثم محاولة كبح ومنع وردع إيران من خلال تهديدها، بحيث تصبح المفاوضات لعبة تفضي إلى مخرج من الانزلاق إلى مزيد من التصعيد الإقليمي.

الهدف الرئيس للولايات المتحدة بإظهار جدية المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة، وإشاعة أجواء من التفاؤل والتهديد باعتبارها الفرصة الأخيرة، هو محاولة لتأخير هجوم إيران وحزب الله باستهدف إسرائيل أو تأجيله إلى أجل غير مسمى تحت ذريعة ديمومة المفاوضات الجدية، ثم محاولة كبح ومنع وردع إيران من خلال تهديدها، بحيث تصبح المفاوضات لعبة تفضي إلى مخرج من الانزلاق إلى مزيد من التصعيد
فالرئيس الأمريكي جو بايدن ينظر إلى الاتفاق باعتباره "المفتاح لمنع نشوب حرب إقليمية"، وقال إنه "يتوقع" أن القادة الإيرانيين سوف يؤخرون الضربة أو يؤجلونها إلى أجل غير مسمى إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ولكن نهاية الجولة الأولى من المفاوضات لا تشير إلى تقدم حقيقي، ولا يبدو أن الإغراءات المترافقة مع التهديدات المقدمة إلى إيران كافية لردعها عن تنفيذ ضربة كبيرة لإسرائيل. ولا شك أنه في حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة سوف يؤدي إلى تخفيض حجم الضرية الإيرانية لكنه لن يوقفها، وقد نشهد تكرارا لسيناريو نيسان/ أبريل الماضي.

كان من الواضح منذ البداية أن إيران لن تشن أي هجوم على إسرائيل عقب الإعلان عن مفاوضات جدية، وأنها سوف تنتظر حتى انتهاء فترة مفاوضات الجولة الأولى المتعلقة بوقف إطلاق النار. وقد أعلنت الولايات المتحدة ومصر وقطر في 16 آب/ أغسطس أن مفاوضات وقف إطلاق النار ستستأنف في القاهرة قبل نهاية الأسبوع الحالي، لكن لا أحد يعلم ما إذا كانت إيران ستؤجل هجومها حتى انعقاد الجولة التالية من المفاوضات في القاهرة، فقد قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في 14 آب/ أغسطس: إن "التراجع غير التكتيكي" عن توجيه ضربة انتقامية تستهدف إسرائيل أمر غير مقبول، مما يعني أن التراجع التكتيكي سيكون مقبولا. وحسب بعض التقديرات فإن حزب الله لن ينفذ أي هجمات ضد إسرائيل طالما استمرت مفاوضات وقف إطلاق النار بصورة جدية، لأن الحزب لا يريد أن يُنظر إليه على أنه يقوض احتمالات التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، لكن ذلك لا يعني وقف الهجمات الانتقامية فهي حتمية، ولكن حدتها وشدتها ونطاقها يخضع لحسابات مختلفة.

في حقيقة الأمر تتمتع إيران بخبرة طوبلة في لعبة المفاوضات، وهي تجسد مبدأ "الصبر الاستراتيجي"، وهي تنتظر نتائج المفاوضات بصبر وصمت، بعيدا عن لعبة الكلمات ولغة المشاعر غير المجسدة إلى حقائق ووقائع، إذ تخلق واشنطن أجواء من التفاؤل، ويعرب الوسطاء الأمريكيون والمصريون والقطريون عن تفاؤلهم بشأن محادثات وقف إطلاق النار ومسألة الرهائن، لكن الحقائق أن حماس لم تشارك رسميا في المفاوضات، وقد اختتمت إسرائيل والوسطاء الدوليون يومين من محادثات وقف إطلاق النار في الدوحة، قطر، في 16 آب/ أغسطس. وقدم المسؤولون الأمريكيون "اقتراحا مؤقتا" جديدا لـ"كلا الطرفين" خلال المحادثات، وأصدرت الولايات المتحدة ومصر وقطر بيانا مشتركا في 16 آب/ أغسطس يؤكدون فيه على أن المحادثات كانت "جادة وبنّاءة وتم إجراؤها في أجواء إيجابية".

