كيف سيتعامل جنبلاط مع حزب الله عند انتهاء الحرب؟
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
يتعامل رئيس الحزب "التقدميّ الإشتراكيّ" السابق وليد جنبلاط مع "حزب الله" منذ 8 تشرين الأوّل الماضي بشكل لافت جدّاً، بحيث يدعم جهود "المُقاومة" في لبنان وفي فلسطين ضدّ العدوّ الإسرائيليّ، علماً أنّه كان من أبرز المطالبين بعدم إقحام وجرّ البلاد إلى النزاع الدائر في غزة. وأيضاً، فإنّ مناطق الجبل كانت ولا تزال في مُقدّمة البلدات اللبنانيّة التي فتحت أبوابها أمام النازحين من الجنوب، وستظلّ على أهبة الإستعداد في حال حدوث أيّ تطوّر أو طارئ بما يتعلّق بالوضع الأمنيّ على الحدود الجنوبيّة.
ومرّت العلاقة بين جنبلاط و"حزب الله" بتقلبات كثيرة، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ الحزب "التقدميّ" خاض الإنتخابات النيابيّة الأخيرة مع حلفائه التقليديين في "قوى الرابع عشر من آذار" مثل "القوّات اللبنانيّة" وحزب "الوطنيين الأحرار" وغيرهم، ضدّ سلاح "الحزب". كذلك، فإنّ "الثنائيّ الشيعيّ" حاول التضييق على المختارة في العام 2022 عبر دعم مرشّحين دروز يدورون في فلك فريق الثامن من آّذار لخرق لوائح "التقدميّ" في عدّة أقضيّة. في المقابل، فإنّ موقف جنبلاط معروف عندما يتعلّق الأمر بأيّ نزاع مع إسرائيل، وهو سيكون دائماً في الموقع الداعم لأيّ فصيل مُقاوم، أكان "حزب الله" أم غيره. ولكن إذا نجحت المُفاوضات الدائرة بين "حماس" والحكومة الإسرائيليّة وانتهت الحرب برعاية مصريّة وقطريّة وأميركيّة، فإنّ هناك بعض علامات الإستفهام بشأن مُقاربة رئيس "التقدميّ" السابق للعلاقة مع "حزب الله".
وقد لا يبدو أنّ جنبلاط سيعود إلى مُخاصمة "حزب الله" بعد انتهاء الحرب لعدّة أسباب منها أنّه يُؤيّد الحوار الوطنيّ برئاسة صديقه وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ما يعني أنّه ليس بوارد التلاقي مع المُعارضة في التصويت لرئيسٍ لا يُشارك "الثنائيّ الشيعيّ" في انتخابه، وهو أساساً على خلاف مع "القوّات" لأنّها تقف عائقاً أمام إجراء تشاور بين كافة الكتل للتوافق على مرشّح وإنهاء الفراغ الرئاسيّ.
ثانيّاً من خلال الحوار، فإنّ جنبلاط يُريد إنجاح تسويّة تُريح كافة الأفرقاء لأنّ من شأن هذا الأمر أنّ يُعيد الإستقرار السياسيّ إلى البلاد للإنطلاق نحو مُعالجة المشكلات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة. كذلك، فإنّ "وليد بيك" سينتهج سياسة هادئة بعيدة عن إستفزاز أيّ طرفٍ وخصوصاً المُكوّن الشيعيّ كيّ لا تكون البلاد عرضة لأيّ خضّة أمنيّة في الشارع، في ظلّ رغبة المُعارضة بُمعالجة موضوع السلاح غير الشرعيّ وتطبيق القرارات الدوليّة الضاغطة على "المُقاومة".
ويعتبر جنبلاط الذي يُعرف بانه أبرز المنادين بالتسويات أنّ أيّ توافق داخليّ بين أغلبيّة الأفرقاء سيُدخل لبنان في استقرار سياسيّ لمدّة مقبولة من الزمن. ولن يُبدلّ رئيس "التقدميّ" السابق دعمه لـ"حزب الله" في أوقات الحرب، وسيستغلّ موضوع سلاح "المُقاومة" في أيّ إنتخابات إنّ كان هذا الأمر يحفظ له المقاعد الدرزيّة الخاصة بـ"اللقاء الديمقراطيّ"، أو قد يدخل في تحالف مع "الثنائيّ الشيعيّ" إنّ دعت الحاجة السياسيّة إلى ذلك، كما حصل في العام 2005.
