الملحد.. فيلم جديد على موعد من الجدل وإثارة الرأي العام المصري، للكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، استكمالا لأعماله التي دأب من خلالها أن يحدث ضجة.
وما أن ظهر اسم الفيلم، حتى انهالت الانتقادات من كل حدب وصوب، اعتراضا على الاسم الذي كان كفيلا بأن يوصل رسالة الفيلم، قبل عرضه، خصوصا وأن بوستر الفيلم التشويقي يظهر فيها بطل الفيلم أحمد حاتم، الذي يجسد دور الملحد، وبجواره الفنان محمود حميدة الملتحي، وبجواره الفنانة صابرين «المنتقبة».
الفيلم هو امتداد لأعمال فنية جدلية كثيرة، شهدتها مصر الفترة الأخيرة، ولا أجد لها وصفا سليما إلا أنها أعمال موجهة لهدف معين وهو إفراغ المجتمع من القيم والأخلاق التي نفتقر إليها حاليا، أفلام تظهر البطل بلطجي وتاجر مخدرات وشيخ منصر، ونصاب وخمورجي وملحد، ومن ثم ظهر أثرها في الواقع بتقليد أبطال العمل في مظهرهم وطريقة كلامهم حتى في المعارك التي نفذوها في الأفلام وتطبيقها في الواقع فشاهدنا جرائم ظهر المجني عليهم فيها بثياب نسائية داخلية، أجبرهم عليها الجناة، وغيرها من الظواهر السلبية التي انتشرت بسبب تلك المشاهد البذيئة، التي يروج لها صناع الأفلام بأنها تحدث في الواقع، وما ذلك إلا مبررا واهيا تسبب في الكثير من الانحلال.
تأخر عرض «الملحد» في السينمات، بشكل مفاجئ عن الموعد الذي حدده المنتج، رغم اجتيازه كل شروط الرقابة، أرجح أن يكون حملة تسويقية للفيلم، من منطلق «الممنوع مرغوب» وليس لذلك علاقة بمصنفات أو رقابة أو غيره، وما هي إلا أيام قليلة ويعرض في دور العرض للجميع.
ومن خلال بعض التصريحات المنسوبة لصناع الفيلم، بدت الخطوط العريضة للفيلم، حول شاب تعرض لمواقف كثيرة في حياته التي قضاها وسط أسرة متدينة ملتزمة، أوصلته في النهاية إلى الإلحاد، الذي -حسب الفيلم- كتبت نهاية تلك الضغوط، وهي بالكاد ترويج لفكرة تتعارض مع الدين وتشجع على تنحيته بعيدا ليسود مجتمع أشبه ببيئة الحيوانات التي لا يردعها وازع ديني أخلاقي ولنا في الغرب عبرة في مجتمع يروج للشذوذ والتردي الأخلاقي.
والحقيقة أنني أرفض فكرة منع عرض الفيلم، لأن المنع نفسه يقوي موقف صناعه، وأؤيد عرضه لينال مصير الأعمال السابقة التي على شاكلته، التي قتلها التجاهل، عكس الأعمال التي وجدت سهولة في الوصول إلى عقول الشباب بسبب المنع والعقبات التي سبقت عرضها.
ولكنني أدعو في المقابل لتسهيل إنتاج أعمال فنية ودرامية، قادرة على ضحد الشبهات والقضايا الجدلية التي تطرحها أمثال «الملحد» وغيره، وتوضح حكم الإلحاد وكيفية الاستتابة منه وكيف نقي أنفسنا من الإلحاد.
وهناك من الجهات الوطنية الوسطية، من يقدر على إنتاج أعمال تفند وتناقش قضايا الإلحاد والبلطجة وغيرها من الظواهر السلبية التي تظهرها الأفلام، يكون هدفها الأول هو إعادة منظومة القيم والأخلاق إلى المجتمع، بعيدا عن مبدأ الربحية، فأن تعيد قيم ومبادئ المجتمع التي كانت في وقت من الأوقات سببا في تقدمه، خير لك من أن تجني حفنة من الجنيهات في وطن ضائع.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: فيلم إبراهيم عيسى الملحد الفيلم التشويقي بوستر أحمد حاتم محمود حميدة صابرين بلطجي صناع الأفلام الإلحاد أعمال فنية قيم مبادئ المجتمع
إقرأ أيضاً:
سيرة الفلسفة الوضعية (12)
د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي
المرحلة الثالثة - الفلسفة الوضعية
الشيخ: لا وقت الآن لمناقشة الظاهر والباطن والا طال النقاش بنا دهراً. بيد أنه واضح أنكم لا تؤمنون بطريقتنا؟
- صمت...
