خريطة وعلم ومخطط

د. صبرى محمد خليل / أستاذ فلسفة القيم الإسلامية فى جامعة الخرطوم

الخريطة : هى الخريطة التى توضح الحدود الحقيقية للكيان الصهيونى ، طبقا للمخطط الصهيونى . وهى تضم كل اجزاء فلسطين- بما فيها ذلك قطاع غزة والضفة الغربية- ولبنان وسوريا والاردن والعراق و السعوديه و دول الخليج ومصر والسودان . فهى تؤكد أن إسرائيل ليست دولة طبيعية، ذات حدود ثابتة - كما يحاول ايهامنا دعاة التطبيع مع الكيان الصهيونى- بل هى كيان توسعى" استعمارى - عداونى"، حدوده الحقيقية هى حدود الأراضى التى يستطيع ان يضمها إليه.

العلم : هذه الخريطة تتسق مع العلم الصهيونى ، المكون من نجمة داؤد السداسية ، وسط خطان أزرقان، يرمزان لنهرى الفرات والنيل، تجسيدا للمقولة التوراتية- نسبه للتوراة المحرفة التى يتداولها اليهود - التى تزعم أن الإلة وعدهم بالأرض بين نهرى النيل والفرات.
المخطط: فكلاهما" الخريطة والعلم" تعبير عن المخطط الصهيونى ، الذى تجاوز عمره قرن من الزمان ، وجارى تطبيقة الأن فى المنطقة العربية .
مراحل تطبيق المخطط: والدليل على كون هذا المخطط حقيقه، وليس جزء من نظريه مؤامره- كما يحاول العملاء ايهامنا - انه تم تطبيق مراحل متعددة منه، ومن وهذه المراحل:
مؤتمر بازل: المؤتمر الصهيونى الاول ، الذى عقد بمدينه بازل بسويسرا عام ١٨٩٧ ، برئاسة الصحفى اليهودى ثيودور هيرتزل- والذى تتصدر صورته الكنيست الأسرائيلى- والذى أثمر عن تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية.
وعد بلفور "١٩١٧ ": والذى تعهدت فيه الحكومة البريطانيه لليهود بدعم تأسيس وطن قومى لهم على أرض فلسطين.
قيام دولة إسرائيل : إعلان قيام دولة الكيان الصهيونى "إسرائيل" عام ١٩٤٨ ، على جزء من ارض فلسطين، بدعم مباشر من قوى الاستعمار القديم والجديد.
التمدد : سرعان ما تمدد هذا الكيان ليبتلع أغلب فلسطين، ولاحقا ضم غزه الكبرى - وكانت تابعه إداريا لمصر - وإحتل الجولان- وكان جزء من سوريا- واحتل كل لبنان، إلى أن اجبرته المقاومة الوطنية اللبنانية على الخروج منه ، لكنه استمر فى إحتلال اجزاء منه "كمزارع شبعا "... دعم النزعات الانفصالية والشعوبية: شجع الكيان الصهيونى إنفصال الأكراد فى كل من العراق وسوريا ، وإنفصال جنوب السودان ، وتحويل اليمن ولييبا إلى دويلات قبليه وطائفية . وتشجيع النزعات الإنفصاليه فى السعوديه ومصر ودول الخليج...ودعم الدعاوى الشعوبية التى تدعو الى ارتداد شعوب الامة العربية، إلى طور الشعوب،السابق على تحولها إلى جزء من كل حضارى (عربى - إسلامى)، " كالدعوه الى العودة الى الحضارات: الفرعونيةوالنوبيةوالامازيغية والفينيقية والاشورية....". وتعميق الخلافات بين الشعوب العربية.
مشروع الشرق الأوسط الجديد " الأمبريالى- الصهيونى" : وهو المشروع الذى يتم تطبيقه فى المنطقه ، منذ سبعينات القرن الماضى، والذى يهدف إلى الإرتداد بالنظام الرسمى العربى ،من مرحله التجزئه (الدولة الوطنية القائمة على أساس شعوبى "اتفاقيه سيكس بيكو ١٩١٦")، إلى مرحلة التفتيت القبلى - الطائفى( محاوله تاسيس دويلات قبليه- طائفية ،على انقاض الدوله الوطنيه، مع بقاء الكيان الصهيونى كحارس لهذا التفتيت ، كما كان فى المرحلة السابقة حارس للتجزئة).
