ألسنة أصيلة وعرب منسيون.. مسارات انتشار العربية لغة أفريقية وآسيوية
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
من جزيرة العرب جاء العرب قديمًا وحطّوا رحالهم في مساحة شاسعة، امتدت عبر الهند ووسط آسيا وشبه الجزيرة الإيبيرية (جنوب غرب أوروبا)، وفي المشرق العربي والشمال الأفريقي بطبيعة الحال.
زرع رجال الجزيرة اللغة العربية في البلاد الجديدة التي وصلوا إليها، ولم يدمّروا ثقافات البلاد التي فتحوها، كما كان مصير حضارات أخرى اكتسحتها جيوش الغزاة المنتصرة، بل حافظوا على هذه الثقافات واستوعبوها وتأثروا بها، لتشكّل حضارة جديدة أفادت البشرية قرونًا.
كانت اللغة العربية واحدة مما حمله رجال جزيرة العرب إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا على حد سواء، فقبْل الفتح الإسلامي كان هذا اللسان الساميّ لغة ثرية من الشِّعر في أرض قاحلة تطورت فيها مفردات هائلة، جعلت لعرب الصحراء كلمات كثيرة، ومخزونًا هائلًا من المفردات لا يصعب معه التعبير، ولم يواجه الشعراء أي مشكلة في استخدام المجاز والتعابير البلاغية.
لسان الصحراءبين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين، كانت اللغة العربية لغة أساسية للعلوم والمعارف، وأسهم المتعلمون الجدد للسان العربي في صياغة علوم اللغة ونشرها.
ومع انحسار العرب وتراجعهم عن تولي أمور الحكم والإدارة، بقيت اللغة العربية لغة أغلب الشمال الأفريقي والجزيرة العربية والشام والعراق، وظلّت لغة واسعة الانتشار حتى خارج البلاد التي عدّتها لغة رسمية.
يوجد العرب والناطقون بالعربية -حاليًا- في مدن ذات غالبية عربية، في أجزاء مختلفة من قارتي آسيا وأفريقيا، وفي بلدان مجاورة للوطن العربي؛ مثل: تركيا وإيران وإريتريا وتشاد وغيرها.
عرب تركيا وإيرانيوجد عرب الأناضول في مناطق مختلفة من جنوب تركيا الحالية ووسطها وجنوب شرقها، ويعدّ وجودهم فيها قديم نسبيًا، ويتوزَّع عرب تركيا في مناطق: أنطاكية وأضنة وماردين وعنتاب ومرسين وأورفا وغيرها.
ويتحدث عرب الأناضول لهجات الجزيرة الفراتية العربية فيما بينهم وفي بيوتهم ومع أقاربهم، بينما يتكلمون التركية -أيضًا- في التعليم والعمل والمعاملات الرسمية.
ويُلاحظ أن بعض عرب الأناضول لا يجيدون الكتابة والقراءة بالعربية، لكنهم يجيدون الحديث الشفوي بها. ويبلغ نسبة العرب في مدينة ماردين وأورفا وسيرت أكثر من 40%، وهم يتكلمون اللهجة الماردلية القريبة من لهجة الموصل العراقية.
ومن شرق تركيا إلى غرب إيران المحاذية لها، يعيش عرب مناطق خوزستان، الإقليم الغني بالنفط جنوب غربي إيران وعاصمته الأحواز.
ولم يبدأ الوجود العربي في بلاد فارس بالفتح الإسلامي عام 633 من الميلاد، فعلى مدى قرون كان الحكام الفرس على اتصال بجيرانهم العرب، خاصة في مناطق شمال الجزيرة العربية وجنوبها، وقد استقرت قبائل عربية لاحقًا في أجزاء مختلفة من الهضبة الإيرانية.
ويتحدث عرب إيران لهجات قريبة من لهجة الجزيرة الفراتية التي تشبه لهجة الموصل وعرب الأناضول أيضًا.
عرب القارة السمراءوفي القارة السمراء، يوجد الكثير من العرب ممن لا يعيشون في بلاد الشمال الأفريقي العربي؛ ففي إريتريا يتحدث العرب بلهجة مميزة.
وتعدّ لهجة عرب إريتريا وإثيوبيا مزيجًا بين لهجتي السودان واليمن. وإلى جانب كلمات من اللغات المحلية الأمهرية، توجد في البلدين إذاعات وقنوات تلفاز باللغة العربية، التي تعدّ لغة رسمية -أيضًا- في إثيوبيا، فضلًا عن أقسام اللغة العربية في الجامعات.
وتعدّ قبائل الرشايدة أكبر تجمّع يتحدث العربية في إريتريا، ويُقدّر عددهم بمئة ألف نسمة من بين عدد السكان البالغ 4.79 ملايين، وفقًا للإحصاء الحكومي في 2011.
ورغم أن العربية ارتبط وجودها بالإسلام في أثيوبيا، لكن ثمة دلائل على أنها كانت لسانًا حبشيًا قديمًا حتى قبل وصول الإسلام للشرق الأفريقي
وكان العرب -بحلول القرن العاشر الميلادي- قد أقاموا مستوطنات تجارية على الساحل الشرقي لأفريقيا بدعم من سلطنة مسقط، واختلطوا بسكان هذه المناطق، فتأسست مجتمعات عربية أفريقية، وتطورت لغة وثقافة سواحلية نتيجة لذلك الاختلاط.