- الصمت جواب، فهل تؤمنون بطريقة أخرى؟
- لنا في الحياة سبيل آخر غير الطرق!
- إجابة مفجعة، ترى ماذا تأخذون على طريقتنا؟
- هل يتسع يا سيدي صدرك لصراحتنا؟
- انه أوسع مما تتصور.
- الحياة في حارتنا معاناة أليمة، انها صحراء مخيفة مليئة بالأكاذيب. صغار المريدين، وهم الكثرة الغالبة، حفاة خانعون.
- انهم راضون، والرضا مطلب روحي مضنون به على غير أهله.
- لا يملكون حيال قوتكم الا الرضا والا ماتوا جوعاً، ولكن لا شك في أنهم يمرون حيارى بهذا البيت الكبير الغارق في الرفاهية.
ما هي طبيعة المعرفة؟
... بالنسبة للوضعية: تتضمن المعرفة فرضيات مثبتة ومبرهنه، يمكن الاعتراف بها على أنها حقائق أو أنها قوانين. ففعل أو سلوك المعرفة هو مرجع نهائي، لا يمكن اختزاله في أي شيء آخر. لذلك، لا يوجد كائن يستطيع تفسير ذلك أو تعريفه. ويمكن للأشخاص الإشارة إليه مجرد إشارة بطريقة غير مباشرة فقط.
ويمكن السيطرة على الطبيعة الحقيقية للمعرفة بواسطتها هي نفسها فقط وبذاتها فقط وليس بأي شيء آخر دونها أو غيرها. وعلى الناس أن يميزوا فعل المعرفة أو سلوكها نفسه عن جميع البيانات والأفعال المجاورة، لإصلاح ذواتنا الروحية بشكل إيجابي، على مثل هذه البيانات، مثل الحكم والإقناع.
ولتعزيز قبضتهم على جوهر المعرفة، ومشاهدتها بوضوح تام، ينبغي عليهم، محاولة التعرف على سماتها المميزة. ومع ذلك، ينبغي عليهم أن يتجنبوا خطأ الفكر القائل بأن التخوف من السمات والخصائص المعينة للمعرفة يمكن أن يسيطر مباشرة على المرجع أو المصدر نفسه. ومن ناحية أخرى، يمكن معرفة هذه الميزات بناءً على اتصال حي وبديهي مع فعل المعرفة وسلوكها.
أما إذا نظروا إلينا كبشر، فإن الدور الأساسي الذي تلعبه المعرفة في حياتنا سوف يلتصق بنا تماماً. فكل رغباتنا وكل كفاحاتنا، وكل حبنا وكل كرهنا، وكل أفراحنا وكل أحزاننا، كلها نعم كلها تحمل راية المعرفة وتشير اليها. إنهم يؤمنون بالوعي وبالرغبة، وبالسعي، وبالمحبة، والمعرفة بهم وفهمهم وادراكهم.
عادة ما تكون المعرفة هي اعتقاد صحيح ومبرر جداً. وكان قد وصف أفلاطون المعرفة بدقة يحسد عليها، حين قال عنها بأنها "إيمان أو اعتقاد صحيح او حقيقي مبرر ومبرهن". وبشكل مختلف، المعرفة هي معرفة أو إدراك أو فهم لشخص ما أو لشيء ما، مثل الحقائق أو مثل المعلومات أو مثل الأوصاف أو مثل المهارات التي يتم اكتسابها من خلال الخبرات أو من خلال واسطة التعليم، أي من خلال الإدراك أو الاكتشاف أو التعلم.
عند مقارنة المعرفة بالحكمة، فإن المعرفة هي جمع الحقائق والمعلومات، والحكمة هي التوليف والتركيب -الجمع- للمعرفة والخبرات في رؤى تعمق معرفة المرء بالارتباطات وبمعنى الحياة. يمكن أن تشير المعرفة إلى المعرفة النظرية أو العملية لقضية ما. ويمكن أن تكون ضمنيةً (غير معلنة) أو صريحةً (واضحة)؛ ويمكن أن تكون أكثر أو أقل رسمية أو منهجية.
الفلسفة الوضعية بين الموضوعية والذاتية
تشير ديرفن Dervin)) (1977) إلى أن كلا الفلسفتين لهما أن تتعايشان معاً. وتميز ديرفن بين المعلومات الموضوعية (المعلومات A) والمعلومات الذاتية -الشخصية- (المعلومات B)، قائلة بأن المعلومات [A] هي المعلومات التي تصف الواقع، التركيب الفطري أو هي نمط الواقع، البيانات كما هي بدون تحريف وبدون تجميل.