الثالوث الصهيونى والسبب الأساسى 'الخارجى' لأزمات الأمة : فهذا الثالوث الصهيونى (الخريطة/ العلم / المخطط ) يفسر لنا السبب الأساسى - الخارجى- وراء الكثير من الأزمات التى تواجهها الأمة فى واقعنا المعاصر ، دون إنكار وجود أسباب أخرى (خارجية وداخليه - أساسية وثانوية). ومن هذه الأزمات :
الصراعات الداخليه العربية : فالكيان الصهيونى ظل يعمق الخلافات والصراعات الداخلية العربية، مستغلا كون النخب السياسية العربية ' المدنية والعسكرية' ،تستهدف تحقيق مصالحها الخاصه، بعيدا عن أهداف الإرادة الشعبية للامة . وهدفه اضعاف الدول العربية، والهائها عن نشاطة التوسعى فى فلسطين " النشاط الاستيطانى الصهيونى ،القائم على اننزاع الأراضى الفلسطينية"، وخارجها" السيطره على النظام الرسمى العربى".
فلسطين (إبادة جماعية وليست حرب) : فما يحدث فى فسطين الان ليس محاولة للقضاء على حركة حماس - التى تغاضى الكيان فى البداية عن نموها ، بهدف شق وحده الصف الوطنى الفلسطينى ، بإنشاء رأسين للسلطة الفلسطينية " فى الضفة و غزة " ، وتعميق التناقض بينهما - بل مرحلة جديدة من مراحل الإبادة الجماعية ،والتهجير القسرى للشعب الفلسطينى ، الذى ظل الكيان الصهيونى يمارسه عبر تاريخه ، بذرائع شتى، تطبيقا للمقولة الصهيونية" ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض".
السودان (مخطط وليس حرب) : كما أن الصراع المسلح الحالى فى السودان، ليس مجرد حرب بالمفهوم العسكرى البحت - كما يحاول إيهامنا الذين هم مجرد ادوات تنفيذ لهذا المخطط - بل مرحلة جديده من مراحل تطبيق مخطط قديم - طبق من قبل فى دول عربية، و سيطبق لاحقا فى دول اخرى، متى ما توافرت ظروف تطبيقة - يهدف الى تفتيت السودان إلى دويلات قبليه- طائفية ، على انقاض الدولة الوطنية السودانية (وهذا يفسر الخطاب الذى يتحدث عن دولة ٥٦ كتكوين سياسى سلبى، فى حين انها دولة الاستقلال الوطنى من الاستعمار القديم ، والتى قدمت الكثير من الاجيال ، الكثير من التضحيات من اجل قيامها). ويشمل ذلك تفكيك المؤسسة العسكرية السودانيه ، لأنها عمودها الفقرى. (وهذا يفسر الخطاب العدائى التحريضى ضد الجيش، بتصويره كعقبه امام انشاء دوله مدنيه - ديمقراطيه، أوالدعوه الى تفكيكه ، او اعاده تكوينه ....) . وهذا التفتيت يهدف الى تطبيق مرحله جديده من مراحل السيطره على النيل ، بدأت بفصل الجنوب ، وانشاء سدود مائيه فى اثيوبيا، دون اتفاق مع دولتى المصب' السودان ومصر' . وكل هذا يقتضى استمرار الصراع المسلح أطول مدة ممكنة ، عن طريق وضع خطط وخيارات وبدائل متعدده، بهدف إحداث أكبر قدر ممكن من التدمير الممنهج للدولة ومؤسساتها، وأهمها المؤسسة العسكرية . ويشمل هذا المخطط التهجير القسرى للسكان، واحداث تغيير فى التركيبة السكانية' الديموغرافيه' - خاصه فى المناطق النيليه" كالخرطوم كملتقى للنيلين الازرق والابيض". وهذا ما يفسر لنا أن هذه الأحداث أفرزت أكبر موجة نزوح عبر التاريخ ' أكثر من عشرة مليون نازح واثنين مليون لاجئ'. كما انه يفسر أيضا الخطاب المعادى للإنسان النيلى، لأنة الأقدر على معرفة اى تغيير فى مياه النيل، لأن حياته مرتبطه بها " اقتصاد زراعى "، فالهدف تهجيره ، واستبداله بجماعات قبلية عابره للحدود الوطنية، ذات أصول عرقيه مختلطه- رغم الادعاء ' القبلى' بالنقاء العرقى- وذات تركيبة اجتماعية تسود فيها مخلفات الطور القبلى، من عدم استقرار، وصراع قبلى مستمر مع الغير، وبنية اقتصادية رعوية، لا صله لها بالنشاط الإقتصادى الزراعى، القائم على الإستقرار ، والضبط و التنظيم الادارى والقانونى.
