غرف الطوارئ تتصدى للمجاعة في معسكرات النازحين بدارفور
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
يقيم في معسكر زمزم نازحون من ولايات دارفور الخمس، بالإضافة إلى نازحين هربوا من الصراع في الخرطوم الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد سكان المخيم بصورة كبيرة ليبلغ نحو نصف مليون شخص وفقا لإحصائيات صادرة عن وكالات الإغاثة
التغيير: وكالات
في خضم الحرب الدائرة في السودان، ولدت مبادرات شبابية طوعية، شكلت طوق نجاة للآلاف من النازحين الذين وجدوا أنفسهم في مهب المجاعة والحصار.
بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، تحدثت أخبار الأمم المتحدة، عبر الهاتف والرسائل الصوتية، مع أعضاء من غرف الطوارئ الشبابية – المدعومة من الأمم المتحدة – في معسكري زمزم وأبو شوك في شمال دارفور، لنقل الصورة عما يجري هناك، وخاصة في أعقاب الإعلان عن تفشي المجاعة في معسكر زمزم، والتحذير من ظروف مماثلة في معسكري أبو شوك والسلام القريبين.
يقيم في معسكر زمزم نازحون من ولايات دارفور الخمس، بالإضافة إلى نازحين هربوا من الصراع في الخرطوم الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد سكان المخيم بصورة كبيرة ليبلغ نحو نصف مليون شخص وفقا لإحصائيات صادرة عن وكالات الإغاثة.
وقد أصبح المعسكر بمثابة “دارفور مصغرة”، وفقا لمبارك محمد إدريس عضو غرفة طوارئ معسكر زمزم، والذي قال إن “غرف الطوارئ خرجت من رحم المعاناة، وأصبحت همزة وصل بين المنظمات والمحتاجين على أرض الواقع”.
المطابخ الجماعية وسيلة لمحاربة للمجاعة
برغم صعوبة الوضع، إلا أن منظمات الإغاثة لا تملك سبيلا للوصول إلى هذه المعسكرات لتقديم المساعدات التي تمس الحاجة إليها. ولهذا السبب، يقوم شباب غرفة الطوارئ في المعسكر بتوفير الغذاء للجوعى. وعن ذلك يقول مبارك محمد إدريس عضو غرفة طوارئ معسكر زمزم:
“لدينا أيضا ما يعرف بالمطبخ الجماعي حيث نوفر الغذاء، على مدار الساعة، لأكثر من 46 مركز إيواء داخل المعسكر، وهذا يساعدنا على تخفيف معاناة النازحين داخل المعسكر نسبة لانعدام الغذاء وعجز الأسر عن إطعام نفسها لأنها معدمة. يقضي الأطفال كامل يومهم بلا أي طعام، على الإطلاق. هناك بعض الأسر تمر عليها أيام عديدة دون أن توقد نارا – لأنها لا تملك أي طعام لتطبخه – وهذا هو السبب الذي قاد لإعلان المجاعة في المعسكر، لأن المعسكر محاصر والأسر لا تملك شيئا”.
نقص المياه يفاقم المخاطر
نقص الغذاء ليس هو التحدي الوحيد الذي يعاني منه سكان معسكر زمزم، إذ تبرز مشكلة نقص مياه الشرب لتضيف عبئا آخر للنازحين.
ويشرح السيد مبارك محمد إدريس ذلك بالقول: “خرجت كل آبار المياه من الخدمة بسبب عدم توفر الوقود لأن المنطقة محاصرة بواسطة قوات الدعم السريع. حاليا، يعمل بئران للمياه فقط من بين ثمانية آبار في المعسكر، وبالتالي، فنحن نعمل أيضا على توفير مياه الشرب. نعاني جدا في سبيل إحضار المياه إلى المعسكر في ظل الاشتباكات والقصف المدفعي بالإضافة إلى نقص التمويل. نحضر عربتي مياه تحتوي على مئتي برميل للمياه ونوزعها على الناس في 46 مركزا، ولكن ذلك لا يكفي”.
بث روح التضامن والتعاون بين النازحين
لم يقتصر دور غرف الطوارئ على المساعدات المادية، بل امتد ليشمل تعزيز التضامن بين النازحين، وتوفير المأوى والملابس، وإجلاء المصابين من مناطق النزاع. ويقول مبارك محمد إدريس: “نعمل على توفير المشمعات ومستلزمات المأوى خلال فترة الخريف، إضافة إلى أدوات رش المبيدات الحشرية والناموسيات. كذلك نقوم بتقديم الدعم لضحايا الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والسيول. أما في فترة الشتاء فنقوم بتوفير الملابس الشتوية للأطفال”.
معسكر أبو شوك: نموذج آخر للصمود في وجه المعاناة
معسكر أبو شوك لا يبعد سوى 22 كيلو مترا عن معسكر زمزم. وفيه تتكرر القصة نفسها. شباب متطوعون يواجهون التحديات ذاتها، ويقدمون الخدمات ذاتها، بل ويوسعون نطاق عملهم ليشمل إعادة تأهيل مراكز الإيواء المتضررة من الفيضانات، وتوفير الفوط الصحية للفتيات، والعمل في مجال الإصحاح البيئي.
