حجج الجيش لرفض التفاوض: تحليل التعثر والتعقيدات
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
مع كل جولة جديدة من المحادثات، يضع الجيش، ذرائع مختلفة تعرقل استئناف التفاوض مع الدعم السريع. فمع بداية جهود الوساطة الأمريكية لوقف اطلاق النار، والتي انطلقت في 14 أغسطس في العاصمة السويسرية جنيف، أصر الجيش على أن تكون مشاركته باسم الحكومة السودانية، وليس كقوات مسلحة
كمبالا: التغيير: تقرير
مع اشتداد المعارك الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، منذ منتصف ابريل 2023م هناك معارك أخرى تُخاض على طاولات المفاوضات في عدة عواصم اقليمية ودولية، إلا ان العقبات لا تزال قائمة، ففي الوقت الذي تسعى فيه، قوات الدعم السريع لاستغلال مكاسبها الميدانية في بعض المناطق، يصر الجيش على موقفه، متمسكًا بلاءاته للانخراط في التفاوض على رأسها انسحاب قوات حميدتي من المدن والاعيان المدنية.
ذرائع مختلفة
مع كل جولة جديدة من المحادثات، يضع الجيش، ذرائع مختلفة تعرقل استئناف التفاوض مع الدعم السريع. فمع بداية جهود الوساطة الأمريكية لوقف اطلاق النار، والتي انطلقت في 14 أغسطس في العاصمة السويسرية جنيف، أصر الجيش على أن تكون مشاركته باسم الحكومة السودانية، وليس كقوات مسلحة، مما يشير إلى رغبته في الحصول على الشرعية الرسمية والتفاوض من موقع قوة.
بالإضافة إلى هذا الشرط، طالب بإنهاء حصار الفاشر، ووقف الهجمات على المدنيين والخروج من منازلهم، ووقف تدمير المنشآت المدنية، هذا المطلب يعكس محاولة الجيش للظهور كمدافع عن المدنيين وضامن للاستقرار، مقابل قوات الدعم السريع التي يتهمها بارتكاب انتهاكات ضد المواطنين.
كما أن رفض الجيش إشراك أبوظبي كمراقب في المحادثات، بحجة دعمها لقوات الدعم السريع، يظهر تخوفًا من التأثيرات الخارجية التي قد تصب في مصلحة خصومه. ورفضه لوجود أي مراقبين أو مسهّلين جدد يمكن تفسيره كجزء من استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على السيطرة على عملية التفاوض ومنع أي تدخلات قد تغير موازين القوى.
من جانب آخر، يعتمد الجيش على رواية الانتهاكات التي تُنسب لقوات الدعم السريع، مثل القتل والاغتصاب، كذريعة لرفض التفاوض.
تحليل هذه المواقف، حسب مراقبين، يشير إلى أن الجيش يسعى لتعزيز موقعه التفاوضي من خلال استخدام هذه الذرائع، سواء كانت تلك المتعلقة بالشرعية السياسية أو حماية المدنيين، أو من خلال استغلال مزاعم الانتهاكات كوسيلة ضغط.
حكومة غير شرعية
شهاب إبراهيم، القيادي في تنسيقية القوى المدنية السياسية الديمقراطية (تقدم)، اعتبر أن حكومة الأمر الواقع في بورتسودان تفتقر إلى أي أساس قانوني يمنحها حق المشاركة في مفاوضات جنيف، مشددًا على أن شرعيتها انتهت بعد انهيار الوثيقة الدستورية التوافقية التي كانت تضم المكونات الثلاثة: العسكر، القوى المدنية، والجبهة الثورية.
وراي ابراهيم أن انقلاب 25 أكتوبر 2021 قضى على وجود أي حكومة مدنية، وأن منصة جدة للتفاوض حددت بوضوح أن طرفي النزاع الرئيسيين، المعنيين بوقف إطلاق النار، هما القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وليس الحكومة. وأضاف في حديثه لصحيفة “التغيير” أن المجتمع الدولي قد حسم مسألة تحديد الأطراف المتنازعة، الذين ينبغي أن يجلسوا إلى طاولة التفاوض، مؤكدًا أنه لا يوجد مبرر لشرعية حكومة الأمر الواقع التي منحت نفسها صلاحيات الدولة. وخلص إلى أن الطرفين المتحاربين، هما فقط من يجب أن يشارك في المفاوضات بصفتهم الأطراف الرئيسية في الصراع.
دوافع منطقية
ودافع المتخصص في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية والتخطيط الإستراتيجي، راشد محمد علي الشيخ، عن حجج القوات المسلحة في رفض المحادثات، وقال : من غير المقبول التفاوض في ظل الاعتداءات التي تمارسها قوات الدعم السريع على المدنيين، واشار إلى أن هذه الانتهاكات تهدف إلى الضغط على القوات المسلحة للقبول بالتفاوض. وأضاف أن قوات الدعم السريع هي التي بدأت الهجوم على الجيش مما أجبر، الأخير، على خوض الحرب.