المخطط و أوجه النجاح والفشل: لقد نجح هذا المخطط فى تحقيق الكتير من أهدافه ، كما هو واضح فى مراحل تطبيقة السابقة ، مستفيدا من دعم دول الغرب الاستعمارى الراسمالى ، والذى هو العامل الاساسى وراء هذا النجاح، ووصول النظام الرسمى العربى، الى أدنى درجات التردى والضعف، بسبب تجزئه وتفتيت الأمة . ولكنه فشل ايضا فى تحقيق كل اهدافة، بسبب مقاومة الإراده الشعبية للأمة له ، فتعطيل إرادة الأمة على المستوى الشعبى ، ادى الى فتح الباب امام تفعيلها على المستوى الشعبى، ممثلا فى رفضها لكافة مراحل ومظاهر تطبيق هذا المخطط. فقد فشل الكيان الصهيونى فى تهجير الشعب الفلسطينى ، فظل متمسكا بأرضة، فى صمود أسطورى، فى مواجهة أله القتل المنهج ' الجيش الاسرائيلى' على مدى سبعه عقود. وفشل فى القضاء على المقاومة الشعبية الفلسطينية، التى إستطاعت أن تتصدى للجيش الصهيونى ، الذى يزود بصوره منتظمة، بالأسلحه الأكثر تطورا وفتكا فى العالم. وتنامت المناهضة الشعبية للتطبيع مع الكيان الصهيونى، بحيث جعلت التطبيعى الرسمى سياسة
معزولة مجتمعيا.و ورغم تخلى النظام الرسمى العربى عن واجبه الوطنى والقومى والدينى تجاه فلسطين وشعبها.فقد تنامت النصرة الشعبية للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى. ورغم التجزئه والتفتيت على المستوى الرسمى، ظلت الوحده متحققه بين شعوب الامة العربية المسلمة على المستوى الشعبى.تعبر عن ذاتها من خلال استمرار الروابط الموضوعيه بينها " الدينية، الحضارية، اللغوية، التاريخية، الجغرافية...". وقام الشعب العربى وطليعتة الشابه، فى أقل من عقدين، بموجتين من الثورات الشعبية، التى نجحت فى إسقاط العديد من انظمة الحكم التابعة أو الفاسدة او الفاشلة. لكن نجحت القوى والنظم المحلية والاقليمية والدولية، التى تتعارض مصالحها مع اهداف الاراده الشعبيه للأمة ،فى الحرية والوحدة والعداله الاجتماعية فى تحريفها من مسارها الطبيعى- الأصلى "الجماهيرى السلمى "، إلى مسار آخر اصطناعى" عنيف او فوضوى او تابع للخارج.."، وذلك باستخدام اساليب متعددة" أهمها الاسقاط العنيف فى الموجة الاولى ،والهبوط الناعم فى الموجة الثانية". مستغله أنها حدثت بصوره تلقائية ، غير منتظمة او مخططة
الإراده الشعبية للأمة وهزيمة المخطط: ونجاح الإرادة الشعبية للأمة فى هزيمة هذا المخطط- بصوره نهائية - يتوقف على انتقالها من مرحلة التفعيل التلقائى " اى مرحله رد الفعل: العفوى، العاطفى، المؤقت"، إلى مرحله التفعيل القصدى "اى مرحله الفعل: المنظم ' المخطط'، العقلانى، المستمر' المؤسسى'، على المستوى النظرى من خلال تاسيس تيار فكرى شامل ،يؤسس 'نظريا' لتحقيق استخلاف الامه، بالتوافق على ثوابت الأمة. وعلى المستوى العملى من خلال انشاء مبادرات تعبر عن الإرادة الشعبية للأمة، فى كل مجالات الحياة ....
.................
للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبرى محمد خليل:
. مجموعة فى الفيسبوك بعنوان (نحو تيار فكرى شامل لتحقيق استخلاف الأمة الثانى - مجموعه من د. صبرى م خليل ).
. صفحه د.صبرى محمد خليل فى الفيسبوك(sabri khalil khairi د. صبرى محمد خليل).
.الموقع الرسمى للدكتور صبرى محمد خليل : دراسات ومقالات.

sabri.m.khalil@gmail.com  

المصدر: سودانايل