يقول محمد آدم عبد اللطيف، ممثل اللجنة الإعلامية لغرفة طوارئ معسكر أبو شوك: “كنا نتلقى الدعم من جهات عديدة من بينها المجلس النرويجي للاجئين- وهي منظمة شريكة للأمم المتحدة- والتي كانت تقدم لنا دعما بقيمة 5 آلاف دولار نشتري بها المواد التموينية لنعمل في المطبخ الجماعي. من خلال المطابخ الجماعية، نوفر الأكل لمراكز الإيواء التي باتت تعتمد علينا اعتمادا كليا. في الفترة الأخيرة توقفنا لأكثر من عشرين يوما نسبة لانقطاع الدعم. وصلنا الدعم من الخيريين والمنظمات غير الحكومية، ومن بينها منظمة سابا والتي ساعدتنا في شراء عربة إسعاف. وعدتنا منظمات أخرى كثيرة بأن تقدم لنا الدعم. كما تلقينا وعودا بتوفير عشرة مطابخ جماعية”.
بطون جائعة في انتظار طعام لا يأتي
ويُنبّه محمد آدم إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية مما يضطر الكثير من الناس إلى أكل علف الحيوانات، إن توفر. وقال إن “كافة مؤشرات المجاعة واضحة للغاية” داخل المعسكر، مشيرا إلى حدوث “الكثير من حالات الوفيات” بسبب الجوع المتفشي بين سكان المعسكر، وخاصة بين الأطفال “وليس بإمكاننا الحصول على التغذية العلاجية. لدينا مركزان للتغذية العلاجية وقد تم قصفهما بواسطة قوات الدعم السريع”.
كما أشار محمد آدم إلى ارتفاع معدل التسول بين النازحين اليائسين، فيما تُضطر بعض النساء إلى ممارسة البغاء كي يتمكن من إطعام أطفالهن، حسبما قال.
معظم المراكز الصحية توقفت نتيجة للقصف المدفعي. أما المركز الصحي الوحيد الذي يقدم الرعاية الصحية الأولية، فهو يعاني من نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية وخاصة أدوية الأطفال دون سن الخامسة، وفقا للسيد محمد آدم. وبالإضافة إلى كل ذلك، تسببت الفيضانات التي ضربت المعسكر خلال الفترة الأخيرة في تدمير أكثر من 700 منزل، حسبما قال.
نداء إلى العالم
ويقول محمد آدم عبد اللطيف إن غرف الطوارئ وبرغم ما تبذله من جهود كبيرة لمساعدة النازحين إلا أن الأمر “خرج عن نطاق سيطرتها” نسبة لتدهور الوضع وازدياد عدد المحتاجين. واختتم حديثه بتوجيه نداء قال فيه: “نحن في معسكر أبو شوك ناشدنا لمرات عديدة ولا زلنا نناشد المنظمات والجهات الدولية والأممية تقديم الخدمات لنا بأي طريقة من الطرق. كل الطرق المؤدية إلى المعسكر مغلقة حاليا. نناشد التنسيق مع الأجسام الموجودة داخل المعسكر بهدف إيصال الدعم للأطفال النازحين. انعدمت أبسط الاحتياجات الطبية مثل الضمادات والمعقمات نسبة لكثرة الإصابات”.
دعوة إلى التدخل لإنقاذ النازحين
بالإضافة إلى غرف الطوارئ تبرز منظمات أخرى لتقديم يد العون مثل منظمة وادي هور العالمية للإغاثة والتنمية “وهي منظمة وطنية تعمل في شمال دارفور وخاصة معسكر زمزم للنازحين”، وفقا لعضو المنظمة السيد أنور خاطر والذي قال إن المنظمة ظلت تقدم الماء والغذاء ومواد الإيواء للنازحين.
وأوضح أن حصار مدينة الفاشر تسبب في معاناة كبيرة للناس لصعوبة دخول المساعدات الإنسانية للولاية، مضيفا أن الكثير من المنظمات الإنسانية جمدت نشاطها بسبب تدهور الوضع الأمني.
وقال خاطر إن الوضع المتدهور في معسكر زمزم يستدعي تدخلا عاجلا من المنظمات الدولية لإنقاذ النازحين الذين قال إنهم يعانون بشدة من الجوع والأمراض.
*نقلا عن أخبار الأمم المتحدة
الوسومدارفور مجاعة السودان معسكر زمزم
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: دارفور مجاعة السودان معسكر زمزم
إقرأ أيضاً:
محمد ناجي الأصم: حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع
حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع، ولن يعني ما سيكتب في أوراقها وإعلاناتها أي شيء. سيعتمد الدعم السريع، كما فعل دائمًا، على سلاح مليشياته وأموال الذهب المهرب وأموال المواطنين من الغنائم، وعلى أموال ونفوذ الإمارات، وهي التي ستحدد لحميدتي ووزرائه وللذين اختاروا التحالف معه كل شيء.
