مع كل جولة جديدة من المحادثات، يضع الجيش، ذرائع مختلفة تعرقل استئناف التفاوض مع الدعم السريع. فمع بداية جهود الوساطة الأمريكية لوقف اطلاق النار، والتي انطلقت في 14 أغسطس في العاصمة السويسرية جنيف، أصر الجيش على أن تكون مشاركته باسم الحكومة السودانية، وليس كقوات مسلحة

كمبالا: التغيير: تقرير

مع اشتداد المعارك الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف ابريل 2023م  هناك معارك أخرى تُخاض على طاولات المفاوضات في عدة عواصم اقليمية ودولية، إلا ان العقبات لا تزال قائمة، ففي الوقت الذي تسعى فيه، قوات الدعم السريع لاستغلال مكاسبها الميدانية في بعض المناطق، يصر الجيش  على موقفه، متمسكًا بلاءاته للانخراط في التفاوض على رأسها انسحاب قوات حميدتي من المدن والاعيان المدنية.

ذرائع مختلفة

مع كل جولة جديدة من المحادثات، يضع الجيش، ذرائع مختلفة تعرقل استئناف التفاوض مع الدعم السريع. فمع بداية جهود الوساطة الأمريكية لوقف اطلاق النار، والتي انطلقت في 14 أغسطس في العاصمة السويسرية جنيف، أصر الجيش على أن تكون مشاركته باسم الحكومة السودانية، وليس كقوات مسلحة، مما يشير إلى رغبته في الحصول على الشرعية الرسمية والتفاوض من موقع قوة.

بالإضافة إلى هذا الشرط، طالب بإنهاء حصار الفاشر، ووقف الهجمات على المدنيين والخروج من منازلهم، ووقف تدمير المنشآت المدنية، هذا المطلب يعكس محاولة الجيش للظهور كمدافع عن المدنيين وضامن للاستقرار، مقابل قوات الدعم السريع التي يتهمها بارتكاب انتهاكات ضد المواطنين.

كما أن رفض الجيش إشراك أبوظبي كمراقب في المحادثات، بحجة دعمها لقوات الدعم السريع، يظهر تخوفًا من التأثيرات الخارجية التي قد تصب في مصلحة خصومه. ورفضه لوجود أي مراقبين أو مسهّلين جدد يمكن تفسيره كجزء من استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على السيطرة على عملية التفاوض ومنع أي تدخلات قد تغير موازين القوى.

من جانب آخر، يعتمد الجيش على رواية الانتهاكات التي تُنسب لقوات الدعم السريع، مثل القتل والاغتصاب، كذريعة لرفض التفاوض.

تحليل هذه المواقف، حسب مراقبين، يشير إلى أن الجيش يسعى لتعزيز موقعه التفاوضي من خلال استخدام هذه الذرائع، سواء كانت تلك المتعلقة بالشرعية السياسية أو حماية المدنيين، أو من خلال استغلال مزاعم الانتهاكات كوسيلة ضغط.

حكومة غير شرعية

شهاب إبراهيم، القيادي في تنسيقية القوى المدنية السياسية الديمقراطية (تقدم)، اعتبر أن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان تفتقر إلى أي أساس قانوني يمنحها حق المشاركة في مفاوضات جنيف، مشددًا على أن شرعيتها انتهت بعد انهيار الوثيقة الدستورية التوافقية التي كانت تضم المكونات الثلاثة: العسكر، القوى المدنية، والجبهة الثورية.

وراي ابراهيم أن انقلاب 25 أكتوبر 2021 قضى على وجود أي حكومة مدنية، وأن منصة جدة للتفاوض حددت بوضوح أن طرفي النزاع الرئيسيين، المعنيين بوقف إطلاق النار، هما القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وليس الحكومة. وأضاف في حديثه لصحيفة “التغيير” أن المجتمع الدولي قد حسم مسألة تحديد الأطراف المتنازعة، الذين ينبغي أن يجلسوا إلى طاولة التفاوض، مؤكدًا أنه لا يوجد مبرر لشرعية حكومة الأمر الواقع التي منحت نفسها صلاحيات الدولة. وخلص إلى أن الطرفين المتحاربين، هما فقط من يجب أن يشارك في المفاوضات بصفتهم الأطراف الرئيسية في الصراع.