أما المعلومات [B] فهي أفكار أو مؤلفات أو صور ينسبها الناس إلى الواقع. وبالمعنى الأكثر عمومية، تشير المعلومات [A] إلى الواقع الخارجي؛ والمعلومات [B] تشير إلى الواقع الداخلي.
وتتبع الفلسفة الوضعية نظرية المعرفة، والتي هي بدورها تحاول توضيح وتفسير وتوقع "ماذا يحدث في العالم الاجتماعي؟". مع التركيز على الانتظام (كأن يحدث شيء ما أو ظاهرة ما بانتظام وبتكرار وترتيب) وعلى الروابط السببية بين المكونات المكونة لهذه الظاهرة.
يعتقد الباحث الوضعي أن أي باحث في العلوم الاجتماعية يمكن أن يكون موضوعياً محايداً، ويقوم بإجراء تحقيقاته ودراساته كمراقب أو كمشاهد خارجي، لذلك يمكنه التحقيق في أو دراسة الأجزاء المجمعة لظاهرة اجتماعية ما في سبيل معرفة الكل. أي أنه يسعى إلى الانتظام والي الارتباطات السببية لتحديد العالم الاجتماعي والتنبؤ به.
الفلسفة الوضعية أو "الفلسفة الإيجابية" -كما يحلو للبعض تسميتها-، هي السائدة جداً في العلم. وهي تفترض أن العلم يقيس كمياً الحقائق المستقلة فيما يتعلق بواقع أو بوجود وحيد يمكن فهمه ويمكن استيعابه.
وبكلمات مختلفة، البيانات وتحليلها خالية من القيمة أو مجردة، والبيانات لا تتغير لأنها تكون تحت عين المشاهد أو تكون خاضعة لعملية المراقبة. أي أن الباحثين والدارسين يرون الكرة الأرضية أو الواقع أو الوجود من خلال "مرآة ذات اتجاه واحد".
ومن الناحية المعرفية، هناك فرق ملحوظ وظاهر بين النظام الوضعي والنظام الطبيعي. في حين أن الأول هو موضوعي في الأساس، نجد الثاني أو الأخير ذاتي في الأساس.
بشكل عام، الفلسفة الوضعية تعارض أو تختلف كليةً مع الميتافيزيقيا. فبحسب الفلسفة الوضعية، فإن الغرض من المعرفة هو مجرد وصف الظواهر التي يمر بها الناس ويرونها. وهدف العلم هو فقط التمسك بما يمكن للناس رؤيته ويمكنهم تقييمه وفهمه. ومعرفة أي شيء يتجاوز ذلك أو يكون ما وراء ذلك، قد يتبناه الوضعي، غير ممكن ولا شك في استحالته أو باليقين كله نقول بأنه مستحيل.
وعلى هذا النحو، فإن الوضعيين يبقون أنفسهم خارج العالم؛ الذي يقومون هم بدراسته وبتحليله. ولكننا، وفي المقابل، نجد الباحثين ضمن النماذج الأخرى يقرون بضرورة المشاركة في الحياة الواقعية إلى حد ما، من أجل فهم خصائصها وميزاتها الناشئة وإيصالها وتوصيلها للأخرين بشكل أفضل وبصورة جلية.
ووفقاً لنظرية المعرفة الوضعية، فإن العلم هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة ولمعرفة كنهها والغوص في أعماقها، ولمعرفة العالم بشكل كافٍ بحيث يمكن التنبؤ به، وكذلك التحكم فيه وتسييره. فالعالم حتمي، ويعمل بموجب قوانين (السببية) "السبب والنتيجة" التي يمكن تمييزها إذا طبقنا الطريقة الوحيدة للأسلوب العلمي.
لذلك، فإن العلم هو في الأساس شأن ميكانيكي أو فقير العاطفة خاليها أو لا يميل عاطفياً انحيازياً في الفلسفة الوضعية، أي العلم دائماً وأبداً موضوعي ومحايد لدرجة متناهية في هذه الفلسفة.
ويتم استخدام نهج استنتاجي لفرضية النظريات القابلة للاختبار، تلك المستمدة من نتائج الدراسات. قد نتعلم ونعرف أن الطريقة لا تتناسب أبداً مع الحقائق بشكل سليم ومنطقي، وبالتالي يجب مراجعة العملية للتنبؤ بالواقع وتوقعه بشكل أفضل ومثالي. ويرى الوضعيين في التجريبية، الفكرة التي تمت تجربتها، محاولة للتمييز بين القوانين الطبيعية من خلال المعالجات المباشرة والمراقبة.
... وللسيرة سلسلة متتابعة من الحلقات...
bakoor501@yahoo.com