صحافة بني قنبور وتلميع بوت الجيش!
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
رشا عوض
يجتهد متصوحفو التيار العسكركيزاني في اقناع السودانيين ان هذه الحرب يجب ان تكون رافعة سياسية للجيش والكيزان ووسبب لتفويضهم لحكم السودان دون قيد او شرط!!
صحافة بني قمبور هي ضرب من ضروب الصحافة الصفراء التي اجتذبت عتاة صحفيي النظام البائد ، تستحق هذا الوصف" بني قمبور" لانها اغرقت الفضاء الاعلامي بسرديات واكاذيب يستحيل تصديقها الا من اناس لهم قنابير، وصاحب القنبور ( ضفيرة طويلة وسط الرأس) في الثقافة الشعبية هو شخص مخبول ساذج لا يستخدم عقله ويسهل خداعه دون ادنى مجهود !
حسب صحافة بني قنبور ممنوع منعا باتا ان تسأل لماذا يجب ان تكون هذه الحرب رافعة سياسية للجيش ومن ورائه الكيزان؟
ولكن يجب ان نسأل ونلح في السؤال لاننا ببساطة لا ننتمي الى بني قنبور!
هل السبب هو انتهاكات الدعم السريع؟
حسنا، هذا سبب وجيه جدا لاشهار كرت احمر في وجه الدعم السريع ليخرج من الملعب السياسي ويجب ان لا يأتمنه احد على ان يكون جيشا بديلا للسودان، لان انتهاكاته اظهرت استخفافه بحياة المواطنين واستباحته للممتلكاتهم واعراضهم واستسهال تشريدهم من ديارهم، فجيش المستقبل الذي نريده يتم تقييمه في المقام الاول بنوع علاقته بالشعب قبل اي تفاصيل في القدرات القتالية التي تفقد قيمتها تماما اذا وظفت في قهر الشعب لا في حمايته والحفاظ على كرامته.
ولكن نفس الكرت الاحمر الذي نشهره في وجه الدعم السريع يجب ان نشهره في وجه الجيش للاسباب التالية:
اولا: الخلل البنيوي في هذا الجيش هو ما افرز الحاجة لوجود الدعم السريع ، وسيظل هذا الجيش في حاجة دائمة الى دعم سريع اخر اذا لم تتم اعادة بنائه واصلاح عيوبه المزمنة! فالجيش حتى في حربه هذه يتوكأ على مليشيات الكيزان ومليشيات جبريل ومناوي، بمعنى ان جنجويد المستقبل حاضرين الان في صفوفه.
ثانيا: تاريخ الجيش حافل بانتهاكات مماثلة لانتهاكات الدعم السريع في جنوب السودان ودارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق ، وكان الجيش راعيا لانتهاكات الجنجويد عندما كانت في حدها الاقصى والابشع ايام موسى هلال في بداية الالفية، وحتى في هذه الحرب الجيش يقصف مرافق مدنية بالطيران واستخباراته وما يسمى قوات العمل الخاص تقتل المواطنين على الهوية العرقية والشبهة ، فما هو المنطق في ان تكون الانتهاكات سببا لطرد الدعم السريع من الملعب السياسي ولكن انتهاكات الجيش لا تترتب عليها اي عقوبة بل تترتب عليها مكافأة وهي التصعيد السياسي ؟ هل السبب ان الدعم السريع نقل بعض الانتهاكات الى الخرطوم ومدني وسنار وسنجة فكان من بين ضحاياها شماليون اهل مركز بينما انتهاكات الجيش قتلت وشردت جنوبيين ودارفوريين واهل هامش ؟ هل نؤرخ للانتهاكات في السودان بحرب الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣ ونمحو كل تاريخ الانتهاكات السابقة التي تضمنت الابادات الجماعية والاغتصابات الجماعية واقتلاع الملايين من ديارهم لمجرد ان ضحايا انتهاكات الماضي ليسو من سكان المدن والحواضر؟! هل بمثل هذا يمكن ان ننجح في بناء وطن موحد وعادل؟!
ثالثا: فيما يتعلق بالسلب والنهب فكما توجد اسواق دقلو لبيع مسروقات الدعم السريع ، توجد اسواق صابرين لبيع مسروقات الجيش ، فضلا عن نهب الموارد على مر تاريخ السودان بواسطة هذه المؤسسة العسكرية، ابتداء من الشاف والطلح والفحم مرورا بالمحاصيل والماشية وصولا لتهريب الذهب، الجيش ناهب للثروة القومية على مدى سبعين عاما والدعم السريع انضم اليه في السنوات العشرة الاخيرة وشاركه النهب ، وحتى الان الجيش والدعم السريع في خندق قتالي واحد في السعودية ، والبزنس المشترك بينهما في نهب الموارد ما زال مستمرا حتى اثناء الحرب.