ستضاف حكومة الجنجويد إلى مشاريع الإمارات في ليبيا واليمن والصومال، وهي المشاريع الانفصالية والاستقلالية، والتي تسعى عبرها إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من موارد الشعوب المنهوبة، وإلى توسيع نفوذها في المنطقة واستخدامها كأدوات للمساومة على القضايا والملفات الإقليمية، ليصب كل ذلك في اتجاه تموضع تسعى إليه كلاعب سياسي واقتصادي وأمني رئيسي في المنطقة لا يمكن تخطيه من قبل اللاعبين الأساسيين في العالم. ولا يهمها في سبيل ذلك إن تقسمت الدول أو ماتت شعوبها أو تشردت.
ولكن السودان ليس كغيره، وربما ذلك أمر قد تمت ملاحظته مبكرا منذ بداية الحرب. فلقد خسرت الإمارات بسبب دعمها للجنجويد على مستوى الرأي العام العالمي كما لم يحدث في كل تجاربها السابقة، وستستمر في الخسارة. كما أن الدعم السريع يختلف عن كل المشاريع الأخرى، فهو مليشيا متهمة بأفظع جرائم الحرب، وفي مقدمتها الإبادة الجماعية. جماعة عسكرية أسسها النظام البائد لتحصين نفسه من التمرد والانقلابات وتضخمت تباعا لتصبح شركة أسرية تعمل من أجل المال والسلاح والسلطة بلا أي مشروع. في هذه الحرب ظل الدعم السريع يحاول في كل حين أن يعتنق مشروعًا جديدًا، بدءًا من حرب في سبيل الديمقراطية، إلى حرب ضد ما يسمى بـ “دولة 56” الظالمة، وصولًا إلى حرب ضد قبيلة أو قبيلتين. وكلها محاولات فاشلة لإضفاء شرعية على المشروع الأساسي، وهو دولة عائلة حميدتي المالكة.
لن تسمح الفظائع التي عايشها السودانيين من عنف المليشيا قديمًا، والآن في هذه الحرب التي دخلت كل البيوت بتغيير الرأي العام، الذي انحاز بصورة غير مسبوقة ضد الدعم السريع وفظائعه وانتهاكاته. ولن تؤثر في ذلك محاولات تجميل مصطنعة من مشاريع مستعارة بعضها عظيم كالسودان الجديد للزعيم الراحل جون قرنق، مشاريع قرر قادتها اليوم أن مصالحهم التكتيكية تتقاطع مع بنادق وذهب وأموال الجنجويد والإمارات، ليهزموا أنفسهم لا المشاريع. وستظل دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية والسودان الجديد والجيش الواحد القومي البعيد عن الصراع السياسي أهداف نضال الملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني عبر السنين، وأهداف الثورة التي خرجت ضد النظام البائد الذي صنع الجنجويد ومكنهم وأرسلهم ليحاربوا خارج البلاد ومكنهم من صنع علاقاتهم الخارجية المستقلة و امبراطوريتهم الاقتصادية.
لن نستطيع بصورة عملية مقاومة الحرب واستمرارها وسيناريوهات تمزيق السودان بدون الحديث بوضوح عن الدول التي تتدخل في الصراع السوداني ومن قبله لعقود عبر استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية، من الإمارات ومصر، إيران، تركيا والسعودية وغيرها من الدول التي تدعم الحرب بالسلاح والمال والنفوذ وتتجه بالحرب في السودان إلى حرب كاملة بالوكالة لا يملك السودانيين من العسكريين والمدنيين القرار في استمرارها أو إيقافها. لتستمر أو تتوقف حينها في سبيل أجندات تلك الدول الخاصة التي تسعى لتحقيقها من خلال دماء وأرواح ومقدرات السودانيين.
أخيرا، تمزيق السودان لن يتم عبر سلطة أو حكومة الجنجويد الموازية، بل يمكن أن يحدث فعليا فقط إذا لم تتوقف آلة الكراهية البغيضة التي أشعلتها الحرب والتي تستثمر فيها العديد من الجهات، هذه الكراهية التي تزيد بسببها الشقة الاجتماعية بين مكونات السودان، تلك التي تنفي مواطنة البعض والتي تصنف الناس على أساس مناطقهم، قبائلهم، إثنياتهم وأديانهم لتمنحهم الحقوق أو تنزعها عنهم، والتي تعتبرهم محاربين أو مسالمين إذا كانوا من هذه القبيلة أو تلك والتي تسترخص دماء بعض السودانيين وتجعلها أقل من دماء سودانيين آخرين. وهي عنصرية وكراهية وتعصب ليست وليدة الحرب، ولكنها أشعلتها وزادتها ضراما وهي بدورها تعود لتزيد من اشتعال وتأجيج الحرب. كراهية يتمزق السودان من خلالها كل يوم وبسلطة وحكومة موازية أو بدونها.
محمد ناجي الأصم
إنضم لقناة النيلين على واتساب