دوافع منطقية

ودافع المتخصص في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية والتخطيط الإستراتيجي، راشد محمد علي الشيخ، عن حجج القوات المسلحة في رفض المحادثات، وقال :  من غير المقبول التفاوض في ظل الاعتداءات التي تمارسها قوات الدعم السريع على المدنيين، واشار إلى أن هذه الانتهاكات تهدف إلى الضغط على القوات المسلحة للقبول بالتفاوض. وأضاف أن قوات الدعم السريع هي التي بدأت الهجوم على الجيش مما أجبر، الأخير، على خوض الحرب.

واوضح الخبير في السياسة الخارجية، أن منبر جنيف جاء نتيجة ضغوط سياسية دولية بعد فشل جميع المبادرات السابقة في وقف القتال، واشار في مقابلة مع (التغيير) إلى أن الصراع العسكري في السودان يتركز بين الدعم السريع والقوات المسلحة. وراى أن تعامل، الاول، مع المدنيين، كما لو كانوا قوة عسكرية، يشكل خرقًا خطيرًا في التعامل مع المدنيين أثناء الحرب، وهو انتهاك واضح للقانون الدولي، مما يستدعي ضرورة إنهاء هذا النزاع.

وأوضح الشيخ أن اتفاق جدة في مايو 2023 لم يُنفذ من قبل الدعم السريع، وأن الوسطاء لم يتمكنوا من إجباره على الالتزام بالاتفاق. نتيجة لذلك، توسعت الحرب جغرافيًا وزادت الانتهاكات، مما ساهم في فضح قوى سياسية ودول خارجية تساند هذه القوات وتدعمها.

كما لفت الانتباه إلى أن منبر جنيف، الذي دعت له واشنطن والرياض، يعكس اهتمامًا متزايدًا بالإقليم، خاصة في ظل التحركات التي تقوم بها دول مثل روسيا، الصين، إيران، وتركيا نحو السودان. واعتقد الشيخ أن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة هذا الوضع المتغير.

تحفظات لاتحمل وزنًا

في نقده للأعذار المقدمة من الجيش، وصف استاذ العلوم السياسية محمد إبراهيم كباشي، تلك الذرائع بالمردودة، وقال : تحفظات الجيش على بعض المواقف الدولية لا تحمل وزنًا كبيرًا، حيث أن التبريرات المقدمة لا تدعمها أي معطيات قوية،  واوضح ان الجيش شارك في مفاوضات جدة 1 و2 ومنبر المنامة، رغم أن انتهاكات قوات الدعم السريع مثل القتل والاغتصاب كانت في ذروتها خلال تلك الفترة. ومع ذلك، لم يرفض إجراء المفاوضات، بل جلس مع  الدعم السريع على طاولة الحوار.

الشرط الثاني المتعلق بخروج قوات الدعم السريع من الأعيان اعتبره كباشي، مسألة ذات طابع عاطفي فقط، لان الواقع يشير إلى أن المؤسسة العسكرية قد تأثرت بشكل كبير، حيث تم ابتلاع أجزاء منها، واوضح بان ذلك يثير التساؤلات حول كيفية تنفيذ الخروج من منازل المدنيين؟ هل عبر إعلان رسمي فقط، أم يتطلب الأمر إجراءات ملموسة على الأرض تشمل جوانب فنية وآليات مراقبة وردع وعمليات تقييم دقيقة؟

وقال استاذ العلوم السياسية في افادته (للتغيير): من الضروري طرح مسألة تعويض المواطنين على طاولة التفاوض كحق أساسي، كما يتعين تحديد شروط واضحة لخروج الدعم السريع منها، وإنشاء لجان لتقييم حجم الأضرار في المنازل وتحديد كيفية تعويض المتضررين من قبل الدعم السريع اوالمسهلين، ولفت إلى ان طرح  هذه النقاط في طاولة التفاوض،  يمكن أن يعزز موقف الحيش ويحقق نتائج إيجابية.

