لماذا تطلب الصين من شبابها الزواج وإنجاب المزيد من الأطفال؟
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
تواجه الصين أزمة ديموغرافية وشيكة. بعد عقود من سياسات مراقبة السكان الصارمة، انخفض معدل المواليد في البلاد إلى مستويات منخفضة بشكل مقلق. في عام 2022، سجلت الصين أول انخفاض في عدد السكان منذ أكثر من 60 عاما، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر. ويبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في البلاد -متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها- 1.
هذا الانخفاض الكبير في المواليد هو نتيجة لسياسة الطفل الواحد في الصين، والتي كانت سارية من عام 1979 إلى عام 2015. وكانت هذه السياسة، التي حددت لمعظم الأزواج في المناطق الحضرية إنجاب طفل واحد فقط، قد تم تقديمها في البداية للحد من النمو السكاني المتزايد في البلاد. ومع ذلك، فقد كان لها عواقب وخيمة غير مقصودة، مما أدى إلى شيخوخة السكان بسرعة واختلال حاد في التوازن بين الجنسين بسبب التفضيل الثقافي للأطفال الذكور.
مع تقلص عدد السكان في سن العمل وارتفاع نسبة إعالة المسنين، تواجه الصين احتمال تقلص القوى العاملة مما يضغط على نظام الرعاية الاجتماعية والركود الاقتصادي. وقد أدركت الحكومة إلحاح هذا التحدي الديموغرافي واتخذت خطوات لتشجيع ارتفاع معدلات المواليد، بما في ذلك تخفيف سياسة الطفل الواحد وتقديم حوافز مختلفة للأسر.
مع تقلص عدد السكان في سن العمل وارتفاع نسبة إعالة المسنين، تواجه الصين احتمال تقلص القوى العاملة مما يضغط على نظام الرعاية الاجتماعية والركود الاقتصادي. وقد أدركت الحكومة إلحاح هذا التحدي الديموغرافي واتخذت خطوات لتشجيع ارتفاع معدلات المواليد
تغيير السياسات والحوافز
في عام 2016، تخلت الصين عن سياسة الطفل الواحد لصالح سياسة طفلين، وفي عام 2021، خففت السياسة للسماح للأزواج بإنجاب ما يصل إلى ثلاثة أطفال. ومع ذلك، فإن هذه التغييرات في السياسة لم تترجم بعد إلى زيادة كبيرة في معدل المواليد.
ولمعالجة هذه المشكلة، نفذت الحكومة الصينية مجموعة من التدابير لتشجيع الزواج والإنجاب. وتشمل هذه التدابير ما يلي:
1- الحوافز المالية: قدمت الحكومات المحلية في جميع أنحاء الصين حوافز مالية مختلفة للأسر التي لديها أطفال متعددون. على سبيل المثال، تقدم مدينة شنتشن منحة نقدية قدرها 19 ألف يوان (حوالي 2825 دولارا أمريكيا) للأسر التي لديها طفل ثالث حتى يبلغ سن الثالثة. وتقدم مدن أخرى، مثل ويفانغ وجينغدتشن، التعليم الثانوي المجاني أو إعانات الإسكان للعائلات التي لديها طفلان أو أكثر.
2- المرونة في مكان العمل: شجعت الحكومة أصحاب العمل على تقديم ترتيبات عمل مرنة، مثل خيار العمل من المنزل للموظفين الذين لديهم أطفال. ويهدف هذا إلى التسهيل على الوالدين، وخاصة الأمهات، تحقيق التوازن بين العمل ومسؤوليات الأسرة.
3- المساعدة الإنجابية: اقترح المستشارون السياسيون للحكومة أن النساء العازبات وغير المتزوجات يجب أن يحصلن على علاجات تجميد البويضات والتخصيب في المختبر (IVF)، والتي كانت تقتصر في السابق على المتزوجين.
4- الحملات الثقافية: تطلق جمعية تنظيم الأسرة الصينية، وهي هيئة وطنية تنفذ تدابير الحكومة المتعلقة بالسكان والخصوبة، مشاريع تجريبية في أكثر من 20 مدينة لتعزيز "عصر جديد" من ثقافة الزواج والإنجاب. وتهدف هذه الحملات إلى تشجيع الشباب على الزواج وإنجاب الأطفال، فضلا عن معالجة العادات القديمة، مثل "مهر العروس" المرتفع (المهر الذي تدفعه عائلة العريس لعائلة العروس).
