الوعي بشكل عام هو معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه، ومن تفاعله معه؛ وتترسخ هذه المعرفة بحيث تصبح ركيزة للعلم بالأشياء وتجنب السلبي منها، وتصل الى مرحلة العقل والشعور الباطن لدى الإنسان؛ وهي معرفة قابلة للنمو والتطور، ونحن كمجتمع مسلم إذا اضفنا لهذه المعرفة من المجتمع الذي حولنا والحياة، معرفته الأساسية التي يستمدها من الوحي- قرآنًا وسنة – فإنه يتكوّن لديه وعي متميز ومتمايز؛ إذ عنده ما يفتقده الآخرون الذين يقصرون وعيهم على الماديات وما تدركه الحواس، ولا يشك عاقل في أن التحلي بالوعي بات ضرورة ملحّة؛ فالكوارث التي نحياها، والهزائم التي نكتوي بنارها – سواء على مستوى الداخل من الاستبداد والظلم، أو الخارج من التبعية – إنما هي بسبب غياب الوعي المناسب للتحديات المفروضة، وللآمال المعلقة.

ولذا، فقد شكا الشيخ محمد الغزالي من غياب الوعي عند الأمة، فقال رحمه الله: “الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء، وقد انتمت إلى الإسلام اليوم أمم فاقدة الوعي، عوجاء الخطى، قد يحسبها البعض أممًا حية ولكنها مغمى عليها، والحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر، إذ الغباء في ديننا معصية”.

كيف نصنع الوعي؟
هل فكرت يوما ما الفرق بين البلدان الفقيرة والغنية، الفرق لا يعود إلى قدمها في التاريخ، فالسودان والهند مثلاً يفوق عمرهما 2000 عام و أكثر وهما فقيرتان، أما كندا واستراليا ونيوزيلندا فلم تكن موجودة قبل 150 سنة وبالرغم من ذلك فهي دول متطورة وغنية.

وأيضاً لا يمكن رد فقر أو غنى الدول إلى مواردها الطبيعية المتوفرة، فها هي اليابان مساحتها محدودة، و80% من أراضيها عبارة عن جبال غير صالحة للزراعة أو لتربية المواشي، ولكنها تمثل ثاني أقوى اقتصاد في العالم. واليابان عبارة عن مصنع كبير عائم، يستورد المواد الخام لإنتاج مواد مصنعة تصدرها لكل أقطار العالم.

وها هي سويسرا، فبالرغم من عدم زراعتها للكاكاو إلا أنها تنتج أفضل شوكولا في العالم، ومساحتها الصغيرة لا تسمح لها بالزراعة أو بتربية المواشي لأكثر من أربعة أشهر في السنة، إلا أنها تنتج أهم منتجات الحليب وأغزرها في العالم، لم يجد المدراء في البلاد الغنية من خلال علاقتهم مع زملائهم من البلدان الفقيرة فروقا تميزهم من الناحية العقلية ولا حتى من ناحية الإمكانيات، كما أن اللون والعرق لا تأثير لهما، فالمهاجرون المصنفون كسالى في بلادهم الأصلية هم القوة المنتجة في البلاد الأوربية.

إذن أين يكمن الفرق ؟؟
يكمن الفرق في السلوك والممارسة التي تشكلت وترسخت عبر سنين من التربية والثقافة في مجتمعاتنا العربية.

فعند تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة تجد أن الغالبية يتبعون بعض المبادئ في حياتهم مثال ذلك الاخلاق كمبدأ أساسي في حياتهم، والاستقامة والمسؤولية واحترام القوانين على رأس اولياتهم واحترام حقوق الغير الاتقان في العمل والادخار والاستثمار والسعي دائما للتفوق في الابتكار مع الدقة في كل الأعمال وعلى رأس كل ذلك احترام الوقت والحفاظ عليه، نحن لا نتبع في بلداننا الفقيرة أو النامية تلك السلوكيات إلا قلة قليلة منا..

أسباب اللاوعي عند شعوبنا

فقرنا ليس بسبب نقص في مواردنا الطبيعية التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا، بل نحن فقراء بسبب عيوب في سلوكنا، وعجزنا عن التأقلم معه وتعلم المبادئ الأساسية التي أدت إلى تطور المجتمعات وغناها، ولا يخفى علينا أن أمتنا قد تعرضت، خاصة في العقود الأخيرة، لإصابات أدت إلى تجريف الوعي عند أعداد وشرائح لا يستهان بها، بحيث أصبحت رؤيتها مشوَّشة، وطريقة إدراكها لذاتها، وقيّمها، والعالم من حولها؛ طريقة غير سوية، الأمر الذي يستدعي مضاعفة الجهد ممن يشتغلون بالوعي، ويهتمون بتصحيح مساره، إن قضية الوعي ينبغي أن نوليها أهمية تتناسب مع قدرها، إذ هي قضيةُ حياةٍ أو موت، وجودٍ أو فناء، فاعليةٍ أو خمول.