ولأنّ جنبلاط من أبرز المراقبين للوضع في المنطقة وسط التقارب العربيّ من إيران ودمشق، وتمدّد طهران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وقيادتها "محور المُقاومة" الذي يرى أنّه سيخرج منتصراً من الحرب مع إسرائيل، فمن المتوقّع أنّ يبقى "التقدميّ" بإيعاز من رئيسه التاريخيّ السابق في موقع الوسط، وسيعتبر أنّ موضوع سلاح "المُقاومة" لا يُمكن مُعالجته في لبنان، وإنّما بحاجة لتسوية كبيرة بين إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة إضافة إلى قيام دولة فلسطينيّة وإعادة الأراضي المُحتلّة إلى السيادة اللبنانيّة لإنهاء هذه الإشكاليّة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الم قاومة حزب الله
إقرأ أيضاً:
الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2/2)
لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن "الدعم السريع" منظمة إرهابية حقاً بينما حقيقة إرهابها هي كل ما في جعبتها.
أثار تعيين إعلاميين في كل من سفارة السودان في القاهرة وأديس أبابا مسألة الإعلام في الحرب من أكأب زواياها وهي فقه الوظيفة لا رسالتها. ومن بين رسائل الإعلام دعوة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة تصويب الجهود السياسة والإعلامية ليرى العالم قوات الدعم السريع كما هي في حقيقتها: طاقة إرهابية لا جيشاً في مقابل القوات المسلحة كما طرأ لمجتمع دولي كسير ذابل.
ونواصل حديث الأمس:
من جهة أخرى ليست الحرب القائمة في السودان حرباً لمن أراد الاحتكام إلى قانون الحرب. فقام هذا القانون على افتراض أن الحرب مما يقع بين قوتين عسكريتين، وشدد على المهنية لأنها مدار تقليل فداحة الحرب لا على المدنيين كما ينبغي وحسب، بل حتى على العسكريين أيضاً. فيحكم القانون ضرب حتى الهدف العسكري، ناهيك بالمدني، بضوابط معروفة بالتناسب، فعلى القوة التي انتخبت هدفاً عسكرياً لضربه أن تحسب بدقة قوة النيران الكافية لغرضها لتصيبه بلا تفريط يتعدى الأثر إلى غيره. ويريد القانون بالتناسب أن تصيب هدفك لغرض ساعتك بلا زيادة. وشرط إحسان التناسب هو المهنية. فالقانون يطلبها نصاً بقوله إن على المتحاربين أن يكونوا على قدر كبير من التدريب في الفن العسكري ليحسنوا إدارة عملية ضرب الأهداف بتناسب. وينوه بأن تتمتع الأطراف المتحاربة باستخبارات ذكية تقع على الهدف العسكري بمهنية لا رجماً. بل شدد القانون على هذا التدريب نفسه ليحول دون السرقة والنهب في الحرب، فما وقع النهب والسلب، في قول التقرير، حتى دل ذلك على بؤس في تدريب القوة العسكرية المعنية وضعف قادتها الذين ينتهزون سانحة الفوضى العاقبة للمعارك فتمتد يدهم إلى أشياء من لا حول لهم لردهم.
فلم نرَ هذه المهنية في "الدعم" لنعدهم قوة محاربة ينطبق عليها قانون الحرب، فأول ما ينقصه هو سلسلة القيادة التي تضبط إدارته، ويشاهد السودانيون منذ الحرب فيديوهات فيها بيان كافٍ عن انحلال تلك السلسلة، ولكنهم يصرفونها كـ"هرج جاهلين" بينما هي بينة مرموقة على الطبيعة المليشياوية لـ"الدعم السريع".
فيظهر أي جندي منهم بحديث مباشر للقائد محمد حمدان دقلو يبثه شكواه واحتجاجه، بل وخطته المثلى لإدارة الحرب. فتسمع ممن يريده تغيير وجهة الحرب من الخرطوم إلى ولاية النيل والشمالية، أو من يبث شكواه عن إهمالهم حتى إنهم يعالجون جرحاهم من المعارك على حسابهم. ويشتكي آخر في معركة الخرطوم أن عربات السلاح لم تدخل المعركة لأنها بطرف قادتهم الذين هم بين أزواجهم في دور غيرهم. بل اشتكى أحدهم للقائد حميدتي من سوء توزيع العربات القتالية. فهي في قوله راكزة في الصحراء بكبار القادة يسفيها الرمل بينما كانت الحاجة إليها ماسة في الخرطوم. وكان من رأيه أن تكون في طريقها لاحتلال بورتسودان مقر حكومة الفلول بدلاً من ضلالها عن الحرب في الخلاء، بل زاد قائلاً إن هذه الحرب في "دار صباح" (وهي لغة في الشرق عند أهل الغرب في السودان) داخلتها "ملعوبية" من الفلول الكيزان.
