بقلم : محمد نعناع ..

على نطاق واسع هذا العام، يُهنأ الحزب الديمقراطي الكردستاني بمرور ثمانية وسبعون عاماً على تأسيسه تحت مسمى (الحزب الديمقراطي الكوردي) الذي خطه الزعيم التاريخي الاستثنائي ملا مصطفى البارزاني في العام 1946، ثم جاءت ولادة ثانية في العام 1953 ليتغير معها المسمى وتتوسع الطموحات، وصار اسم الحزب الجديد ( الحزب الديمقراطي الكردستاني) وهذا يعني تراكم الآمال نحو كردستان ككيان بدءً من جنوبها، والرمزية التي أضيفت في الولادة الثانية كانت انعقاد المؤتمر الثالث للحزب في مدينة كركوك، وبقدر الأهمية القومية واكتساب هوية كوردستانية صاعدة خلال مسيرة الحزب، فإن مخاوف البارتي ليست مخيفة من عودة التهديدات الوجودية التي عانى منها الكرد خلال 100 عام مرت خلال الاندماج مع الدولة العراقية والتلاحم مع باقي أطياف المجتمع العراقي لمقارعة الديكتاتورية، وإن مشاعر المظلومية نتيجة الاستهداف الممنهج من قبل الأنظمة القمعية لا تزال تغذيها ممارسات سياسية في ظل الديمقراطية الحالية، وهي ديمقراطية هشة برأي الرجل الذي يمسك بزمام الأمور منذ العام 1979، اعني هنا الزعيم مسعود البارازني الذي قدر له أن يكون بوصلة الكرد نحو تحقيق مصالحهم، وهو الذي يشخص المنعطفات التي سيمرون بها، وبدى في المرحلة الأخيرة متشكياً ومتوقعاً مطبات سياسية مصطنعة ستلقى في ملعب إقليم كردستان، ولذلك تعتبر الشكوى المستدامة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني ناقوس خطر يدقه البارتي كلما تحسست مجساسته المتمرسة بوجود انحراف عن مسار الديمقراطية والإتفاقات السياسية، وهذا ما بدى واضحاً قبيل زيارة مسعود بارزاني الأخيرة إلى بغداد، بعد شد وجذب غير مسبوق حول قرارات المحكمة الإتحادية ومسائل الانتخابات في الإقليم، ووصل الأمر إلى تهديد البارتي بعدم الاشتراك بانتخابات الإقليم والانسحاب من العملية السياسية على طريقة التيار الصدري، ليس تخوفاً أو تراجعاً وإنما إظهاراً لنوايا الاخرين المستبطنة في ممارساتهم السياسية المعادية، وهذا ما تكرر في طريقة اختيار محافظ كركوك وباقي المناصب العليا في المحافظة.


ويركز الديمقراطي في هذا السياق على نقطتين:
الأولى: ابتعاد طريقة تشكيل الحكومة المحلية في كركوك عن صيغة التوافق، وهذا مخالف للإتفاقات السياسية التي تشكلت عليها معادلة السلطة الحالية، وعلى أساسها تم إجراء الانتخابات المحلية، فإذا جاز التفرد بالقرار وإقصاء الشركاء في موقع ما، لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد إذا حدث هذا الأمر في مكان أخر كما دلت الوقائع على ذلك، بل ويتم استخدام السلاح والتهديد والوعيد وعقد الصفقات المريبة في الغرف المظلمة وفي أجواء مشبوهة لإفشال خطوة سياسية في إطار الدستور والتشريعات النافذة وضمن الإتفاقات السياسية، فلماذا هذه الازدواجية؟! ولماذا يستبعد الديمقراطي الكردستاني عن شأن يخصه، والعملية السياسية لم تنتقل بعد خارج السياقات التوافقية والاسترضائية.
الثانية: ربما بشكل غير مباشر، ينظر الديمقراطي الكردستاني إلى أن الطريقة التي جرى على أساسها تشكيل الحكومة المحلية في كركوك تمثل ازدياداً في نفوذ جماعات تستهدف إضعاف الديمقراطي الكردستاني، بل وتفكيك الإقليم، وإنتاج حالة سياسية خاضغة لنفوذ إقليمي، وهذا يمثل خطراً وجودياً على الهوية الكوردستانية، وبالنتيجة فإن هذه الطريقة وتلك الممارسات المريبة تجعل من العراق ساحة لنفوذ القوى الإقليمية والدولية.
إن مشاعر الامتعاض السائد في إقليم كردستان، وبشكل أشد داخل أوساط الديمقراطي الكردستاني مرشحة للتصاعد لإسباب عدة، منها: وجود استراتيجيات من داخل العراق وخارجه لتمزيق إقليم كردستان، ويتماهي مع هذه الاستراتيجيات العديد من الفعاليات السياسية داخل الإقليم لدواعي نفعية، كما إن صياغة مقاربات سياسية فئوية مصلحية تفارق في واقعها المصلحة العامة الكوردية ستكون بالضرورة عامل سلبي يهدد معادلة الاستقرار التي وحدها تخدم نمو الفعل السياسي نحو الأفضل.
أما ما يترتب على الديمقراطي الكردستاني في هذه المرحلة لتجاوز انزلاق الأوضاع في الإقليم وخارجه فتتمثل في أمرين، الأول: أن يكون مؤثراً في طاولة الحوار الإتحادية، وأن يسلك ممثلوه في هذه الطاولة الطرق السياسية المحترفة الضامنة لتفيذ الإتفاقات السياسية، والثاني: أن ينجح ممثلوه التنفيذيين في مهامهم الخدمية وما شابهها، فإن في ذلك إعادة للأمور إلى نصابها.

