جابر حسين العماني
jaber.alomani14@gmail.com
شخصية إسلامية عظيمة عرفها التأريخ الإسلامي، بحكمتها وعلمها وتفانيها في نصرة الإسلام وأهله، ولا يوجد عالم أو كاتب أو ُفكر، إلّا وتحدث عنها، ناهلين من علمها المتفتق بنور العلم والإيمان والصلاح، لعظيم دورها الرسالي الذي قامت به من أجل نصرة الإسلام الحنيف ومبادئه وقيمه وتعاليمه، نتحدث هنا عن شخصية الإمام علي بن الحسين، والذي عرف بزين العابدين.
اقتضت الحكمة الإلهية بقاء علي بن الحسين حيًا بعد ثورة كربلاء الخالدة، فكان هو الشاب الوحيد الذي بقي من نسل الإمام الحسين، بعد مجزرة كربلاء وانتهاء الفاجعة الأليمة التي أبكت الدنيا بأسرها لمقتل حفيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فكان علي بن الحسين الأداة الإعلامية الأولى، التي نقلت للأمة الإسلامية الحقيقة الكاملة والواضحة والصريحة لتلك المصائب والحوادث البشعة التي ألمت بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أيام عاشوراء من شهر محرم الحرام عام 61 للهجرة النبوية الشريفة.
استطاع الإمام علي بن الحسين في تلك الحقبة الزمنية الخطيرة والحساسة في عهد أقسى حكام وطغاة بني أمية، العمل الجاد والمستمر، وذلك بحمل راية الإصلاح الكريمة التي حملها قبله والده الحسين بن علي عليه السلام وقتل من أجلها حيث كان يقول: "وَإنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلاَ بَطِرًا وَلاَ مُفْسِدًا وَلاَ ظَالِمًا، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ اَلْإِصْلاَحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ اَلْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اَللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلْقَوْمِ بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ اَلْحٰاكِمِينَ" [كتاب الفتوح: ج5، ص33].
عاش الإمام علي بن الحسين ظروفًا قاسية، إلّا أنها لم تمنعه عن التخلي عن دوره الرسالي تجاه الأمة، كان يُربي الناس بأسلوبه الأجمل والأمثل من خلال نشر ثقافة الدعاء، والذي كان يُبيِّن من خلال تلك الثقافة الجميلة أهداف ثورة كربلاء، وكيف ينبغي على الأمة محاربة الكفر والإلحاد والظلم والطغيان، الذي ابتليت به الأمة بعد رحيل الرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "اَلدُّعَاءُ سِلاَحُ اَلْمُؤْمِنِ، وَعَمُودُ اَلدِّينِ، وَنُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ" [الكافي: ج2، ص468] ( بحار الأنوار: ج90، باب فضل الدعاء والحث عليه).
كنتُ في أحد المطارات أتصفح كتاب "الصحيفة السجادية" للإمام علي بن الحسين، فاستوقفني أحد المسافرين قائلًا لي: لقد سمعت باسم هذا الكتاب، وأنه يحمل بين جانبيه أدعية عظيمة تدخل القلوب بلا استئذان لجمال كلماتها وعظيم بلاغتها، فهل لك أن تدلني أين أحصل على هذا الكتاب؟ قلت له: لا حاجة للبحث عن الكتاب خذه الآن هدية مني إليك، فأنت أخي في الإسلام وتستحق الخير الكثير، سلمته الكتاب وجعل يتصفحه بشغف وبعد فترة رأيت عينيه تنهمر بالدموع وهو يقول لي: ما أعظم هذه الأدعية، فسألته عن الدعاء الذي جعل عينيه تنهمران بالدموع، وإذا به يفتح دعاء الإمام علي بن الحسين مخاطبًا لله تعالى:
"مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْحَيُّ وَأَنَا اَلْمَيِّتُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلْمَيِّتَ إِلاَّ اَلْحَيُّ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْقَوِيُّ وَأَنَا اَلضَّعِيفُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلضَّعِيفَ إِلاَّ اَلْقَوِيُّ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَأَنَا اَلْفَقِيرُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلْفَقِيرَ إِلاَّ اَلْغَنِيُّ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْكَبِيرُ وَأَنَا اَلصَّغِيرُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلصَّغِيرَ إِلاَّ اَلْكَبِيرُ"، "مَوْلاَيَ يَا مَوْلاَيَ أَنْتَ اَلْمَالِكُ وَأَنَا اَلْمَمْلُوكُ وَهَلْ يَرْحَمُ اَلْمَمْلُوكَ إِلاَّ اَلْمَالِكُ".
أخيرًا.. عزيزي القارئ الكريم أدعوك لاقتناء كتاب الصحيفة السجادية، والمواظبة على قراءته، فهو يحتوي على الكثير من الأدعية العظيمة والمباركة التي تعرض لذكرها الإمام علي بن الحسين بهدف تربية الإنسان وإخراجه من ظلمات الوهم والجهل إلى نور الفهم والعلم، فما أعظمها من أدعية تربطنا بالله الواحد الأحد، بل وتجعلنا نشعر بالسعادة والانشراح والسرور، ذلك لأنها تؤكد على أهمية ذكر الله، وقد قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] صدق الله العلي العظيم.