رابعا: ما هو المنطق في عدم محاسبة او حتى مجرد عتاب الجيش على فشله في حماية المواطنين وعلى هزائمه العسكرية النكراء، من جعل البندقية وسيلة صعود للسلطة فيجب ان يرضخ لمنطقها وهو منطق القوة الذي لا يسمح بتتويج المهزوم عسكريا حاكما مطلقا يلغي وجود الاخرين!
خامسا: الكيزان الملتصقون بالجيش كالقراد، ويستخدمونه كحصان طروادة يختبؤون داخله يستحيل ان تكون هذه الحرب رافعة سياسية لهم الا في حالة واحدة فقط هي ان يكون الشعب السوداني اصابه مرض إدمان الحروب! ويرغب في سلسلة حروب قادمة لا محالة!
فالكيزان ما زالوا يؤمنون بان وسيلة حيازة السلطة السياسية هي القوة العسكرية، وما زالوا متمادين في صناعة المليشيات والتحالف مع المليشيات، وازدادوا شراسة في معارضة اصلاح المنظومة الامنية والعسكرية ، بمعنى انهم يرغبون في استدامة العقلية والمؤسسات التي افرزت واقع تعدد الجيوش وافرزت مشروعية اغتصاب السلطة بالقوة! وهذا معناه استدامة حالة الحرب.
هذه الحرب يجب ان تكون رافعة لوعي سياسي جديد، ومشروع تأسيسي للدولة السودانية ينقلها الى خانة القطيعة التاريخية مع الافكار والمؤسسات التي تمثل الاسباب الجذرية للازمة الوطنية التي انتهت الى هذه الحرب الاجرامية.
ومثل هذا يستحيل نقاشه مع صحافة بني قنبور لانها غير مؤهلة للنقاش العقلاني ، واستثمارها الوحيد هو قنبرة الشعب السوداني بالمثابرة على التضليل وتزييف الوعي ، وعدوها اللدود هو العقول اليقظة والضمائر الحية وهي بالتأكيد كامنة في هذا الشعب.
الوعي المستخلص من هذه الحرب يجب ان يكون التماس المخرج من الازمة الكارثية الراهنة عبر بناء الدولة المدنية الديمقراطية واهم شرط للنجاح في ذلك هو اعادة بناء المنظومة الامنية والعسكرية على اسس جديدة.
حتى الان لا احد يعلم على وجه اليقين ماهية الترتيبات السياسية والعسكرية التي ستنتهي هذه الحرب على اساسها، وماذا سيكون دور الجيش والكيزان والدعم السريع في المستقبل القريب ، ولكن استخلاص الوعي السياسي الصحيح ضروري لان معناه امتلاك الشعب لبوصلة اخلاقية وفكرية وسياسية ناضجة تعصمه من الاستسلام لاي استبداد ارعن تفرزه هذه الحرب ، سواء استبداد عسكركيزاني، او استبداد بقيادة الدعم السريع ، وكذلك تمكنه من التصدي الصارم بالوسائل الديمقراطية المشروعة لاي فساد او انحراف عن مصالح الشعب في الامن والتنمية حتى في ظل الحكم المدني الذي بطبيعته ليس معصوما من الرقابة والمساءلة الشعبية.
تحديات الشعب السوداني لن تنتهي بايقاف هذه الحرب ، ولكن التحدي الاكبر الان هو ايقافها لان هذا هو مفتاح دخولنا الى اي باب من ابواب النهوض ببلادنا وتضميد جراحها المزمنة.
الد الاعداء لنا الان هم من يعرقلون ايقاف الحرب تبا لهم!