كسرة أخيرة

إن المرء إذا زاد نضجه ووعيه وكثر حلمه وعلمه انطفأت فيه رغبة الجدال شيئا فشيئا، وبات أبعد عن الملاسنة وأقرب إلى التجاهل والتغافل، وأيقن أن وقته أغلى من أن يضيعه في جدل بغير طائل، ومزاجه أولى من أن يكدره للانتصار في موقف عابر، نحو مزيد من الوعي والحلم والنضج والتسامح والتمسك بالأخلاق الحميدة كأساس في حياتنا واحترامنا للغير والتوجه نحو الوعي الجماعي وليس الفردي هو منجاة لنا في حياتنا الدنيا التي هي معاشنا وصلاح لنا لآخرتنا التي هي معادنا.

فاطمة بنت يوسف الغزال – صناعة الوعي
الشرق القطرية

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

صور جوية تكشف دماراً "يفوق الوصف" في غزة

كشفت صور جوية، التقطتها الأقمار الاصطناعية، عن دمار مهول في غزة، إضافة إلى خطط إسرائيلية للسيطرة على مساحات واسعة من القطاع.

ودمرت الحرب الإسرائيلية التي استمرت سنة و4 أشهر مساحات واسعة من القطاع، بسبب القصف الهائل بالقنابل الثقيلة.

ومع اقتراب الحرب من نهايتها بفضل اتفاق وقف إطلاق النار المعلن بين حماس وإسرائيل، قدمت صور التقطت بالأقمار الصناعية لمحة أولية عن الكيفية التي يبدو عليها القطاع، وفكرة مبدئية أيضاً عن الوقت والمال المطلوبين لإعادة الإعمار، وفق تقرير لوكالة أسوشيتيد برس.  

Satellite photos show the Gaza Strip before and after the devastation of the Israel-Hamas war https://t.co/dtGFvKgplv

— The Associated Press (@AP) January 16, 2025

واستطاعت الصور أن تعكس الحقيقة على أكمل وجه، مع حرمان إسرائيل للصحافيين من دخول الكثير من الأماكن، ومنعهم من نقل صورة غزة المأساوية للعالم.

كما أظهرت بعض الصور منطقة عازلة محتملة، تخطط إسرائيل لاقتطاعها على الرغم من الاعتراضات الدولية، والتي من شأنها أن تشطب حوالي 60 كيلومتراً مربعاً (23 ميلًا مربعاً) من القطاع الضيق بكيلواته المربعة الـ360، والذي يأمل الفلسطينيون أن يكون جزءاً من دولتهم المستقبلية، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وتروي صور أخرى كيف تغيرت حياة الفلسطينيين أثناء الحرب، فقد تعرضت مدينة غزة الرئيسية المكتظة بالسكان، للدمار الكامل، وامتلأت طرقاتها بالأنقاض.

ومع تقدم الحرب، أمرت إسرائيل الناس بالانتقال إلى الجنوب. واليوم، يمكن رؤية نتيجة هذه الحركة في صور المواصي، الواقعة إلى الشمال مباشرة من الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر، فهناك، غطت آلاف الخيام الساحل الرملي والأراضي الزراعية المحيطة، وكلها مرئية من الفضاء.

كما ساعدت الصور أيضاً وكالات الإغاثة والخبراء في وضع تقديرات بشأن مدى الضرر الإجمالي.
وتشير أحدث التقديرات، التي نُشرت أمس الخميس، إلى أن 59.8٪ من جميع المباني في غزة ربما تضررت بفعل الحرب، وهذا أقل قليلاً من تحليل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الذي أجراه مركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة.

وبحسب الدراسة الأممية السابقة فقد تضرر نحو 69% من إجمالي المباني في غزة بسبب الحرب، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 46 ألف فلسطيني، وفقاً للسلطات الصحية المحلية.

مقالات مشابهة

  • ريال مدريد يفتقد كامافينجا بسبب تمزق في الفخذ
  • حماس: تم حل العقبات التي نشأت بسبب عدم التزام العدو في بنود الاتفاق
  • كاتبة فلسطينية: وقف إطلاق النار لن يشفي جراح غزة
  • عاجل | حماس: تم فجر اليوم حل العقبات التي نشأت بسبب عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق وقف إطلاق النار
  •  محمد مغربي يكتب: ما الفرق بين ChatGPT وDeepseek V3 الصيني؟
  • صور جوية تكشف دماراً "يفوق الوصف" في غزة
  • واشنطن تدعو لمحاسبة إيران وتتهمها بالوقوف خلف هجمات الحوثيين التي صارت "أكثر تعقيدا"
  • بالمرتبة 111.. العراق من بين أكثر دول العالم توتراً
  • وزير الخارجية المصري يتوجه إلى السودان
  • "أحدهما الخطيب" سببان لاستمرار أحمد ناجي في عالم التدريب