د. محمد نعناع

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الدیمقراطی الکردستانی الحزب الدیمقراطی

إقرأ أيضاً:

التحول الديمقراطي – الأمل وعقبة إقصاء الإسلاميين في سياق المواطنة

التحول الديمقراطي في السودان وإقصاء الإسلاميين ربح مؤقت أم خسارة طويلة الأمد؟ قد يكون هذا التساؤل مطروح لدي مجموعة من المثقفين في هذه الأيام , و يشهد السودان منذ عقود طويلة صراعًا سياسيًا حادًا، لم تقتصر محاوره على تقلبات السلطة فحسب، بل تعدته إلى صراع أيديولوجي عميق، بين مختلف التيارات الفكرية والفاعلين السياسيين. من بين هؤلاء، كان الإسلاميون لاعبًا رئيسيًا في التجارب السياسية المتتالية، سواء خلال حقب الحكم العسكري أو في الحكومات المدنية الانتقالية. لكن بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، جاءت مرحلة جديدة اتسمت برغبة عارمة في إقصاء الإسلاميين من المشاركة السياسية، ما أدى إلى وضع معقد، يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإقصاء قد أتى بثماره، أم أنه مهد لصراعات جديدة.
البناء الديمقراطي والإقصاء , ربح على المدى القصير أم تحديات طويلة الأمد؟
تجربة التحول الديمقراطي في السودان تمثلت في محاولة جادة لتأسيس نظام حكم ديمقراطي يقطع مع التجارب العسكرية والتسلطية التي استمرت لعقود. إحدى الخصائص البارزة في هذه التجربة كانت إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي بعد الثورة. فرغم مشاركتهم الواسعة في الحكم لعدة سنوات، تم استبعادهم بشكل كامل من العملية السياسية في محاولة لإعادة بناء الدولة بشكل ديمقراطي شامل.
ولكن هل كان هذا الإقصاء خيارًا حكيمًا؟ على المدى القصير، قد يبدو أن إقصاء الإسلاميين خفف من تأثيرهم السياسي ومنعهم من العودة إلى السلطة، خصوصًا بعد عقود من التسلط الذي مارسه نظام البشير. هذا الإبعاد عن الساحة منح الحكومة الانتقالية، بدعم من قوى الحرية والتغيير، فرصة للتفاوض مع الحركات المسلحة والفاعلين الآخرين من أجل بناء نظام سياسي جديد.
الصراعات الهوائية والمستقبل المجهول
على الرغم من أن السودان سعى لتحقيق انتقال سياسي ديمقراطي، إلا أن إقصاء الإسلاميين تسبب في خلق فراغ سياسي واجتماعي قد يعود بالسلب على عملية التحول. فإقصاء فصيل سياسي بحجم وتأثير الإسلاميين قد يؤدي إلى تحفيز الصراع، وليس حله. الإسلاميون، بتياراتهم المختلفة، ما زالوا يمثلون جزءًا كبيرًا من التركيبة السياسية والمجتمعية في السودان، ولا يمكن تجاهل تأثيرهم العميق على الشارع السوداني.
يبدو أن البعض داخل السودان قد تصور أن الديمقراطية يمكن أن تُبنى فقط عن طريق استبعاد فصيل بعينه، متجاهلين أن الديمقراطية الحقيقية تقوم على الحوار والمشاركة بين جميع الأطراف، بما في ذلك من يختلفون فكريًا وأيديولوجيًا. ما يحدث في السودان الآن هو محاولة لخلق نظام جديد بدون إشراك الإسلاميين، وهذا ربما خلق حالة من التوتر والاحتقان، وهو ما يمكن تسميته بـ"الصراعات الهوائية" التي تنمو دون وجود حلول واقعية على الأرض.
الإسلاميون بين التهميش والانكفاء
الإسلاميون اليوم يعيشون حالة من التهميش السياسي، في مشهد يُنظر إليه على أنه عقاب لتاريخ طويل من الحكم القمعي والفشل في إدارة الدولة. لكن استبعادهم لم يقتصر على التمثيل السياسي فقط، بل تعدى ذلك إلى محاولات منعهم من التأثير الاجتماعي والثقافي، ما أدى إلى شعور بالإقصاء الجماعي.
الجدل حول هذا الإقصاء يتركز على مدى تأثيره على استقرار السودان ومستقبله. في ظل غياب الإسلاميين عن المشهد، أصبح هناك فراغ سياسي قد يملأه أطراف أخرى، ليس بالضرورة أكثر اعتدالًا أو توافقًا. فالاحتقان السياسي في السودان لا يزال قويًا، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة قد تزيد من تعقيد الموقف وتعمق الفجوة بين الفصائل السياسية.
الإسلاميون، رغم الإقصاء، لا يزالون يحتفظون بقاعدة شعبية كبيرة، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة. ولذلك، من المرجح أن يؤدي تهميشهم السياسي إلى ظهور حركات احتجاجية أو مقاومة من شأنها أن تعرقل عملية التحول الديمقراطي. هذه المقاومة قد تتخذ أشكالاً متعددة، منها العودة إلى العمل السياسي السري، أو التحول إلى العنف في أسوأ السيناريوهات.
وهل يمكن تحقيق الديمقراطية دون الإسلاميين؟ , ان هذه النقطة الجوهرية التي يجب أن تُطرح هي: هل يمكن للسودان أن يبني نظامًا ديمقراطيًا مستدامًا في ظل غياب الإسلاميين؟ السؤال هنا ليس مجرد تساؤل نظري، بل هو سؤال عملي يتصل بمستقبل البلاد واستقرارها. الديمقراطية هي نظام يقوم على المشاركة والتمثيل الشامل لمختلف القوى والتيارات. ولذلك، فإن إقصاء أي فصيل كبير من هذه العملية، سواء كان إسلاميًا أو غيره، يحمل في طياته مخاطر كبرى.
منع الإسلاميين من المشاركة في بناء الديمقراطية قد يُعتبر خطوة ضرورية لبعض الوقت من أجل تحقيق الاستقرار، ولكن على المدى الطويل، قد يؤدي هذا إلى إضعاف شرعية النظام الجديد وتعميق الانقسامات السياسية. تجربة السودان الطويلة مع الأنظمة العسكرية والمدنية تُظهر أن الصراع السياسي والإقصاء المستمر يولدان المزيد من الفوضى والانقسام.
مستقبل السودان في ظل الصراعات الحالية
في ظل استمرار الحرب في مناطق النزاع، وتدهور الوضع الاقتصادي، وعدم وجود رؤية واضحة لتحقيق انتخابات ديمقراطية، يبدو أن السودان في طريقه إلى مواجهة المزيد من التحديات. الشعب السوداني الذي طمح في بناء نظام ديمقراطي شامل يشعر الآن بالإحباط، حيث تتلاشى آماله في رؤية تحول ديمقراطي حقيقي في المستقبل القريب.
الانتخابات، التي كانت تعتبر الخطوة الأولى نحو الديمقراطية، قد لا تحدث قريبًا، بل وربما يتم تأجيلها بشكل متكرر نتيجة الصراعات السياسية والتوترات بين القوى المختلفة. وإذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فإن السودان قد يجد نفسه في حالة من الانقسام الدائم، حيث تتلاشى فرص بناء دولة مستقرة على أسس ديمقراطية.
والامر المهم الان هو أن السودان بين الإقصاء والشمولية , السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: هل ربح السودان من إقصاء الإسلاميين من التحول الديمقراطي؟ الإجابة تعتمد على النظرة بعيدة المدى. على المدى القصير، قد يُعتبر هذا الإقصاء ربحًا سياسيًا في سبيل تجنب العودة إلى الماضي، ولكن على المدى الطويل، قد يتسبب في نشوء صراعات جديدة تعيق بناء الديمقراطية.
الحل الأمثل للسودان، كما يبدو، يكمن في تحقيق شمولية سياسية تتيح للجميع المشاركة في بناء الوطن، بعيدًا عن الإقصاء والتهميش. الديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع، بل هي نظام يقوم على التفاوض والقبول بالآخر، حتى وإن كان الاختلاف الأيديولوجي والسياسي جوهريًا. فقط من خلال هذا المسار يمكن للسودان أن يخرج من دوامة الصراع ويبدأ في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدلاً.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • كتلة الديمقراطي الكوردستاني تنفي تأييد رئيس الإقليم لتعديل قانون الأحوال الشخصية: استنتاج خاطئ
  • الديمقراطي الكوردستاني: ندعو لحملة انتخابية ديمقراطية ونرفض التسقيط السياسي
  • خلال اجتماع.. الأمن المصري يعتقل 3 من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي
  • الكشف عن ابرز الملفات التي حسمها وفد الحكومة الاتحادية خلال زيارة الإقليم - عاجل
  • الدخول في عملية سياسية تشمل القوى السياسية الوطنية عدا المؤتمر الوطني وواجهاته!
  • تحصينُ الانتقالِ المدنيِّ والتحوُّلِ الديمقراطيِّ القادمِ في السودان عبر “بَصِيرَة”، “عِزْوَة” و”تَاوِق”
  • التحول الديمقراطي – الأمل وعقبة إقصاء الإسلاميين في سياق المواطنة
  • دول وسط أوروبا تتأهب لأمطار غزيرة ومخاوف من تكرار "فيضانات القرن"
  • الأحرار يشيد بالنتائج التي حققها في الإنتخابات الجزئية الأخيرة
  • الأحرار “يقطر الشمع” على البيجيدي: مناقشة قضايا الأمة تحتاج إلى مستوى عال من الأخلاق السياسية