التحديات والمخاوف
في حين أن الجهود التي تبذلها الحكومة لتعزيز معدل المواليد أمر مفهوم، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة وتعرضت لانتقادات من مختلف الأطراف.
1- تغيير المعايير الاجتماعية: يؤجل العديد من الشباب الصينيين، وخاصة في المناطق الحضرية، الزواج والإنجاب أو يختارون البقاء عازبين تماما. هذا التحول في الأعراف الاجتماعية مدفوع بعوامل مثل زيادة الفرص التعليمية والوظيفية للمرأة، وارتفاع تكلفة المعيشة، والتفضيل المتزايد للحرية الفردية وتحقيق الذات.
في حين تهدف مبادرات الحكومة، بما في ذلك الحوافز المالية والحملات الثقافية، إلى تعزيز معدل المواليد، فإنها واجهت تحديات كبيرة وأثارت انتقادات بسبب دلالاتها القسرية وتأثيرها المحتمل على الحقوق الفردية والمساواة بين الجنسين
2- النغمات القسرية: تعرضت بعض مبادرات الحكومة، مثل مطالبة السلطات المحلية بـ"الدعوة إلى الزواج والولادة في سن مناسبة"، لانتقادات بسبب وجود مسحة قسرية. وهناك مخاوف من أن هذه التدابير يمكن أن تنتهك الحقوق الفردية والاستقلال الذاتي، ولا سيما بالنسبة للنساء، اللواتي قد يشعرن بالضغط من أجل الامتثال لأهداف الحكومة المنشودة في مجال تنظيم الأسرة.
3- عدم المساواة بين الجنسين: ساهمت سياسة الطفل الواحد في الصين وما نتج عنها من اختلال التوازن بين الجنسين في تشييء المرأة وتسليع الزواج. وتعرضت جهود الحكومة الرامية إلى تشجيع الزواج والإنجاب لانتقادات بسبب تعزيزها للأدوار الجنسانية التقليدية وإدامة الاعتقاد بأن القيمة الأساسية للمرأة تكمن في قدرتها على إنجاب الأطفال.
4- عدم وجود دعم شامل: في حين أن الحكومة قد قدمت حوافز مختلفة، يجادل النقاد بأن هذه التدابير ليست كافية لمعالجة التحديات الأساسية التي تواجهها الأسر، مثل ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال، وعدم وجود سكن ميسور التكلفة واستمرار عدم المساواة بين الجنسين في مكان العمل.
إن الجهود التي تبذلها الصين لتشجيع شبابها على الزواج وإنجاب المزيد من الأطفال هي استجابة للتحدي الديموغرافي الملح الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وفي حين تهدف مبادرات الحكومة، بما في ذلك الحوافز المالية والحملات الثقافية، إلى تعزيز معدل المواليد، فإنها واجهت تحديات كبيرة وأثارت انتقادات بسبب دلالاتها القسرية وتأثيرها المحتمل على الحقوق الفردية والمساواة بين الجنسين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الصين الأطفال الأسرة الإنجابية النساء الصين أطفال النساء الأسرة الإنجاب مقالات سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سیاسة الطفل الواحد الزواج والإنجاب معدل الموالید بین الجنسین فی حین
إقرأ أيضاً:
الحكومة السورية تعيد هيكلة الاقتصاد بالتسريح والخصخصة
تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى إجراء إصلاحات جذرية للاقتصاد المنهك في البلاد، بما في ذلك خطط لتسريح ثلث العاملين في القطاع العام وخصخصة شركات مملوكة للدولة، كانت مهيمنة خلال حكم عائلة الأسد الذي دام نصف قرن.
وأثارت وتيرة الحملة المعلنة للقضاء على إهدار المال والفساد، احتجاجات من موظفي الحكومة من أسبابها أيضاً مخاوف من التسريح على أساس طائفي. وتمت بالفعل أولى عمليات تسريح للعاملين بعد أسابيع فقط من إطاحة المعارضة ببشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
Syria's new Islamist rulers to roll back state with privatizations, public sector layoffs https://t.co/VGF0kE44aQ pic.twitter.com/aMah5ETYb1
— Reuters World (@ReutersWorld) January 31, 2025وتم إجراء مقابلات مع 5 وزراء في الحكومة المؤقتة، التي شكلتها جماعة هيئة تحرير الشام. وتحدث جميعهم عن النطاق الواسع للخطط الرامية إلى تقليص عاملين بالقطاع العام، مثل طرد عدد كبير من "الموظفين الأشباح" -وهم من كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل أو دون عمل على الإطلاق إبان حكم الأسد.
وفي عهد الأسد ووالده حافظ، كانت سوريا قائمة على أساس اقتصاد عسكري تقوده الدولة ويحابي دائرة داخلية من الحلفاء وأفراد العائلة، مع تمثيل أفراد الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد بشكل كبير في القطاع العام.
وقال وزير الاقتصاد السوري الجديد، المهندس السابق في مجال الطاقة باسل عبد الحنان (40 عاماً)، إن "هناك الآن تحولاً كبيراً نحو اقتصاد السوق الحرة التنافسي".
وفي عهد الرئيس المؤقت أحمد الشرع، ستعمل الحكومة على خصخصة الشركات الصناعية المملوكة للدولة، والتي قال عبد الحنان إن عددها 107 شركات معظمها خاسرة. ومع ذلك، تعهد بإبقاء أصول الطاقة والنقل "الاستراتيجية" مملوكة للدولة. ولم يذكر أسماء الشركات التي ستباع. وتشمل الصناعات الرئيسية في سوريا النفط والإسمنت والصلب.
وقال وزير المالية محمد أبازيد، في مقابلة إن بعض الشركات المملوكة للدولة يبدو أنها موجودة فقط لسرقة الموارد وسيتم إغلاقها. وأضاف أنهم كانوا يتوقعون وجود فساد لكن ليس إلى هذا الحد.
وأوضح أن "900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون يتقاضون رواتب من الحكومة، يأتون إلى العمل بالفعل، واستند في ذلك إلى مراجعة أولية". وقال أبازيد (38 عاماً) في مكتبه إن "هذا يعني أن هناك 400 ألف اسم شبح"، مضيفاً أن إزالة هذه الأسماء من شأنه توفير موارد كبيرة.
وأشار إلى أن هدف الإصلاحات، التي تسعى أيضاً إلى تبسيط النظام الضريبي مع العفو عن العقوبات، هو إزالة العقبات وتشجيع المستثمرين على العودة إلى سوريا. وأردف أبازيد، الذي عمل سابقاً خبيراً اقتصادياً في جامعة الشمال الخاصة، قبل أن يشغل منصب مسؤول الخزانة في معقل المعارضة في إدلب عام 2023، أن "الهدف هو أن تكون المصانع داخل البلاد بمثابة منصة إطلاق للصادرات العالمية".
وقبل اجتياح دمشق في الهجوم الخاطف الذي أطاح بالأسد، أدارت هيئة تحرير الشام إدلب كمنطقة منشقة تابعة للمعارضة منذ عام 2017، جذبت الاستثمار وأنشطة القطاع الخاص مع تخفيف البيروقراطية وتحجيم الفصائل الدينية المتشددة.
وقال الوزيران إن "الحكومة الجديدة تأمل في زيادة الاستثمار الأجنبي والمحلي على مستوى البلاد، لخلق فرص عمل جديدة مع إعادة بناء سوريا بعد صراع دام 14 عاماً". لكن من أجل تكرار نموذج إدلب، يتعين على هيئة تحرير الشام التغلب على تحديات هائلة من بينها العقوبات الدولية التي تؤثر بشدة على التجارة الخارجية.
وقالت مها قطاع، كبير أخصائيي المرونة والاستجابة للأزمات في المكتب الإقليمي في الدول العربية، بمنظمة العمل الدولية إن "الاقتصاد حالياً ليس في حالة تسمح له بتوفير ما يكفي من الوظائف في القطاع الخاص".
سوريا والمرحلة الانتقالية - موقع 24لا بد لسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد أن تتغير كي تستعيد موقعها ودورها وعافيتها، وتخرج من أعباء سنوات الاحتراب الثقيلة والقيود الدولية التي كبلتها وأنهكت الشعب السوري.وأضافت أن "إعادة هيكلة القطاع العام أمر منطقي"، لكنها تساءلت عما إذا كان ينبغي أن يكون ذلك على رأس أولويات الحكومة التي تحتاج أولاً إلى إنعاش الاقتصاد. وتابعت "لست متأكدة إذا كان هذا قرارا حكيماً حقاً".
وفي حين يقر بعض المنتقدين بضرورة تحرك الإدارة المؤقتة سريعاً لإحكام قبضتها على البلاد، فإنهم يرون أن نطاق ووتيرة التغييرات المخطط لها مبالغ فيها.
وقال آرون لوند، وهو زميل في مركز سينشري إنترناشونال للأبحاث الذي يركز على الشرق الأوسط "إنهم يتحدثون عن عملية انتقالية لكنهم يتخذون القرارات كما لو كانوا حكومة تم تنصيبها بشكل شرعي". وتعهد الشرع بإجراء انتخابات لكنه قال إن تنظيمها قد يستغرق 4 سنوات.
امتصاص الصدمةوقال وزير الاقتصاد إنه سيتم وضع السياسة الاقتصادية، لإدارة تداعيات الإصلاحات السريعة في السوق، لتجنب فوضى الركود والبطالة التي أعقبت "العلاج بالصدمة"، الذي شهدته في التسعينيات الدول الأوروبية السابقة بالاتحاد السوفيتي.
وأضاف عبد الحنان أن الهدف هو تحقيق التوازن بين نمو القطاع الخاص ودعم الفئات الأكثر احتياجاً.
وأعلنت الحكومة زيادة رواتب موظفي الدولة، التي تبلغ حالياً نحو 25 دولاراً شهرياً، بنسبة 400% اعتباراً من فبراير (شباط) المقبل. وتعمل أيضاً على تخفيف وطأة تسريح العاملين عن طريق منحهم مكافأة نهاية الخدمة، أو مطالبة بعضهم بالبقاء في المنزل لحين تقييم الاحتياجات.
ومع ذلك، هناك شعور واضح بالفعل بعدم الارتياح. وأظهر عاملون قوائم متداولة في وزارتي العمل والتجارة، اللتين قلصتا برامج توظيف العسكريين السابقين الذين قاتلوا مع الحكومة ضد المعارضة في عهد الأسد خلال الحرب الأهلية.
وقال محمد، وهو واحد من هؤلاء العسكريين السابقين، إنه تم تسريحه من وظيفته كمدخل بيانات في وزارة العمل يوم 23 يناير (كانون الثاني) الجاري، ومنحه إجازة مدفوعة الأجر لمدة 3 أشهر. وذكر أن حوالي 80 عسكرياً سابقاً آخرين تلقوا الإشعار نفسه.
ورداً على أسئلة رويترز، قالت وزارة العمل إنها منحت عدداً من الموظفين إجازة مدفوعة الأجر لمدة 3 أشهر، لتقييم وضعهم الوظيفي ومن ثم النظر في وضعهم، بسبب عدم الكفاءة الإدارية والبطالة المقنعة. وأثارت هذه الخطط احتجاجات في يناير (كانون الثاني) الجاري بمدن، من بينها درعا في جنوب سوريا حيث اندلعت شرارة الثورة ضد الأسد في عام 2011، واللاذقية الساحلية.
وكانت هذه الاحتجاجات أمر غير متصور في عهد الأسد، الذي رد على المظاهرات ضده بحملة قمع أشعلت الحرب الأهلية. وحمل موظفو مديرية الصحة في درعا لافتات تندد بما وصفوه بأنه فصل تعسفي وظالم خلال مظاهرة شارك فيها نحو 24 شخصاً.
وقال أدهم أبو العلايا، الذي شارك في المظاهرة، إنه يخشى من فقدان وظيفته الذي عُين فيها عام 2016، لإدارة سجلات المديرية وتسوية فواتير المرافق. وعبر عن تأييده للقضاء على ظاهرة الموظفين الأشباح، لكنه نفى تقاضيه هو أو زملاؤه أجراً بدون القيام بعمل.
وأردف يقول إن راتبه يساعده على توفير الاحتياجات الأساسية، مثل الخبز والحليب، وإعالة أسرته، موضحاً أنه يعمل في وظيفة أخرى أيضاً لسد احتياجات عائلته. وأضاف أن البطالة ستزيد حال تنفيذ هذا القرار، وهو ما لا يستطيع المجتمع تحمله.