وجاء آخر بفيديو غاضب موجه للقائد دقلو إثر هزيمة قواتهم من الخرطوم. قال إنهم لم يجدوا معهم في ميدان القتال سوى لواءين بالاسم، أما الآخرون فغابوا بسياراتهم والذخائر التي نفدت بين أيديهم ولم يجدوا مدداً. وقال لحميدتي إنه قائم بالأمر كما ينبغي ولو نقصت فالكمال لله، وقال إنهم لم يجدوا من يمدهم بالسلاح أو الذخيرة في حر المعركة، ولم يشوش أحد على مسيرات الجيش التي قرضت الناس، واشتكى غياب السيارات ذات المدافع عن المعركة لأنها بيد قادة فضلوا أن يلازموا بيوتهم الجديدة في حي المنشية الراقي بالخرطوم.
وتجد في هذه الفيديوهات من يعبر عن قبيلته صريحاً مقابل قبيلة أخرى وبخاصة ما كان بين قبيلة المسيرية (كردفان) والماهرية (دارفور)، فقال أحدهم إنه من الفرقة 40، فرقة الجنرال جلحة، الذي كانت قتلته القوات المسلحة قبل شهرين أو نحوه، وهي فرقة مسيرية خالصة. وبدا أن المتهمين بالاستفراد بالسيارات هم من الماهرية. فقال الدعامي المسيري إن هذه السيارات للدواس ولا سبب لتكون في غير ميدانها الذي راح ضحيته منهم بالنتيجة 52 قتيلاً. وجاء بأسماء قادتهم ممن لقوا حتفهم. وقال إنهم لم ينسحبوا من كوبري المنشية بالخرطوم إلا بعد إطلاق آخر رصاصة بجعبتهم. ولم يتورع من القول إن هزيمتهم ثمرة خيانة. فوراؤها "لعبة" بينما هم أهل قضية.
وفي إشارة إلى استقلالهم كمسيرية في "الدعم السريع" قال إن فرقتهم خسرت سبع عربات في المعركة وهي ملك للفرقة 40 لا لـ"الدعم السريع". وبدا للرجل كأن القتال صار على مثلهم لا غيرهم، وبدا كمن يقول إن شعب المسيرية هو من وقع عليه القتال بينما توارى آخرون، وربما قصد جماعة الماهرية الذين هم من خاصة أهل حميدتي. وتكررت الشكوى من اعتزالهم القتال وتمتعهم بما وقع لهم من حظ منه.
من الصعب بالطبع وصف هذه العلاقة بين الجند الدعامة والقيادة بأنها مما يستأهل به "الدعم السريع" أن يكون قوة عسكرية مما رأينا اشتراطاتها في قانون الحرب. فليس بينهم وبين قيادتهم "ضبط وربط" الذي هو ميسم المهنية. فبدا أن لكل دعامي خطة الحرب غير ما اتفق لقيادته، بل ويطلق الواحد منهم لسانه على الملأ عن "ملعوبية" في الحرب أوردتهم موارد التهلكة. وعلى هذا فالقول إن حرب السودان هي بين قوتين عسكريتين من فضول القول، فبنية "الدعم السريع" خلت من النظامية والمهنية، وبدت كطاقة إرهابية فقط.
مما يسعد أن يستعيد الإعلام موقعين في سفارتين مركزيتين للسودان في القاهرة وأديس أبابا. وليس بشارة أن غلب فقه الوظيفة في تناول هذا التعيين على فقه وظيفة الإعلام لدولة تخوض حرب موت أو حياة في عالم ذابل. ولا من يغالط أن إعلام الحكومة لم ينم تقليداً في المبادأة والطلاقة لأنه ربيب نظم حكم ديكتاتورية طال أمدها. فصار بها بوقاً لحكومة الوقت. واحتاجت حكومة الوقت في يومنا، وفي شرط الحرب، كما لم تحتج حكومة قبلها إلى إعلام بلا ضفاف لإذاعة قضيتها في الحرب برصانة. وسيحتاج إعلامها بهذا إلى الاشتباك مع العالم في منصاته ومعارفه وأعرافه بسرديات مخدومة يخرج به سيفاً لدولة لا بوقاً:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول
ibrahima@missouri.edu