على النقيض من الحديث عن الأجواء الإيجابية، فإن المحادثات لم تحل أكبر قضيتين متبقيتين؛ تتعلقان بالوجود الإسرائيلي في قطاع غزة أثناء وقف إطلاق النار، وبحسب الوسطاء فإن الخلافات لا تزال قائمة حول استمرار سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وحول إنشاء آلية نقاط تفتيش إسرائيلية بحجة منع مقاتلي المقاومة الفلسطينية من العودة إلى شمال قطاع غزة. وقد دعت حماس مرارا وتكرارا إلى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، بما في ذلك يوم 15 آب/ أغسطس، واعترف مسؤول أمريكي بأن الصفقة الأمريكية "ليست مثالية" لكنها "أفضل صفقة ممكنة في الوقت الحالي يمكن أن تؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى، وتخفيف معاناة شعب غزة وتقليل خطر الحرب الإقليمية".

المحادثات لم تحل أكبر قضيتين متبقيتين؛ تتعلقان بالوجود الإسرائيلي في قطاع غزة أثناء وقف إطلاق النار، وبحسب الوسطاء فإن الخلافات لا تزال قائمة حول استمرار سيطرة إسرائيل على ممر فيلادلفيا على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وحول إنشاء آلية نقاط تفتيش إسرائيلية بحجة منع مقاتلي المقاومة الفلسطينية من العودة إلى شمال قطاع غزة
ولذلك، لم تعترف حماس رسميا بالاقتراح الأمريكي، وأعربت عن استيائها من الاقتراح لأنه يطرح شروطا جديدة، وأصرت حماس على الالتزام بالاقتراح الذي وافقت عليه في الثاني من تموز/ يوليو الماضي. أما إسرائيل فتصر على ما تعتبره مبادئ أساسية أعلنتها يوم 27 أيار/ مايو الماضي، حيث سلّمت إسرائيل ثلاثي الوساطة المكون من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر ومصر مقترحا جديدا، يتضمن استعدادا لمناقشة مطلب حركة حماس بالهدوء المستدام وعدد المحتجزين الأحياء الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى، إضافة إلى بنود متعلقة بالوجود العسكري في محور فيلادلفيا والفحص الأمني للنازحين الفلسطينيين العائدين إلى شمال غزة.

وتطالب حماس الوسطاء بتقديم خطة لتنفيذ ما قبلته في الثاني من تموز/ يوليو الماضي، استنادا إلى رؤية الرئيس الأمريكي، وقرار مجلس الأمن 2735، وإلزام إسرائيل بذلك، بدلا من الدخول في مفاوضات جديدة. وانتقد مصدر قيادي بحركة حماس في حديث للجزيرة المقترح الأمريكي الجديد، وقال إنه يستجيب لشروط الاحتلال ويتماهى معها، وأشار إلى أن الحركة تأكدت مجددا أن الاحتلال لا يريد اتفاقا، ويواصل المراوغة والتعطيل ويتمسك بإضافة شروط جديدة لعرقلة الاتفاق.