ولقد كان علي بن الحسين وما زال المدرسة الخالدة التي سيبقى المنصفون في العالم يتعلمون منها العبادة لله تعالى والسلوك والأخلاق والقيم والمبادئ الأسرية والاجتماعية التي كان يوصي بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وسيبقى علي بن الحسين الرجل والعالم والفقيه الذي تعرف البطحاء وطأته كما قال الشاعر الكبير الفرزدق:
هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ // وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ // هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ
هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ // بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكم لبس الكمامة في الصلاة بالشرع الشريف
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه لا يوجد مانع شرعًا من لبس الكمامة أثناء الصلاة؛ تحرُّزًا من وجود عدوى أو فيروس، ولا يدخل ذلك تحت تغطية الفم والأنف المنهي عن تغطيتهما في الصلاة؛ بل هو عذرٌ من الأعذار المبيحة، وحالة من الحالات المستثناة من الكراهة؛ كالتثاؤب المأمور بتغطية الفم طروِّه من المصلي.
وأجاز الفقهاء حالات أخرى يستثنى فيها تغطية الفم والأنف في الصلاة؛ كالحرِّ والبرد ونحوهما من الأعذار العارضة؛ لأن النهي هو عن الاستمرار فيه بلا ضرورة؛ بل أجاز بعضهم استمراره في الصلاة لٍمَن عُرفَ أنه من زيِّه، أو احتيجَ له لعمَلٍ أو نحوه. وقد ثبت ضرر هذا الفيروس وسرعة انتقاله عن طريق المخالطة؛ فيكون اتِّقاؤه والحذر منه أشد، فتتأكد مشروعية تغطية الأنف والفم بالكمامة في جماعة الصلاة؛ حذرًا من بلواه، واجتنابًا لعدواه، واحترازًا من أذاه.
حكم تغطية الفمِ والأنف في الصلاة
ونهى الشرع الشريف عن تغطية الفمِ والأنف في الصلاة؛ لِما في ذلك من شغل عن الخشوع وحُسن إكمال القراءة وكمال السجود؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السَّدْلِ في الصلاة، وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ" أخرجه أبو داود في "السنن"، والبزار في "المسند"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، والبيهقي في "السنن الكبرى".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَضَعَنَّ أَحَدُكُمْ ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ فِي الصَّلَاةِ، إِنَّ ذَلِكُمْ خَطْمُ الشَّيْطَانِ» أخرجه الطبراني في معجميه "الأوسط" و"الكبير"، ورواه ابنُ وهب في "الجامع" و"الموطأ" وأبو داود في "المراسيل" عن وهب بن عبد الله المعافري مرسلًا.
وعن عبد الرحمن بن الْمُجَبَّرِ "أنه كان يرى سالم بن عبد الله، إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي، جبذ الثوب عن فيه جبذًا شديدًا، حتى ينزعه عن فيه" رواه مالك في "الموطأ".
قال العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/ 336، ط. دار الفكر): ["وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ"، أي: فمه في الصلاة، كانت العرب يتلثمون بالعمائم، ويجعلون أطرافها تحت أعناقهم، فيغطون أفواههم كيلا يصيبهم الهواء المختلط من حرٍّ أو برد، فنهوا عنه؛ لأنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود] اهـ.
والكراهة الواردة في هذه الآثار كراهة تنزيهية لا تمنع صحة الصلاة، والفقهاء مختلفون علة النهي التي يدور معها وجودًا وعدمًا؛ فقيل: لأنها عادة جاهلية، وقيل: لِما فيها من التشبه بالمجوس، وقيل: لِما فيها من معنى الكِبر. كما أن النهي عن تغطية الفم في الصلاة ليس على إطلاقه؛ فالفقهاء متفقون على أنه يُشرَعُ للمصلي إذا تثاءب في صلاته أن يغطي فَمَهُ؛ التزامًا بالأدب في مناجاة الله، ودفعًا للأذى والضرر، وذهب بعضهم إلى أن أصل الكراهية لمن أكل ثومًا ثم تلثَّمَ وصلى على تلك الحالة:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 39، ط. دار المعرفة): [إن ترك تغطية الفم عند التثاؤب في المحادثة مع الناس تعد من سوء الأدب؛ ففي مناجاة الرب أولى] اهـ.
وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 216، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره أن يغطي فاه في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك؛ ولأن في التغطية منعا من القراءة والأذكار المشروعة؛ ولأنه لو غطى بيده فقد ترك سنة اليد، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فِي الصَّلَاةِ»، ولو غطاه بثوب فقد تشبه بالمجوس؛ لأنهم يتلثمون في عبادتهم النار والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التلثم في الصلاة، إلا إذا كانت التغطية لدفع التثاؤب: فلا بأس به] اهـ.
والتثاؤب عذرٌ من الأعذار التي تُعرض للمصلي، يدخل فيه من كان في معناه، مما تدعو إليه الحاجة؛ كالحَرِّ أو البردِ أو نحوهما؛ فيأخذ حكمه من استثناء التغطية والاتِّقاء، فالمراد من النهي عن التغطية: الاستمرار فيه بلا ضرورة، أما عروضها ساعة لعارضٍ أو لحاجة؛ يدخل ضمن الرخصة والجواز، ولذلك أجاز العلماء التلثم في الصلاة لٍمَن عُرفَ أنه من زيِّه، أو أُحتيجَ له لعمَلٍ أو نحوه:
فعن قتادة: "أن الحسن كان يُرَخِّصُ في أن يصلي الرجل وهو متلثم إذا كان من بردٍ أو عذرٍ" أخرجه عبد الرزاق في "المصنف".