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع هذه الحرب ان تکون یجب ان
إقرأ أيضاً:
الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أخبار عن تأسيس مليشيات جديدة للقتال بجانب الجيش مثل الأورطة الشرقية، حركة تحرير الجزيرة، تيار شباب البجا، وغيرها. قبل الحرب أيضاً وبذرائع مختلفة كالمطالبة بالحقوق والتمثيل في السلطة، وعدم حصول مناطق على إمتيازات أو تجاهلها في إتفاق جوبا وغيرها، تم تأسيس مليشيات مثل قوات درع البطانة، درع الوطن، وقوات كيان الوطن، تحت بصر وسمع الأجهزة العسكرية والأمنية، وفي الغالب هذه الأجهزة هي من أسست هذه المليشيات، مما يدل على أن استراتيجية الجيش والإسلاميين الرئيسية هي تأسيس واستخدام المليشيات، سواء التي أسسها الجيش أو التي تحالفت معه، بما في ذلك تلك المرتبطة بالإسلاميين كالبراء بن مالك. هذه المليشيات استخدمت قبل الحرب لإشاعة الفوضى ولتهديد قوى الثورة المدنية بالحرب، ولإشاعة حالة من الضعف الأمني. بعد إندلاع الحرب تستخدم هذه التشكيلات للقتال ضد مليشيا الدعم السريع. وللمفارقة العجيبة، فإن قوات درع الوطن بقيادة كيكل كانت قد إنضمت للدعم السريع وتسببت في إجتياح مدني وسنجة وغيرها وسقوطها في قبضة مليشيا الدعم السريع، ثم قبل أسابيع عاد كيكل بعدد قليل من هذه القوات وإنضم للجيش كمليشيا شبه مستقلة تحت اسم درع البطانة وليست تحت سيطرة الجيش بالكامل وإن تم الإدعاء بغير ذلك.
في بعض الأحيان، تُستخدم هذه المليشيات كأداة ضغط سياسي، وربما لاحقاً عسكري، كما يحدث حالياً في مطالبة ما يسمى تيار شباب البجا بإخراج مليشيات العدل والمساواة وتحرير السودان من ولايات الشرق. تُستخدم هذه المليشيات الآن لإنهاء الحرب والإنتصار على مليشيا الدعم السريع، على حساب استقرار الدولة ومستقبلها.
يناقش هذا المقال لماذا يرفض الجيش والإسلاميون دمج أو ضم، ولو مؤقتاً، كل التشكيلات والأفراد الراغبين في القتال ضد مليشيا الدعم السريع في الجيش، وماهي أسباب استخدامهم لاستراتيجية المليشيات وتأثيرها على مستقبل السودان.
أسباب استخدام المليشيات
إحدى الأسباب الرئيسية وراء الاعتماد على هذه المليشيات، وربما السبب الرئيسي، هو الخشية من صعود تيار داخل الجيش بعد إنضمام فئات مختلفة من الشعب للقتال معه، قد ينحاز إلى مطالب الشعب السوداني التي عبرت عنها ثورة ديسمبر. هذه الخشية تُفسر رفض الجيش والإسلاميين لانضمام الكثير من العسكريين المفصولين أو المعاشيين إلى صفوف الجيش في الحرب الحالية، حيث يرون أن هؤلاء قد يشكلون تياراً مناهضاً لهم وقد يصبح لهم صوت ووزن داخل الجيش، وربما أصبحوا أداة للتغيير السياسي خارج سيطرتهم. كذلك قتال هذه التشكيلات هذه بجانب الجيش بشكل شبه مستقل بعيداً عن سيطرة الجيش الكاملة عليها، يطرح تساؤلاً بشأن دور هذه المليشيات بعد الحرب وقابلية استخدامها للتمكن من السلطة، أو للحصول على إمتيازات سياسية، أو لقمع الشعب والقوى السياسية.
وفي الوضع الإقتصادي الحالي، فإن تشكيل المليشيات يُعتبر أقل تعقيداً وأقل تكلفة من تدريب الجنود وفق المعايير النظامية. هذه التشكيلات المسلحة تعتمد غالباً على دعم مالي ولوجستي من قنوات غير رسمية كالدعم الشعبي، ولكن مثلاً يتحدث العديد من المواطنين عن كثرة الإرتكازات الأمنية والمطالبة بالرسوم من المركبات العابرة وغيرها من الظواهر. هذا الشكل من التمويل يقلل من الأعباء المباشرة والإلتزامات المالية على القيادة العسكرية والسياسية. كما أن الإرث التاريخي للمليشيات، الذي يعود إلى نزاعات السودان الطويلة، جعلها أداة مفضلة لتحقيق السيطرة وتقسيم القوى داخل الدولة.
التحديات الناجمة عن المليشيات
هذا النهج يمثل خطراً كبيراً على مستقبل السودان. وجود المليشيات يضعف المؤسسات الوطنية ويؤدي إلى ازدواجية السلطة، ويعيق الإلتزام بالقوانين وتطبيقها. كما أن الغالب في تكوين هذه المليشيات أنه على أسس قبلية وإثنية أو مناطقية مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويخلق صراعات محلية طويلة الأمد، تهدد الوحدة الوطنية. تزايد هذه التوترات يؤدي إلى إضعاف التماسك المجتمعي ويعيق إنتصار الجيش نفسه، ويزيد من تعقيد أي جهود للوصول إلى تسوية سياسية.