اما تحفظات القوات المسلحة على دخول شركاء جدد في العملية التفاوضية مثل مصر والإمارات والإيغاد فهي تبدو غير منطقية،  من وجهة نظر كباشي، لأن الجيش لديه بالفعل تواصل مع هذه الأطراف. فالقاهرة تُعد حليفًا قريبًا له، وابوظبي كانت جزءًا من مبادرة المنامة، بينما كان هناك تواصل مع  الإيغاد، وعواصم دولها، كمبالا وجيبوتي، وجاء رئيس الوزراء الاثيوبي. أبي أحمد إلى بورتسودان أيضًا كجزء من الجهود الدبلوماسية.

واضاف كباشي:  حتى على الصعيد الدبلوماسي، لم تقطع حكومة بورتسودان علاقاتها بهذه الأطراف. وبالنظر إلى ذلك، رأي ان التحفظات على مشاركة هذه الجهات لا يبدو أنها تستند إلى أسس قوية، مما يكشف عن حالة من التباين والغليان ا داخل المؤسسة العسكرية وعدم وجود توازن في المصالح.

وشدد كباشي على ضرورة، أن يلعب الرأي العام، دورًا في العملية التفاوضية وليس فقط الأبعاد السياسية والأمنية. وأن يتبني الجيش مقاربة موضوعية تعالج بين مطالبه السياسية واحتياجات المجتمع، وان يعيد ترتيب أولوياته واستراتيجيته، لأن التردد وعدم الاستجابة قد يضع أصدقاءه في مواقف محرجة

كباشي نوه ايضا إلى أن غياب الجيش عن المفاوضات يعزز من شرعية الأطراف الأخرى، وراي  إن الجيش يحتاج إلى التفكير بطريقة جديدة والتخلي عن الحجج غير المجدية، وقلب الطاولة باشتراط تذوبب قوات الدعم السريع والحلو وعبد الواحد، في المؤسسة العسكرية واضاف:  إذا لم يرسم الجيش مستقبل مؤسسته بشكل استراتيجي فهو يتيح لآخرين رسمه، وأكد على أهمية استحضار الدروس من التجارب السابقة في دول مثل العراق واليمن.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

القوة المشتركة والجيش يصدون لعناصر من قوات الدعم السريع بعد محاولتهم الهروب من ولاية الجزيرة

قالت مصادر محلية للجزيرة بأن القوة المشتركة والجيش يصدون لعناصر من قوات الدعم السريع بالمحور الشرقي بعد محاولتهم الهروب من ولاية الجزيرة.الجزيرة – السودانإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأميركي للسودان: نشعر بقلق بالغ إزاء تجدد هجمات قوات الدعم السريع
  • القوة المشتركة والجيش يصدون لعناصر من قوات الدعم السريع بعد محاولتهم الهروب من ولاية الجزيرة
  • المحقق يكشف تفاصيل الصفقة التي يلفها الغموض: الدعم السريع باع سراب جبل عامر لحكومة حمدوك
  • قوات الدعم السريع ترحب بتمديد مهمة لجنة تقصي الحقائق الأممية وتدعو اللجنة لزيارة المناطق التي تسيطر عليها
  • الجيش السوداني يعلن تدمير آليات لقوات الدعم السريع بالفاشر
  • مرصد أم القرى: معارك مرتقبة بين الجيش والدعم السريع في شرق الجزيرة
  • المبعوث الأمريكي للسودان: بعض القوى تتدخل لإطالة أمد الحرب بين الجيش والدعم السريع
  • الجيش والدعم السريع يتبادلان القصف وقرار أممي ضد السودان
  • الحكم بالإعدام شنقا لاحد معاوني قوات الدعم السريع
  • قصف متبادل بين الجيش السوداني والدعم السريع بالفاشر وإصابة مدنيّيْن في أم درمان