وفي وادي النيل، تأسست مجتمعات عربية أفريقية كذلك نتيجة تزاوج العرب مع أفارقة من مناطق السودان وبلاد النيل. وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، اختلط التجار العرب الذين عملوا في تجارة العاج وسط أفريقيا مع سكان مناطق الصحراء الكبرى.
وتعدّ مدينة هرر في شرقي إثيوبيا أكبر مدينة إثيوبية تضم عربًا بين سكانها رغم أنهم ليسوا أغلبية، إذ توجد فيها قبائل عربية كثيرة، كما توجد كذلك أقلية عربية في منطقة أوغادين ذات الغالبية المسلمة (المتنازع عليها بين إثيوبيا والصومال).
واللغة العربية هي أوسع اللغات انتشارًا في تشاد، وهي لغة رسمية يتحدث بها التشاديون بطلاقة، إذ يوجد في دولة تشاد أكثر من 120 لهجة محلية محكية، لكن الدستور يعترف باللغتين: العربية والفرنسية فقط لغتين رسميتين.
ويتلكم اللهجة التشادية أكثر من مليون شخص في تشاد، ويتحدث بها -أيضًا- أقليات في الكاميرون ونيجيريا والنيجر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
ويوجد قرابة 10-12% من السكان الناطقين بالعربية في السنغال، ونسبة أقلّ في مالي ونيجيريا، وهي لا تشكّل أغلبية في أي أقاليم هذه البلاد ومدنها.
وفي النيجر -التي تتصدّر عناوين الأخبار حاليًا- يُطلق على قبائل البدو العرب في شرق البلاد "عرب ديفا"، ويُعرفون -كذلك- باسم عرب المحاميد، نسبة للعشائر العربية نفسها الموجودة في السودان وتشاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اللغة العربیة العربیة فی عربیة فی
إقرأ أيضاً:
الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
مقاتلات إسرائيلية (سي إن إن)
في تطور جديد يثير العديد من التساؤلات، كشف مسؤول أمريكي نهاية الأسبوع الماضي عن دعم لوجستي واستشاري قدمته الإمارات العربية المتحدة للجيش الأمريكي في حملة القصف التي شنتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ضد اليمن في منتصف شهر مارس 2025.
التقرير، الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الخميس، أوضح أن الإمارات كانت تقدم دعماً حيوياً عبر الاستشارات العسكرية والمساعدات اللوجستية ضمن العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
اقرأ أيضاً ترامب يعترف بفشل عسكري مدوٍ في اليمن.. والشامي يكشف تفاصيل الفضيحة 5 أبريل، 2025 صنعاء ترفض عرضا سعوديا جديدا بوساطة إيرانية.. تفاصيل العرض 5 أبريل، 2025وأضاف التقرير أن البنتاغون قد قام بنقل منظومتي الدفاع الجوي "باتريوت" و"ثاد" إلى بعض الدول العربية التي تشعر بالقلق إزاء التصعيد العسكري للحوثيين في المنطقة.
وبحسب المسؤول الأمريكي، هذا التعاون الإماراتي مع الولايات المتحدة يأتي في سياق تعزيز القدرات الدفاعية للدول العربية ضد التهديدات الإيرانية، وفي إطار الاستجابة للمخاوف الإقليمية من الحوثيين المدعومين من إيران.
من جهته، وجه قائد حركة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، تحذيرات قوية للدول العربية والدول المجاورة في إفريقيا من التورط في دعم العمليات الأمريكية في اليمن، مؤكداً أن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الحملة قد يؤدي إلى دعم إسرائيل.
وقال الحوثي في تصريحات له، إن أي دعم لوجستي أو مالي يُقدّم للجيش الأمريكي أو السماح له باستخدام القواعد العسكرية في تلك الدول سيُعتبر تورطًا غير مبرر في الحرب ضد اليمن، ويهدد الأمن القومي لهذه الدول.
وأوضح الحوثي أن التورط مع أمريكا في هذا السياق قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة في الصراع، ويزيد من تعقيد الأوضاع الإقليمية، داعياً الدول العربية إلى اتخاذ موقف موحد يعزز من استقرار المنطقة ويمنع تدخلات القوى الأجنبية التي لا تصب في صالح الشعوب العربية.
هل يتسارع التورط العربي في حرب اليمن؟:
في ظل هذا السياق، يُثير التعاون الإماراتي مع الولايات المتحدة في الحرب ضد اليمن مخاوف كبيرة من تصعيدات إقليمية ودولية. فالتعاون العسكري اللوجستي مع أمريكا في هذه الحرب قد يُعتبر خطوة نحو تورط أعمق في صراعات منطقة الشرق الأوسط، ويُخشى أن يفتح الباب أمام تداعيات سلبية على العلاقات العربية وعلى الاستقرار الأمني في المنطقة.
تستمر التطورات في اليمن في إثارة الجدل بين القوى الإقليمية والدولية، ويبدو أن الحملة العسكرية الأمريكية المدعومة من بعض الدول العربية قد لا تكون بدايةً النهاية لهذه الحرب، بل قد تكون نقطة انطلاق لتحديات جديدة قد تزيد من تعقيد الوضع الإقليمي بشكل أكبر.