واوضح الخبير في السياسة الخارجية، أن منبر جنيف جاء نتيجة ضغوط سياسية دولية بعد فشل جميع المبادرات السابقة في وقف القتال، واشار في مقابلة مع (التغيير) إلى أن الصراع العسكري في السودان يتركز بين الدعم السريع والقوات المسلحة. وراى أن تعامل، الاول، مع المدنيين، كما لو كانوا قوة عسكرية، يشكل خرقًا خطيرًا في التعامل مع المدنيين أثناء الحرب، وهو انتهاك واضح للقانون الدولي، مما يستدعي ضرورة إنهاء هذا النزاع.
وأوضح الشيخ أن اتفاق جدة في مايو 2023 لم يُنفذ من قبل الدعم السريع، وأن الوسطاء لم يتمكنوا من إجباره على الالتزام بالاتفاق. نتيجة لذلك، توسعت الحرب جغرافيًا وزادت الانتهاكات، مما ساهم في فضح قوى سياسية ودول خارجية تساند هذه القوات وتدعمها.
كما لفت الانتباه إلى أن منبر جنيف، الذي دعت له واشنطن والرياض، يعكس اهتمامًا متزايدًا بالإقليم، خاصة في ظل التحركات التي تقوم بها دول مثل روسيا، الصين، إيران، وتركيا نحو السودان. واعتقد الشيخ أن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة هذا الوضع المتغير.
تحفظات لاتحمل وزنًا
في نقده للأعذار المقدمة من الجيش، وصف استاذ العلوم السياسية محمد إبراهيم كباشي، تلك الذرائع بالمردودة، وقال : تحفظات الجيش على بعض المواقف الدولية لا تحمل وزنًا كبيرًا، حيث أن التبريرات المقدمة لا تدعمها أي معطيات قوية، واوضح ان الجيش شارك في مفاوضات جدة 1 و2 ومنبر المنامة، رغم أن انتهاكات قوات الدعم السريع مثل القتل والاغتصاب كانت في ذروتها خلال تلك الفترة. ومع ذلك، لم يرفض إجراء المفاوضات، بل جلس مع الدعم السريع على طاولة الحوار.
الشرط الثاني المتعلق بخروج قوات الدعم السريع من الأعيان اعتبره كباشي، مسألة ذات طابع عاطفي فقط، لان الواقع يشير إلى أن المؤسسة العسكرية قد تأثرت بشكل كبير، حيث تم ابتلاع أجزاء منها، واوضح بان ذلك يثير التساؤلات حول كيفية تنفيذ الخروج من منازل المدنيين؟ هل عبر إعلان رسمي فقط، أم يتطلب الأمر إجراءات ملموسة على الأرض تشمل جوانب فنية وآليات مراقبة وردع وعمليات تقييم دقيقة؟
وقال استاذ العلوم السياسية في افادته (للتغيير): من الضروري طرح مسألة تعويض المواطنين على طاولة التفاوض كحق أساسي، كما يتعين تحديد شروط واضحة لخروج الدعم السريع منها، وإنشاء لجان لتقييم حجم الأضرار في المنازل وتحديد كيفية تعويض المتضررين من قبل الدعم السريع اوالمسهلين، ولفت إلى ان طرح هذه النقاط في طاولة التفاوض، يمكن أن يعزز موقف الحيش ويحقق نتائج إيجابية.
اما تحفظات القوات المسلحة على دخول شركاء جدد في العملية التفاوضية مثل مصر والإمارات والإيغاد فهي تبدو غير منطقية، من وجهة نظر كباشي، لأن الجيش لديه بالفعل تواصل مع هذه الأطراف. فالقاهرة تُعد حليفًا قريبًا له، وابوظبي كانت جزءًا من مبادرة المنامة، بينما كان هناك تواصل مع الإيغاد، وعواصم دولها، كمبالا وجيبوتي، وجاء رئيس الوزراء الاثيوبي. أبي أحمد إلى بورتسودان أيضًا كجزء من الجهود الدبلوماسية.
واضاف كباشي: حتى على الصعيد الدبلوماسي، لم تقطع حكومة بورتسودان علاقاتها بهذه الأطراف. وبالنظر إلى ذلك، رأي ان التحفظات على مشاركة هذه الجهات لا يبدو أنها تستند إلى أسس قوية، مما يكشف عن حالة من التباين والغليان ا داخل المؤسسة العسكرية وعدم وجود توازن في المصالح.
وشدد كباشي على ضرورة، أن يلعب الرأي العام، دورًا في العملية التفاوضية وليس فقط الأبعاد السياسية والأمنية. وأن يتبني الجيش مقاربة موضوعية تعالج بين مطالبه السياسية واحتياجات المجتمع، وان يعيد ترتيب أولوياته واستراتيجيته، لأن التردد وعدم الاستجابة قد يضع أصدقاءه في مواقف محرجة
كباشي نوه ايضا إلى أن غياب الجيش عن المفاوضات يعزز من شرعية الأطراف الأخرى، وراي إن الجيش يحتاج إلى التفكير بطريقة جديدة والتخلي عن الحجج غير المجدية، وقلب الطاولة باشتراط تذوبب قوات الدعم السريع والحلو وعبد الواحد، في المؤسسة العسكرية واضاف: إذا لم يرسم الجيش مستقبل مؤسسته بشكل استراتيجي فهو يتيح لآخرين رسمه، وأكد على أهمية استحضار الدروس من التجارب السابقة في دول مثل العراق واليمن.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.