ميزان العدالة الإلهية «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت» «2»
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
..وتجد الآيات في ذلك تتسارع، وتتعانق، وتتآزر في سبيل إظهار جانب الفضل، كما أبرزتْ جانب العدل، فترى ـ على سبيل المثال ـ قوله تعالى:(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (الانعام ـ 104)، أيْ: أن مَنْ وعى، وتبصَّر، وأدرك رسالته، وفهم وظيفته، فإنَّ ذلك سيعود إلى نفسه، فلا نظلمه، ولا نهضمه حقَّه، أمَّا مَنْ عَمِيَ، وأغلق حواسه، وجحد نِعَمَ ربِّه عليه، وصَمَّ أذنيْه، وأغلق بصيرة قلبه فعلى نفسه وزرها كذلك:(وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الانعام ـ 164)، وقال ـ جلَّ شأنه:(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الانعام ـ 44)، فأمر الكفر، وأمر الصلاح إنما يعود ضررُه ونفعه على نفسِ صاحبه، والله لا يظلم أحدًا شيئًا، وقال سبحانه وتعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت ـ 46)، فمَنْ عمل صالحًا، فلنفسه عمله، ومن أساء فعليها إساءته، وقد حُذِفَ المبتدأ هنا للعلم به، وأنَّ أحدًا لا يأخذ نصيبَ أحد، وفي الوقت نفسه لا يتحمل وزرَ أحد، أو ينوب عنه فيه، ولا يمكن أن يكون متعرضًا لعقاب الله، ولا مستعدًّا أبدًا لذلك، ولا يقوى عليه، كل امرئ بما كسب رهين، والمعيار أنَّه:(لا تزر وازرة وزر أخرى)، وأنَّه (لا يظلم ربك أحدًا).
ومنه ما قررته الآية الكريمة من أنه:(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل ـ 40)، فالمرء بين أن يشكر ربه على نعمه، ويُحسِن استقبالَها، وتوجيهها بما يُرضِي ربه، فتعود حسنة مَنْ شكر على نفسه، أي: لا يُظلَم، ولا يخشى هضمًا، وأمَّا مَنْ كفر النعمة، ولم يُؤَدِّ شكرها، وتنكَّب طريق الإقرار بها، فسوف ينال عاقبة كفره هو نفسه؛ لأن الله لا يظلم أحدًا:(ولا يظلم ربك أحدًا)، يقول الله تعالى:(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (طه 111 ـ 112)، حتى إنَّ مَنْ حاول التزكيةَ، وسلك سبلَها، ونهض بنفسه لها، فإنَّ الله يأخذ بيده إلى الوصول إلى غايته، ولا يتركه ما دام قد سلك الطريق إليها وصدق في سعيه، واجتهد، وثابر، وصبر، وتحمل، واصطبر، قال الله تعالى:(وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (فاطر ـ 18).
وما دام المرء قد آمَنَ، وبدأ طريقَ الطاعة، ورجَا ربَّه أن يأخذ بيديه، فإنَّ الله يُعِينه حقًّا، كما أعان أهل الكهف، ورَبَتَ على أكتافهم، ورَبَطَ على قلوبهم، وتقبَّل منهم، وجعلهم قدوةً للعالمين، وقال في حقهم:(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف ـ 13)، فمن آمن حق الإيمان، وصدق مع ربه في طريق الهدى والرشاد زاده الله هدى على هداه، وأعانه على بلوغ مرماه.
ودائمًا نسمع الأئمة على المنابر، وحفظنا عنهم أنَّه مَنْ حاول، واجتهد، وأخلص لربه، وجاهد نفسه، وصبر، واصطبر على الابتلاء، ودعا الله أن يوفقه، وفَّقه ربه، وأيَّده، وجعل له مَنْ يسانده، ويقف معه؛ لأن العدالة تقتضي الإعانة، والتمكين لمن صدق ربه، ومشى في سبيل رضاه، واستنزال نُعْماه، قال الله تعالى:(وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) (العنكبوت 6 ـ 7).
د.جمال عبدالعزيز أحمد ✽
✽ كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
دعاء لصلاح الحال .. ردده بيقين وسترى العجب في حياتك
دعاء لصلاح الحال، وفضائل الدعاء فيها، ومنه دعاء لصلاح الحال، ويعتبر الإلحاح فى الدعاء أمر طيب ومشروع، وقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا" (صحيح مسلم :1794).
دعاء لصلاح الحال(( اللهم إنى اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم انى أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم انى أسألك عيشا قارا ورزقا دارا وابنا بارا وعملا صالحا متقبلاً، اللهم إنى أسألك تمام النعمة وكمال الفضل والمنة، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ)).
دعاء واحد يحل كل المشاكل
(يا حي يا قيوم برحمتك استغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعالا لما يريد اللهم إني أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام ونورك الذي ملأ أرجاء عرشك أن تقضي حاجتي).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على جوامع الدعاء؛ حيث سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن دعاء كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يقول (( اللهم إنى أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل))، صحيح مسلم.
دعاء لصلاح الحال
يُعد الدعاء من أعظم العبادات التي تدل على حسن الظن بالله ويقين العبد وقوة إيمانه بالله، قال -صلَّى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الدعاءَ هو العِبادَةُ)، ولحاجة المسلم لربه دائمًا عليه الدعاء بصلاح حاله، فيرفع الله عنه المحن، ويكشف عنه المصائب، ويغفر له الذنوب، وينزل عليه الرحمة، مقتدين في هذا بهدي الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وسنته، إذ كان الرسول -عليه السلام- دائم التعلّق بالله، يلجأ إليه في كل أحواله، ويلحُّ عليه في المسألة والدعاء بصلاح الحال له ولأمته في زمنه ومن بعده، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
وعندما تضيق الأرض بما رحبت، وتتكالب عليك الهموم والغموم، وترهقك الأمراض والديون، وتثقلك المعاصي والآثام، توجه إلى الله سبحانه وتعالى وادعوه بصلاح أحوالك وأحوال إخوانك وأمتك الإسلامية، مع وجوب الإخلاص لله تعالى في الدعاء والالتزام بهديه -صلّى الله عليه وسلّم-.
دعاء لصلاح الحال
1- قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
2- قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
3- قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
4- قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.
5- قوله تعالى:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
6- قوله تعالى:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}.
7- قوله تعالى:{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي}.
8- قوله تعالى:{رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}.
9- قوله تعالى:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
10- {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.