لا جدال في أن الولايات المتحدة تسعى إلى إنقاذ إسرائيل من خلال لعبة المفاوضات، لكن إيران وحزب الله ومحور المقاومة وحركة حماس باتت تتوافر على خبرة واسعة في التعامل مع هذه الألعاب، ودون أن يحدث اختراق حقيقي وجدي فالاحتمالات بتوسع الحرب والدخول في مرحلة جديدة من الاستنزاف مسألة حتمية. إذ تواصل إيران التأكيد على تنفيذ ضربة انتقامية خطيرة ضد إسرائيل، وقد نشر حزب الله اللبناني، في 16 آب/ أغسطس، مقطع فيديو يُظهر أحد الأنفاق في شبكة أنفاقه في لبنان، ويظهر تطور قدرات حزب الله، في إشارة إلى ردع إسرائيل عن شن هجوم كبير ضد الحزب في حال الرد الإيراني. وتضمن الفيديو صورا لمقاتلي حزب الله وهم يتواصلون عبر أجهزة الكمبيوتر المحمولة ويقودون دراجات نارية عبر الأنفاق تحت الأرض. ويظهر الفيديو أيضا شاحنات تحمل الصواريخ عبر الأنفاق إلى موقع الإطلاق، وترافق مع صوت من خطاب ألقاه زعيم حزب الله حسن نصر الله عام 2018 بترجمة عبرية وإنجليزية، وقال نصر الله إن قدرات حزب الله المسلحة تعني أنه "إذا فرضت إسرائيل حربا على لبنان، فإن إسرائيل ستواجه مصيرا وواقعا لم تتوقعه".

لم تدخر الولايات المتحدة أي وسيلة الإنقاذ المستعمرة الصهيونية والحفاظ على مشروعها الخاص بالهيمنة في الشرق الأوسط، فالحفاظ على وجود الكيان الإسرائيلي وضمان تفوقه يعد ركيزة رئيسية لديمومة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أصر الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار مساعديه على أن أولويتهم القصوى هي احتواء الحرب ومنع الغزو الإسرائيلي لغزة من الانتشار وتحوله إلى حرب إقليمية، وهو ماض في إمداد إسرائيل بكافة احتياجاتها العسكرية والمالية، ولا يمل من الدفاع عن جرائم الإبادة الجماعية وتغطيتها دبلوماسيا وسياسيا في جميع المحافل الدولية. فعلى مدى أكثر من عشرة أشهر تجنب بايدن المسار الأكثر نجاعة ومباشرة لخفض التصعيد على جميع الجبهات، من خلال التلويح بحجب الإدارة الأمريكية بعض الأسلحة والمساعدات الأمنية الأخرى، ولم يمارس بايدن أي ضغوطات حقيقية على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار، بل إن بايدن يقدم المزيد لإسرائيل والحوافز لنتنياهو.

فحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، قدم بايدن في الأيام العشرة الأخيرة المزيد من الهدايا، إذ فُتحت فجأة جميع "الأختام" التي كانت موجودة على الشحنات والموافقات على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وبدأت طائرات نقل ضخمة تهبط بمعدل طائرتين يوميا في مطار "النبطيم"، إضافة إلى السفن التي تشق طريقها أو الراسية بالفعل عند شواطئ إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، ستعمل الولايات المتحدة على تعزيز قواتها البحرية والجوية المنتشرة في الشرق الأوسط، بطريقة تسمح ليس فقط بإحباط الانتقام الإيراني،تتشارك واشنطن مع تل أبيب الأهداف الاستراتيجية، فالسعي الأمريكي لإنقاذ إسرائيل هو في حقيقته سعي لإنقاذ المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، بعد حالة القلق والشك من فقدان أمريكا نفوذها وهيمنتها التقليدية التاريخية في المنطقة، وخصوصا أن عملية "طوفان الأقصى" جاءت في زمن اللا يقين التفردي الأمريكي وفي ظل تحولات وتحديات جيوسياسية دولية وإقليمية بل ستتيح أيضا للقوات المسلحة الأمريكية مهاجمة حلفاء إيران على الأقل في حال تطور حرب إقليمية، وبشكل أساسي لحماية الجنود والمواطنين الأمريكيين، الذين يتواجد عشرات الآلاف منهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتهدف إدارة بايدن من خلال هذا الدعم إلى إقناع نتنياهو بأنه يستطيع أن يثق بالولايات المتحدة ويظهر قدرا أكبر من المرونة في المفاوضات.

خلاصة القول أن الولايات المتحدة تعمل من خلال المفاوضات على إنقاذ حليفتها المدللة إسرائيل وضمان ديمومة هيمنتها على الشرق الأوسط، إذ تتشارك واشنطن مع تل أبيب الأهداف الاستراتيجية، فالسعي الأمريكي لإنقاذ إسرائيل هو في حقيقته سعي لإنقاذ المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، بعد حالة القلق والشك من فقدان أمريكا نفوذها وهيمنتها التقليدية التاريخية في المنطقة، وخصوصا أن عملية "طوفان الأقصى" جاءت في زمن اللا يقين التفردي الأمريكي وفي ظل تحولات وتحديات جيوسياسية دولية وإقليمية، وظهور إرهاصات نظام دولي يبشر بتعددية قطبية.

فقد حلت عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في لحظة تاريخية كانت الطموحات الأمريكية والإسرائيلية جامحة بإعادة بناء الشرق الأوسط في ظل هيمنة إمبريالية أمريكية تقوده المستعمرة الصهيونية، ويقوم على تصفية القضية الفلسطينية وبناء تحالف مع الأنظمة الاستبدادية العربية في إطار "الاتفاقات الإبراهيمية" بأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية.

فإسرائيل لا تعدو عن كونها قاعدة عسكرية أمريكية غربية في المنطقة العربية، وقد حرصت الولايات المتحدة منذ تدخلها في المنطقة على ضمان أمن إسرائيل وتفوقها على المنطقة، ومارست ضغوطات شتى على كافة دول الشرق الأوسط لإدماج المستعمرة الصهيونية وطبعنة وجودها دون تقديم أي حلول عادلة للقضية الفلسطينية، لكن التطورات هذه المرة بذهاب المنطقة إلى شفير الهاوية لا تنقذه لعبة المفاوضات وخداع الكلمات، وشراء الوقت، ولذلك فإن الولايات المتحدة تمارس المزيد من الضغوطات على دول المنطقة التي لم تعد تحتملها وهي توشك على الانفجار، ودون تحقيق وقف لحرب الإبادة في غزة، والذهاب إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، فإن شعوب المنطقة ستنفجر في وجه القبح الإمبريالي الأمريكي والاستعماري الصهيوني والاستبدادي العربي.

x.com/hasanabuhanya

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المفاوضات حماس غزة نتنياهو امريكا حماس غزة نتنياهو مفاوضات مقالات مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف إطلاق النار فی الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط إیران وحزب الله فی المنطقة قطاع غزة حزب الله من خلال فی 16 آب فی غزة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل ترفض الانسحاب.. فهل تمدد مهلة وقف إطلاق النار شهرين إضافيين؟

يلتزم "حزب الله" اتفاق وقف إطلاق النار وكأن هناك قرارا بعدم الانجرار خلف الاستفزازات الاسرائيلية التي لم تتوقف رغم اتفاق وقف إطلاق النار الساري المفعول منذ 27 تشرين الثاني الماضي، حيث تمارس المقاومة سياسة ضبط النفس حتى الساعة ولم تستدرج إلى ما يريده الجيش الإسرائيلي الذي يخطط للبقاء جنوباً بحسب وسائل إعلامه، بعد انقضاء مهلة 60 يوماً المحددة في الاتفاق. فهو يتعمد التباطؤ في الإنسحاب من القرى والبلدات المتواجد فيها وتسليم الأرض والأمن للجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان اليونيفيل، متذرعاً بأن الجيش يؤخر تمركزه في الجنوب ولم يسحب بعد سلاح حزب الله من جنوب الليطاني. وهدد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس لبنان بالقول:" الجيش الإسرائيلي سيدمر حزب الله في حال لم ينسحب من جنوب الليطاني"، وهذا يؤشر إلى أن إسرائيل تراوغ في مكان ما في محاولة لتثبيت وجودها كاحتلال دائم في جنوب لبنان، وسط معلومات تشير إلى أن الإدارة الأميركية لا تضغط على إسرإئيل لإنجاز الانسحاب وانتشار الجيش اللبناني.


يعمد الجيش الإسرائيلي إلى خرق دائم لوقف إطلاق النار بالقيام بغارات جوية في الداخل اللبناني كما حصل في 25 كانون الاول الحالي فجراً عندما شن غارة جوية على طاريا غرب بعلبك لزعمه وجود مستودع ذخيرة لحزب الله. كما يقوم جيش العدو بقصف القرى وتدمير المنازل مثلما حصل ويحصل في كفركلا ومارون الراس ويارون وسواها من القرى. إضافة إلى توغل قواته في المناطق التي لم يستطع دخولها خلال المعارك مع المقاومة.

في هذا المنحى قام الجيش الإسرائيلي بالتوغل امس في محور الطيبة- عدشيت- القصير- القنطرة- وادي الحجير اولا بهدف الوصول إلى مقطع الليطاني حيث فشل سابقاً، وثانياً في عملية استفزاز للمقاومة لجرها إلى القتال من جديد واتهامها بخرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه نتنياهو مرغماً، فلبنان يريد وقف إطلاق النار فيما نتنياهو يريد الاستثمار بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا وتبدل الوضع الجيوسياسي في المنطقة ككل، لفرض أمر واقع جديد على لبنان بالبقاء في المناطق التي احتلها جيشه وإقامة منطقة عازلة تسمح بعودة المستوطنين النازحين إلى مستوطنات الشمال بأمان وسلام أكثر من ذي قبل، على حد اعتقاده.

ولذلك، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال اجتماعه اللجنة التقنية لمراقبة وقف إطلاق النار في الجنوب حاسماً لجهة ضرورة أن تضغط اللجنة على إسرائيل لتنفيذ بنود التفاهم وأبرزها الانسحاب من المناطق المحتلة ووقف الخروقات لا سيما وأن لبنان ملتزم ببنود التفاهم فيما تواصل إسرائيل خروقاتها وهذا أمر غير مقبول.

إن ما يقوم به جيش العدو الإسرائيلي من غارات جوية وتوغل بري، هو، بحسب ما يؤكد العميد شربل ابو زيد، مخالف لاتفاق وقف إطلاق النار بالواسطة بين لبنان وإسرائيل، والذي اعتبر آلية تنفيذية للقرار الدولي 1701، ما يثبت أن إسرائيل تضرب بعرض الحائط الإتفاقات الدولية وتخرق الإتفاقات بالواسطة حتى لو كانت أميركية، علماً أن الجيش يقوم بتعزيز مواقعه وانتشاره حيث يحاول جيش العدو التوغل ويقوم بمتابعة الوضع المستجد على الأرض مع اللجنة الخماسية المشرفة على وقف إطلاق النار واليونيفيل منعاً لتفاقم الأمور ووصولها إلى حد التصادم بين الجيش وقوات العدو، أو عودة الإقتتال بين العدو والمقاومة، الأمر الذي حدا باليونيفيل بأن تطلب من جيش العدو الإسرائيلي تسريع عملية الانسحاب لوقف كل ذلك. كذلك قدمت الحكومة عبر وزارة الخارجية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي عن خروقات العدو المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 لأكثر من 825 خرقا واعتداء برياً وجوياً منذ 27 تشرين الثاني ولغاية اليوم، ما يمثل تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار في المنطقة.

وفيما يزور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبنان في 6 كانون الثاني المقبل، تتحدث أوساط عن أن تعثر الإنسحاب الأسرائيلي قد يدفع به إلى طلب تمديد فترة الانسحاب مدة شهرين إضافيين، في حين أن أوساطاً أخرى تحدثت عن أن هدف الزيارة هو الدفع قدماً لانتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من الشهر المقبل حيث أن هوكشتاين ما زال موفداً رئاسياً للرئيس الاميركي جو بايدن الذي يريد للبنان أن يكون له رئيس قبل تسليمه السلطة لخلفه دونالد ترامب الذي يريد تأجيل الموضوع إلى ما بعد دخوله البيت الأبيض.