الاعتماد على المليشيات يؤدي إلى إضعاف الجيش النظامي، حيث تصبح هذه التشكيلات بديلاً غير منضبط للقوة الرسمية، مما يقوض فعالية الجيش ويهدد تماسكه. بالإضافة إلى ذلك، التمويل المالي لهذه المليشيات لاحقاً سيعتمد غالباً على السيطرة على الموارد وربما النهب، مما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد وتعطيل التنمية كما حدث في حالة مليشيا الدعم السريع. كما أن انعدام الأمن الناتج عن نشاطها يفتح الباب لممارسات كالتهريب والأنشطة غير المشروعة، ويعوق الاقتصاد ويزيد من الأزمات المعيشية.
الدور الخارجي والتدخلات الإقليمية
تدخل القوى الخارجية لدعم هذه المليشيات يضيف حلقة أخرى من التعقيد، ويحول السودان إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية. وفي تناقض غريب، ورد أن الأورطة الشرقية ومليشيات أخرى قد تم تدريبها في إريتريا، حيث بدأت مليشيا الدعم السريع كقوة محلية ثم طورت علاقات خارجية لتصبح مستقلة عن الدولة، ما يعكس إمكانية تحول هذه المليشيات إلى كيانات ذات علاقات خارجية معقدة وربما تصبح تحت سيطرة خارجية. هذه العلاقات تُعقد أي محاولة لفرض السيادة الوطنية وقد تؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم في الأراضي والموارد الوطنية.
على المدى الطويل، تُعرف المليشيات باستخدامها للعنف المفرط وغير المنضبط، مما يؤدي إلى تصاعد الانتهاكات وزيادة الفوضى. هذا الوضع يجعل الإنتصار الشامل أو تحقيق السلام أمراً صعباً، حيث تصبح هذه التشكيلات المسلحة عقبة رئيسية أمام أي حل. حتى في حال الإنتصار الكامل للجيش، فقد تتغير أهداف المليشيات مع مرور الزمن وقد تستخدمها أطراف خارحية كما حدث مع الدعم السريع، مما يهدد استقرار الوضع حتى بعد انتهاء الصراع العسكري.
التحديات في المستقبل: تفكيك المليشيات ودمجها في الجيش
حتى إذا تحقق إنتصار كامل للجيش على مليشيا الدعم السريع وهو أمر مستبعد في الظرف الحالي، أو تم التوصل إلى اتفاق سلام، فإن تفكيك المليشيات أو دمجها في الجيش يمثل تحدياً كبيراً، كما أظهرت تجارب دول أخرى في المنطقة مثل الصومال وليبيا. منذ بداية التسعينات، واجهت الصومال صراعاً طويل الأمد بسبب وجود المليشيات المسلحة التي دعمتها قوى خارجية مختلفة، مما أدى إلى انهيار الدولة وتفككها إلى مناطق سيطرة متعددة. وبعد أكثر من ٣٥ عام على إندلاع الحرب في الصومال لا تزال المليشيات تستخدَم في صراعات محلية ودولية، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار المستمر والتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية. في ليبيا، تسببت المليشيات المدعومة خارجياً في تمزيق الدولة إلى كيانات متناحرة على السلطة. فإن كان قرار الجيش والإسلاميين أنهم لن يذهبوا لإتفاق مطلقاً، فالأفضل لمستقبل السودان أن يكون كل المقاتلين تحت القوات المسلحة فعلياً والإبتعاد عن استراتيجية المليشيات هذه.
في النهاية، الاعتماد على استراتيجية المليشيات يعكس ضعف الفكر وعدم قدرة قادة النظام السياسي والعسكري الحالي في السودان على التعلم من التجارب الذاتية والخارجية، وعدم الاكتراث لأرواح السودانيين. إن تحقيق السيطرة الآنية باستخدام المليشيات، وإن حدثت وهي مستبعدة في الظرف الحالي، على حساب الاستقرار الوطني لن يحقق الأمن المستدام، بل يقود السودان نحو التفتت والانقسام، مع تداعيات كارثية على الشعب السوداني لعقود قادمة. الحلول الحقيقية تكمن في بناء مؤسسات قوية، والبدء بإصلاح الجيش إلى مؤسسة مهنية ذات عقيدة وطنية تمثل كل السودانيين الآن وأثناء هذه الحرب.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد