عندما تتمايل الرايات.. فاظفر براية التوحيد
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
إسماعيل بن شهاب البلوشي
الفطرة في حياة البشر أمر عظيم وكذلك هي أمر معلوم من الكثير، غير أن الإنسان- وللأسف الشديد- سخّره إلى ما يرى من وجهة نظره، وليس إلى ما هو أصلح وأكثر تناغمًا مع ما يهمه في دنياه وآخرته، ففي واحدة من أهم هذه الجوانب المصيرية للإنسان أن يجد نفسه في بيئة تقّر جوانبَ هي في منتهاها ضارة بشكل قطعي، وإن كانت تخدم مرحلة من عمره، كفرد، فإنها عكس ذلك في عمره الآخر.
أما كشعوب وأمم، فإن بعض الضرر- وهو الأشد وقعًا وألمًا لهم بشكل جماعي- فإنه يأتي بعد زمن في عمر الأجيال من خلال السلوك والتراكم، وإن فرحة ما على شكلٍ ما واعتقاد بسعادة ما يعيشها من خلال عادات وتقاليد أصبحت أكثر من عادية في بعض الدول، وللأسف وإنها بذلك تقرأها على أنها منتهى التطور والحرية غير أنها قد تكون مهلكة وسببًا لدمار أجيال من البشر من حيث لا نعلم.
نحن بنو البشر نؤسس لهذا الأمر منذ زمنٍ طويل ونحن لا نعلم أن ما نرى من اختلاف كبير هو فقط ما يسمى بوقت الانفجار ليس إلا.
اليوم وفي هذا الزمن، وبما يتوفر لدينا من معلومات وتاريخ موثق لم يصل بنوالبشر قبلنا إلى ما نعيشه نحن سكان الأرض في هذه المرحلة وأقل ما يمكن وصفه في جانب التواصل أن مرحلة الاحتماء بثقافة خاصة ورؤيا مفردة ومع قوة وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت في طي النسيان، ولذلك فإنَّ الإنسان السوي عندما يتطلع إلى الحلول الممكنة ولكي يتمسك بالحياة فإن فكره قد ينظر إليه بالخروج عن المألوف وأنه متخلف؛ بل قد يوجد قانونٌ يلزمه بمشاركة ما هو سائد حتى لو كان بالإكراه، ولذلك فإن روح القوة الحقيقية للإنسان السوي لا توجد إلا في توجه واحد؛ وهو: طاعة أوامر الله والتمسك بدين الله وعمل الفضائل.
وإني اليوم أرى ما يحصل على مستوى الأرض تمامًا يتطابق مع فجر الإسلام، وبداية معرفة البشر بدين الله، وكيف كان في تلك المرحلة غريبًا مُحاربًا، يرى فيه البعض أنه المُغيِّر لمعتقده وتوجهه ومصالحه، ولذلك فإني أوجه جُلَّ فكري لكل إنسان سوي يعيش اليوم أن يجعل كتاب الله عز وجل دستورًا وملاذًا وحاميًا له، أما ما يحصل وما سيحصل في الدنيا وما هي مقبلة عليه من أحداث لن يسلم منها إلا المؤمن، ولا حلول غير التمسك بالتوحيد والصبر عليه؛ لأنه الحقيقة المطلقة الوحيدة في عالم التنظير والفكر والاجتهاد. وعمَّا قريب وبأي شكل كان ستعود الدنيا إلى بدايتها، وسيعلم الجميع أن الكثير مما ننظر من تعمق في العلم، إنما هو ليس أكثر من علم كتاب الله؛ ولذلك هو ركيزة قوية لكل من لا يجد ملاذًا وعلمًا يسلم من خلاله في عبور مصاعب الحياة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ضجيج الوقت
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
نقترب من يوم الوداع، ها هو يمضي حاملًا حقائب سفر كثيرة؛ فيرحل معه الكثير ويبقى شيء قليل لا يكاد يرى، أما الضيوف فرحلوا وسكان البيت بقوا في مشهد معتاد يمر علينا كل عام عندما يغادرنا رمضان.. شهر الصيام.
رمضان وضجة كبيرة في الأسواق وبين حامل ومحمول ومنفق ومنفوق عليه ومُشترٍ وبائع وسفر. مركز عُمان التجاري يكتظ بالشباب الكبار والصغار وأراني كالأطرش في مكان ليس له مكان، يكتظ عقلي بصورة الراحلين الذين لن يكونوا هذا العيد معنا، والمسافرين والموتى والسجناء والمرضى.
أُشعل شمعة الامل وأسعد بأنه لم يكن رمضانًا عاديًا بالنسبة لي، فقد كنت مجتهدة طبخًا ونفخًا وعبادةً، وفُزتُ بالتحدي الذي أبرمته مع نفسي، وهو أن اختم كتاب الله ثلاث مرات، وفعلت. لذا أستحق أن أفتخر وأسعدُ بهذا النصر؛ لأدرك أننا لاهون كثيرًا، وأننا لو اخترنا الآخرة لوجدنا أنفسنا نحوها نسير، ولبنينا قصورًا في الجنة؛ فالجنة دار الأنقياء الذين لا تغرهم الحياة الدنيا، لا ذهب لا مال ولا جاه ولا منصب ولا أي شيء يدوم، لا يبقى سوى العمل الصالح الذي سعينا واجتهدنا وعبرنا من خلاله.
تضج الأسواق بالمارة وتتناقص الاعداد في المساجد في عدد مهول وكأنهم فرغوا من العبادة والصلاة وكأن الحياة ستنتهي لو لم يتم النزول للأسواق.
كأني كنتُ أتحسس الموت قريبًا، فقد رحل خالي أحمد بن علي الكيومي، مع قائمة الراحلين، وأنا أكتب مقالي طرق بابنا الموت، فأحسستُ بالغربة، وأنا بين الناس، لكن قلبي لا يزال يرى خالي جالسًا على كرسي في المدرسة عند باب الحارس، وأنا أتوجه نحوه لأقول له "خالي خالي"، وها هو الان رحل في شهر كريم وهو رجل صالح.
يُعلِّمُنا رمضان الصبر والقوة على احتمال مصائب الدهر، والسكون الذي يلفنا، والطمأنينة التي تملأنا، نجدها صادقة جدًا لأنه لا يوجد غش ولا كذب في أيامه ولا تلفيق ولا بهتان، لكنه يوجد مع ضعاف النفوس الذين لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وهم قومٌ يحبون الفتنة ودس السم في العسل والمبالغة بالكذب والتلفيق والافتراء، فلا يغيرهم رمضان ولا يتغيرون في غير رمضان هم عملة لوجه واحد لا يمكن أن يحدث في حياتهم ما يمكن أن يصحي فيهم الضمير الميت.
إن الانشغال في رمضان بأمور الدنيا ومتابعة المسلسلات الدرامية والبرامج التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها، والنوم عن العبادات والطاعات والانخراط في الأسواق بحثًا عن عذرٍ للهرب والتنصل من المسؤولية التي يجب أن تكون في كل وقت تجاه حرمة الشهر الفضيل وأوقاته المهمة جدًا والتي قد لا تُعوَّض، هو أمر صرنا نبكيه ونحزن عليه؛ لأن أبواب الجنة مفتوحة، وهنا باب مهم ولكنهم لا يفهمون ذلك أو على أعينهم غشاوة أو على القلوب أقفالها.
لن يدرك الإنسان قيمة نفسه إلّا عندما يزنها بميزان العقل والحكمة، ولن يُثمِّن كم من الوقت أهدره على الأمور الدنيوية الزائلة، إلّا عندما يصفعه القدر، لكن يجب عليه أن يخاف؛ فبعض الصفعات لن تكون لتتعلم الدرس وإنما لتنتهي حياتك وأنت في غمرة نفسك لا تدرك أنك ماضٍ نحو أسفل السلم في لوحة من الألوان المنتهية الصلاحية ولا مجال فيها للإصلاح أو إعادة ضبط النفس وإيقافها وتعليمها وإعطاءها فرصة أخرى للتعلم من جديد.
يُغادر رمضان حاملًا أسماءً عديدة تغادر معه؛ فرمضان سيعود، لكنهم لن يعودوا وأن الفرصة لا تُعاد مرتين والمشهد لا يتكرر، والحياة ليست كما نحب، لكن هناك مُتسع للحب.
رابط مختصر