ومن المفترض، وفق المعلومات، أن يرأس هوكشتاين اجتماعاً لهيئة الرقابة في مقر قيادة اليونيفيل في الناقورة لتقييم الوضع في الجنوب، فضلا عن أن مسألة السلاح في شمال الليطاني سوف تتوضح خلال اجتماعه ورئيس المجلس النيابي في ضوء تسليط بعض الفرقاء في الداخل الضوء على هذا الأمر واعتباره أن الاتفاق ينص على ذلك.

الأساس، بحسب الجنرال أبو زيد، هو أن لبنان يريد تثبيت وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، كمدخل لإعادة تشكيل السلطة عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تنأى بلبنان عن أتون النار المشتعل في المنطقة ككل، وبما أن الملفين مرتبطان ببعضهما البعض لا بد من محاولة أخيرة لهوكشتاين يعمد خلالها إلى حلحلة الأمور بدءًا بالضغط على كل الأطراف وتقديم ضمانات مؤكدة تسهّل الإنسحاب الإسرائيلي وتمركز الجيش جنوب الليطاني، وفي حال الإخفاق تمديد مهلة وقف إطلاق النار شهرين إضافيين ما يتيح للرئيس المقبل دونالد ترامب التدخل بحسب رؤيته على ما جاء في تصريح مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط مسعد بولس عن أن لا مانع من تأخير انتخاب الرئيس مهلة شهرين ريثما تتبلور الأمور اكثر. وحيث أن عملية انتخاب الرئيس متعثرة إلى الآن قد يوافق لبنان، بحسب ابو زيد، على تمديد فترة وقف اطلاق النار لمدة شهرين ما يعني إفساح المجال أمام الدبلوماسية وقطعاً للطريق أمام عودة القتال الأمر الذي يسعى العدو إليه مع تبدل المشهد الإقليمي بسقوط سوريا.

أمام كل ذلك، يبقى قرار وقف إطلاق النار، كما يقول الجنرال ابو زيد، الوسيلة الوحيدة المتوافرة لتطبيق القرار الأممي 1701 وقطع الطريق على العدو الإسرائيلي بالعودة للقتال لتحقيق مآربه، وعليه فإن لبنان الرسمي والمقاومة يتعاطىون مع هذا القرار بكثير من الحكمة والتبصر وعدم الإنجرار وراء مخططات إسرائيل وأطماعها التوسعية. من هذا المنطلق يعوّل لبنان على المجتمع الدولي بالرغم من ضعف امكانياته مؤخراً أمام إسرائيل ومن وراءها، لأن الخيار الآخر يعني عودة المعارك التي يمكن أن تتفلت من عقالها بسبب تبدل الأوضاع اقليمياً لتصبح دون سقوف أو ضوابط ما قد يستدرج الجميع إلى حرب إقليمية طالما حاول المجتمع الدولي تجنبها.
  المصدر: خاص لبنان24

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في يد أمريكا
  • بيانٌ من الجيش عن توغلات إسرائيل في الجنوب.. إقرأوا ما أعلنه
  • إسرائيل ترتكب 8 خروقات جديدة بوقف إطلاق النار مع لبنان
  • ميقاتي: لم نُبلغ بنية إسرائيل التراجع عن الانسحاب من جنوب لبنان  
  • صحف عالمية: إسرائيل تعزز انتهاكاتها لوقف إطلاق النار في لبنان
  • إسرائيل تقصف شرق لبنان ومعبرا حدوديا مع سوريا
  • ميقاتي: لبنان لم يُبلغ أي طرف بموقف إسرائيل بعد انقضاء الهدنة
  • إسرائيل ترفض الانسحاب.. فهل تمدد مهلة وقف إطلاق النار شهرين إضافيين؟
  • صحف عالمية: إسرائيل تحاول تغيير المنطقة لكن الأمر ليس سهلا
  • الجيش اللبناني: إسرائيل تتمادى في خرق اتفاق وقف إطلاق النار